كيفية السعي إلى الحق (13)

الممارسة الأولى للسعي إلى الحقّ: التخلي

منذ فترة من الوقت ونحن نقدم شركة حول موضوع "التخلي" في "كيفية السعي إلى الحق". هل فكرتم في الجوانب المختلفة التي ينطوي عليها هذا الموضوع؟ فيما يتعلق بالأمور التي قدمنا حولها شركة، والتي يحتاج الناس إلى التخلي عنها، هل من السهل على الناس التخلي عنها؟ هل فكرتم وتأملتم في أنفسكم بعد الاستماع إلى الشركات بناءً على محتواها؟ هل عقدتم أي مقارنات بين هذا المحتوى وبين ما يتدفق منكم وما تظهرونه في الحياة اليومية؟ (عادة ما أولي الأمر قدرًا من التفكير. في المرة الأخيرة التي قدم الله فيها شركة عن التخلي عن التأثيرات التكييفية التي تمارسها العائلة علينا، أدركت أنني في حياتي عادةً ما كنت أتمسك بهذه الفلسفات الشيطانية في التعاملات الدنيوية، مثل مقولة "يحتاج الناس إلى كبريائهم مثلما تحتاج الشجرة إلى لحائها"، التي غرستها عائلتي فيَّ. وبعد أن تقبلت هذه الأفكار، أصبحت أهتم بالكرامة والمكانة في كل ما أفعله، خشيةً من فقدان ماء الوجه، ولم أستطع أن أكون إنسانًا صادقًا). كل هذا المحتوى الذي قدمنا شركة حوله فيما يتعلق بالتخلي عن مختلف الأشياء، يتناول بشكل أساسي أفكار الناس وآراءهم في مختلف الأمور. ومن خلال كشف أفكار الناس وآرائهم غير الصحيحة بشأن هذه الأمور، يمكن لهم أن يميزوها ويعرفوها بوضوح، ومن ثم يتمكنون من التخلي عنها بطريقة إيجابية وعدم التقيد بها. أهم شيء هو ألا يتقيد المرء بهذه الأفكار والآراء، بل أن يكون قادرًا على العيش والوجود من خلال تبني كلام الله والحق معيارًا له. إذا أراد الناس الدخول إلى واقع الحقائق المختلفة، فيجب أن تكون لديهم معرفة واختبار من جميع المنظورات. ويجب على وجه الخصوص أن يكون لديهم فهم واضح للأفكار والآراء السلبية وغير الإيجابية حول مختلف الأشياء، فهم لن يتمكنوا من التخلي عنها بشكل استباقي وألا يعودوا مضلَّلين ومقيدين بها إلا عندما يكون لديهم تمييز لها. لذلك، من أجل الدخول في واقع الحقائق المختلفة وتحقيق نتيجة السعي إلى الحق، يجب على الناس في كثير من الأحيان أن يتأملوا في ذواتهم ويفكروا في كيف أنَّ مختلف الأفكار والآراء تقيدهم في الحياة اليومية وتتحكم فيهم، أو أن يحاولوا في كثير من الأحيان معرفة الأفكار والآراء التي يحملونها عن مختلف الأشياء في الحياة اليومية، وتمييز ما إذا كانت هذه الأفكار والآراء صحيحة ومتسقة مع الحق أم لا، وما إذا كانت إيجابية وتأتي من الله، أو ما إذا كانت تأتي من مقاصد الإنسان أو الشيطان. هذا درس مهم للغاية، وهو جانب من الواقع يجب على الناس أن يدخلوا فيه كل يوم في حياتهم اليومية. معنى هذا أنه في الحياة اليومية، بغض النظر عما إذا كنتم تواجهون أشخاصًا وأمورًا وأشياء مختلفة أم لا، فإنه يجب عليكم دائمًا فحص الأفكار والآراء التي تحملونها، وما إذا كانت هذه الأفكار والآراء صحيحة ومتسقة مع الحق؛ هذا درس مهم للغاية. بعيدًا عن الوقت العادي الذي تقضيه في أداء واجباتك في حياتك اليومية، يجب أن يشغل دخولك في هذا الجانب 80 إلى 90 بالمئة من حياتك. وبهذه الطريقة وحدها يمكنك أن تأمل في التخلص من جميع أنواع الأفكار والآراء عن الأشياء السلبية، والدخول إلى واقع الحق. قد يقال أيضًا إنه لا يمكن أن يكون لديك أمل إلا عندما ترى الناس والأشياء وتتصرف وتفعل وفقًا لكلام الله بحيث يكون الحق معيارًا لك؛ عندئذٍ فقط يمكنك أن تأمل في نيل الخلاص في النهاية. في حياتك اليومية، إذا كان ذهنك خارج الوقت العادي الذي تقضيه في أداء واجباتك فارغًا في ثمانين إلى تسعين بالمئة من الوقت المتبقي، أو إذا كنت لا تفكر وتتأمل سوى في حياتك الجسدية ومكانتك وسمعتك فلن يكون من السهل عليك الدخول إلى واقع الحق، ولا تحقيق نتيجة السعي إلى الحق. إذا لم يكن من السهل عليك تحقيق أي من هذين الأمرين، فستكون فرصك في نيل الخلاص ضئيلة للغاية. علام إذن يعتمد نيل الخلاص؟ من ناحية، يعتمد على كيفية عمل الله وما إذا كان الروح القدس يعمل فيك؛ ومن ناحية أخرى، يعتمد على اجتهادك الشخصي، ومقدار الثمن الذي تدفعه، ومقدار الطاقة والوقت اللذين تنفقهما في السعي إلى الحق وتحقيق الخلاص. إذا كان ما تفكر فيه معظم الوقت وتفعله لا علاقة بينه وبين السعي إلى الحق، فإن ما تفعله لا علاقة له بالخلاص: هذه حقيقة حتمية ونتيجة حتمية. إذن، ما الذي يجب عليكم أن تفعلوه من الآن فصاعدًا؟ أحد الجوانب هو أنه يجب عليكم أن تتابعوا عن كثب كل موضوع تُقدَّم حوله شركة، ثم بعد ذلك تحاولوا أن تبادروا إلى التأمل في الموضوع وفهمه، أي حالما ننتهي من موضوع ما، عليك أن تضرب الحديد وهو ساخن بالتأمل في ذاتك، حتى تحقق معرفة حقيقية ودقيقة وتوبة صادقة. إن الغرض من أن تكون قادرًا على معرفة هذا الجانب من الحق في أقرب وقت ممكن بعد أن ننتهي من الشركة حوله، أو بعد أن تكون قد فهمت جزءًا مما قدمنا شركة حوله، هو السماح لك بأن يكون لديك الوعي الأساسي في أفكارك وآرائك، حتى يتسنى لك – عندما تواجه لاحقًا الأمور ذات الصلة في الحياة اليومية – أن تصبح معرفتك وفهمك السابقين لمبادئ الحق هي الأفكار والآراء الأساسية التي توجه اختبارك لهذا الأمر. على أقل تقدير، بمجرد أن تكتسب وعيًا ومعرفة دقيقة وصحيحة، سيكون موقفك وفهمك فيما يتعلق بهذا الأمر إيجابيًا واستباقيًا. وهذا يعني أنه قبل وقوع هذا الحدث، ستكون قد تحصنت بالفعل ولديك درجة معينة من المناعة، بحيث عندما يحدث بالفعل، ستقل فرصك في الإخفاق، كما ستقل احتمالية خيانتك لله، وستزداد احتمالية دخولك إلى واقع الحق بشكل كبير. إنه تمامًا مثل حدوث جائحة: إذا لم تتلق اللقاح، فكل ما يمكنك فعله هو أن تلزم المنزل وألا تغادره، مما يقلل من خطر الإصابة بالعدوى إلى الصفر. لكن إذا خرجتَ وتجولت، واحتككتَ بالعالم الخارجي، فيجب أن تأخذ اللقاح. هل يلغي هذا اللقاح احتمالية الإصابة بالعدوى؟ لا، لا يلغيها، لكنه يقلل من احتمالية الإصابة بالعدوى. يكفي أنك ستحصل على أجسام مضادة. تبدأ عملية السعي إلى الحق بمعرفة الحقائق المختلفة. إذا كنت تعرف عبارات ومبادئ صحيحة وإيجابية من داخل الحقائق المختلفة، ولديك أيضًا في الوقت نفسه معرفة معينة بمختلف الأفكار والآراء السلبية والسيئة التي تكشف عنها كل حقيقة، فإنه متى ما تكرر وقوع حدث مماثل، لن تعود اختياراتك مبنية على معايير الأفكار والآراء السلبية والسيئة التي غرسها الشيطان فيك، ولن يعود لديك موقف يتشبث بمثل هذه الأفكار والآراء. وعلى الرغم من أنك في هذه المرحلة لم تدخل بعد في هذا الجانب من واقع الحق وقد تكون آراؤك محايدة، ستكون لديك بعد قبولك لهذه الأفكار والآراء الإيجابية معرفة معينة بالأفكار والآراء السلبية، بحيث عندما تواجه أمرًا مشابهًا في المستقبل، ستكون – على أقل تقدير – قادرًا على التمييز بين الأفكار والآراء الإيجابية والسلبية التي تتعلق بهذا النوع من الأمور، وستكون لديك معايير معينة للتعامل معه. وبناءً على هذه المعايير، فإنَّ الأشخاص الذين يحبون الحق ولديهم إنسانية عادةً ما يكونون أكثر ميلًا إلى ممارسة الحق ورؤية الناس والأشياء والتصرف والفعل وفقًا لمعيار الحق. سيساعدك هذا كثيرًا إلى حدٍ ما على الدخول إلى واقع الحق والممارسة وفقًا لمبادئ الحق، والخضوع لله وفقًا لمتطلباته، وقبول الناس والأمور والأشياء التي يرتبها الله لك. من وجهة النظر هذه، هل يمكن القول إنه كلما زادت الحقائق التي يفهمها الشخص، زادت احتمالية دخوله إلى واقع الحق، وكلما زاد فهمه للأمور السلبية بشكل أكثر شمولاً، زادت احتمالية تمرده على هذه الأمور السلبية؟ (نعم، يمكن قول ذلك). لذلك، بغض النظر عما إذا كنت راغبًا في السعي إلى الحق أم لا، أو ما إذا كنت قد اتخذت قرارًا بالسعي إلى الحق أم لا، أو ما إذا كنت على طريق السعي إلى الحق أم لا، ومهما يكن مستوى قدرتك أو كيفية استيعابك للحق، فباختصار، من الضروري أن يميز الناس كل أنواع الأمور السلبية ويفهموها إذا أرادوا السعي إلى الحق، وإذا أرادوا فهم معايير الحق، وممارسة الحق والدخول فيه. هذه هي المتطلبات الأساسية للسعي إلى الحق والدخول إلى واقع الحق.

بعض الناس لا يفهمون الحق، وعندما يتعلق الأمر بالموضوعات المختلفة التي نقدم حولها شركة الآن، يشعرون دائمًا: "لم أفكر أبدًا في هذه الموضوعات، ولم أختبرها. لا أستطيع أن أرى العلاقة بين ما تقوله عن هذه الموضوعات وبين مشكلاتي المختلفة، وشخصياتي الفاسدة، وتدفقات الفساد، فما علاقة حديثك عن هذه الموضوعات بسعيي إلى الحق؟ لا يبدو أن لها علاقة كبيرة على الإطلاق بدخولي إلى واقع الحق، أليس كذلك؟ لماذا لا تتحدث عن بعض الموضوعات السامية والعميقة التي تتعلق بالدخول الإيجابي للناس؟ لماذا تكشف دائمًا هذه الأمور التافهة السلبية الموجودة في الحياة اليومية"؟ هل هذا الرأي صحيح أم خاطئ؟ (خاطئ). إنَّ الناس الذين لديهم هذه الأفكار متى ما سمعوا عن مثل هذه الأمور التافهة الموجودة في الحياة اليومية، ولا سيما عندما تُقدَّم بعض الأمثلة على هذه الأمور، يشعرون بالاشمئزاز ولا يريدون الاستماع. هم يفكرون: "هذا المحتوى عادي وسطحي للغاية. ما من شيء فخم بشأن هذا، إنه بسيط للغاية. إنني أفهمه على الفور حالما أستمع إليه. إنه سهل للغاية. لا ينبغي أن يكون الحق هكذا، يجب أن يكون أكثر عمقًا من هذا، ويحتاج الناس إلى الاستماع إليه عدة مرات قبل أن يتمكنوا من فهمه وتذكر جملة أو جملتين منه. ما تتحدث عنه الآن هو أمور تافهة من الحياة اليومية، وبعض مظاهر الإنسانية الطبيعية في الحياة اليومية. أليس هذا سطحيًا بعض الشيء بالنسبة إلينا؟". هل تعتقد أن الأشخاص الذين يحملون هذه الآراء على صواب في تفكيرهم؟ (لا، إنهم مخطئون). لماذا هم مخطئون؟ ما الخطأ فيهم؟ أولاً وقبل كل شيء، هل أفكار الناس وآراؤهم منفصلة عن حياتهم اليومية؟ (لا، ليست منفصلة). هل مظاهرهم المختلفة ومواقفهم منفصلة عن حياتهم اليومية؟ (لا، ليست منفصلة). لا، لا تنفصل أي من هذه الأشياء. شخصيات الناس الفاسدة وخواطرهم وآراؤهم وأفكارهم ومقاصدهم فيما يتعلق بمختلف الأمور، وطرقهم المحددة في القيام بالأشياء، وكذلك الخواطر والأفكار التي تنبثق من أذهانهم، كلها لا تنفصل عن مختلف مظاهرهم وتدفقاتهم في الحياة اليومية. علاوةً على ذلك، فإن مختلف هذه المظاهر والتدفقات في الحياة اليومية، وكذلك خواطر الناس وآراؤهم ومواقفهم تجاه مختلف الأمور التي تصيبهم، هي أمور أكثر تحديدًا تتعلق بشخصيات الناس الفاسدة. إن الغرض من السعي إلى الحق هو تغيير أفكار الناس وآرائهم الخاطئة، وأن يتخلص الناس من شخصياتهم الفاسدة، ومن تمردهم وخيانتهم للحق ولله، وكذلك جوهر طبيعتهم المعارض لله، وذلك من خلال تغيير أفكار الناس وآرائهم، ومن خلال تغيير مواقفهم تجاه جميع أنواع الناس والأمور والأشياء. وهكذا، إذا كنت تريد أن تسعى إلى الحق، أليس من الضروري للغاية أن تتخلص من مختلف أفكارك وآرائك الخاطئة في الحياة اليومية وتغيرها؟ أليس هذا هو أهم شيء؟ (بلى، هو كذلك). لذلك، لا تتحل بذهنية متمردة بشأن الأشياء التي أتحدث عنها مهما بدت سطحية أو اعتيادية. ليست هذه الأشياء قليلة الأهمية بالتأكيد، فهي تشغل قلبك وعقلك، وتسيطر على أفكارك وآرائك بشأن كل ما تواجهه من الأشخاص والأمور والأشياء. إذا لم تغير هذه الأفكار والآراء الخاطئة الموجودة في الحياة اليومية أو تتخلص منها، فسيكون ادعاءك بأنك تقبل الحق وتملك واقع الحق مجرد كلمات فارغة. الأمر يشبه عندما تكون مصابًا بالسرطان: لا بد أن يُعالَج بشكل استباقي. بغض النظر عن العضو الذي توجد فيه الخلايا السرطانية، سواء كانت في دمك أو على جلدك، أو سواء كانت على السطح أو مختبئة في الأعماق، يكفي أن نقول إن أول ما يجب التعامل معه هو الخلايا السرطانية الموجودة في جسمك. لا يمكن امتصاص العناصر الغذائية المختلفة التي تتناولها وأن تعمل بداخلك إلا بعد التخلص من الخلايا السرطانية. وبهذه الطريقة، يمكن لجميع أعضاء جسمك بعد ذلك أن تعمل بشكل طبيعي. وسيصبح جسمك صحيًا وطبيعيًا بدرجة أكبر بمجرد القضاء على المرض. ومثل هؤلاء الأشخاص يُشفون تمامًا من المرض. إن سعي الناس إلى الحق هو عملية التخلص من الشخصيات الفاسدة، وهو أيضًا عملية الدخول إلى واقع الحق. عملية التخلص من الشخصيات الفاسدة هي عملية تغيير الناس لأنفسهم وتخليصهم لأنفسهم من مختلف الأفكار والآراء الخاطئة والسلبية. إنها أيضًا عملية تجهيز الناس أنفسهم بمختلف الأفكار والآراء الصحيحة والإيجابية. ما هي الأفكار والآراء الإيجابية؟ إنها الأشياء التي تنطوي على واقع الحق ومبادئه ومعاييره. من أجل الدخول إلى واقع الحق، يجب على الناس تشريح مختلف أفكارهم ووجهات نظرهم الخاطئة حول الحياة والبقاء والتعامل مع الآخرين وفهمها واحدة تلو الأخرى من خلال طلب الحق، ثم علاجها والتخلص منها واحدة تلو الأخرى. إن السعي إلى الحق باختصار يتعلق بجعل الناس يتخلّصون من جميع أفكارهم وآرائهم الخاطئة وغير الصحيحة، وأن تكون لديهم أفكار وآراء صحيحة فيما يتعلق بجميع أنواع الأشياء، والأفكار والآراء التي تتماشى مع مبادئ الحق. وبهذه الطريقة وحدها يمكن للناس أن يحققوا هدف رؤية الناس والأشياء والتصرف والفعل، وفقًا لكلام الله بحيث يكون الحق معيارًا لهم. هذه هي النتيجة النهائية التي يحققها الناس من خلال السعي إلى الحق، وهي أيضًا واقع الحق الذي يمكن للناس أن يعيشوه أخيرًا بعد نيل الخلاص. هل تفهمون هذا؟ (نعم).

ثانيًا: تخلي الناس عن مساعيهم وتطلعاتهم ورغباتهم

ج. تخلي المرء عن المساعي والتطلعات والرغبات التي تنشأ من عائلته

عقدنا في الاجتماع الأخير شركة حول موضوع "التخلي" فيما يتعلق بالعائلة. عمَّ كانت شركتنا في المرة السابقة بخصوص موضوع العائلة؟ (لقد قدمنا شركة حول المضايقات والعوائق التي تضعها العائلة في طريق سعينا إلى الحق، وكذلك ما هي المساعي والتطلعات والرغبات التي يجب أن نتخلى عنها فيما يتعلق بمسألة العائلة. ذكر الله أمرين، أحدهما أن نتخلى عن الهوية التي نرثها من عائلتنا، والآخر أن نتخلى عن التأثيرات التكييفية التي تضعها العائلة علينا). كان هذان هما الأمران بالفعل. الأول هو التخلي عن الهوية التي يرثها المرء من عائلته. هل تعرفون ما مبادئ الحق التي يجب أن يفهمها الناس في هذا الصدد؟ بعد الاستماع إلى شركاتي، هل تعرفون كيف تلخصون الأشياء بأنفسكم إذا لم أقدم ملخصًا محددًا؟ بعد أن قدمت شركة حول هذه الأمور وتفاصيلها المحددة، هل لخصتُم المبادئ المتضمنة التي ينبغي أن يلتزم الناس بها فيما يتعلق بهذا الجانب من جوانب الحق؟ إذا كنت تعرف كيفية تلخيصها، فستتمكن من تطبيقها، وإذا كنت لا تعرف كيف تلخصها، وتكتفي ببعض النقاط المتفرقة من النور، ولا تعرف ما مبادئ الحق التي تنطوي عليها، فلن تتمكن من تطبيقها. إذا لم تعرف كيفية تطبيقها، فلن تدخل أبدًا في هذا الجانب من واقع الحق. حتى إذا اكتشفت ما هي مشكلاتك الخاصة، فستظل غير قادر على ربطها بكلماتي، ولن تتمكن من إيجاد المبادئ المقابلة لكي تطبقها. إن الغرض الأساسي من تقديم شركة حول مسألة التخلي عن الهوية التي ترثها من عائلتك هو أن تتمكن من رؤية الناس والأشياء وتتصرف وتفعل دون التأثر بمختلف المؤثرات المرتبطة بتلك الهوية. إذا كانت هويتك التي ورثتها من عائلتك متميزة، فيجب أن تتعامل مع هذه الهوية بشكل صحيح. لا ينبغي أن تشعر بأنك متميز، أو أنك أكثر جدارة من الآخرين، أو أن هويتك مميزة. عندما تكون بين الآخرين، يجب أن تكون قادرًا على التعامل معهم بشكل صحيح وفقًا للمبادئ التي يحذر الله بها الناس، وأن تتعامل مع الجميع بشكل صحيح، بدلًا من استخدام خلفيتك العائلية المتميزة كرأس مال للتباهي في كل الظروف، وجعل الآخرين يتطلعون إليك بإجلال في كل موقف. لنفترض أنك لا تستطيع التخلي عن الهوية التي ترثها من عائلتك، وتستخدم دائمًا خلفيتك العائلية كرأس مال، وتتصرف كشخص مغرور وعنيد ومتعالٍ. ولنفترض أنك دائمًا ما تتباهى وتستعرض نفسك أمام الآخرين، وتتباهى دائمًا بخلفيتك العائلية وهويتك الخاصة التي ورثتها من عائلتك. وإضافة إلى ذلك، لنفترض أنك في أعماقك أيضًا متغطرس ومتسلط بشكل خاص، وأنك تكون مستبدًا للغاية ووقحًا عندما تتحدث إلى الآخرين، وغالبًا ما تستخدم هويتك كرأس مال لتوبيخ الناس وقمعهم – أي بعبارة أخرى، يعتقد الناس أنك مجرد من العقل الطبيعي – وأنك تعتبر الجميع من عامة الناس، ولا سيما حين تخالط الناس وتتعامل معهم، فإنك لا تعير مَن هم أكثر منك تواضعًا أو أقل مكانة أي اهتمام، وعندما تتحدث معهم تكون عدوانيًا ومتحكِّمًا بشكل خاص، وتكشر عن أنيابك حقًا. ولنفترض أنك دائمًا ما تريد أن تنهر الآخرين، وتعامل الآخرين دائمًا كالعبيد تأمرهم وتصرخ في وجوههم، وتعتقد دائمًا أن شخصيتك متميزة، ولا تستطيع أن تتعايش مع الآخرين بانسجام، ولا تستطيع أن تعامل الناس الأقل منك مكانة بطريقة صحيحة؛ فهذه كلها شخصيات فاسدة، وكلها أمور يجب أن يتخلص الناس منها. تحدث هذه الشخصيات الفاسدة وتنشأ عندما يكون لدى الشخص خلفية عائلية ومكانة اجتماعية متميزة. ولذلك، يجب على هذا النوع من الأشخاص أن يتأملوا في كلماتهم وأفعالهم، وأن يتأملوا في أفكارهم وآرائهم، ولا سيما تلك المتعلقة بالهوية العائلية. يجب أن يتخلوا عن مثل هذه الأفكار والآراء وأن يتراجعوا عن مختلف الجوانب الإنسانية التي يعيشونها نتيجة لوضعهم الاجتماعي المميز. بعبارة أخرى، يجب على هذا النوع من الأشخاص التخلي عن الهوية التي ورثها من عائلته. يعتقد معظم الناس أن مكانتهم الاجتماعية أقل شأنًا. وعلى وجه الخصوص، غالبًا ما يشعر نوع الأشخاص الذين يتعرضون للازدراء والتمييز ضدهم والتنمر عليهم في المجتمع بأن هويتهم متدنية، كما يشعرهم الخزي الذي تسببه بيئتهم العائلية الخاصة بالتواضع بشكل خاص. يشعرهم هذا في كثير من الأحيان بالدونية وعدم القدرة على التعايش مع الآخرين بطريقة متناغمة ومنصفة. وبالطبع، فإنَّ الأشخاص من هذا النوع يظهرون أنفسهم بطرق مختلفة أيضًا، فبعض الناس يكونون شديدي التطلع إلى أصحاب المكانة والهوية المرموقة؛ فيتملقونهم ويطرونهم ويثنون عليهم ويلعقون أحذيتهم. ودائمًا ما يرددون ما يقوله هؤلاء الأشخاص بشكل أعمى ولا يكون لديهم أي مبادئ أو كرامة، وهم على استعداد لأن يكونوا تابعين لهؤلاء الأشخاص وأن يأتمروا بأمرهم وأن يخضعوا لتلاعبهم وكأنهم عبيد. إن مبادئ هؤلاء الناس في القيام بالأشياء لا تتفق هي أيضًا مع الحق، لأنهم في أعماق أذهانهم، يعتقدون أن هويتهم وضيعة وأنهم ولدوا ليكونوا بؤساء، وأنهم لا يستحقون أن يقفوا على قدم المساواة مع أولئك الأغنياء أو ذوي الهوية الاجتماعية النبيلة، وأنهم عوضًا عن ذلك ولدوا ليعاملوا كعبيد لهؤلاء الناس، وأنهم يجب أن يأخذوا الإذن من هؤلاء الناس وأن يأتمروا بأمرهم. هم لا يشعرون أنهم خانعون، بل يعتقدون أن هذا طبيعي، وأن هذه هي الطريقة التي يجب أن تسير بها الأمور. أي نوع من الأفكار والآراء هذه؟ أليست هذه الأفكار والآراء نوعًا من الإذلال الذاتي؟ (بلى). ثمة نوع من الناس أيضًا يرون الأغنياء يعيشون في غرورهم وعنادهم ووقاحتهم وتسلطهم، بل إنهم يحسدون هؤلاء الناس بشدة ويطاردونهم، وهم يرجون لو أتيحت لهم الفرصة لتغيير الأمور، لعاشوا حينئذٍ بعناد وغرور مثل هؤلاء الأغنياء. إنهم يعتقدون أنه ليس ثمة ما يعيب أن تكون عنيدًا ومغرورًا؛ بل على العكس، فهم يعتبرون هذه الصفات ساحرة ورومانسية. أفكار هؤلاء الأشخاص وآرائهم هي أيضًا غير صحيحة ويجب التخلي عنها. أيًا تكن هويتك أو مكانتك، فكله معيَّن مسبقًا من الله. وبغض النظر عن نوع العائلة أو الخلفية العائلية التي عينها الله لك، فإن هويتك التي ترثها منها ليست مخزية ولا مشرفة. لا ينبغي أن يكون مبدأ كيفية تعاملك مع هويتك قائمًا على مبدأ الشرف والخزي. أيًا كان نوع العائلة التي يضعك الله فيها، وأيًا كان نوع العائلة التي يسمح لك أن تأتي منها، لك هوية واحدة فقط أمام الله، وهي هوية الكائن المخلوق. أنت أمام الله كائن مخلوق، لذا فأنت في نظر الله متساوٍ مع أي شخص في المجتمع له هوية ومكانة اجتماعية مختلفة. أنتم جميعًا أفراد في البشرية الفاسدة، وأنتم جميعًا أناس يريد الله خلاصهم. وبالطبع، أمام الله، لديكم جميعًا الفرصة نفسها لأداء واجباتكم ككائنات مخلوقة، ولديكم جميعًا الفرصة نفسها للسعي إلى الحق ونيل الخلاص. على هذا المستوى، فاستنادًا إلى هوية الكائن المخلوق التي منحك الله إياها، يجب ألا تنظر إلى هويتك الخاصة نظرة تبجيل ولا أن تحتقرها، بل يجب عوضًا عن ذلك أن تتعامل مع هويتك التي تأتي من الله – وهي هوية الكائن المخلوق – بشكل صحيح، وأن تكون قادرًا على التعايش بانسجام مع أي شخص على قدم المساواة، ووفقًا للمبادئ التي يعلمها الله للناس ويحذرهم بها. مهما كان الوضع الاجتماعي أو الهوية الاجتماعية للآخرين، ومهما كان وضعك الاجتماعي أو هويتك الاجتماعية، فإن كل من يأتي إلى بيت الله ويقف أمام الله ليست له سوى هوية واحدة فقط، وهي هوية الكائن المخلوق. لذلك، يجب ألا يشعر أصحاب المكانة والهوية الاجتماعية المتدنية بالدونية. يجب أن تتخلى عن مكانتك الاجتماعية بغض النظر عما إذا كانت لديك موهبة أم لا، وبغض النظر عن مدى ارتفاع مستوى قدراتك، وبغض النظر عما إذا كنت تتمتع بإمكانات أم لا. يجب عليك أيضًا أن تتخلى عن الأفكار أو الآراء المتعلقة بترتيب الناس وتقييمهم أو تصنيفهم على أنهم متميزون أو متواضعون بناءً على خلفيتهم العائلية وتاريخهم العائلي. يجب ألا تشعر بالدونية بسبب هويتك الاجتماعية ومكانتك الاجتماعية المتواضعة. يجب أن تسعد لأنه على الرغم من أن خلفيتك العائلية ليست قوية ومذهلة، وعلى الرغم من تواضع المكانة التي ورثتها، لم ينبذك الله. يُقيمُ المِسكينَ عَنِ التُّرابِ ويَرفَعُ البائِسَ مِنَ المَزبَلَةِ، ويمنحك الهوية نفسها مثل باقي الناس، وهي هوية الكائن المخلوق. في بيت الله وأمام الله، تتساوى هويتك ومكانتك مع هوية ومكانة جميع الناس الآخرين الذين اختارهم الله. بمجرد أن تدرك هذا، يجب عليك أن تتخلى عن عقدة الدونية التي لديك وتتوقف عن التشبث بها. عندما تواجه أولئك الذين يتمتعون بمكانة اجتماعية متميزة وعظيمة، أو أولئك الذين يتمتعون بمكانة اجتماعية أعلى منك، لا يجب عليك أن تنحني لهم أو أن تبتسم لهم ابتسامات عريضة ناهيك عن أن تنظر إليهم بإعجاب. يجب عوضًا عن ذلك أن تنظر إليهم على أنهم مساوون لك، وتنظر في أعينهم مباشرةً، وتعاملهم بشكل صحيح. حتى إذا كانوا متسلطين غالبًا أو لديهم حس متضخم بالكبرياء، ويعتبرون أنفسهم ذوي مكانة اجتماعية عالية، فيجب أن تعاملهم بشكل صحيح وترفض أن تخضع لهم أو تهاب عظمتهم. يجب أن تعلم أنه بغض النظر عن سلوكهم أو كيفية معاملتهم لك، فإنك أمام الله أنت وهم سواء، من جهة أنكم جميعًا كائنات مخلوقة، كلكم بشر اختاركم الله للخلاص. ما من شيء خاص يميزهم مقارنة بك. ما يسمى بهويتهم ومكانتهم الخاصة، لا وجود له في نظر الله، والله لا يعترف به. لذلك، لا داعي لأن تتقيد بمسألة الهوية التي ترثها من عائلتك، ولا داعي لأن تشعر بالدونية بسببها، بل لا داعي لأن تتخلى عن أي فرصة للتفاعل مع الآخرين على قدم المساواة لمجرد وضعك الاجتماعي المتواضع، أو أن تتخلى عن أي من الحقوق والمسؤوليات والواجبات التي منحك الله إياها في بيت الله وأمام الله. وبالطبع، يجب ألا تتخلى بالتأكيد عن حقك في الخلاص أو عن رجاء نيل الخلاص. في بيت الله، وأمام الله، لا يوجد تمييز بين الغني والفقير، ولا تمييز بين مكانة اجتماعية مرتفعة ومنخفضة، ولا أحد من ذوي الخلفية العائلية المميزة يستحق معاملة خاصة أو امتيازات معينة. أمام الله، ليس للناس سوى هوية واحدة فقط، وهي هوية الكائن المخلوق. وأيضًا، أمام الله، فإن جوهر طبيعة جميع الناس واحد. ثمة نوع واحد فقط من البشر الذين يريد الله أن يخلصهم، وهم البشر الفاسدون. لذلك، بغض النظر عما إذا كانت هويتك أو مكانتك الاجتماعية نبيلة أو متواضعة، فأنتم جميعًا بشر يريد الله أن يخلصهم.

تخيل أن شخصًا ما قال لك: "انظر إلى عائلتك، إنها فقيرة لدرجة أنك لا تملك حتى ملابس لائقة؛ عائلتك فقيرة لدرجة أنك لم تذهب سوى إلى المدرسة الابتدائية ولم تلتحق بالمدرسة الثانوية؛ عائلتك فقيرة لدرجة أنك لا تأكل سوى الحساء والخضروات، ولم تتذوق حتى الشوكولاتة أو البيتزا أو الكولا". كيف يجب عليك التعامل مع هذا الموقف؟ هل ستشعر بالدونية أو اليأس؟ هل ستتذمر داخليًا بشأن الله؟ هل سيرهبك ما قاله هذا الشخص؟ (الآن لن يرهبني). الآن لن يرهبك، لكن ذلك كان سيحدث فيما سبق، أليس كذلك؟ عندما كنت تلاحظ في الماضي مَن كانت عائلته غنية، أو مَن كان ثريًا ومتميزًا، كنت تقول: "آه! إنهم يعيشون في فيلا ويملكون سيارة. لقد سافروا إلى الخارج مرات لا تحصى. أنا لم أخرج من قريتي قط، بل إنني حتى لم أرَ قطارًا من قبل. إنهم يسافرون في رحلات القطارات فائقة السرعة، ويسافرون في الدرجة الأولى، ويذهبون في رحلات بحرية فاخرة، ويرتدون ملابسهم من علامات المصممين الفرنسية، والمجوهرات الإيطالية. فكيف لم أسمع بأي من هذه الأشياء؟". متى ما كنت مع مثل هؤلاء الناس، تشعر بأنك أكثر ضآلة منهم. تكون واثقًا إلى حد ما عندما تقدم شركة حول الحق وتؤمن بالله، لكنك عندما تتحدث مع أولئك الناس عن عائلتك وحياتك العائلية، فإنك ترغب في الجري والهروب، وتشعر بأنك لا ترقى إلى مستواهم، وأن الموت أفضل من الحياة. أنت تفكر: "لماذا أعيش في مثل هذه العائلة؟ لم أرَ شيئًا من العالم. يضع الآخرون مرطِّب اليدين على أيديهم، بينما أنا لا أزال أستخدم الفازلين على يدي؛ الآخرون لا يضعون أي مرطِّب على وجوههم، بل يذهبون مباشرة إلى صالون التجميل، بينما أنا لا أعرف حتى أين يقع صالون التجميل؛ الآخرون يركبون سيارات السيدان، لكنني لا أرقى إلى هذا المستوى، بل إني أكون محظوظًا إذا ما تمكنت من ركوب دراجة، وأحيانًا أضطر إلى ركوب عربة يقودها ثور أو حمار". لذلك في كل مرة تتحدث فيها مع هؤلاء الأشخاص، تشعر بعدم الثقة في نفسك والخجل من ذكر هويتك ولا تجرؤ على ذكرها. أنت تشعر في قلبك بنوع من الاستياء والغضب إلى حد ما تجاه الله، وتفكر قائلًا لنفسك: "إنهم جميعًا كائنات مخلوقة مثلي، فلماذا إذن يسمح الله لهم أن يستمتعوا بالحياة كثيرًا؟ لماذا قدر الله لهم أن يحظوا بهذا النوع من الوضع العائلي والاجتماعي؟ لماذا عائلتي فقيرة للغاية؟ لماذا والداي في قاع المجتمع، بلا قدرات أو مهارات؟ مجرد التفكير في الأمر يغضبني. متى تحدثت عن هذا الأمر، أشعر إنني لا أريد أن أذكر والداي، فهما عاجزان ويفتقران تمامًا إلى الكفاءة! لا يهم أن أركب سيارة سيدان وأن أعيش في فيلا، سيرضيني مجرد أن أؤخذ إلى المدينة لركوب الحافلات والقطارات السريعة، أو للعب في حدائق المدينة، لكنهم لم يأخذوني إلى هناك، ولا حتى مرة واحدة! ليس لدي أي خبرة حياتية على الإطلاق. لم أتناول طعامًا شهيًا، ولم أركب سيارات جميلة، لا يسعني سوى أن أحلم بالطيران". إن التفكير في كل هذا يجعلك تشعر بالدونية، وغالبًا ما يقيدك هذا الأمر، لذا فإنك تمضي الوقت بانتظام مع إخوة وأخوات لا تختلف هويتهم ومكانتهم كثيرًا عن هويتك ومكانتك، وتفكر في قرارة نفسك: "ما يقولونه صحيح، الطيور على أشكالها تقع. انظروا إلى تلك المجموعة من الناس، جميعهم من الأثرياء، ومنهم كبار المسؤولين الحكوميين، وأصحاب الملايين، والأشخاص ذوي الآباء فاحشي الثراء، وأباطرة الأعمال، والعائدين من الدراسة في الخارج وخريجي الدراسات العليا، وكذلك المديرين التنفيذيين للشركات ومديري الفنادق. قارنوهم بنا، نحن الرعاع. كلنا إما فلاحون أو عاطلون عن العمل. تعيش عائلاتنا في المناطق الريفية النائية، ولم نحصل سوى على تعليم ابتدائي، ولم نرَ شيئًا من العالم. لقد رعينا الماشية، وأقمنا أكشاكًا في الشوارع، وأصلحنا الأحذية. فأي نوع من الناس نحن؟ ألسنا مجرد غوغاء ورعاع؟ انظروا إلى تلك المجموعة من الناس، إنهم راقون وأنيقون. عندما أفكر فينا نحن الرعاع، يجعلني ذلك أشعر بعدم الجدوى وبالظلم". حتى بعد إيمانك بالله لسنوات عديدة، لم تتخلَّ أبدًا عن هذا الأمر، وغالبًا ما تشعر بالدونية والاكتئاب الشديدين. من الواضح أن أفكار هؤلاء الناس وآراءهم في الأشياء خاطئة، وتؤثر بشكل خطير على سلامة آرائهم في الأشخاص والأشياء، وعلى الطرق تصرفهم وسلوكهم. تتأثر هذه الأفكار والآراء بالنزعات والأعراف الاجتماعية. ولنكون أكثر دقة، هي بالطبع أفكار وآراء ناتجة عن التأثيرات التكييفية للبشر الأشرار والثقافة التقليدية. وبما أنها أفكار فاسدة وتنتمي إلى نزعات شريرة، فيجب أن تتخلى عن هذه الأفكار والآراء وألا تنزعج أو تتقيد بها. يقول بعض الناس: "لقد ولدت في مثل هذه العائلة، وهذه الحقيقة لا يمكن تغييرها. إنَّ هذه الأنواع من الأفكار والآراء تثقل ذهني باستمرار، ومن الصعب التخلي عنها". إنها حقيقة بالفعل أنه من الصعب التخلي عنها، لكنك إذا استغرقت في التفكير باستمرار في فكرة خاطئة أو رأي خاطئ، فلن تتخلى عنها أبدًا. إذا تقبلت الأفكار والآراء الصحيحة، فستتخلى تدريجيًا عن الأفكار والآراء الخاطئة. ماذا أعني بهذا؟ أعني أنه من غير الممكن أن تتخلى عنها دفعة واحدة، بحيث تتمكن من التعامل مع الأغنياء أو ذوي المكانة والجاه على قدم المساواة وبشكل طبيعي. من المستحيل القيام بذلك دفعة واحدة، لكنك على أقل تقدير تستطيع التحرر من هذا الأمر. حتى لو كنت لا تزال تعاني من عقدة الدونية، حتى لو كنت في أعماق قلبك، لا تزال تشعر بانزعاج غامض من هذا الأمر، فقد تحررت بالفعل من هذا الأمر إلى حد ما. ومن المؤكد أنك في سعيك اللاحق إلى الحق، ستكتسب تدريجيًا المزيد من الحرية والتحرر. عندما تنكشف جميع الحقائق المختلفة، سترى جوهر مختلف الأشخاص والأمور والأشياء بوضوحٍ أكبر، وسيصبح فهمك للحق أكثر عمقًا. وعندما ترى مثل هذه الأمور ببصيرة أكثر نفاذًا، ستزداد خبرتك الحياتية ومعرفتك بهذه الأمور. وفي الوقت نفسه، سيصبح موقفك تجاه الحق أكثر استباقية وإيجابية، وسيصبح تقييد الأمور السلبية لك أقل فأقل. ألن تكون حينئذ قد تغيرت؟ عندما تقابل في المرة القادمة شخصًا ذا هوية ومكانة مختلفتين تمامًا عن هويتك ومكانتك، وتتحدث وتتعامل معه، فإنك على الأقل لن تعود تشعر بخوف في داخلك ولن تهرب، بل ستكون قادرًا على التعامل معه بشكل صحيح، ولن تخضع بعد ذلك لقيوده، ولن تفكر في مدى عظمته وتميزه. وبمجرد أن تفهم الجواهر الفاسدة للناس، ستتمكن من التعامل مع جميع أنواع الناس بدقة، وستتمكن من التعايش والتفاعل والارتباط مع جميع أنواع الناس وفقًا للمبادئ، دون أن تبجلهم أو تستخف بهم، ودون أن تميز ضدهم أو أن تعلي من شأنهم. بهذه الطريقة، هل ستحقق تدريجيًا النتيجة التي تأتي من السعي إلى الحق؟ (نعم). إن تحقيق هذه النتيجة سيجعلك أكثر حبًا للحق، وأكثر ميلًا نحو الأشياء الإيجابية، وأكثر ميلًا نحو الحق، وأكثر ميلًا إلى الإعجاب بالله والحق، بدلًا من الإعجاب بأي شخص في المجتمع أو في العالم لهويته المتميزة ومكانته. ستختلف الأشياء التي تعجب بها وتتطلع إليها، وكذلك الأشياء التي تتبعها وتبجلها، وستتغير تدريجيًا من أشياء سلبية إلى أشياء إيجابية، وإلى الحق أو – لنكون أكثر دقة – إلى الله وكلام الله وهوية الله ومكانته. وبهذه الطريقة، ستدخل تدريجيًا إلى واقع الحق في هذا الصدد. معنى هذا أنك ستتخلَّص تدريجيًا من شخصيتك الفاسدة ومن تكبيل الشيطان لك في هذا الصدد، وستنال الخلاص تدريجيًا، وهذا ما تنطوي عليه العملية. الأمر ليس صعبًا؛ فالطريق ممهد أمامك. يمكنك الدخول إلى واقع الحق ما دمت تسعى إلى الحق. وما الواقع الذي ستدخل إليه في النهاية؟ أيًا كان نوع المكانة التي ورثتها من عائلتك، لن تعود منشغلًا أو منزعجًا من كونها نبيلة أو وضيعة، بل ستتمكن من أداء واجبك ككائن مخلوق جيدًا، وأن ترى الناس والأشياء وتتصرف وتفعل ككائن مخلوق، وأن تعيش أمام الله ككائن مخلوق، وأن تعيش كل يوم في الحاضر، كل ذلك بهوية كائن مخلوق؛ هذه هي النتيجة التي سيكون سعيك إليها. هل هذه نتيجة جيدة؟ (نعم، إنها كذلك). عندما يدخل الناس إلى هذا الجانب من الواقع، تتحرر قلوبهم وتُعتق. على أقل تقدير، لن تعود مسألة الهوية التي ورثتها من عائلتك تزعجك، ولن تهتم سواء كانت مكانتك عالية أو وضيعة. إذا كانت هويتك متميزة وكان بعض الناس يتطلعون إليك بتوقير، فستشعر بالاشمئزاز، وإذا كانت هويتك متدنية وكان بعض الناس يميزون ضدك، فلن تتقيد بذلك أو تنزعج منه، ولن تحزن أو تشعر بالسلبية بسببه. لن تعود مضطرًا إلى الشعور بالقلق أو الكرب أو الدونية بناءً على ما إذا كنت قد ركبت قطارًا فائق السرعة أو ذهبت إلى صالون تجميل أو سافرت إلى الخارج أو تناولت طعامًا غربيًا أو استمتعت بوسائل الراحة المادية الحصرية كما يفعل الأغنياء. لن تعود مثل هذه الأمور تقيدك وتصيبك بالاضطراب، وستكون قادرًا على التعامل مع جميع أنواع الناس والأشياء والأمور بشكل صحيح، وستتمكن من أداء واجباتك بشكل طبيعي. ألن تتحرر حينئذٍ وتُعتق؟ (بلى). بهذه الطريقة سيُعتق قلبك. عندما تكون قد دخلت في واقع هذا الجانب من الحق، وتحررت من قيود الشيطان، ستكون قد أصبحت حقًا كائنًا مخلوقًا يعيش أمام الله، وكائنًا مخلوقًا يريده الله. يجب أن تكون الآن أكثر وضوحًا فيما يتعلق بمسار التخلي عن الهوية والمكانة التي ترثها من العائلة.

2. تخلي المرء عن التكييف من عائلته
أ. تكييف المرء من عائلته فيما يتعلق بالأفكار

في المرة السابقة ناقشنا أيضًا موضوعًا آخر، وهو التخلي عن التأثيرات التكييفية التي تمارسها العائلة على المرء. تبدأ التأثيرات التكييفية لعائلة الشخص منذ صغره. وعندما يصل الشخص إلى مرحلة البلوغ، يبدأ تدريجياً في تطبيق هذه الأفكار والآراء المكيّفة في حياته. وبحلول الوقت الذي يكون قد اكتسب فيه قدرًا معينًا من الخبرة الحياتية، فإنه يطبق بحرية هذه الأفكار والآراء المختلفة التي كيفته عائلته عليها، وعلى هذا الأساس قد تراكمت لديه مختلف المبادئ والطرق والحيل للتعامل مع الأشياء، وهي حتى أكثر تعقيدًا وتحديدًا وأكثر فائدة له. يمكن القول إن التأثيرات التكييفية التي تمارسها العائلة تكون بمثابة الأساس للشخص بينما ينتقل إلى المجتمع وإلى جماعاته المجتمعية، وهو الذي يمكنه من استخدام مختلف الطرق والحيل بحرية للتعامل مع الأمور بينما يعيش وسط الآخرين. وبما أن هذه التأثيرات التكييفية التي تمارسها العائلة هي بمثابة أساس، فهي متأصلة ومتجذرة بعمق في قلب كل شخص. تؤثر هذه الأشياء على حياة الناس وطريقة سلوكهم وتصرفاتهم، ونظرتهم للحياة. ولكن بما أن هذه التأثيرات التكييفية ليست إيجابية، فهي أيضًا أشياء يجب على الناس التخلي عنها في عملية السعي إلى الحق. لا يهم ما إذا كانت الأفكار والآراء التي يغرسها هذا التكييف فيك تنشأ في أعماق قلبك أم لا، أو ما إذا كانت هذه الأفكار والآراء تحتل موقعًا مهيمنًا في أعماقك أم لا، ولا يهم بالتأكيد ما إذا كنت قد أكَّدت بنفسك صحة هذه الأفكار والآراء بالفعل أو مارستها في سياق وجودك؛ فهذه التأثيرات التكييفية ستؤثر على حياتك بدرجات متفاوتة، سواء الآن أو في المستقبل، وستؤثر على اختيارك لمسار حياتك، وعلى موقفك ومبادئك التي تتعامل بها مع الأشياء. يمكن القول إن الغالبية العظمى من العائلات تزوّد الناس بأبسط الحيل والفلسفات للتعاملات الدنيوية، حتى يستطيعوا العيش والبقاء في المجتمع. على سبيل المثال، قدمنا شركة في المرة الماضية حول أشياء يرددها الآباء دائمًا، مثل "يحتاج الناس إلى كبريائهم مثلما تحتاج الشجرة إلى لحائها" و"الإنسان يترك اسمه ورائه أينما كان مثلما تصيح الإوزة أينما حلقت"، وكذلك "يجب أن تتحمل معاناة كبيرة للوصول إلى القمة" و"المسمار البارز يُدق بالمطرقة". ماذا كان هنالك أيضًا؟ "التناغم كنز والصبر ذكاء"، و"من يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا". هذه الأفكار والآراء المتنوعة التي كيفتك عائلتك عليها، بغض النظر عما إذا كنت تطبقها أو تمارسها في حياتك بشكل صريح، هي أساسك. ماذا أعني بـ"الأساس"؟ أعني شيئًا يلهمك ويدفعك إلى قبول فلسفات الشيطان للتعاملات الدنيوية. لقد غرست أقوال عائلتك هذه في نفسك أبسط طريقة للتعامل مع العالم وأبسط طريقة للبقاء على قيد الحياة، بحيث إنك بعد دخولك هذا المجتمع ستعمل جاهدًا للسعي إلى الشهرة والمكاسب والمكانة، وستسعى إلى التنكر والتجمّل بشكل أفضل، وستسعى إلى حماية نفسك بشكل أفضل، وستسعى إلى أن تصبح بارزًا بين الناس، وأن تصل إلى القمة، وأن تظل في القمة. هذه الأشياء التي تكيفك عائلتك عليها هي قواعد وحيل للتعامل مع العالم تدفعك إلى الدخول في المجتمع والاندماج في الاتجاهات الشريرة.

تشريح لـ "من بين أي ثلاثة أشخاص يسيرون معًا، هناك واحد على الأقل يمكن أن يكون معلمي"

قدمنا في المرة الماضية شركة حول التأثيرات التكييفية التي تمارسها العائلة على الناس. هناك تأثيرات تكييفية أكثر بكثير من هذه، لذا دعونا نواصل الشركة حولها. على سبيل المثال، يقول بعض الآباء لأبنائهم: "من بين أي ثلاثة أشخاص يسيرون معًا، هناك واحد على الأقل يمكن أن يكون معلمي". من صاحب هذه المقولة؟ (كونفوشيوس). هذا بالفعل ما قاله كونفوشيوس. يقول بعض الآباء لأبنائهم: "يجب أن تتعلموا المهارات أينما ذهبتم. وبمجرد أن تتعلموها، سيكون لديكم مهارة في مجال متخصص، ولن تقلقوا أبدًا من عدم الحصول على عمل، وستكونون المرجع في أي موقف. وقد أحسن أحد الحكماء القدماء بقوله: "من بين أي ثلاثة أشخاص يسيرون معًا، هناك واحد على الأقل يمكن أن يكون معلمي". متى ما كنت وسط آخرين، ابحث عمن لديه مهارة في مجال متخصص. تعلمها سرًا دون أن يعرف، وحالما تتقنها، ستصبح مهارتك أنت وستتمكن من كسب المال لإعالة نفسك، ولن تعوزك أبدًا ضروريات الحياة الأساسية". ما هدف والديك من جعلك تتعلم المهارات وأنت بين الآخرين؟ (التقدم في العالم). الهدف من تعلُّم المهارات هو تقوية نفسك، والتفوق على الآخرين. عليك أن تتعلَّم سرقة التقنيات سرًا من الآخرين، وبمُجرَّد أن تتعلَّم المهارات وتكتسب قوة حقيقية، لن تحصل على مصدر رزق فحسب، بل ستحظى أيضًا بالشهرة والربح. وعندما تجمع بين الشهرة والربح، سيُقدِّرك الناس تقديرًا عاليًا. إذا كنتَ ترغب في أن يكون لديك مهارات حقيقية، فعليك أن تتعلَّم وتسرق التقنيات من الآخرين. وعندما تُتقِن تقنيات الآخرين، ستكون قد تعلمت مهارات حقيقية. بهذه الطريقة وحدها يمكنك أن تكون متفوقًا على الآخرين. هكذا تُعلِّم معظم العائلات أبناءها.

تشريح لـ "إذا أردت أن تظهر بمظهر وقور عندما ينظر إليك الناس، فعليك أن تعاني عندما لا يلتفتون إليك"

يقول بعض الآباء لأبنائهم: "إذا أردت أن تظهر بمظهر وقور عندما ينظر إليك الناس، فعليك أن تعاني عندما لا يلتفتون إليك"؛ وذلك بهدف جعل أبنائهم يكسبون تقدير الآخرين واحترامهم. إذا عملتَ بجد واجتهاد وتحمّلتَ مشاق كبيرة لتتعلم المهارات في غفلة من الآخرين، فسيمكنك حالما تكتسبها أن تبهر الجميع بذكائك، وكلما نظر إليك الناس بازدراء أو تنمروا عليك، يمكنك أن تتباهى بمواهبك، ولن يجرؤ أحد بعد ذلك أن يتنمر عليك. على الرغم من أنك قد تبدو عاديًا وغير ملفت، ولا تتكلم كثيرًا، ستتمتع ببعض المهارات، في شكل قدرات فنية تفوق قدرة الناس العاديين، لذلك سيعجب بك الآخرون لهذا ويشعرون بالضآلة في وجودك، وينظرون إليك كشخص يمكنه مساعدتهم. ألا يزداد قدرك بين الناس بهذه الطريقة؟ ألست تظهر بمظهر أكثر وقارًا مع ازدياد قدرك؟ إذا كنت تريد أن تسعى جاهدًا لكسب مكانة متميزة بين الآخرين، فعليك أن تتحمل المشقة والمعاناة بينما يكونون غير منتبهين إليك. مهما بلغ مقدار المشقة التي تتحملها، فلتتجرعها وتواصل فحسب، وسيثبُت أن معاناتك كلها كانت تستحق عندما يرى الناس مدى قدرتك. ما هدف والديك من قولهما لك هذه المقولة: "إذا أردت أن تظهر بمظهر وقور عندما ينظر إليك الناس، فعليك أن تعاني عندما لا يلتفتون إليك"؟ إن هدفهم هو أن تكتسب مكانة مرموقة بين الآخرين وتكسب توقيرهم لك، بدلًا من أن تتعرض للتمييز أو التنمر؛ وهو ليس أن تتمكن من الاستمتاع بالأشياء الجميلة في الحياة فحسب، بل أن تكسب أيضًا احترام الآخرين ودعمهم. لا يقتصر الأمر على أن الأشخاص الذين يتمتعون بهذا النوع من المكانة في المجتمع لا يتعرضون لتنمر من الآخرين فحسب، إنما تسير أمورهم بسلاسة أينما ذهبوا. متى ما رآك الناس قادمًا، سيقولون: "أوه هذا أنت، لأي شيء ندين بشرف زيارتك؟ إنه لشرف عظيم أن نراك! هل لديك بعض الأعمال التي تريد القيام بها؟ سأتولى هذا الأمر عنك. هل جئت لشراء تذاكر؟ حسنًا، لا داعي للوقوف في الطابور. سأعطيك أفضل مقعد. فنحن صديقان في نهاية المطاف!". تتقبل الأمر وتفكر: "يا للروعة، إن تصنيفي من المشاهير يصنع المعجزات حقًا. إن الشيوخ محقون في قولهم: "إذا أردت أن تظهر بمظهر وقور عندما ينظر إليك الناس، فعليك أن تعاني عندما لا يلتفتون إليك". المجتمع هكذا حقًا، إنه مجتمع واقعي للغاية! من كان سيعيرني أي اهتمام لو لم تكن لديّ هذه السمعة؟ إذا وقفت في الطابور مثل أي شخص عادي، فقد ينظر إليك الآخرون بازدراء ويعاملونك بقسوة، وقد لا يبيعون لك عندما تصل إلى مقدمة الطابور". عندما تقف في الطابور لمقابلة طبيب في المستشفى، يلمحك أحدهم من الجانب الآخر من القاعة ويقول: "ألست فلانًا؟ لماذا تنتظر في الطابور؟ سأجد لك طبيبًا مختصًا على الفور حتى لا تضطر إلى الوقوف في الطابور". فترد: "لم أدفع بعد". فيقول لك: "لا داعي لذلك، سأدفع أنا الفاتورة". تتأمل في ذلك وتفكر: "من الجيد أن تكون من المشاهير. إن تحمّل كل تلك المعاناة عندما لم يكن أحد يلتفت لم يذهب سدى في النهاية. يمكنني حقًا أن أستمتع بمعاملة خاصة في المجتمع. هذا المجتمع واقعي للغاية، ما عليك إلا أن تكون من المشاهير لكي يحسنوا استقبالك. هذا رائع!" تسعد مرة أخرى لأن معاناتك لم تذهب سدى، وترى أن الأمر كان يستحق أن تتحمل كل تلك المشقة والمعاناة عندما كان الآخرون غير منتبهين! تتعجب باستمرار من هذا وتفكر: "لا أحتاج إلى الوقوف في طابور لمقابلة الطبيب في المستشفى، يمكنني الحصول على مقاعد جيدة كلما اشتريت تذاكر طائرة، وأن أحظى بمعاملة خاصة أينما ذهبت، بل إن نفوذي يمكن أن يدخلني من الباب الخلفي. هذا رائع! هكذا يجب أن يكون المجتمع، فلا داعي للمساواة. يجب أن يسترد الناس بقدر ما يقدمون. إذا لم تعان عندما كان الآخرون غير منتبهين، فهل يمكنك أن تظهر بمظهر وقور عندما يكونون منتبهين إليك؟ انظر إليّ على سبيل المثال. لقد عانيت عندما كان الآخرون غير منتبهين لي، كي أتمكن – عندما يكونوا منتبهين إلي – من الحصول على معاملة خاصة كهذه، لأنني أستحق ذلك". إذا كان هذا هو الحال، فعلام يعتمد الناس إذا أرادوا عقد صلات مع الآخرين وإنجاز الأمور في المجتمع؟ إنهم يعتمدون على مواهبهم ومهاراتهم لدعم قدرتهم على القيام بالأشياء. سواء كان الشخص سينجح في مساعيه أو مدى قدرته على إنجاز الأمور في المجتمع أو لن ينجح، فإنَّ ذلك لا يعتمد على موهبة ذلك الشخص أو إنسانيته، ولا على مدى امتلاكه للحق. لا يوجد عدل أو مساواة في المجتمع، وما دمت مجتهدًا بما فيه الكفاية، وتستطيع تحمل المعاناة عندما يكون الآخرون غير منتبهين إليك، وأن تكون مستبدًا وشرسًا بما فيه الكفاية، فيمكنك أن تكتسب مكانة عالية بين الآخرين، تمامًا مثلما كان الأمر في الماضي عندما كان الناس يتنافسون ليصبحوا أساتذة في عالم فنون الدفاع عن النفس، فكانوا يتحملون معاناة كبيرة ويتدربون لأيام وليالٍ متواصلة، حتى يتقنوا في النهاية جميع أساليب مدارس فنون الدفاع عن النفس المختلفة ويخرجون بأسلوب فريد خاص بهم، يمارسونه بإتقان حتى يصبحوا منيعين. وماذا حدث في النهاية؟ هزموا مقاتلين من جميع المدارس الكبرى في بطولة فنون الدفاع عن النفس، واكتسبوا مكانة سيد عالم فنون الدفاع عن النفس. كانوا على استعداد لتحمل أي نوع من المعاناة من أجل أن يظهروا بمظهر الوقار أمام الآخرين، بل كانوا يمارسون أيضًا بعض الفنون الظلامية خلف الأبواب المغلقة. بعد ثماني إلى عشر سنوات من الممارسة، أصبحوا خبراء لدرجة ألا أحد في عالم فنون الدفاع عن النفس كان يستطيع هزيمتهم في الحلبة، أو اغتيالهم خارجها، وحتى لو شربوا السم، فبإمكانهم طرده من أجسامهم. وهكذا عززوا مكانتهم كسادة في عالم فنون الدفاع عن النفس، ولم يستطع أحد أن يهدد مكانتهم؛ هذا هو ما يدور حوله الظهور بمظهر الوقار أمام الآخرين. لكي يظهر الناس بمظهر الوقار أمام الآخرين، كانوا في العصور القديمة يخضعون للامتحانات الإمبراطورية ويحصلون على الأوسمة العلمية. في الوقت الحاضر، يذهب الناس إلى الكليات، ويخضعون لامتحانات القبول في الدراسات العليا، ويدرسون للحصول على درجة الدكتوراه، وهم أيضًا يثابرون في دراستهم رغم الصعاب، ويكدحون في تعلم معرفة غير مفيدة من الفجر إلى وقت متأخر من الليل، ولعام تلو العام. وأحيانًا يشعرون بالتعب الشديد لدرجة أنهم لا يعودون يرغبون في الدراسة، ويتوقون إلى أخذ قسط من الراحة، لكنهم يتعرضون للتوبيخ من آبائهم الذين يقولون لهم: "متى ستظهر أي قدر من البشرى؟ هل ما تزال تريد أن تظهر بمظهر وقور أمام الآخرين؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف لك أن تفعل ذلك دون معاناة بينما هم غير منتبهين إليك؟ لن تسقط ميتًا إن فوَّتَ استراحة قصيرة، أليس كذلك؟ اذهب للاستذكار! اذهب لأداء واجباتك!". فيقول الواحد منهم: "لقد انتهيت من واجبي المنزلي وراجعت دروس اليوم. هل يمكنك أن تدعني أستريح قليلاً؟" لكن الوالد يجيب: "بالتأكيد لا! إذا أردت أن تظهر بمظهر وقور عندما ينظر إليك الناس، فعليك أن تعاني عندما لا يلتفتون إليك". يتأملون في هذا الأمر ويفكرون: "والداي يفعلان كل هذا من أجل مصلحتي، فلماذا أنا عنيد ومنشغل بالاستمتاع؟ يجب أن أفعل ما يُقال لي. يُقال إنك تتجاهل من هم أكبر منك سنًا على مسؤوليتك، لذا يجب أن أستمع إلى والديّ. سيكونان هكذا لبقية حياتهما. إذا لم أقدرهما حق قدرهما، فسيكون هذا خذلانًا لهما؛ ثم إنه لا يزال أمامي طريق طويل لأقطعه في الحياة، فما قيمة القليل من المعاناة على المدى الطويل؟". عند هذه الفكرة، يضعون كل طاقاتهم في الاستذكار ومراجعة دروسهم وأداء واجباتهم المدرسية. يظلون مستيقظين حتى بعد منتصف الليل يستذكرون ومهما شعروا بالتعب، فإنهم يتمكنون من التغلب عليه. في مسار الحياة، يُلقَّن الناس التأثيرات التكييفية لعائلاتهم باستمرار، وذلك في شكل أفكار وتعبيرات مثل "إذا أردت أن تظهر بمظهر وقور عندما ينظر إليك الناس، فعليك أن تعاني عندما لا يلتفتون إليك"، والتي تظل تشجعهم وتحفزهم. ومن أجل مستقبلهم وآفاقهم ومن أجل الظهور بمظهر وقور أمام الآخرين، فإنهم باستمرار يتعلمون المهارات والمعرفة عندما يكون الناس غير منتبهين. يتسلحون بالمعرفة والمهارات المختلفة ليجعلوا أنفسهم أقوى. كما أنهم يتطلعون أيضًا إلى مآثر مختلف الشخصيات القديمة أو الأشخاص الناجحين لإعطاء أنفسهم دفعة قوية وإثارة روحهم القتالية. إنهم يفعلون كل ذلك بهدف التخلص من الفقر والحال المتوسط والوضاعة في مستقبلهم، وتغيير مصيرهم الذي يتعرضون فيه للتمييز ضدهم، حتى يصبحوا أشخاصًا متفوقين وأفرادًا من النخبة وأشخاصًا يتطلع إليهم الآخرون. تظل هذه التأثيرات التكييفية من أسرهم تدور في أذهانهم مرارًا وتكرارًا، حتى تصبح هذه الملاحظات والأقوال تدريجيًا أفكارهم وآراءهم الراسخة وطرقهم المحددة في التعامل مع العالم، وتصبح أيضًا نظرتهم الجوهرية تجاه الوجود والهدف الذي يسعون إليه.

تشريح لـ "مثلما يحتاج السياج إلى دعم ثلاثة أوتاد، يحتاج الرجل القدير إلى دعم ثلاثة أشخاص آخرين"

يقول بعض الآباء لأبنائهم: "يجب أن تتعلم تكوين صداقات مع الآخرين. فمثلما يرد في القول: "مثلما يحتاج السياج إلى دعم ثلاثة أوتاد، يحتاج الرجل المقتدر إلى دعم ثلاثة أشخاص آخرين". حتى السياسي المذموم تشين هوي من سلالة سونغ(أ) كان لديه ثلاثة أصدقاء. أينما ذهبت، تعلّم كيف تتوافق مع الآخرين وتحافظ على علاقات شخصية جيدة. يجب أن يكون لديك بعض الأصدقاء المقربين على أقل تقدير. حالما تدخل المجتمع، ستواجه جميع أنواع الصعوبات في الحياة والعمل وعند تدبير شؤونك. إذا لم يكن لديك أصدقاء لمساعدتك، فسيتعين عليك مواجهة جميع أنواع الصعوبات والمواقف المحرجة بمفردك. إذا كنت تعرف بعض الحيل التي تمكنك من تكوين عدد قليل من الأصدقاء المقربين، فعندما تواجه هذه المواقف والصعوبات المحرجة، سيتقدم هؤلاء الأصدقاء لإخراجك من المشاكل ومساعدتك على النجاح في مساعيك. إذا كنت ترغب في تحقيق أشياء عظيمة، فيجب عليك النزول من برجك العاجي وتكوين صداقات. يجب أن تكون قادرًا على إبقاء جميع أنواع الأشخاص الأقوياء إلى جانبك من أجل دعم مساعيك وحياتك المستقبلية ووجودك. يجب أن تكون قادرًا على الاستفادة من مختلف الأشخاص لمساعدتك في إنجاز الأمور وخدمتك". بصفة عامة، لن ينقل الآباء هذا النوع من الأفكار أو وجهات النظر بشكل صريح، أو يخبروا أبناءهم مباشرةً أنهم بحاجة إلى تعلم تكوين صداقات، والاستفادة من الناس، والقدرة على العثور على أصدقاء لمساعدتهم على النجاح في مساعيهم. على الرغم من ذلك، يوجد بعض الآباء الذين يتمتعون بمكانة ومركز في المجتمع، أو الذين يتمتعون بالدهاء والمكر بشكل خاص، والذين يؤثرون على أبنائهم من خلال كلماتهم وسلوكهم. علاوة على ذلك، عندما يرى أبناؤهم ويسمعون أفكارهم ووجهات نظرهم وطرق التعامل مع العالم من خلال الأشياء التي يقولونها ويفعلونها في الحياة اليومية، فإن هذا يكون بمثابة تأثير تكييفي على الأبناء. في ظل التكييف المتمثل في أنك لا تحكم بشكل صحيح على الأشياء الإيجابية والأشياء السلبية وتميز بينها، فإنك تتأثر عن غير قصد بكلمات وأفعال والديك وتقبل أفكارهم ووجهات نظرهم، أو تُغرَس هذه الأفكار والآراء عن غير قصد في أعماق قلبك، وتصبح الأساس الرئيسي والمبدأ اللذان من خلالهما تفعل الأمور. قد لا يخبرك والداك مباشرة أن "تكون المزيد من الصداقات، وأن تتعلم كيفية جعل الناس يفعلون أشياء من أجلك، وأن تستفيد من نقاط قوة الناس، وأن تتعلم الاستفادة ممن حولك". على الرغم من ذلك، فإنهم يصيبونك ويكيفونك من خلال ممارسة الأفكار والآراء التي يعظون بها من خلال أفعالهم. وهكذا يصبح والداك معلماك الأولان في هذا الأمر، ويجهزانك فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الأشياء، وكيفية التعايش مع الناس، وكيفية تكوين صداقات في هذا المجتمع، وكذلك يجهِّزانك فيما يتعلق بالغرض من تكوين صداقات، والسبب في أنه ينبغي عليك تكوين صداقات، ونوع الصداقات الذي يجب عليك تكوينه، وكيفية أن يكون لك موطئ قدم في المجتمع، وأساسيات وطرق الحصول على موطئ قدم، وما إلى ذلك. وهكذا، فإن والديك يكيفانك من خلال ممارسة ما يعظان به. مع نموك من مرحلة الطفولة إلى البلوغ تتشكل هذه الأفكار والآراء عن غير قصد تدريجيًا، وتتحول من وعي بسيط إلى أفكار وآراء وإجراءات ملموسة، بحيث تصبح – خطوة بخطوة – مغروسة بعمق في قلبك ونفسك وتصبح طريقتك وفلسفتك للتعاملات الدنيوية. ما رأيك في القول "مثلما يحتاج السياج إلى دعم ثلاثة أوتاد، يحتاج الرجل المقتدر إلى دعم ثلاثة أشخاص آخرين" بوصفه طريقة للتعامل مع العالم؟ (إنه سيء). هل ثمة شيء اسمه صديق حقيقي في هذا العالم؟ (لا). لماذا إذن يحتاج السياج إلى دعم ثلاثة أوتاد؟ ما الهدف من وجود ثلاثة أوتاد؟ لجعله أكثر استقرارًا فحسب. لن يكون مستقرًا مع وتدين، ولن يفلح وتد واحد على الإطلاق. إذن ما هو المبدأ المعني هنا للتعامل مع العالم؟ حتى الرجل المقتدر، مهما كانت قدرته، لا يمكنه التصفيق بيد واحدة، ولن يصل إلى أي مكان. إذا كنت ترغب في تحقيق شيء ما، فأنت بحاجة إلى أشخاص لمساعدتك. وإذا كنت تريد أن يساعدك الناس، فأنت بحاجة إلى تعلم كيفية التصرف والتعامل مع العالم، وتكوين صداقات على نطاق واسع وتجميع قوة من أجل إنجاز الأشياء. من أجل تحقيق أي شيء، كبيرًا كان أم صغيرًا، سواء كان ذلك شق طريقك في مهنة ما، أو الحصول على موطئ قدم في المجتمع، أو إنجاز شيء أكبر، يجب أن تكون محاطًا بأشخاص تثق بهم أو توقرهم، ويمكنك استخدامهم لمساعدتك على تحقيق المساعي التي تريد القيام بها، وإلا فسيكون الأمر مثل محاولة التصفيق بيد واحدة. بالطبع هذه هي قواعد فعل أي شيء في هذا العالم، لأنه لا يوجد عدالة في المجتمع، بل مكائد ونضال فقط. إذا سرت على الطريق الصحيح واضطلعت بقضايا عادلة، فلن يستحسن ذلك أحد، ولن يفلح ذلك في هذا المجتمع. مهما كان نوع المسعى الذي تقوم به، يجب أن يكون لديك بعض الأشخاص لمساعدتك ولتجميع قوة في المجتمع. إذا كان هناك أشخاص يستسلمون لك ويخافون منك أينما ذهبت، فسيكون لك موطئ قدم ثابت في المجتمع، وسيكون من الأسهل عليك كثيرًا القيام بمساعيك، وسيكون هناك أشخاص يعطونك الضوء الأخضر. هذا موقف وطريقة للتعامل مع العالم. أيًا يكن ما تريد القيام به، سيخبرك والداك دائمًا: "مثلما يحتاج السياج إلى دعم ثلاثة أوتاد، يحتاج الرجل المقتدر إلى دعم ثلاثة أشخاص آخرين". إذن، هل هذا المبدأ للتعامل مع العالم صحيح أم خطأ؟ (خطأ). ما الخطأ فيه؟ (ما إذا كان الشخص قادرًا على إنجاز الأشياء لا يعتمد على قوته أو موهبته، بل على سيادة الله وترتيباته). يعتمد ذلك على سيادة الله وترتيباته، وهذا جانب. إضافة إلى ذلك، ما هو هدف الناس من رغبتهم في أن يساعدهم الآخرين في المجتمع؟ (لتمكين أنفسهم من التفوق على البقية). هذا صحيح. الهدف من وجود هذه الأوتاد الثلاثة لدعمك هو إيجاد مكان لنفسك والحصول على موطئ قدم ثابت. بهذه الطريقة، لا يمكن لأحد أن يسقطك، وحتى إذا رُكل وتد واحد، فسيكون الوتدان الآخران موجودين لدعمك. يمكن للأشخاص الذين لديهم درجة معينة من السلطة القيام بالأشياء بسهولة في هذا المجتمع، دون القلق بشأن القانون أو مشاعر الناس أو الرأي العام. أليس هذا هدف الناس؟(بلى). بهذه الطريقة، يمكنك أن تصبح شخصًا يتخذ القرارات وله صوت في المجتمع، ولا يمكن للقانون ولا أي رأي عام أن يهز استقرارك أو يربكك. سيكون لك القول الفصل في اتجاهات هذا المجتمع وفي أي جماعة اجتماعية. سوف تكون السلطة التي يرجع الجميع إليها. ألن يمكنك حينئذٍ أن تفعل ما يحلو لك؟ يمكنك أن ترتفع فوق القانون، وترتفع فوق مشاعر الناس، وترتفع فوق الرأي العام، وترتفع فوق الأخلاق، وترتفع فوق إدانة الضمير. هل هذا هو الهدف الذي يريد الناس تحقيقه؟ (نعم). هذا هو الهدف الذي يريد الناس تحقيقه. هذه هي القاعدة الأساسية لأفعال الناس التي تمكنهم من تحقيق طموحاتهم ورغباتهم. كما ترى، بعض الناس يصبحون أخوة محلَّفين في المجتمع. من بين هؤلاء، أخ أكبر هو الرئيس التنفيذي لمؤسسة ما، وأخ أصغر هو رئيس مجموعة ما، والبعض الآخر سياسيون أو زعماء في عالم الجريمة. بعض الناس لديهم أصدقاء يعملون كمديري مستشفيات أو جراحين كبار أو رؤساء تمريض، وبعض الناس يتخذون بعض الأصدقاء الجيدين في مجال عملهم. هل يتخذ الناس هؤلاء الأصدقاء حقًا لأنهم يشاركونهم نفس الآراء والاهتمامات؟ أو لأنهم يريدون حقًا دعم القضايا العادلة معًا؟ (لا). إذن لماذا يفعلون ذلك؟ يفعلون ذلك لأنهم يريدون تجميع نوع من القوة، وتوسيع هذه القوة وتعزيزها، والاعتماد عليها في النهاية للحصول على موطئ قدم والبقاء في المجتمع، والعيش في القمة، والاستمتاع بحياة الترف والرفاهية؛ لن يجرؤ أحد على التنمر عليهم، وحتى لو ارتكبوا جرائم، فلن يجرؤ القانون على معاقبتهم. وإذا ارتكب الشخص منهم جرائم، فسوف يتقدم أصدقائه لمساعدته. سيتحدث أحد الأصدقاء نيابة عنه، وسيساعد صديق آخر في تهدئة الأمور في المحكمة والضغط على كبار السياسيين من أجل الرأفة، ومن ثمَّ سيخرج من مركز الشرطة في أقل من 24 ساعة. مهما كانت مدى خطورة الجريمة التي ارتكبها، فلن تصل إلى شيء ولن يُضطر حتى إلى دفع غرامة. في النهاية، سيقول العامة: "يا إلهي، هذا الشخص له شأنه حقًا. كيف تمكن من التخلص من المأزق بهذه السرعة بعد ارتكاب مثل هذه الجريمة الخطيرة؟ لو كنا نحن من ارتكبناها لكان قد انتهى أمرنا، أليس كذلك؟ كان المطاف سينتهي بنا في السجن، أليس كذلك؟ انظر إلى ما لديه من أصدقاء. لماذا لا يمكننا تكوين صداقات من هذا القبيل؟ لماذا مثل هؤلاء الأشخاص بعيدون عن متناولنا؟" وسيصير الناس حاسدين. كل هذه الأمور ناتجة عن الظلم الاجتماعي والظهور المستمر لاتجاهات الشر في المجتمع. ليس لدى الناس أي شعور بالأمان في هذا المجتمع. وهم دائمًا يريدون تملق قوى معينة ومقارنة قوى بعضهم بعضًا. ولا سيما بالنسبة إلى أولئك الذين يعيشون في قاع المجتمع، حتى لو كان لديهم وسيلة ما لكسب العيش، فهم لا يعرفون متى سيواجهون خطرًا أو صعوبة، وأكثر ما يخشونه هو مواجهة كارثة غير متوقعة، أو مواجهة بعض الحوادث المؤسفة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأي شيء يتصل بالقانون، لذلك يعيشون الحياة غير راغبين أبدًا في أن تكون لهم أي علاقة بالشرطة أو المحاكم. نظرًا لأن الناس ليس لديهم شعور بالأمان في هذا المجتمع، يتعين عليهم باستمرار تكوين صداقات وإيجاد حلفاء أقوياء يعتمدون عليهم. كما ترى، عندما يكون الأطفال الصغار في المدرسة، يتعين عليهم مصادقة اثنين أو ثلاثة للعب معهم؛ وإلا ينتهي الأمر دائمًا بتعرضهم للتنمر عندما يكونون بمفردهم، ولا يجرؤون على إخبار المعلم بتعرضهم للتنمر، لأنهم إن فعلوا ذلك، فسيُضربون لا محالة في طريقهم إلى المنزل من المدرسة. حتى لو كان المعلمون لطيفين معك وكان أداؤك الأكاديمي جيدًا إلى حد ما، إذا كنت لا تعرف كيفية تكوين صداقات أو التحالف مع الأشخاص الشرسين من حولك، فسوف ينتهي بك الأمر إلى ورطة إذا قمت باستفزازهم. وفي بعض الأحيان، حتى لو لم تستفزهم، فسيحاولون تضليلك عندما يرونك تستذكر دروسك جيدًا، وإذا لم تستمع إليهم، فسوف تتعرض للضرب أو التنمر. حتى البيئات المدرسية تجعل الناس يشعرون بعدم الأمان، لذا فإن هذا العالم مخيف حقًا، ألا تعتقد ذلك؟ لذلك، فإن ما للعائلة من تأثيرات تكييفية عليك في هذا الصدد تأتي من تأثير والديك كنموذج يُحتذى به من ناحية ما، ومن جهة أخرى، فإنها تأتي من مخاوف الناس بشأن المجتمع. نظرًا لعدم وجود عدالة في هذا المجتمع، ولا أي قوة أو ميزة يمكن أن تحمي حقوقك الإنسانية ومصالحك، غالبًا ما يعاني الناس من الرهبة والخوف من هذا المجتمع. ونتيجة لذلك، فإنهم يقبلون بطبيعة الحال التأثيرات التكييفية لفكرة أنه "مثلما يحتاج السياج إلى دعم ثلاثة أوتاد، يحتاج الرجل المقتدر إلى دعم ثلاثة أشخاص آخرين". لأنه في البيئات الحقيقية التي يوجد فيها الناس، ثمة حاجة إلى مثل هذه الأفكار ووجهات النظر لدعم بقائهم، وتمكينهم من التحول من حياة العزلة والوحدة إلى حياة الاعتماد والشعور بالأمان. لذلك، يعتبر الناس الاعتماد على قوة ما والاعتماد على الأصدقاء في هذا العالم أمرًا مهمًا للغاية.

تشريح لـ "ستجعل السيدة نفسها جميلة لأولئك الذين يعجبون بها، بينما يضحي الرجل النبيل بحياته من أجل أولئك الذين يفهمونه"

بخصوص الطرق التي يُكيَّف بها الناس على يد عائلاتهم، فإضافة إلى الأقوال التي ذكرناها للتو، والذي كان " من بين أي ثلاثة أشخاص يسيرون معًا، هناك واحد على الأقل يمكن أن يكون معلمي "، توجد بعض الطرق الأكثر تحديدًا التي تعلِّم بها العائلات الناس. على سبيل المثال، يميل الآباء إلى تعليم بناتهم، من خلال قول أشياء مثل: "ستجعل السيدة نفسها جميلة لأولئك الذين يعجبون بها، بينما يضحي الرجل النبيل بحياته من أجل أولئك الذين يفهمونه". أيضًا، "لا توجد نساء قبيحات في العالم، فقط نساء كسالى". يجب أن تتعلم النساء أن يحببن أنفسهن، وأن يتأنقن في ملبسهن، وأن يجعلن أنفسهن جميلات. بهذه الطريقة، سيحبك الناس أينما ذهبت، وسيقوم المزيد من الأشخاص بعمل أشياء من أجلك ويعطونك الضوء الأخضر. إن أحبك الناس، فلن يتعبوك بطبيعة الحال أو يصعبوا الأمور عليك". يقول بعض الآباء لبناتهم: "يجب أن تتعلم الفتيات التأنق في ملبسهن، ووضع مساحيق التجميل، وأهم حتى من ذلك أنهن يجب أن يتعلمن أن يكن لطيفات". ما يقولونه حقًا هو أنك بحاجة إلى تعلم كيفية استعراض نفسك. يقولون أيضًا أشياء مثل: "لا تكوني امرأة قوية. ما فائدة أن تكون المرأة قوية ومستقلة للغاية؟ مثل هؤلاء النساء لا يتأنقن في ملبسهن أبدًا، لكنهن يعشن مثل الرجال، ويتحركن طوال اليوم في انشغال واستعجال، وهن لسن لطيفات كذلك. تولد النساء ليشغف بهن الرجال. لا يحتجن إلى أن يكن مستقلات أو يتعلمن أي مهارات. لا يحتجن سوى إلى تعلم كيف يتأنقن في ملبسهن، وكيف يرضين الرجال، وكيف يقمن بما يجب أن تجيد المرأة القيام به. المرأة التي يحبها الرجال ويعتزون بها ستكون سعيدة طوال حياتها". بعض النساء يكيفهن آبائهن على هذا النحو. فهن من جهة ينظرن إلى كيفية سلوك أمهاتهن بوصفهن نساءً، ومن جهة أخرى، بعد تكييف آبائهن لهن، يحولن أنفسهن إلى نساء مبهجات للعين حقًا، من خلال التأنق في ملبسهن وتجميل أنفسهن باستمرار. هل ثمة وجود لمثل هؤلاء الناس؟ (نعم). النساء اللواتي يكبرن في هذا النوع من البيئة العائلية يولين أهمية كبيرة لمظهرهن وملابسهن وهويتهن الأنثوية. إنهن لا يغادرن المنزل دون وضع المكياج وتغيير ملابسهن أولًا. إنَّ بعض النساء – مهما بلغ انشغالهن بالعمل – لا بد أن يغسلن شعورهن ويتحممن ويضعن بعض العطر قبل مغادرة المنزل، وإلا فلن يخرجن، وعندما لا يكون لديهن ما يشغلهن، فكل ما يفعلنه هو النظر في المرآة وتصفيف شعرهن. من يدري كم مرة تنظر هؤلاء النساء في المرآة كل يوم! لقد خضعن بعمق لتكييف أفكار وآراء مثل: "ستجعل السيدة نفسها جميلة لأولئك الذين يعجبون بها، بينما يضحي الرجل النبيل بحياته من أجل أولئك الذين يفهمونه"، لذلك يولين اهتمامًا كبيرًا لقوامهن وكيف تبدو وجوههن. إنهن لن يخرجن إذا بدت بشرتهن في حالة أسوأ ولو بدرجة طفيفة، ولن يظهرن وجوههن في الأماكن العامة إذا كان بها حب الشباب. إذا لم تكن حالتهن المزاجية في أحد الأيام تسمح بوضع مساحيق التجميل، فلن يخرجن. أو، إذا قصصن شعرهن لكن القَصَة كانت لا تبدو لطيفة جدًا، وكن لا يبدين جميلات في أعين الآخرين، فلن يخرجن إلى العمل، لئلا يقل تقدير الناس لهن. هؤلاء النساء يقضين اليوم بطوله في العيش من أجل هذه الأشياء. سيبقين أيديهن مخفية عن الأنظار إذا كان لديهن لدغة بعوضة على أيديهن، وإذا كانت على سيقانهن، فسيغطينها لأنهن لن تبدين جميلات في التنورة، وأيضًا لن يخرجن، ولا يمكنهن أداء واجبهن. كل شيء صغير من شأنه أن يعكر صفوهن ويوقفهن في مكانهن، لذلك تصبح الحياة صعبة ومتعبة للغاية بالنسبة إليهن. لكي تحافظ الواحدة منهن على كرامتها بوصفها سيدة وتجنب أن تصبح سيدة قبيحة، فإنها تبذل جهودًا كبيرة وتتحمل مشقة عظيمة للعناية بوجهها وقوامها وطريقة تصفيف شعرها، ومن أجل تجنب أن تصبح امرأة قبيحة، فإنها تتخلص من عاداتها السيئة السابقة والكسل. مهما يكن انشغالهن في العمل، فلا بد لهن من التأنق في ملابسهن والتزين بعناية وعلى نحو جميل للغاية. إذا كان الحاجبان غير مرسومين جيدًا، فإنهن يُعِدن رسمهما. وإذا كان أحمر الخدود غير موزَّع بالتساوي، فإنهن يُعِدن وضعه. لن يخرجن من باب المنزل ما لم يقضين ساعة على الأقل أو ساعتين في وضع مساحيق التجميل. بعض النساء، بمجرد استيقاظهن في الصباح، يبدأن هذه التمثيلية الكاملة المتمثلة في الاستحمام وارتداء الملابس وتغيير الملابس. إنهن يفكرن ويعدن التفكير، ويجربن هذا وذاك، حتى يحل منتصف النهار دون أن يغادرن المنزل بعد. لا بد أن الأمر صعب للغاية عليهن، أن تبتلع هذه الأشياء التافهة وقتهن وطاقتهن المحدودين. إنهن لا يفعلن أي شيء جاد على الإطلاق، وبمجرد أن يفتحن أعينهن، كل ما يفكرن فيه هو التأنق في ملابسهن وجعل أنفسهن جميلات. بعض هؤلاء الأشخاص متأثرات بأفكار أمهاتهن وآرائهن، بينما الأخريات تخبرهن أمهاتهن صراحةً بما يجب عليهن فعله، ويتعلم البعض من النموذج الذي تضعه لهن أمهاتهن من خلال تصرفاتهن. باختصار، هذه كلها طرق يُكيَّف بها الناس على يد عائلاتهم.

تشريح لـ "البنات يجب أن يتربين كالأطفال الأغنياء، والأولاد كالأطفال الفقراء"

ترى بعض العائلات أن "البنات يجب أن يتربين كالأطفال الأغنياء، والأولاد يتربون كالأطفال الفقراء". هل سمعت هذا القول؟ (نعم سمعته). ماذا يعني هذا القول؟ إنهم جميعًا أطفال، فلماذا يجب تربية الفتيات كالأطفال الأغنياء، والأولاد كالأطفال الفقراء؟ إنَّ الثقافة التقليدية تقدِّر الذكور بصفة عامة وتعلِّق أهمية أقل على الإناث، فلماذا يبدو أن هذا القول يقدر الفتيات أكثر من الفتيان؟ إذا تَرَبَّتْ الابنة كطفلة غنية، فأي نوع من البنات ستصبح؟ أي نوع من الأشياء ستصبح؟ (شخص مدلل ومتسلط وتحكمي إلى حد ما). شخص عنيد، هش، غير قادر على تحمل أي مشقة، غير قادر على الاهتمام، غير عقلاني، غير معقول، وغير قادر على التمييز بين الخير والشر – ما الذي يمكن أن يصل إليه مثل هذا الشخص؟ هل هذه هي الطريقة الصحيحة لتعليم شخص ما؟ (لا). تربية شخص ما بهذه الطريقة سيدمره. إذا ربيت ابنتك كطفلة غنية، على الرغم من أنها ستنشأ في بيئة عائلية تلبي لها كل احتياجاتها الأساسية، وسيكون لديها القليل من الرقي، فهل ستفهم المبادئ الحقيقية للتصرف؟ إذا لم تفهم، فإن هذا النوع من نهج التربية الأبوية يؤذيها ويضرها، بدلًا من حمايتها. ما دافع الآباء لتربية بناتهم على أساس هذا المبدأ؟ ستكون الابنة التي تُربى بهذه الطريقة راقية ولن تقع بسهولة في حب الرجال الذين يشترون لها فساتين جميلة، أو ينفقون عليها القليل من المال، أو يغدقون عليها هدايا وخدمات تافهة. لذلك، لن يبهرها الرجل العادي. لا بد أن يكون الرجل غنيًا للغاية، ونبيلًا مثاليًا، وراقيًا للغاية، وكائدًا للغاية وماكرًا، وداهية جدًا من أجل كسب قلبها، وإبهارها، ولكي يستحق أن يتزوجها. هل تعتقد أن تزويج ابنتك لشخص كهذا أمر جيد أم سيء؟ إنه بالتأكيد ليس شيئًا جيدًا، أليس كذلك؟ علاوةً على ذلك، إذا ربَّيت ابنتك كطفلة غنية، فإلى جانب أنها ستعرف كيف تستمتع، وترتدي الملابس الأنيقة، وتتناول الطعام الشهي، هل ستكون قادرة على تمييز الناس على حقيقتهم؟ هل سيكون لديها أي مهارات للبقاء على قيد الحياة؟ هل ستكون قادرة على العيش جنبًا إلى جنب مع الآخرين لفترة طويلة؟ ليس بالضرورة. قد تواجه صعوبة في الحفاظ على النظام في حياتها، وفي هذه الحالة، يكون مثل هؤلاء الأشخاص عديمي الجدوى. إنهم مدللون ومتسلطون وتحكميون وعنيدون ووقحون، ومنغمسون في الملذات ومتعجرفون، ولا يتنازلون ويصممون على رأيهم، ولا يعرفون سوى الأكل والشرب والاستمتاع. إلى جانب كل ذلك، لن يكون لديها حتى الحس السليم الأساسي اللازم لتدبر أمورها في الحياة، الأمر الذي سيسبب – على نحو غير ملحوظ – متاعب لبقائها وحياتها العائلية مستقبلًا. ليس شيئًا جيدًا أن يعلِّم الوالدان ابنتهما بهذه الطريقة. لم يعلماها مبادئ التصرف، بل كيفية الاستمتاع بالحياة فحسب. لذا، ألن تضطر إلى تحمل المشقة إذا لم تستطع كسب ما يكفي من المال في المستقبل؟ ألن تجد صعوبة في تدبر أمورها حينئذٍ؟ هل ستكون قادرة على تحمل ذلك؟ ألن تكون هشة متى ما واجهت صعوبات في المستقبل؟ هل سيكون لديها المثابرة اللازمة لمواجهة كل هذه المصاعب؟ لا تراهن على ذلك. عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين يستمتعون بالحياة المادية أكثر من اللازم، والذين اعتادوا بشكل مفرط على حياة السهولة والرفاهية، والذين لم يعانوا على الإطلاق، فما هي أكبر مشكلة في إنسانيتهم؟ المشكلة أنهم هشون وليس لديهم الإرادة لتحمل المصاعب، ومثل هؤلاء الناس سيهلكون. لذا، فإن التعليم الذي يتلقاه الأطفال من عائلاتهم، سواء عن طريق الآباء أو من خلال الاتجاهات الاجتماعية، يأتي بالأساس من بين البشر. سواء كانت هذه الأقوال المتنوعة تتشكل في فكرة أو وجهة نظر، أو تصبح بالنسبة للناس طريقة للحياة أو للبقاء، فإنها تجعل الناس ينظرون إلى هذه المشكلات من منظور متطرف ومتحيز ومشوَّه. باختصار، هذه الأقوال التي تأتي من العائلة، تؤثر بدرجة زادت أو قلت، على طريقة نظر الناس إلى الناس والأشياء وطريقة تصرفهم وفعلهم. وبما أن هذه الأشياء تؤثر فيك، فإنها ستؤثر أيضًا في سعيك إلى الحق. لذلك، بغض النظر عما إذا كانت هذه الأقوال والأفكار ووجهات النظر التي تأتي من أبوي المرء نبيلة وشديدة الذكاء، أم تافهة وغبية، فإنه يجب على الجميع إعادة فحصها وإعادة تقييمها وتعلم تمييزها على حقيقتها. إذا بدأتْ في ممارسة تأثير معين عليك، أو سببتْ اضطرابًا في حياتك وفي سعيك إلى الحق، أو جعلت حياتك فوضى كاملة، أو أعاقت طلبك للحق وقبول الحق متى واجهت الناس والأحداث والأشياء، فعليك أن تتخلى عنها فحسب.

تشريح لـ "لا يحتاج الناس أن يتمتعوا بمعدل ذكاء مرتفع، بل يحتاجون فقط إلى ذكاء عاطفي مرتفع"

هناك أيضا ادعاءات متداولة في المجتمع فيما يتعلق بمفاهيم الذكاء العاطفي ومعدل الذكاء. تشير هذه الادعاءات إلى أن الناس لا يحتاجون إلى معدل ذكاء مرتفع، ولكنهم يحتاجون فقط إلى ذكاء عاطفي مرتفع. معدل الذكاء يتعلق بمستوى قدرات الشخص، في حين أن الذكاء العاطفي يتعلق بالحيل التي يتعامل بها الشخص مع العالم. هذا هو فهمي الأساسي لهذين المصطلحين. ربما يكون معدل ذكائك مرتفعًا جدًا، وأنت أكاديمي حقًا، وواسع المعرفة حقًا، ومهاراتك في التواصل رائعة، وقدرتك على البقاء قوية جدًا، لكن ذكائك العاطفي ليس مرتفعًا، وليس لديك حيل للتعامل مع العالم، أو حتى إذا كنت تمتلك بعض الحيل، فإن وسائلك ليست شديدة التطور. في مثل هذه الحالات، لا تمكِّنك معرفتك ومهاراتك وكفاءتك في مجال متخصص إلا من كسب القليل من المال في المجتمع وكسب سبل العيش الأساسية فحسب. الأشخاص ذوو الذكاء العاطفي العالي جيدون بشكل خاص في أن يكونوا ماكرين. إنهم يستفيدون من قوى مختلفة في المجتمع، ومن بيئات جغرافية مفيدة أو فرص مواتية، ومعلومات مفيدة لخلق زخم والتلاعب بالأشياء، والمبالغة في شيء غير ملحوظ وجعله شيئًا له تأثير معين في المجتمع أو داخل أحد المجتمعات المحلية، بحيث يصبح الشخص نفسه مشهورًا، وفي النهاية يبرز من بين الحشود ويصبح شخصًا له شهرة ومكانة. يتمتع هذا النوع من الأشخاص بذكاء عاطفي مرتفع وحيل كثيرة. الناس الذين لديهم حيل هم في الأساس ملوك أبالسة ماكرون. يدافع مجتمع اليوم عن الذكاء العاطفي المرتفع، وقد تكيِّف بعض العائلات في كثير من الأحيان أطفالها بهذه الطريقة، وذلك بقول: "إنه لأمر جيد أن يكون لديك معدل ذكاء مرتفع، لكنك تحتاج أيضا إلى أن يكون لديك ذكاء عاطفي مرتفع. أنت في حاجة إليه عند التفاعل مع زملائك في الفصل وأقرانك وأقاربك وأصدقائك. أكثر ما يدافع عنه هذا المجتمع ليس قوتك، بل أن تكون صاحب حيلة، ومعرفة كيفية تقديم نفسك وكيفية الترويج لنفسك، وكيفية الاستفادة من جميع القوى المختلفة والظروف المفيدة في المجتمع وجعلها تعمل لصالحك وتخدمك؛ سواء كنت تفعل ذلك من أجل اغتنام الفرصة لكسب ثروة، أو تفعله لتصبح مشهورًا. هؤلاء الناس هم جميعًا أشخاص يتمتعون بذكاء عاطفي مرتفع". بعض العائلات المعينة أو بعض الآباء ذوي الشهرة والهيبة في المجتمع غالبًا ما يعلمون أطفالهم بهذه الطريقة، بقول: "الرجل ذو الذكاء العاطفي محبوب من الرجال والنساء على حد سواء، في حين أن الرجل الذي ليس لديه ذكاء عاطفي غير محبوب من الجميع. المرأة ذات الذكاء العاطفي سيحبها الكثيرون جدًا من الرجال والنساء، وسيسعى في طلبها العديد من الذكور، في حين أنه إذا لم يكن لدى المرأة ذكاء عاطفي، فلن يسعى في طلبها سوى القليل منهم مهما كانت جميلة". إذا لم يكن لدى الناس الذين يعيشون في مجتمع اليوم أي تمييز لهذه الادعاءات المقدَّمة من عائلاتهم، فسيتأثرون عن غير قصد بهذه الأفكار والآراء، وكثيرًا ما سيقيسون معدل ذكائهم، وعلى وجه الخصوص، غالبًا ما سيقارنون أنفسهم بمعايير معينة لتحديد ما إذا كان لديهم ذكاء عاطفي، وتحديد مدى ارتفاع ذكائهم العاطفي بالفعل. بغض النظر عما إذا كان لديك وعي قوي أو واضح بهذه الأشياء أم لا، فيكفي أن نقول إن التأثيرات التكييفية لعائلتك في هذا الصدد ستكون قد بدأت بالفعل في التأثير عليك. ربما تكون غير ملحوظة، وربما لا تحتل مكانًا بارزًا في أفكارك. ولكن عندما تسمع هذه الأشياء ولا تميزها، فإنها ستكون قد بدأت بالفعل في تكييفك إلى حد ما.

تشريح لـ "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى نبرته"

ثمة تأثيرات تكييفية أخرى تأتي من عائلة المرء. على سبيل المثال، غالبًا ما يخبر الآباء أطفالهم: "عندما تكون في صحبة آخرين، فأنت لا تعرف كيف تبدو ذكيًا وتتصرف دائمًا بغباء وجهل. كما يقول المثل: "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله". لذلك عندما يتحدث الناس إليك، يجب أن تتعلم الاستماع إلى ما يقولونه، وإلا فسوف ينتهي بك الأمر إلى خيانة الآخرون لك ودفعك لثمن الامتياز! هل يقول بعض الآباء هذا في كثير من الأحيان؟ ما الذي يحاولون قوله حقًا؟ لا تكن شخصًا صادقًا، كن أكثر مكرًا. وهذا يعني، اقرأ دائمًا ما بين سطور ما يقوله الشخص الآخر، واستمع دائمًا إلى المعنى المبطن الذي لا يقوله في كلماته، وتعلم تخمين ما يعنيه الآخرون فعلًا، ثم تبنّ التدابير أو الحيل المقابلة بناء على هذا المعنى غير المعلن. لا تكن سلبيًا، وإلا فسوف ينتهي بك الأمر إلى التعرض للخيانة ودفعك ثمن هذا الامتياز. من منظور والديك، هذه الكلمات كلها حسنة النية، وتهدف إلى حمايتك من الإتيان بأمور حمقاء، أو من خيانة الآخرين لك في هذا المجتمع الشرير، وحمايتك من أن تتعرض للخديعة أو فعل شيء أحمق. لكن هل هذا القول متسق مع الحق؟ (لا، ليس متسقًا معه). لا، ليس متسقًا معه. في بعض الأحيان يتمكن الناس من الاستماع إلى المعاني الخفية فيما يقوله الآخرون. حتى إذا لم تنتبه، فلا يزال بإمكانك الاستماع إلى المعاني الخفية. فماذا ينبغي أن تفعل؟ وفقًا لهذه المقولة التي يقولها لك والداك: "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله"؛ يجب عليك الحذر من الآخرين واليقظة لهم في جميع الأوقات، وفي الوقت نفسه الذي تحذر فيه منهم، يجب عليك اتخاذ تدابير وقائية قبل أن يؤذوك أو يخدعوك. والأهم من ذلك، يجب أن تضرب أولًا وألا تضع نفسك في موقف سلبي أو معضلة. هل هذا هو الهدف النهائي الذي يريد الآباء تحقيقه من خلال إخبارك بهذه المقولة؟ (نعم). إنه ألا تكون سلبيًا عندما تتفاعل مع الآخرين، سواء كانوا يؤذونك أم لا. يجب أن تأخذ زمام المبادرة بين يديك، وأن تمسك مقبض السكين بيديك، بحيث يتسنى لك أن تحمي نفسك فحسب متى ما أراد شخص ما إيذائك، وليس هذا فحسب، بل يمكنك أيضًا أخذ زمام المبادرة بضربه وإيذائه، وأن تكون أكثر قوة وقسوة منه. هذا في الواقع هو الهدف والمعنى الجذري لكلمات والديك. عند تحليل هذه المقولة بهذه الطريقة، فمن الواضح أنها لا تتفق مع الحق، وأنها غير متسقة تمامًا مع ما قصده الله عندما قال للناس: "كُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ". إن المبادئ والطرق الحكيمة التي يقولها الله للناس هي لمساعدتهم على تمييز مخططات الآخرين الماكرة، وحماية أنفسهم من الوقوع في الغواية والاختلاط بالأشرار، والامتناع عن استخدام الطرق الشريرة للتعامل مع الشر، واستخدام مبادئ الحق عوضًا عن ذلك للتعامل مع أي فعل للشر وأي شخص شرير. في حين أن الطريقة التي يخبر بها الآباء أبناءهم: "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله"، تتعلق برد الشر بالشر، أي إذا كان الشخص الآخر شريرًا، فينبغي أن تكون أكثر منه شرًا. إذا كانت كلماته تحمل معنى خفيًا، فأنت متفوق عليه ويمكنك إدراك هذا المعنى والتعرف عليه، وفي الوقت نفسه، بناء على هذا المعنى الخفي، يمكنك استخدام الأساليب والحيل المقابلة للتعامل معه، ومواجهته، وقمعه، وجعله يخشاك، ويخضع لك، وجعله يعرف بأنه لا يمكنه التنمر عليك أو العبث معك. هذا ما تعنيه مواجهة الشر بالشر. من الواضح أن طريق الممارسة ومعيار الممارسة اللذين يتم توصيلهما إليك والنتيجة التي يتم تحقيقها من خلال هذا القول ستقودك إلى فعل الشر والانحراف عن الطريق الصحيح. عندما يخبرك والداك أن تتصرف على هذا النحو، فهما لا يطلبان منك أن تكون شخصًا لديه الحق أو شخصًا يخضع للحق، ولا يطلبان منك أن تكون كائنًا مخلوقًا حقيقيًا. إنهما يطلبان منك مواجهة الشر والتغلب عليه باستخدام طرق أكثر شرًا من طرق الشخص الشرير الذي في مواجهتك. هذا ما يقصد والداك أن يقولاه. هل هناك أي والد يقول ما يلي؟ "إذا هاجمك شخص شرير، مارس ضبط النفس. ينبغي أن تتجاهله وتميز حقيقته. أولًا، حدد جوهر الشخص الشرير بداخله، وميزه على حقيقته. ثانيًا، تعرف على الأعمال الشريرة والشخصيات الفاسدة في نفسك التي تشبه ما لديه أو تماثله، ثم اطلب الحق لعلاجها". هل يخبر أي من الآباء أبناءهم بذلك؟ (لا). عندما يخبرك والداك: "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله، يجب أن تحذر، وإلا فسوف ينتهي بك الأمر إلى خيانة الآخرين لك ودفع ثمن الامتياز، ويجب أن تتعلم أن تضرب أولًا"، بغض النظر عن مقصد والديك الأصلي في قول هذا، أو التأثير النهائي الذي يتحقق، فإنه يجعلك مرعبًا بدرجة أكبر، وأكثر قوة، وأكثر تسلطًا، وأكثر هيمنة، وأكثر شراسة، بحيث يخاف الأشرار منك ويتجنبونك حتى عندما يرونك، ولا يجرؤون على العبث معك. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). لذا، هل يمكن القول إن هدف والديك من إخبارك بهذا القول لا يتمثل في تحويلك إلى شخص لديه حس بالعدالة، أو شخص يمتلك الحق، ولا يتمثل في جعلك شخصًا حكيمًا يكون "حكيمًا كالحيات، وبسيطًا كالحمام"؟ هدفهما هو إخبارك أنه يجب أن تكون شخصًا قويًا في المجتمع، وأن تكون أكثر شرًا من الآخرين، وأن تكون شخصًا يستخدم الشر لحماية نفسه، أليس كذلك؟ (بلى). عندما يخبرك والداك "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله"، سواء كان ذلك مقصدهما الأصلي أو التأثير النهائي الذي يتحقق، وسواء أخبرك والداك بمبادئ وأساليب الممارسة للقيام بمثل هذه الأشياء، أو أخبراك عوضًا عن ذلك بأفكارهما ووجهات نظرهما حول مثل هذه الأشياء، من الواضح أن أيًا من هذا لا يتماشى مع الحق، وهو يتعارض مع كلام الله. والداك يجعلانك تصبح شخصًا شريرًا، وليس شخصًا مستقيمًا، ولا شخصًا حكيمًا يتقي الله ويحيد عن الشر. من الواضح أن التعليم والتكييف اللذين يقدمهما لك والداك ليسا شيئين إيجابيين، ولا هما مسارًا صحيحًا. على الرغم من أن والديك قصدا حمايتك، وكان لديهما أفضل المقاصد في القيام بذلك، فإن التأثير الذي حققاه خبيث. إنهما لم يفشلا في حمايتك فحسب، بل وجهاك أيضًا نحو مسار غير صحيح، مما تسبب في فعلك الشر وأن تصبح شخصًا شريرًا. هما لم يفشلا في حمايتك فحسب، بل أضرا بك فعليًا من خلال التسبب في سقوطك في الغواية وعدم البر، والابتعاد عن رعاية الله وحمايته. من وجهة النظر هذه، من المرجح أن تجعلك التأثيرات التكييفية التي تمارسها عائلتك عليك أنانيًا ومنافقًا ومتعطشًا للشهرة والربح والمكانة الاجتماعية، وأن تدمجك على نحو أفضل في اتجاهات الشر، وأن تعطيك حيلًا أكثر تطورًا للتفاعل مع الآخرين، وأن تجعلك – في وجود الآخرين – مراوغًا وشريرًا ومتسلطًا، وتحكميًا، حتى لا يجرؤ أحد على العبث معك أو لمسك. من وجهة نظر والديك، فقد استخدما هذه الأساليب لتكييفك بحيث تكون محميًا في المجتمع، أو، إلى حد ما، بحيث تصبح شخصًا مبجلًا. لكن من منظور الحق، فهما لا يسمحان لك بأن تكون كائنًا مخلوقًا حقيقيًا. إنهما يجعلانك تبتعد عن تعاليم الله والأساليب التي يحذرك بها الله بخصوص الكيفية التي يجب أن تتصرف بها، كما أنهما يجعلانك تبتعد أكثر فأكثر عن الهدف الذي يخبرك الله أن تسعى إليه. أيًا كانت المقاصد الأصلية لوالديك في تكييفك وتعليمك، فإن هذه الأفكار التي كيفاك عليها في النهاية لم تجلب لك سوى الشهرة والربح والفراغ، إضافة إلى جميع الأعمال الشريرة التي عشتها وكشفت عنها، كما أنها أمدتك بمزيد من التأكيد على الجانب العملي لهذه الآثار التكييفية في المجتمع، ولا شيء غير ذلك.

بخصوص هذه الأقوال المستمدة من التكييف الذي تمارسه عائلتك عليك – مثل "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله"، فإنك لن تلقي إليها بالًا إذا نظرت إليها بمعزل عن غيرها. ستشعر أن هذه الأقوال شائعة ومنتشرة على نطاق واسع، وأنه ما من مشكلات كبيرة في مثل هذه الأقوال والأفكار والآراء، لكنك إذا قارنتها بالحق واستخدمت الحق في تشريحها بالتفصيل، فسيتضح لك أن ثمة مشكلات كبيرة بالفعل في هذه الأقوال. على سبيل المثال، إذا كان والداك يقولان لك دائمًا: "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله"، واستخدمت أنت هذا النمط من الوجود بمهارة، فإنك متى ما قابلت أشخاصًا ستظل تتكهن – باستمرار وعلى نحو لا شعوري لا تدركه – بشأن أشياء مثل: "ماذا يقصد بهذا؟ لمَ قال ذلك؟" وبطبيعة الحال، سيكون لديك تخمينات بشأن أفكار الآخرين، وباستمرار ستستمع إلى ما يقولونه وتتفاعل معهم بهذا النمط المعتاد من التفكير، ومن ثمَّ فإنك لن تتأمل الحق، أو كيفية التعايش مع الآخرين، أو ما هي مبادئ التفاعل مع الآخرين، أو مبادئ التواصل معهم، أو كيفية التعامل مع المضامين التي تتعرف عليها في كلام الناس، أو ما الطريقة التي يعلِّم بها الله، أو كيفية تمييز الناس من هذا النوع، أو كيفية التعامل معهم، وغيرها من مبادئ الممارسة التي لم يخبرك بها والداك. ما أخبرك به والداك هو أن تتعلم كيفية التشكيك في أفكار الآخرين، وقد نفذت هذه الطريقة في الممارسة بشكل جيد جدًا؛ فقد وصلت بالفعل إلى درجة إتقانها ولم تعد تستطيع منع نفسك من القيام بها. ولذلك، تتطلب هذه الأمور من الناس أن يهدئوا أنفسهم بشكل منتظم، وأن يفكروا بعناية، ويبذلوا جهدًا في إدراك الأمور. يجب من ناحية ما أن تشرِّح هذه الأمور وتميزها بوضوح؛ ومن ناحية أخرى، متى حدثت هذه الأمور، يجب عليك أن تبذل جهدًا لتغيير طريقة تفكيرك والطريقة التي ترى بها الناس والأشياء. وهذا يعني أنه يجب أن تغير أفكارك وآرائك بشأن التعامل مع مثل هذه الأمور. في المرة القادمة التي تستمع فيها إلى شخص ما وهو يتحدث، وتحاول التكهن بما يقصد قوله حقًا، تخل عن هذه الطريقة في التفكير وفي التعامل مع الناس وفكر مليًا: "ماذا يقصد بقوله هذا؟ إنه لا يتحدث بشكل مباشر ودائمًا ما يراوغ. هذا الشخص مخادع. ما هذا الشيء الذي كان يتحدث عنه؟ ما جوهر هذا الشيء؟ هل يمكنني إدراكه بوضوح؟ إذا كان بإمكاني إدراكه بوضوح، فسأعقد معه شركة مستخدمًا الحجج والآراء التي تتفق مع الحق، وأشرح له الأمر بوضوح، وأجعله يفهم حقيقة هذا الجانب. سأساعده وأصحح أفكاره وآراءه الخاطئة. إضافةً إلى ذلك، فإنَّ الطريقة التي يتحدث بها مخادعة. لا أريد أن أعرف ما يقصده بذلك، أو السبب في أنه يتحدث بهذه الطريقة الملتوية. لا أريد أن أبذل الجهد والطاقة في محاولة التكهن بما يعنيه حقًا. لا أريد دفع هذا الثمن، ولا أريد فعل أي شيء في هذا الصدد. ينبغي فقط أن أدرك أنه شخص مخادع. لن أنخرط معه في الخداع على الرغم من أنه مخادع. مهما يكن مدى خداعه، فسأكون صريحًا معه، وأقول ما ينبغي قوله، وبصدق تام. فكما قال الرب يسوع: "لِيَكُنْ كَلَامُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لَا لَا" (متى 5: 37). إن مواجهة الخداع بالصدق هو أعلى معايير ممارسة الحق". إذا مارست بهذه الطريقة، فستتخلى عن الطرق التي كيَّفك والداك عليها وعلموك إياها، وستتغير مبادئك في الممارسة أيضًا. حينئذٍ، ستكون شخصًا يسعى إلى الحق. وأيًا كانت جوانب تكييف والديك لك التي تتخلى عنها، متى ما حدثت مجددًا أشياء ذات صلة، فستغير أفكارك وآراءك الخاطئة بشأنها، من خلال اتخاذ كلام الله كأساس واستخدام الحق كمعيار، وتحويلها إلى أفكار وآراء صحيحة وإيجابية تمامًا. أي إنك إذا حكمت على هذا الأمر ونظرت إليه وتعاملت معه باستخدام كلام الله والحق أساسًا لك ومعيارًا للممارسة، فأنت تمارس الحق. وعلى النقيض من ذلك، إذا كنت لا تزال تتبنى الطرق التي علمك إياها والداك – أو الأفكار والآراء التي غرساها فيك – بصفتها المعيار والأساس ومبادئ الممارسة للتعامل مع هذا الأمر، فإن هذه الطريقة في الممارسة ليست ممارسة للحق ولا سعيًا إلى الحق. في النهاية، ما يكسبه الناس من السعي إلى الحق هو تقدير الحق واختباره. إذا لم تسع إلى الحق، فلن تكتسب تقديرًا للحق أو تختبره. ما ستكسبه هو التقدير لهذا القول الذي كيَّفك والداك عليه والاختبار في تطبيقه فحسب. لذا، بينما يتحدث الآخرون عن اختبارهم وتقديرهم لكلام الله، لا يمكنك أن تحمل نفسك على قول أي شيء، إذ ليس لديك ما تقوله. كل ما لديك هو تقدير واختبار عمليين للأفكار والآراء التي كيَّفتك عليها عائلتك. كل ما في الأمر أنك لا تستطيع حمل نفسك على قول أي شيء عنها، وليس لديك أي طريقة لمشاركتها. لذلك، أيًا يكن ما تطَبِّقه، فهو ما ستقدره في نهاية المطاف. إذا كان ما تمارسه هو الحق، فإن ما ستربحه هو تقدير كلام الله والحق واختبارهما. إذا طبقت التعليم والتوجيهات التي أعطاها لك والداك، فإن ما ستقدره هو اختبار تكييف عائلتك والتعليم التقليدي، وما ستكسبه هو الأفكار التي يغرسها الشيطان فيك وإفساد الشيطان لك فحسب. وكلما تعمَّق تقديرك لهذه الأشياء، سيزداد شعورك بأن أفكار الشيطان وآراءه المفسدة مفيدة وعملية، ويتعمق إفساد الشيطان لك. ماذا لو مارست الحق؟ سيكون لديك درجة أكبر من التقدير والاختبار للحق والكلمات والمبادئ التي يخبرك الله بها، وستشعر أن الحق هو الشيء الأكثر قيمة، وأن الله هو مصدر حياة الإنسان، وأن كلام الله هو حياة الناس.

تشريح لـ "الوالدان دائمًا على حق"

ماذا أعطتك عائلتك إلى جانب تربيتك وتوفير المأكل والملبس والتعليم لك؟ لم تقدم لك سوى المتاعب، أليس كذلك؟ (بلى). لو لم تكن قد ولدت في مثل هذه العائلة، لما وُجِدت كل التأثيرات التكييفية المختلفة التي وضعتها عائلتك فيك. لم يكن تكييف عائلتك ليوجد، لكن التأثيرات التكييفية للمجتمع كانت ستظل موجودة– لا يمكنك الهروب منها. أيًا يكن المنظور الذي تنظر به إلى الأمر، سواء كانت هذه التأثيرات التكييفية، تأتي من الأسرة أو من المجتمع، فإنَّ هذه الأفكار والآراء تنشأ أساسًا من الشيطان. كل ما في الأمر أن كل عائلة تتقبل مختلف هذه المقولات من المجتمع بدرجات متفاوتة من الاقتناع والتركيز على نقاط مختلفة. بعد ذلك، يستخدمون من الأساليب ما يتوافق مع كل منها، لتثقيف الجيل القادم من عائلتهم وتكييفه. كل شخص يتلقى جميع أنواع التكييف بدرجات متفاوتة، بناءً على العائلة التي ينحدر منها، لكن الواقع أنَّ هذه التأثيرات التكييفية تنشأ من المجتمع ومن الشيطان. كل ما في الأمر أن هذه التأثيرات التكييفية تُغرس في أذهان الناس بعمق من خلال وسيط هو كلمات الآباء والأمهات وأفعالهم الملموسة بدرجة أكبر، وباستخدام أساليب مباشرة بدرجة أكبر تجعل الناس أكثر استعدادًا لها، بحيث يتقبل الناس هذا التكييف، ويصبح مبادئهم وطرق تعاملهم مع العالم، ويصبح أيضًا الأساس الذي يرون به الناس والأشياء ويتصرفون ويفعلون. على سبيل المثال، الفكرة ووجهة النظر التي تحدثنا عنها للتو: "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله" – هي أيضًا تأثير تكييفي مستمد من عائلتك. وبغض النظر عن نوع التأثير التكييفي الذي تمارسه العائلة على الناس، فإنهم يرونه من منظور أفراد العائلة، ومن ثم يقبلونه كأمر إيجابي، وكتعويذة شخصية خاصة بهم، يستخدمونها لحماية أنفسهم. وذلك لأن الناس يعتقدون أن كل ما يأتيهم من آبائهم هو نتيجة لممارسة آبائهم وخبرتهم. ومن بين كل الناس في العالم، آباؤهم وأمهاتهم فقط هم الذين لن يؤذوهم، وهم وحدهم من يريدون لهم حياة أفضل ويريدون حمايتهم. لذلك، يقبل الناس مختلف الأفكار والآراء من والديهم دون أي تمييز. وبهذه الطريقة، يقبلون بطبيعة الحال تكييف هذه الأفكار والآراء المختلفة لهم. وفور تكييف مختلف هذه الأفكار والآراء للناس، فإنهم لا يشكّون فيها أبدًا أو يميزونها على حقيقتها، لأنهم غالبًا ما يسمعون آباءهم يقولون مثل هذه الأشياء. على سبيل المثال، "الوالدان دائمًا على حق". ماذا تعني هذه المقولة؟ إنها تعني أنه بغض النظر عما إذا كان والداك على صواب أو خطأ، فكل ما يفعلانه هو الصواب بالنسبة إليك، وهذا بالأساس لأنهما أنجباك وربياك. لا يمكنك الحكم على ما إذا كانا مصيبين أم مخطئين، ولا يمكنك رفضهما، ناهيك عن مقاومتهما. هذا يسمى البر بالوالدين. حتى لو كان والداك قد أخطآ، وحتى لو كانت بعض أفكارهما وآرائهما قديمة أو خاطئة، أو كانت طريقة تعليمهما لك وأفكارهما وآرائهما التي يربيانك عليها ليست صحيحة أو إيجابية، فلا يجب عليك التشكيك فيها أو رفضها، لأن هناك مقولة بشأن ذلك وهي: "الوالدان دائمًا على حق". عندما يتعلق الأمر بالوالدين، لا يجب عليك أبدًا أن تميّز أو تقيّم ما إذا كانا على صواب أو خطأ، لأن حياة الأبناء وكل ما يملكونه تأتي من والديهم. لا أحد يعلو على والديك، لذلك إذا كان لديك ضمير، فلا يجب أن تنتقدهما. مهما يكن والداك مخطئين أو ليسا على صواب أو غير مثاليين، فهما يظلان والداك. هما أقرب الناس إليك، وهما من ربياك، وهما أفضل من يعاملك، وهما من أعطياك الحياة. ألا يقبل الجميع هذه المقولة؟ وبسبب وجود هذه العقلية تحديدًا، يعتقد والداك أن بإمكانهما أن يعاملاك بلا ضمير، وأن يستخدما أساليب مختلفة لتوجيهك نحو القيام بجميع أنواع الأشياء، ويغرسان فيك أفكارًا مختلفة. يعتقدان من وجهة نظرهما: "دوافعي صحيحة، وهذا من أجل مصلحتك. كل ما لديك أخذته مني. لقد أنجبتك وربيتك، لذا لا يمكن أن أكون مخطئًا أيًا كانت الطريقة التي أعاملك بها، لأن كل ما أفعله لمصلحتك ولن أؤذيك أو أضرك". من وجهة نظر الأبناء، هل من الصواب أن يكون موقفهم تجاه والديهم مبنيًا على هذه المقولة: "الوالدان دائمًا على حق"؟ (لا، هذا خطأ). إنه بالتأكيد خطأ. إذن، كيف ينبغي لك تمييز هذا القول؟ من كم جانب يمكننا أن نشرِّح عدم صحة هذه المقولة؟ إذا نظرنا إليها من منظور الأبناء، فإن حياتهم وأجسادهم تأتي من والديهم اللذان – بسبب عطفهم – يربونهم ويعلمونهم أيضًا، لذلك يجب على الأبناء أن يطيعوا كل كلمة من والديهم، وأن يفوا بالتزامهم البنوي، وألا يعيبوا في والديهم. الدلالة الخفية لهذه الكلمات هو أنك ينبغي عليك ألا تميز والديك على حقيقتهما. إذا حللنا الأمر من هذا المنظور، فهل هذا الرأي صحيح؟ (لا، إنه خاطئ). كيف يجب أن نتعامل مع هذا الأمر وفقًا للحق؟ ما هي الطريقة الصحيحة لصياغة الأمر؟ هل أجساد الأطفال وأرواحهم هبة من آبائهم وأمهاتهم؟ (لا). يولد جسد الإنسان من والديه، ولكن من أين تأتي قدرة الوالدين على إنجاب الأطفال؟ (إنها معطاة من الله وتأتي من الله). ماذا عن نفس الإنسان؟ من أين تأتي؟ هي أيضًا تأتي من الله. إذن، في الأصل، الله هو مَن خلق الناس، وكل هذا قدره الله مسبقًا. الله هو الذي قدَّر مسبقًا لك أن تولد في هذه العائلة. أرسل الله نفسًا إلى هذه العائلة، ثم وُلدتَ أنت من هذه العائلة، ولديك هذه العلاقة المُقدَّرة مسبقًا مع والديك – كان هذا مُقدَّرًا من الله. تمكَّن والداك من إنجابك وولدت لهذه العائلة بسبب سيادة الله وتقديره المسبق. هكذا تكون رؤية الأمر من الجذور. لكن ماذا لو لم يكن الله قد قدَّر الأمور مسبقًا بهذه الطريقة؟ لم يكن والداك سينجبانك أبدًا، ولما وُجِدَت هذه العلاقة الأبوية – البنوية بينك وبينهما. لم تكن لتوجد صلة دم، ولا عاطفة أسرية، ولا صلة على الإطلاق. لذلك، من الخطأ أن نقول إن حياة الشخص تُمنح له من والديه. ثمة جانب آخر هو أنه، برؤية الأمر من منظور الطفل، فإن والديه أكبر منه بجيل. لكن فيما يتعلق بجميع البشر، فالآباء والأمهات مثل أي شخص آخر، أي إنهم جميعًا أفراد من الجنس البشري الفاسد، وجميعهم لديهم شخصيات الشيطان الفاسدة. إنهما لا يختلفان عن أي شخص آخر، ولا يختلفان عنك. على الرغم من أنهما أنجباك جسديًا، ومن حيث علاقة الجسد والدم، فهما أكبر منك بجيل، ومع ذلك من حيث جوهر الشخصية البشرية، فإنكم تعيشون جميعًا تحت سيطرة الشيطان، وقد أفسدكم الشيطان جميعًا ولديكم شخصيات فاسدة وشيطانية. وبالنظر إلى حقيقة أن جميع الناس لديهم شخصيات فاسدة وشيطانية، فإن جواهر جميع الناس متشابهة. وبغض النظر عن الاختلافات في الأقدمية أو عمر المرء، أو مدى تبكير مجيئه إلى هذا العالم أو تأخره، فإن الناس في الأساس لديهم جوهر الشخصية الفاسدة نفسه، فهم جميعًا بشر أفسدهم الشيطان، ولا يختلفون في هذا الصدد. وبغض النظر عما إذا كانت إنسانيتهم جيدة أم سيئة، فلأن شخصياتهم فاسدة، هم يتبنون نفس وجهات النظر والمواقف في رؤية الناس والأمور وفي التعامل مع الحق. لا يوجد فرق بينهم من هذا المنطلق، كما أن كل من يعيش وسط هذا الجنس البشري الشرير يتقبل مختلف الأفكار والآراء التي تكثر في هذا العالم الشرير، سواء من حيث الكلمات أو الأفكار، أو سواء من حيث الشكل أو الأيديولوجية، ويتقبل كل أنواع الأفكار من الشيطان، سواء من خلال التعليم الحكومي أو تكييف الأعراف الاجتماعية. هذه الأشياء لا تتماشى مع الحق إطلاقًا. ليس ثمة حق فيها، والناس بالتأكيد لا يفهمون ما هو الحق. من وجهة النظر هذه، الوالدان وأبناؤهم متساوون ولديهم الأفكار والآراء نفسها. كل ما في الأمر أن والديك قد تقبلا هذه الأفكار والآراء قبل 20 أو 30 عامًا، بينما تقبلتها أنت بعد ذلك بقليل. معنى هذا أنه – نظرًا إلى أنَّ لديك الخلفية الاجتماعية نفسها – ما دمت شخصًا عاديًا، فإنك ووالديك قد قبلتم الفساد نفسه من الشيطان، وتكييف الأعراف الاجتماعية، والأفكار والآراء نفسها التي تنبع من مختلف الاتجاهات الشريرة في المجتمع. من وجهة النظر هذه، الأبناء من نوع والديهم نفسه. ومن وجهة نظر الله، وبغض النظر عن الفرضية القائلة بأن الله هو الذي يعيِّن ويقدِّر سلفًا ويختار، فإن كلًا من الوالدين وأبنائهم متشابهون في نظر الله من حيث إنهم كائنات مخلوقة، وسواء كانوا كائنات مخلوقة تعبد الله أم لا، فإنهم جميعًا في مجموعهم معروفون بأنهم كائنات مخلوقة، وكلهم يقبلون سيادة الله وتنظيماته وترتيباته. من وجهة النظر هذه، يتمتع الآباء وأبناؤهم في الواقع بمكانة متساوية في نظر الله، ويقبلون جميعًا سيادة الله وترتيباته بشكل متشابه ومتساوٍ. هذه حقيقة موضوعية. إذا كانوا جميعًا مختارين من الله، فكلهم لديه فرص متساوية للسعي إلى الحق. ولديهم أيضًا بالطبع فرص متساوية لقبول توبيخ الله ودينونته، وفرص متساوية للخلاص. بخلاف أوجه التشابه المذكورة أعلاه، ثمة فرق واحد فقط بين الآباء وأبنائهم، وهو أن ترتيب الآباء فيما يسمى بالتسلسل الهرمي العائلي أكبر من ترتيب أبنائهم. ما المقصود بترتيبهم في التسلسل الهرمي للعائلة؟ المقصود أنهم يكبرونهم بجيل واحد، بمقدار 20 أو 30 عامًا؛ وليس ذلك أكثر من فارق كبير في العمر. وبسبب المكانة الخاصة للوالدين، يجب على الأبناء أن يكونوا بارين بوالديهم وأن يفوا بالتزاماتهم تجاه والديهم. هذه هي المسؤولية الوحيدة التي تقع على عاتق الشخص تجاه والديه. ولكن نظرًا لأن الأبناء والآباء كلهم جزء من الجنس البشري الفاسد نفسه، فإن الآباء ليسوا نماذج أخلاقية لأبنائهم، ولا هم معيارًا أو قدوة لأبنائهم في سعيهم إلى الحق، ولا هم قدوة لأبنائهم في العبادة والخضوع لله. وليس الآباء تجسيدًا للحق بالطبع، فالناس ليسوا ملزمين باعتبار والديهم قدوة أخلاقية وشخصيات يجب طاعتها دون شرط، ولا هم مسؤولين عن ذلك. يجب ألا يخشى الأبناء من تمييز سلوك والديهم وأفعالهم وجوهر تصرفاتهم؛ بمعنى أنه عندما يتعلق الأمر بتعامل الناس مع والديهم، يجب ألا يلتزموا بأفكار وآراء مثل "الوالدان دائمًا على حق". تستند هذه النظرة إلى حقيقة أنَّ الوالدين يتمتعان بمكانة خاصة، من حيث إنهما أنجباك بتعيين من الله، وأنهما يكبرانك بعشرين أو ثلاثين أو حتى أربعين أو خمسين عامًا. ومن منظور علاقة اللحم والدم هذه وحدها، يختلفان عن أبنائهما من حيث وضعهما وترتيبهما في التسلسل الهرمي للعائلة. ولكن بسبب هذا الاختلاف، يعتبر الناس أن آباءهم ليس لديهم أخطاء على الإطلاق. هل هذا صحيح؟ هذا خطأ وغير منطقي ولا يتفق مع الحق. يتساءل بعض الناس كيف ينبغي على المرء أن يعامل والديه، بالنظر إلى أن الآباء والأبناء تربطهم هذه العلاقة من لحم ودم. إذا كان الوالدان مؤمنين بالله، فيجب معاملتهما وفقًا لذلك، كمؤمنين، وإذا كانا غير مؤمنين بالله، فيجب معاملتهما وفقًا لذلك، كغير مؤمنين. أيًا كان نوع الوالدين، فيجب أن يُعاملوا وفقًا لمبادئ الحق المقابلة. إن كانا إبليسين، فيجب أن تقول إنهما إبليسان. إذا لم تكن لديهما إنسانية، فيجب أن تقول إنهما ليس لديهما إنسانية. إذا كانت الأفكار والآراء التي يعلمونك إياها لا تتماشى مع الحق، فلا يجب عليك الاستماع إليها أو قبولها، ويمكنك تمييزها على حقيقتها وفضحها. إذا قال والداك: "أنا أفعل ذلك من أجل مصلحتك"، وثارا في نوبة غضب وأثارا ضجة، فهل ستهتم؟ (لا، لن أهتم). إذا كان والداك غير مؤمنين، فلا تعيرهما أي اهتمام، واترك الأمر عند هذا الحد. إذا أثارا ضجة كبيرة، فسترى أنهما إبليسان ولا شيء أقل من ذلك. هذه الحقائق المتعلقة بالإيمان بالله هي الأفكار والآراء التي يحتاج الناس إلى قبولها أكثر من غيرها. إذا كانوا لا يستطيعون قبولها أو الاقتناع بها، فأي نوع من الأشياء هم؟ إنهم لا يفهمون كلام الله، لذا فهم دون البشر، أليس كذلك؟ عليكم أن تفكروا هكذا: "على الرغم من أنكما والداي، فأنتما لا تملكان الإنسانية. أشعر بالخزي حقًا لكونكما أبواي! الآن يمكنني أن أميزكما على حقيقتكما. أنتما لا تملكان روحًا إنسانية في داخلكما، أنتما لا تفهمان الحق، لا تستطيعان حتى الاستماع إلى مثل هذه التعاليم الواضحة والبسيطة، ومع ذلك ما زلتما تطلقان تعليقات طائشة وتقولان افتراءات. أنا أفهم ذلك الآن، وقد قاطعتكما في قلبي تمامًا. لكن في الظاهر، لا يزال عليّ أن أجاريكما، ولا يزال عليّ أن أفي ببعض مسؤولياتي والتزاماتي بوصفي ابنكما. سأشتري لكما بعض منتجات الرعاية الصحية إذا كانت لدي الوسائل للقيام بذلك، ولكن إذا لم تكن لدي الوسائل، فسآتي لزيارتكما، وهذا كل شيء. لن أدحض آراءكما، مهما قلتما. أنتما أحمقان، وسأترككما على هذا النحو. ماذا يمكنني أن أقول لإبليسين مثلكما، لا يقبلان العقل؟ مراعاةً لحقيقة أنكما أنجبتماني وكل السنوات التي قضيتماها في تربيتي، سأستمر في زيارتكما والاهتمام بكما. لولا ذلك ما اهتممت بكِما على الإطلاق، ولما رغبت في رؤيتكما ما حييت". لماذا لا ترغب في رؤيتهما مرة أخرى أو أن تكون لك بهما أي علاقة؟ لأنك تفهم الحق، ورأيت حقيقة جوهرهما، ورأيت حقيقة كل الأفكار والآراء الباطلة المختلفة التي لديهما، ومن هذه الأفكار والآراء الباطلة تدرك غبائهما وتعنتهما وشرهما، وترى بوضوح أنهما إبليسان، ولذلك تشعر بالنفور منهما والاشمئزاز منهما، ولا تريد رؤيتهما. وفقط بسبب ذلك القدر الضئيل من الضمير الموجود بداخلك تشعر بأنك مضطر إلى الوفاء ببعض مسؤولياتك وواجباتك البنوية كابن أو ابنة، فتزورهما في رأس السنة وفي عطلات المصارف، وتكتفي بهذا. ما داما لم يعوقاك عن الإيمان بالله أو القيام بواجبك، فاذهب لزيارتهما عندما يتاح لك الوقت. إذا كنت لا ترغب حقًا في رؤيتهما، فقط اتصل بهما للسؤال عن أحوالهما، وأرسل لهما بعض المال عبر البريد بين الحين والآخر، واشترِ لهما بعض الأشياء المفيدة. سواء كان ذلك من خلال الاعتناء بهما، أو زيارتهما، أو شراء الملابس لهما، أو إظهار الاهتمام برفاههما، أو رعايتهما عندما يمرضان – كل هذا مجرد وفاء بالتزامات البر بالوالدين وإشباع احتياجات المرء الخاصة من حيث المشاعر والضمير. هذا كل ما في الأمر، ولا يعتبر ممارسة للحق. مهما كان مدى اشمئزازك منهما، أو مدى قدرتك على رؤية حقيقة جوهرهما، ما داما على قيد الحياة، فيجب عليك الوفاء بالتزاماتك الضرورية كابن أو ابنة، وعليك تحمل المسؤوليات الضرورية. لقد اعتنى بك والداك عندما كنت صغيرًا، وعندما يكبران في السن، يجب عليك أن تعتني بهما ما دامت لديك القدرة على ذلك. دعهما يزعجانك إذا أرادا ذلك. ما دمت لا تستمع إلى الأفكار والآراء التي يحاولان غرسها فيك، ولا تقبل ما يقولانه، ولست تتركهما يزعجانك أو يقيّدانك، فلا بأس بذلك إطلاقًا، وهو يثبت أنك قد نموت في القامة وأنك بالفعل متمسك بشهادتك أمام الله. لن يدينك الله لأنك تهتم بهما ولن يقول: "لماذا أنت عاطفي جدًا؟ لقد قبلت الحق وتسعى إليه، فكيف لا تزال تعتني بهما؟". هذه هي المسؤولية الأساسية والالتزام الأساسي الذي يجب أن تسلك بحسبهما: الوفاء بالتزاماتك ما دامت الظروف تسمح. هذا لا يعني أنك عاطفي، ولن يدينك الله بسبب ذلك. بالطبع، في هذا العالم، بخلاف والديك – وهما الشخصان اللذان يجب أن تفي بالتزاماتك ومسؤولياتك تجاههما – ليس لديك أي مسؤوليات والتزامات تجاه أي شخص آخر؛ لا تجاه إخوتك ولا رفاقك ولا مختلف أعمامك وعماتك. ليس لديك أي التزام أو مسؤولية لفعل أي شيء لإرضائهم، أو التودد إليهم، أو مساعدتهم. أليس كذلك؟ (بلى).

هل كنت واضحًا فيما قلته عن الادعاء بأن "الوالدين دائمًا على حق"؟ (نعم). من هما الوالدان؟ (بشر فاسدون). هذا صحيح، الوالدان بشر فاسدون. إذا كنت تفتقد والديك في بعض الأحيان، وتفكر قائلًا: "كيف كان حال والديّ في السنتين الماضيتين؟ هل افتقداني؟ هل تقاعدا؟ هل يواجهان أي صعوبات في الحياة؟ هل لديهما من يعتني بهما عندما يمرضان؟" لنفترض أنك تفكر في هذه الأشياء وتفكر أيضًا: "الوالدان دائمًا على حق. اعتاد والداي على ضربي وتوبيخي لأنهما كانا غاضبين لأنني لم أكن أستطيع أن أرتقي لمستوى توقعاتهما، ولأنهما كانا يحبانني حبًا جمًا. والداي أفضل من أي شخص آخر، فهما أكثر من يحبني في العالم. والآن بينما أفكر في صفات والديّ السيئة، لم أعد أراها صفات سيئة، لأن الوالدين دائمًا على حق". وكلما أمعنت التفكير في هذا الأمر، زادت رغبتك في رؤيتهما. هل من الجيد التفكير بهذه الطريقة؟ (كلا، ليس جيدًا). كلا، ليس جيدًا. كيف ينبغي أن تفكر إذن؟ تأمل في الأمر: "كان والداي يضرباني ويوبخاني ويهزان تقديري لذاتي عندما كنت طفلًا. لم يقولا لي كلمة طيبة أو يشجعاني أبدًا. كانا يجبرانني على الدراسة، وأجبراني أيضًا على تعلم الرقص والغناء، والدراسة من أجل مسابقة الرياضيات؛ كلها أشياء لا أحبها. كان والداي مزعجين حقًا. والآن أنا مؤمن بالله وقد تحررت. تركت المنزل لأداء واجبي قبل حتى أن أنهي دراستي الجامعية. إن الله وحده هو الصالح. أنا لا أفتقد والديّ. لقد منعاني من الإيمان بالله. والداي شيطانان". ثم تأمل مرة أخرى ما يلي: "هذا ليس صحيحًا. الوالدان دائمًا على حق. والداي هما أقرب الناس إليّ، لذلك من الصواب تمامًا أن أفتقدهما". هل هذا التفكير صحيح؟ (كلا، إنه خاطئ). إذن ما هي الطريقة الصحيحة للتفكير؟ (لقد اعتدنا أن نفكر أنه مهما فعل والدينا فإنهما يفعلان ذلك بدافع الاهتمام بنا، وأنهما يحسنان إلينا في كل ما يفعلانه، وأنهما لن يؤذيانا أبدًا. لقد جعلتني الشركة مع الله الآن أدرك أن والديّ هما أيضًا بشر فاسدان، وأنهما قبلا أفكارًا وآراءً مختلفة من الشيطان. لقد غرس والدانا الكثير من الآراء الشيطانية فينا دون قصد، مما جعلنا ننحرف كثيرًا عن الحق في سلوكياتنا وأفعالنا، ونعيش وفق فلسفات شيطانية. والآن بعد أن أصبح لديّ بعض التمييز لما في قلبي والديّ، سأفتقدهما وأفكر فيهما أقل كثيرًا عن ذي قبل). في تعاملك مع والديك، عليك أولًا أن تخرج بعقلانية من علاقة الدم هذه وتميّز والديك في ضوء الحقائق التي قبلتها وفهمتها بالفعل. ميّز والديك بناءً على أفكارهما وآرائهما ودوافعهما فيما يتعلق بالسلوك، وبناء على مبادئهما وتصرفاتهما، وهذا سيؤكد أنهما أيضًا أناس أفسدهما الشيطان. انظر إلى والديك وميّزهما من منظور الحق، بدلًا من أن تظن دائمًا أنهما جليلان ساميان وكريمان وعطوفان عليك، فإذا نظرت إليهما بهذه الطريقة، فلن تكتشف أبدًا المشكلات التي يعانيان منها. لا تنظر إلى والديك من منظور روابطك العائلية أو دورك كابن أو ابنة. اخرج من هذه الدائرة وانظر إلى كيفية تعاملهما مع العالم، ومع الحق، ومع الناس، والأمور والأشياء. وأيضًا، وبشكل أكثر تحديدًا، انظر إلى الأفكار والآراء التي كيّفك والداك عليها فيما يتعلق بالطريقة التي يجب أن ترى بها الناس والأشياء، وكيف يجب أن تسلك وتتصرف؛ هكذا يجب أن تعرفهما وتميزهما. بهذه الطريقة، ستتضح شيئًا فشيئًا صفاتهما البشرية وحقيقة أن الشيطان قد أفسدهما. أي نوع من الناس هما؟ إذا لم يكونا مؤمنين، فما هو موقفهما تجاه المؤمنين بالله؟ وإذا كانا مؤمنين، فما هو موقفهما تجاه الحق؟ هل هما من الأشخاص الذين يسعون إلى الحق؟ هل يحبان الحق؟ هل يحبان الأشياء الإيجابية؟ ما هي نظرتهما إلى الحياة والعالم؟ وهكذا. إذا استطعت أن تميّز والديك في ضوء هذه الأمور، فستكون لديك فكرة واضحة. وبمجرد أن تتضح هذه الأمور، ستتغير مكانة والديك السامية والنبيلة التي لا تتزعزع في ذهنك، وعندما تتغير مكانتهما، لن تعود المحبة الأمومية والأبوية التي أظهرها والداك – إلى جانب كلماتهما وأفعالهما المحددة، وتلك الصور السامية التي تحملها عنهما – مطبوعة بعمق في ذهنك. سيتوقف نكران الذات وعظمة محبة والديك لك، وكذلك تفانيهما في رعايتك وحمايتك وحتى عطفهما عليك، عن احتلال مكانة مهمة في ذهنك دون أن تشعر. كثيرًا ما يقول الناس: "والداي يحباني كثيرًا. عندما أكون بعيدًا عن المنزل، تسألني أمي دائمًا: "هل أكلت؟ هل تأكل في أوقات منتظمة؟" ويسألني أبي دائمًا: "هل لديك ما يكفي من المال؟ إذا لم يكن لديك مال، سأرسل لك المزيد من المال". فأقول: "لديّ مال، لا داعي لذلك"، فيرد أبي: "لا، هذا لن يفلح معي، على الرغم من أنك تقول إن لديك المال، سأرسل لك بعض المال على أي حال". والحقيقة هي أن والديك يعيشان مقتصدين ويعزفان عن إنفاق المال على نفسيهما. إنهما يستخدمان أموالهما لدعمك، بحيث يكون لديك المزيد من المال للإنفاق عندما تكون بعيدًا عن المنزل. يقول والدك ووالدتك دائمًا: "كن مقتصدًا في المنزل، ولكن احمل معك بعض المال الإضافي أثناء السفر. خذ معك المزيد عندما تكون خارج المنزل. إذا لم يكن لديك ما يكفي من المال، فقط أخبرني وسأرسل لك بعض المال أو أضيفه إلى بطاقتك". سيظل اهتمام والديك وعنايتهما ورعايتهما الخالية من الأنانية وحتى احتضانهما وتدليلهما لك علامة لا تمحى من عينيك على تفانيهما في الإيثار. وقد أصبح هذا التفاني الإيثاري شعورًا قويًا ودافئًا في أعماق قلبك يوثّق العلاقة بينك وبينهما. إنه يجعلك غير قادر على التخلي عنهما، ويجعلك قلقًا عليهما، ويجعلك تظل مشغولًا بهما، وتفتقدهما باستمرار، بل ويجعلك راغبًا باستمرار في أن تكون محاصرًا في هذا الشعور وخاضعًا لابتزاز عواطفهما. ما هذه الظاهرة بالضبط؟ إن محبة والديك لك إيثارية بالفعل. لكن بغض النظر عن مدى اهتمام والديك بك، وبغض النظر عن تقطيرهما على نفسيهما وادخارهما فقط لإعطائك المال لتنفقه، أو شرائهما لك كل ما تحتاج إليه، فقد يكون ذلك نعمة لك الآن، ولكنه لن يكون شيئًا جيدًا على المدى البعيد. وكلما زاد إيثارهما لك، وكلما زاد حسن معاملتهما لك، وكلما زاد اهتمامهما بك، قلت قدرتك على الانفصال عن هذه المودة والتخلي عنها أو نسيانها، وزاد اشتياقك إليهما. وعندما تعجز عن القيام بواجب الابن تجاه والديك أو الوفاء بأي التزامات تجاههما، ستشعر بالمزيد من الأسف تجاههما. وفي ظل هذه الظروف، لا تملك الشجاعة اللازمة لتمييزهما، أو لنسيان محبتهما وتفانيهما وكل ما قاما به من أجلك، أو لاعتبار كل ذلك غير جدير بالذكر؛ وهذا هو تأثير ضميرك. فهل ضميرك يمثل الحق؟ (كلا، لا يمثله). لماذا يعاملك والداك بهذه الطريقة؟ لأن لديهما عواطف تجاهك. فهل يمكن لعطفهما تجاهك أن يمثل جوهر إنسانيتهما؟ هل يمكن أن يمثل موقفهما تجاه الحق؟ كلا، لا يمكن ذلك. الأمر يشبه تمامًا الأمهات اللاتي يقلن دائمًا: "أنت من لحمي ودمي، لقد ربيتك بكدي وبشقائي، فكيف لا أعرف ما تفكر به في أعماق قلبك؟" إنهما يحسنان معاملتك بسبب هذه الروابط العائلية الوثيقة وهذه العلاقة التي تربطهما بك من لحم ودم، ولكن هل حقًا يعاملانك معاملة طيبة؟ هل هذا هو وجههما الحقيقي بالفعل؟ هل هو تعبير حقيقي عن جوهرهما الإنساني؟ ليس بالضرورة. فنظرًا لأنه تربطك بهما صلة دم، فهما يعتقدان أنهما يجب أن يحسنا معاملتك بدافع الشعور بالواجب. لكنك أنت، بصفتك ابنهما، تعتقد أنهما يحسنان إليك بدافع اللطف والكرم، وتشعر بعدم القدرة على رد إحسانهما على الإطلاق. وإذا لم تستطع ردّ إحسانهما بالكامل، أو حتى جزء يسير منه، فسيدينك ضميرك. هل يتفق الشعور الذي ينتابك عندما يدينك ضميرك مع الحق؟ بعبارة أخرى، إذا لم يكونا والديك، بل كانا شخصين عاديين يتفاعلان معك بشكل طبيعي ضمن مجموعة، هل كانا سيعاملانك بهذه الطريقة؟ (كلا). لن يفعلا ذلك بالتأكيد. لو لم يكونا والديك ولم تكن تربطهما بك علاقة دم، فإن أسلوبهما وموقفهما تجاهك كان ليختلف بعدة طرق. ما كانا بالتأكيد ليهتما بك، أو يحميانك، أو يغمراك بحبهما، أو يعتنيان بك، أو يكرسان أي شيء لك بإيثار ونكران ذات. كيف كانا سيعاملانك إذن؟ ربما كانا سيتنمران عليك لأنك صغير السن وليس لديك خبرة اجتماعية؛ أو ربما كانا سيميزان ضدك بسبب تدني مكانتك ووضعك، ويتحدثان معك دائمًا بلهجة بيروقراطية ويحاولان تثقيفك والتعالي عليك؛ أو ربما كانا سيعتقدان أن مظهرك عادي، وإذا تحدثت معهما، فلن يعيراك أي انتباه، ويعتقدان أنك لا تستطيع الوصول إلى مستواهما؛ أو ربما كان سيريان أنك بلا فائدة، ولن يختلطا بك ولن تكون لهما أي علاقة بك؛ أو ربما ظنا أنك عديم الحيلة، فإذا أرادا معرفة أمر ما، سيبدآن دائمًا بسؤالك أو ربما يحاولان الحصول على إجابات منك؛ أو ربما أرادا استغلالك بطريقة غير عادلة، مثلًا عندما تحاول إبرام صفقة ما، ويرغبان دائمًا في أن تشاركها معهما، أو أرادا أخذ شيء منها؛ أو ربما عندما تسقط في الشارع وتحتاج إلى مساعدتهما لك على النهوض، لن ينظرا إليك حتى، وبدلًا من ذلك يركلانك؛ أو ربما عندما تركب الحافلة، إذا لم تتخلَّ عن مقعدك لهما، سيقولان لك: "أنا عجوز جدًا، لماذا لا تتخل عن مقعدك لي؟ لماذا أنت شاب جاهل؟ ألم يعلمك والداك أي أخلاق!". بل إنهما قد يوبخانك. إذا كانت هذه هي الحال، فأنت بحاجة إلى استكشاف ما إذا كانت محبتك لأبيك وأمك المخفية في أعماق قلبك هي ما يكشف إنسانيتهما كشفًا حقيقيًا أم لا. إنك غالبًا ما تتأثر بإخلاصهما لك بإيثار، وحبهما الأمومي والأبوي العظيم، وتتعلق بهما بشدة، وتفتقدهما، وتريد دائمًا أن تردّ لهما الجميل بحياتك. ما سبب ذلك؟ إذا كان الأمر نابعًا من الضمير فحسب، فالمشكلة ليست عميقة ويمكن علاجها. لكن إذا كان الأمر نابعًا من عاطفة تجاههما، فستكون هذه مشكلة مزعجة للغاية. ستعلق فيها بشكل أعمق وأعمق ولن تكون قادرًا على إخراج نفسك منها. غالبًا ما ستعلق في هذه العاطفة وتفتقد والديك، بل وأحيانًا ستخون الله في سبيل ردّ الجميل لوالديك. على سبيل المثال، ماذا ستفعل لو سمعت أن والديك مريضين بشدة في المستشفى، أو أن أمرًا خطيرًا قد أصابهما وكانا في مشكلة ما لا يستطيعان الخروج منها وكانا في كرب وكسرة قلب، أو إذا سمعت خبرًا بأن والديك على وشك الموت؟ في ذلك الوقت، لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت عواطفك ستسيطر على ضميرك، أو ما إذا كان الحق وكلام الله الذي علّمك إياه سيقودان ضميرك إلى اتخاذ قرار ما. تعتمد نتيجة هذه الأمور على كيفية نظرتك إلى العلاقة بين الوالدين والأبناء، ومدى دخولك إلى الحق بشأن كيفية معاملة الوالدين، ومدى قدرتك على رؤية حقيقتهما، ومدى فهمك لطبيعة جوهر البشرية، ومدى فهمك لجوهر شخصية والديك وجوهر إنسانيتهما، وكذلك شخصياتهما الفاسدة. والأهم من كل ذلك أن نتيجة هذه الأمور تعتمد على كيفية تعاملك مع العلاقات على مستوى العائلة، وعلى وجهات النظر الصحيحة التي يجب أن تتبناها؛ وتلك هي الحقائق المختلفة التي يجب أن تسلح نفسك بها قبل أن يحل بك أي من هذه الأمور. أما الآخرون جميعًا – الأقارب والأصدقاء، والخالات والعمات والأخوال والأعمام، والأجداد وغيرهم من الغرباء – فيمكن التخلي عنهم بسهولة، لأنهم لا يحتلون مكانة مهمة في عواطف المرء. يمكن التخلي عن هؤلاء الأشخاص بسهولة، لكن الوالدين هما الاستثناء. الوالدان وحدهما يُعتبران هما أقرب أقرباء المرء في العالم. إنهما الشخصان اللذان يلعبان دورًا مهمًا في حياة المرء ولهما تأثير كبير خلال حياته، لذا ليس من السهل التخلي عنهما. إذا كنت قد اكتسبت اليوم بعض الفهم الواضح لمختلف الأفكار التي يولدها تكييف عائلتك لك، فقد يساعدك ذلك على التخلي عن عواطفك تجاه والديك، لأن التأثيرات التكييفية التي تمارسها عليك عائلتك ككل لا تتعدى كونها ادعاءات غير ملموسة، في حين أن التكييف الأكثر تحديدًا يأتي في الواقع من الوالدين. فجملة واحدة من والديك، أو موقفهما تجاه فعل شيء ما، أو الطرق والوسائل التي يتعاملان بها مع شيء ما؛ تلك هي الوسائل الأكثر دقة لوصف طريقة تكييفك. وبمجرد أن تميّز وتدرك الأفكار والأفعال والأقوال التي كيفك عليها والداك بطريقة مختلفة ومحددة؛ سيكون لديك تقييم ومعرفة دقيقين بجوهر دور والديك، وشخصيتيهما ونظرتهما للحياة، وطرق تعاملهما مع الأشياء. وبمجرد أن يكون لديك هذا التقييم والمعرفة الدقيقين، سيتغير إدراكك لدور والديك بشكل غير محسوس من إيجابي إلى سلبي في ذهنك. وبمجرد إدراكك لدور والديك على أنه سلبي تمامًا، عندها يمكنك أن تتخلى تدريجيًا عن دعاماتك العاطفية، وتعلقك الروحي، ومختلف أنواع الحب الكبير الذي يكنانه لك. وبحلول ذلك الوقت، ستشعر أن الصورة التي كانت لديك عن والديك في أعماق قلبك كانت في غاية السمو، مثل تلك التي وردت في مقال "ظهر أبي" الذي درسته في كتابك المدرسي، وكذلك في تلك الأغنية الشعبية التي كانت شائعة منذ سنوات عديدة مضت: "أمي هي الأفضل في العالم"، والتي كانت أغنية فيلم تايواني وانتشرت في جميع أنحاء المجتمع الناطق بالصينية؛ هذه هي الطرق التي يربي بها المجتمع والعالم البشرية. عندما لا تدرك الجوهر أو الوجه الحقيقي وراء هذه الأشياء، تشعر أن هذه الأساليب في التعليم إيجابية. واستنادًا إلى إنسانيتك الأكيدة، فإنها تمنحك إدراكًا أكبر وإيمانًا بعظمة محبة والديك لك، وبالتالي تترك انطباعًا عميقًا في قلبك بأن حب والديك إيثاري، وعظيم، ومقدس. لذا، مهما كان والداك سيئين، يظل حبهما لك إيثاريًا وعظيمًا. هذه حقيقة لا جدال فيها بالنسبة إليك ولا يمكن لأحد أن ينكرها، ولا يمكن لأحد أن يقول كلمة سيئة عن والديك. وبناءً على ذلك، أنت لا تريد تمييزهما أو كشفهما، وفي الوقت ذاته، تريد أيضًا أن تحتفظ لهما بمكانة معينة في أعماق قلبك، لأنك تؤمن بأن محبة الوالدين فوق كل شيء إلى الأبد، لا تشوبها شائبة وعظيمة ومقدسة، ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك. هذا هو خط الأساس لضميرك وسلوكك. إذا قال شخص ما إن الحب الأبوي ليس عظيمًا أو لا تشوبه شائبة، ستخوض معركة مستميتة ضده؛ وهذا أمر غير عقلاني. قبل أن يفهم الناس الحق، سيدفعهم تأثير ضميرهم إلى التمسك ببعض الأفكار والآراء التقليدية، أو سيؤدي أيضًا إلى ظهور بعض الأفكار والآراء الجديدة. لكن بالنظر إلى هذه الأفكار والآراء من منظور الحق، غالبًا ما تكون غير عقلانية. وبمجرد فهمك للحق، يمكنك التعامل مع هذه الأشياء في نطاق العقلانية الطبيعية. لذلك تمتلك الإنسانية الضمير والعقل معًا، فإذا لم يكن الضمير قادرًا على الوصول إلى هذه الأشياء أو بلوغ مستواها، أو لم تكن هذه الأشياء منظمة أو إيجابية تحت تأثير الضمير، فيمكن للناس استخدام العقلانية لتنظيمها وتصحيحها. كيف يكتسب الناس العقلانية إذن؟ على الناس أن يفهموا الحق. وبمجرد أن يفهم الناس الحق، سيتعاملون مع كل شيء، ويختارون كل شيء، ويميزون كل شيء بمزيد من الدقة والتحديد، وهكذا سيحققون العقلانية الحقيقية، ويصلون إلى النقطة التي يتجاوز فيها العقل الضمير. هذا مظهر من مظاهر ما يحدث بعد أن يدخل الإنسان إلى واقع الحق. قد لا تفهمون حقًا هذه الكلمات الآن، ولكنك ستفهمها عندما تكون لديك خبرة حقيقية وتفهم الحق. هل تنبع مقولة "الوالدان دائمًا على حق" من العقلانية أم من الضمير؟ إنها ليست عقلانية، وإنما تنبع من عواطف المرء تحت تأثير الضمير. إذن هل هذه المقولة عقلانية؟ كلا، إنها ليست عقلانية. لماذا هي غير عقلانية؟ لأنها تنبع من عواطف المرء، ولا تتوافق مع الحق. إذن، في أي مرحلةٍ يمكنك أن تنظر إلى الوالدين وتعاملهما بعقلانية؟ عندما تفهم الحق وتكون قد رأيت حقيقة جوهر هذه المسألة وجذرها. وبمجرد أن تفعل ذلك، لن تعامل والديك وفقًا لتأثير الضمير بعد ذلك، ولن تلعب العواطف دورًا، ولن يلعب الضمير دورًا أيضًا، وستتمكن من النظر إلى والديك ومعاملتهما وفقًا للحق؛ هذه هي العقلانية.

هل كنت واضحًا في الشركة حول مشكلة كيفية معاملة الوالدين؟ (نعم). هذه مسألة مهمة. يقول أفراد الأسرة جميعًا: "الوالدان دائمًا على حق"، وأنت لا تعرف ما إذا كان ذلك صحيحًا أم لا، لذلك تقبله فحسب. ومن ثم، كلما فعل والداك شيئًا خارجًا عن نطاق الصواب، تتأمل وتفكر قائلًا لنفسك: "يقول الناس "الوالدان دائمًا على حق"، فكيف يمكنني أن أقول إن والديّ ليسا على حق؟ ما يحدث في العائلة يبقى في العائلة، لا تخبر الآخرين به، فقط تحمله". بالإضافة إلى الآثار التكييفية لهذه المقولة الخاطئة – "الوالدان دائمًا على حق" – هناك مقولة أخرى: "ما يحدث في العائلة يبقى في العائلة". لذلك تفكر: "من عساه يلوم والديّ؟ لا أستطيع أن أخبر الغرباء عن هذا الأمر المخزي. يجب أن أبقي الأمر طي الكتمان. ما الفائدة من أن أكون جادًا مع والديّ؟" هذه الآثار التكييفية من الأسرة موجودة دائمًا في حياة الناس اليومية، وفي مسار حياتهم، وفي مسار وجودهم. قبل أن يفهم الناس الحق ويربحوا الحق، يرون الناس والأشياء، ويسلكون ويتصرفون بناءً على هذه الأفكار والآراء المختلفة التي كيفتهم عائلاتهم عليها. غالبًا ما يكونون متأثرين، ومضطربين، ومقيدين، ومكبلين تمامًا بهذه الأفكار. بل إنهم يسترشدون بهذه الأفكار، وغالبًا ما يسيئون الحكم على الناس ويفعلون أشياء خاطئة، وكثيرًا ما يخالفون كلام الله والحق. فحتى لو كان الناس قد استمعوا إلى الكثير من كلام الله، وحتى لو كانوا كثيرًا ما يقرؤون في صلاتهم كلام الله ويعقدون شركة حوله، فبسبب أن هذه الآراء التي كيفتهم عائلاتهم عليها مغروسة بعمق في أفكارهم وفي قلوبهم، فليس لديهم أي تمييز لها، ولا أي قدرة على مقاومتها. فحتى بينما يتلقون تعاليم كلام الله وأحكامه، يظلون متأثرين بهذه الأفكار التي توجه أيضًا أقوالهم وأعمالهم وطريقة حياتهم. لذا، تحت التوجيه اللاواعي لهذه الأفكار التي كيفتهم عائلاتهم عليها، لا يستطيع الناس في كثير من الأحيان أن يمنعوا أنفسهم من انتهاك كلام الله ومبادئ الحق. ومع ذلك فإنهم يظلون يعتقدون أنهم يمارسون الحق ويسعون إلى الحق. إنهم لا يعلمون أن هذه الأقوال المختلفة التي كيفتهم عائلاتهم عليها ببساطة لا تتفق مع الحق. والأخطر من ذلك هو أن هذه الأقوال التي تكيَّف العائلات الناس عليها تقودهم إلى طريق انتهاك الحق مرارًا وتكرارًا، ومع ذلك فهم حتى لا يدركون الأمر. لذا، إذا كنت تريد أن تسعى إلى الحق وتدخل إلى واقع الحق، فعليك أولًا أن تميز بوضوح الآثار التكييفية العديدة التي تأتيك من عائلتك وتتعرف عليها، ثم تبذل جهدًا لتخليص نفسك من هذه الأفكار المختلفة التي كيفتك عائلتك عليها. بالطبع يمكن القول إنه يجب عليك بالتأكيد التخلص من تكييف عائلتك لك. لا تظن أنه بسبب انتمائك إلى تلك العائلة، فعليك أن تفعل هذا أو أن تعيش بهذه الطريقة. أنت لست مسؤولًا عن وراثة تقاليد عائلتك أو وراثة طرقها ووسائلها المختلفة في التصرف والقيام بالأشياء أو ملزمًا بذلك. إن حياتك تأتي من الله. ولقد اختارك الله اليوم، والهدف الذي تريد السعي إليه هو الخلاص، لذلك لا يمكنك استخدام الأفكار المختلفة التي كيفتك عائلتك عليها كأساس لآرائك في الناس والأشياء وسلوكك وتصرفاتك. وعوضًا عن ذلك، يجب عليك أن تنظر للناس والأشياء، وأن تسلك وتتصرف بناءً على كلام الله وتعاليمه المختلفة. بهذه الطريقة وحدها يمكنك تحقيق الخلاص في النهاية. وبالطبع، لا تقتصر الآثار التكييفية التي تمارسها العائلة على تلك المذكورة هنا. لقد ذكرت القليل منها فحسب. هناك أنواع كثيرة مختلفة من التربية العائلية التي تأتي من عائلات مختلفة، وعشائر مختلفة، ومجتمعات مختلفة، وأعراق مختلفة، وأديان مختلفة، والتي تكيِّف أفكار البشر بكافة الطرق. وبغض النظر عن العرق أو الثقافة الدينية التي تأتي منها هذه التكييفات الفكرية المتنوعة، فما دامت لا تتفق مع الحق، وما دامت لا تأتي من عند الله، بل من عند الناس، فيجب التخلي عنها ويجب أن يبتعد الناس عنها. ينبغي ألا يتمسكوا بها، فضلًا عن توريثها. هذه الأشياء كلها أشياء يجب على الناس نبذها والتخلص منها. وبهذه الطريقة فقط، يمكن للناس أن يشرعوا حقًا في طريق السعي إلى الحق ودخول واقع الحق.

هذه الأقوال التي قدمنا حولها شركة، والتي تأتي من تكييف عائلة المرء له هي أقوال تمثيلية من جهة، ومن جهة أخرى يكثر الحديث عنها بين الناس. أما بخصوص بعض الأقوال الخاصة وغير التمثيلية فلن نتحدث عنها الآن. ما رأيكم في شركتنا حول موضوع العائلة؟ هل كانت مفيدة بطريقة ما؟ (نعم، لقد كانت مفيدة). هل من الضروري عقد شركة حول هذا الموضوع؟ (نعم). كل شخص لديه عائلة وقد كيفته عائلته. إن الأشياء التي تغرسها العائلة فيك كلها سموم ومخدرات روحية، وتجعلك تعاني بمرارة شديدة. عندما غرس والداك هذه الأشياء فيك، شعرتَ بشعور رائع في ذلك الوقت، كما لو كنت تتعاطى المخدرات. شعرتَ براحة شديدة، كما لو كنت قد دخلت في عالم من النعيم. لكن بعد فترة من الوقت زال تأثيرها، لذا كان عليك أن تستمر في البحث عن هذا النوع من التحفيز. هذه المخدرات الروحية لا تضع نهاية للتعب والاضطراب. وحتى يومنا هذا، من الصعب حقًا التخلص منها، وهي ليست شيئًا يمكن التخلص منه في وقت قصير. إذا أراد الناس أن يتخلوا عن هذه الأفكار والآراء التكييفية، فيجب عليهم أن يقضوا بعض الوقت ويبذلوا بعض الطاقة في تحديدها، وإزالة طبقاتها للتعرف عليها بوضوح ورؤية حقيقتها. وبعد ذلك، كلما ظهرت أمور ذات صلة، يجب أن يكونوا قادرين على التخلي عن هذه الأشياء، والتمرد عليها، وعدم التصرف وفقًا لمبادئ هذه الأفكار والآراء، بل يجب أن يمارسوا الأمور ويفعلوها وفقًا للطريقة التي يُعلمها الله للناس. قد تبدو هذه الكلمات القليلة بسيطة، لكنها قد تستغرق 20 أو 30 عامًا، أو حتى عمرًا كاملًا، لكي يمارسها الناس. قد تقضي عمرك كله في محاربة الأفكار والآراء التي أنتجتها تلك الأقوال التي غرستها فيك عائلتك، وتُبعد نفسك عن هذه الأفكار والآراء وتنبذها. ولكي تفعل ذلك، لا بد أن تبذل مشاعرك وطاقتك، وأن تتعرض أيضًا لبعض المتاعب الجسدية. يجب أن تكون لديك أيضًا رغبة عارمة تجاه الله وإرادة متعطشة للحق وتسعى إليه. وفقط من خلال امتلاك هذه الأشياء يمكنك تحقيق التغيير تدريجيًا والدخول تدريجيًا إلى واقع الحق. هذا هو مدى صعوبة ربح الحق والحياة. عندما يستمع الناس إلى العديد من العظات، يفهمون بعض التعاليم المتعلقة بالإيمان بالله، لكن ليس من السهل عليهم أن يصلوا إلى فهم الحق حقًا وأن يكونوا قادرين على تمييز الآثار التكييفية للعائلة وأفكار وآراء غير المؤمنين. وحتى إذا استطعت أن تفهم الحق بعد الاستماع إلى المواعظ، فإن الدخول إلى واقع الحق هو أمر لا يحدث بين عشية وضحاها، أليس كذلك؟ (صحيح). حسنًا، هنا تنتهي شركتنا لهذا اليوم. إلى اللقاء!

25 فبراير 2023

الحواشي:

(أ) لا يشتمل النص الأصلي على عبارة "السياسي المذموم تشين هوي من سلالة سونغ".

السابق:  كيفية السعي إلى الحق (12)

التالي:  كيفية السعي إلى الحق (14)

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب

Connect with us on Messenger