كيفية السعي إلى الحق (18)

منذ أيام قليلة مضت، وقعت حادثة خطيرة حيث كان أضداد المسيح يربكون عمل نشر الإنجيل. هل تعلمون جميعًا بهذا الأمر؟ (نعم). بعد وقوع هذه الحادثة، بدأت إعادة تنظيم عمل الإنجيل في بيت الله، وإعادة تكليف بعض الأشخاص بمهام أخرى أو نقلهم، وعُدِّلَت أيضًا بعض الأمور المتعلقة بالعمل، أليس كذلك؟ (بلى). لقد وقع هذا النوع من الأحداث الكبيرة في بيت الله وظهر أضداد المسيح من حولكم، فهل استطعتم أن تتعلموا بعض الدروس من مواجهة مثل هذا الحدث المهم؟ هل طلبتم الحق؟ هل رأيتم جوهر بعض المشكلات، وتمكنتم من استخلاص بعض الدروس من مثل هذا الحدث الكبير؟ عندما يحدث شيء ما، ألا يكتفي معظم الناس باستخلاص بعض الدروس منه على نحو سطحي، وفهم القليل من التعاليم، دون التنقيب في جوهر هذا الشيء، ودون أن يتعلموا كيف يرون الناس والأشياء، ويتصرفون ويفعلون وفقًا للحق؟ بعض الناس لا يتأملون إلا وفقًا لعقولهم وحساباتهم الخاصة مهما حدث لهم. إنهم يفتقرون كليًا إلى مبادئ الحق، ويفتقرون إلى الذكاء والحكمة. إنهم يلخصون بضعة دروس فحسب، ثم يتخذون قرارًا: "عندما تحدث هذه الأشياء مرة أخرى في المستقبل، يجب أن أتوخى الحذر وأنتبه للأشياء التي لا يمكنني قولها، والأشياء التي لا يمكنني فعلها، وكذلك نوع الأشخاص الذين يجب أن أحترس منهم، ونوع الأشخاص الذين يجب أن أقترب منهم". هل يُعَد هذا بمثابة تعلم درس وربح اختبار؟ (كلا). إذًا، بغض النظر عما إذا كانت هذه الأشياء أحداثًا كبيرة أو صغيرة، كيف ينبغي على الناس أن يختبروها عندما تحدث، ويتعاملوا معها ويدخلوا فيها بعمق حتى يتعلموا الدروس ويفهموا بعض الحقائق وينموا في القامة في أثناء مواجهتهم لهذه البيئات؟ معظم الناس لا يتأملون في هذه الأشياء، أليس كذلك؟ (صحيح). إذا كانوا لا يتأملون في هذه الأشياء، فهل هم أناس يطلبون الحق؟ هل هم أناس يسعون إلى الحق؟ (كلا). هل تعتقدون أنكم من الأشخاص الذين يسعون إلى الحق؟ على أي أساس تعتقدون أنكم لستم أشخاصًا يسعون إلى الحق؟ وعلى أي أساس تظن أحيانًا أنك شخص يسعى إلى الحق؟ عندما تتحملون قليلًا من المعاناة وتدفعون قليلًا من الثمن في واجبكم، وتكونون أحيانًا أكثر جدية في عملكم، أو تساهمون بالقليل من المال، أو تنبذون عائلاتكم، أو تستقيلون من وظائفكم، أو تتخلون عن دراستكم، أو تتخلون عن الزواج من أجل بذل أنفسكم لله، أو تمتنعون عن اتباع الاتجاهات الدنيوية، أو تتجنبون الأشرار الذين تصادفونهم، وما إلى ذلك - عندما تكونوا قادرين على القيام بهذه الأشياء، هل تشعرون أنكم أشخاص يسعون إلى الحق ومؤمنون حقيقيون؟ أليس هذا ما تعتقدونه؟ (بلى). والآن، على أي أساس تعتقدون هذا؟ هل يستند هذا على كلام الله والحق؟ (كلا). إنه تمني؛ أنتم تصدرون أحكامكم الخاصة. عندما تتبعون أحيانًا بعض القواعد وتفعلون بعض الأشياء كما يقول الكتاب، وتمتلكون بعض مظاهر الإنسانية الصالحة، وعندما تكونون قادرين على التحلي بالصبر والتسامح، وعندما تكونون متواضعين ظاهريًا وبسطاء وغير مدَّعين ولا متكبرين، وعندما تكونون قادرين على التحلي بشيء من العزيمة المسؤولة أو العقلية المسؤولة في عمل بيت الله، تعتقدون أنكم سعيتم حقًا إلى الحق وأنكم حقًا أشخاص يسعون إلى الحق. إذًا، هل تشكل هذه المظاهر السعي إلى الحق؟ (كلا). على وجه الدقة، هذه الأفعال والسلوكيات والمظاهر الخارجية ليست هي السعي إلى الحق. لماذا إذًا يعتقد الناس دائمًا أن هذه المظاهر هي السعي إلى الحق؟ لماذا يظنون دائمًا أنهم أناس يسعون إلى الحق؟ (يظن الناس في مفاهيمهم أنهم إذا اجتهدوا وبذلوا قليلًا، فإن هذه من مظاهر السعي إلى الحق. لذلك، عندما يدفعون ثمنًا قليلاً أو يعانون قليلاً في واجباتهم، يعتقدون أنهم أناس يسعون إلى الحق، لكنهم لم يطلبوا من قبل قط بشأن ما يقوله كلام الله في هذا الأمر، أو كيف يحكم الله على ما إذا كان الشخص يسعى إلى الحق أم لا. وبالتالي، فهم يعيشون دائمًا وسط مفاهيمهم وتصوراتهم، معتقدين أنها عظيمة). لا يتخلى الناس أبدًا عن مفاهيمهم، وعندما يتعلق الأمر بالمسألة المهمة الخاصة بتحديد ما إذا كانوا أناسًا يسعون إلى الحق، فإنهم يعتمدون دائمًا على مفاهيمهم وتصوراتهم وتمنياتهم. لماذا يتصرفون بهذه الطريقة؟ أليس ذلك لأنهم يشعرون بالراحة عندما يفكرون بهذه الطريقة ويتصرفون بها، معتقدين أنهم لا يحتاجون إلى دفع ثمن بحق من أجل السعي إلى الحق، وأنه لا يزال بإمكانهم في النهاية نيل المنافع والبركة؟ ثمة سبب آخر، وهو أن ما يُسمى بسلوكيات الناس الحسنة، مثل تخليهم عن الأشياء ومعاناتهم ودفعهم للأثمان وما إلى ذلك، هي أمور يمكنهم إنجازها وتحقيقها، أليس كذلك؟ (صحيح). من السهل على الناس أن يتخلوا عن عائلاتهم ووظائفهم، ولكن ليس من السهل عليهم أن يسعوا حقًا إلى الحق، أو أن يمارسوا الحق، أو يتصرفوا على أساس مبادئ الحق، وليس من السهل عليهم تحقيق هذه الأشياء. حتى لو كنت تفهم جزءًا من الحق، فسيكون من الصعب عليك التمرد على أفكارك أو مفاهيمك أو شخصياتك الفاسدة، وسيكون من الصعب للغاية عليك أن تتمسك بمبادئ الحق. إذا كنت شخصًا تسعى إلى الحق، فلماذا لا يبدو أنك قد أحرزت أي تقدم فيما يتعلق بمختلف جوانب الحق في السنوات التي آمنت فيها بالله؟ بغض النظر عما إذا كنت قد دفعت ثمنًا أو ما تخليت عنه أو نبذته، فهل النتائج النهائية التي حققتها هي نفسها التي تتحقق بالسعي إلى الحق وممارسته؟ مهما بلغ عدد الأثمان التي دفعتها، أو مقدار معاناتك، أو عدد الأشياء الجسدية التي تخليت عنها، فما الذي حصلت عليه في النهاية؟ هل حصلت على الحق؟ هل ربحت أي شيء فيما يتعلق بالحق؟ هل أحرزتَ تقدُّمًا في دخولك في الحياة؟ هل غيرت من شخصياتك الفاسدة؟ هل تمتلك خضوعًا حقيقيًا لله؟ لن نتحدث عن درس أو ممارسة عميقة مثل الخضوع لله، بل سنتحدث عن أبسط شيء فحسب. لقد نبذت كل شيء، وعانيت ودفعت أثمانًا لسنوات عديدة، فهل يمكنك أن تحافظ على مصالح بيت الله؟ خاصةً عندما يفعل أضداد المسيح والأشرار أشياء شريرة لإرباك عمل الكنيسة، هل تغض الطرف، وتحافظ على مصالح هؤلاء الأشرار وتحمي نفسك، أم تقف في صف الله وتحافظ على مصالح بيته؟ هل مارست وفقًا لمبادئ الحق؟ إذا لم تكن قد فعلت، فإن معاناتك والأثمان التي دفعتها لا تختلف عن معاناة بولس والأثمان التي دفعها، فالغرض الوحيد منها هو نيل البركات، وكلها بلا جدوى. إنها الشيء نفسه مثل ما قاله بولس عن أنه جاهد الجهاد الحسن وأكمل السعي الذي كان يُفترَض به أن يكمله، وحصل في النهاية على بركات ومكافأة؛ لا يوجد فرق على الإطلاق. أنت تسير في طريق بولس، ولا تسعى إلى الحق. أنت تظن أن تخليك عن الأشياء ونفقاتك ومعاناتك والأثمان التي دفعتها هي ممارسة للحق، فكم من الحقائق فهمت على مدار هذه السنوات؟ كم تملك من وقائع الحق؟ كم عدد الأمور التي حافظت فيها على مصالح بيت الله؟ كم عدد الأمور التي وقفت فيها إلى جانب الحق وجانب الله؟ في كم من تصرفاتك امتنعت عن فعل الشر أو اتباع مشيئتك لأن لديك قلب يتقي الله؟ هذه كلها أمور يجب على الناس أن يفهموها ويتفحصوها. إن لم يتفحصوا هذه الأمور، فكلما طالت مدة إيمانهم بالله، وكلما أدوا واجبًا من الواجبات بوجه خاص، زاد اعتقادهم بأنهم قدموا مساهمة جديرة بالتقدير، وأنهم سيخلصون حتمًا، وأنهم ينتمون إلى الله. فإذا أعفَوا ذات يوم وكُشِفوا واستُبعِدوا، فسيقولون: "حتى إن لم تكن لي أي إنجازات، فقد تحملت الشدائد، وإن لم أكن قد تحملت الشدائد، فقد تحملت الإرهاق. لا ينبغي لبيت الله أن يعفيني أو يعاملني بهذه الطريقة، نظرًا لأنني عانيت ودفعت أثمانًا لسنوات عديدة. لا ينبغي لبيت الله أن يطردني فحسب بعد أن عملت من أجله!" لا ينبغي أن تقول هذه الأشياء إذا كنت حقًا شخصًا يسعى إلى الحق. إذا كنت شخصًا يسعى إلى الحق، فكم مرة نفذت ترتيبات العمل في بيت الله على نحو شامل ودقيق؟ كم نفذت منها؟ كم عدد بنود العمل التي قمت بمتابعتها؟ كم عدد البنود التي تحققت منها؟ في نطاق مسؤولياتك وواجبك، وفي نطاق ما يمكن أن يحققه مستوى قدراتك وقدرتك على الاستيعاب وفهمك للحق، ما مقدار تقديمك أقصى طاقتك؟ ما هي الواجبات التي قمتَ بها جيدًا؟ كم عدد الأعمال الصالحة التي أعددتها؟ هذه هي معايير امتحان ما إذا كان الشخص ساعيًا إلى الحق أم لا. إذا كنت قد أفسدت كل هذه الأمور، ولم تحصل على أي نتائج، فهذا يثبت أنك كنت تعاني وتدفع الأثمان طوال هذه السنوات أملًا في نيل البركات، وأنك لا تمارس الحق ولا تخضع لله؛ وأن كل ما فعلته كان من أجل نفسك ومن أجل المكانة والبركات، وليس اتباعًا لطريق الله. إذًا، ما هو كل ما فعلته؟ أليست العاقبة النهائية لأمثال هؤلاء الناس هي عاقبة بولس نفسها؟ (بلى). هؤلاء الناس جميعًا يسيرون في طريق بولس، وبطبيعة الحال، ستكون عاقبتهم هي نفسها عاقبة بولس. لا تظن أنك قدمت إسهامًا جديرًا بالتقدير لمجرد أنك تؤمن بالله، وتخليت عن وظيفتك أو أسرتك أو حتى أطفالك الصغار في بعض الحالات. أنت لم تقدم أي إسهامات جديرة بالتقدير، أنت مجرد كائن مخلوق، وكل ما تفعله هو لنفسك، والأمور التي يجب عليك القيام بها. هل كنت لتقدر على المعاناة ودفع الأثمان لو لم يكن ذلك من أجل نيل البركات؟ هل ستكون قادرًا على التخلي عن أسرتك والتخلي عن وظيفتك؟ لا تتعامل مع التخلي عن أسرتك والتخلي عن وظيفتك ومعاناتك ودفع الأثمان على أنها مساوية للسعي إلى الحق وبذل نفسك من أجل الله. هذا مجرد خداع لنفسك.

أولئك الذين لا يقبلون الحق أو أن يُهذَّبوا على الإطلاق، يُكشفون ويُخرجون واحدًا تلو الآخر في كل مرة يقوم فيها بيت الله بتطهير كبير. يُسمح لبعض الناس، الذين لا تكون مشكلاتهم شديدة الخطورة، بالبقاء تحت الملاحظة، ويُعطون فرصة للتوبة بعد كشفهم. أما البعض الآخر فمشكلاتهم خطيرة جدًا، ويظلون غير قابلين للإصلاح رغم الانتقادات المتكررة، ويفعلون الأشياء نفسها ويرتكبون الأخطاء نفسها مرارًا وتكرارًا، ويربكون عمل الكنيسة ويعرقلونه ويدمرونه، وفي النهاية يُخرجون ويُطردون وفقًا للمبادئ، ولا يُعطون المزيد من الفرص. يقول بعض الناس: "أشعر بالأسى عليهم لأنهم لا يُمنحون المزيد من الفرص". ألا يُمنحون ما يكفي من الفرص؟ إنهم لا يؤمنون بالله لكي يستمعوا إلى كلامه، وليقبلوا توبيخ كلامه ودينونته، أو يقبلوا تطهيره وخلاصه، بل هم يدبرون أعمالهم الخاصة. بعد أن يشرعوا في الاضطلاع بعمل الكنيسة أو أداء مختلف الواجبات، يبدؤون في الانخراط في فعل مختلف أنواع الشر وإرباك عمل الكنيسة وعرقلته، متسببين له في أضرار جسيمة، وفي خسائر جسيمة لمصالح بيت الله. بعد إعطائهم فرصًا متكررة، واستبعادهم تدريجيًا من مختلف مجموعات أداء الواجبات، يرتب لهم بيت الله أن يؤدوا واجباتهم في فريق الإنجيل، لكن بعد وصول هؤلاء الأشخاص إلى هناك، لا يعملون بجد في أداء واجباتهم، ويظلون ينخرطون في فعل مختلف أنواع الشر، دون أن يتوبوا أو يتغيروا على الإطلاق. ومهما تكن كيفية عقد بيت الله للشركة حول الحق، أو مهما يكن نوع ترتيبات العمل التي يقوم بها، ورغم أنه يعطي هؤلاء الناس فرصًا وتحذيرات وحتى يهذبهم، فإن هذا كله بلا جدوى. إنهم ليسوا خدرين تمامًا، بل متعنتين للغاية. بالطبع، هذا التعنت يحدث بسبب شخصياتهم الفاسدة. إنهم في جوهرهم ليسوا بشرًا، بل أبالسة. عند دخولهم الكنيسة، بخلاف تصرفهم كشياطين، فإنهم لا يفعلون أي شيء يفيد عمل بيت الله وعمل الكنيسة. إنهم لا يفعلون سوى الأشياء السيئة؛ ولا يأتون سوى لإرباك عمل الكنيسة وتدميره. وبعد ربحهم لعدد قليل من الناس في أثناء الوعظ بالإنجيل، يشعرون أن لديهم رأس مال وأنهم قدموا مساهمة جديرة بالتقدير، ويبدؤون في العيش على نجاحاتهم الماضية، معتقدين أن بإمكانهم أن يحكموا كملوك على بيت الله، وأن بإمكانهم إصدار الأوامر واتخاذ القرارات في أي جانب من جوانب العمل، وإجبار الناس على ممارستها وتنفيذها. ومهما عقد الأعلى شركة حول الحق ومهما رتب العمل، فإنَّ هؤلاء الناس لا يأخذون الأمر على محمل الجد. يقولون في وجهك أشياء تبدو لطيفة للغاية: "إن ترتيبات العمل في بيت الله جيدة، وهي بالضبط ما نحتاج إليه، لقد صححتْ الأمور في الوقت المناسب، وإلا لما عرفنا كم كنا بعيدين عن الطريق الصحيح". عندما يديرون رؤوسهم، يتغيرون، ويبدؤون في نشر أفكارهم الخاصة. أخبرني، هل مثل هؤلاء الناس بشر حقًا؟ (كلا). إذا لم يكونوا بشرًا، فماذا يكونون؟ تغطيهم على السطح طبقة من الجلد البشري، لكنهم في الجوهر لا يفعلون أشياء بشرية؛ إنهم أبالسة! الدور الذي يلعبونه في الكنيسة هو على وجه التحديد إرباك مختلف عناصر العمل في بيت الله. إنهم يربكون أي عمل يقومون به، وهم لم يطلبوا الحق أو المبادئ قط، ولم ينظروا إلى ترتيبات العمل أو يتصرفوا وفقًا لها. وحالما يكون لديهم القليل من القوة، يتباهون بها ويستعرضون أهميتهم أمام شعب الله المختار. لديهم جميعًا وجوه أبالسة، وليس لديهم شبه الإنسان. إنهم لم يحافظوا قط على مصالح بيت الله، بل يحافظون فقط على مصالحهم ومكانتهم. مهما كان مستوى القيادة التي يشغلونها، أو عنصر العمل الذي يشرفون عليه، فبمجرد أن يؤتمنوا عليه يصبح ملكًا لهم، ويكون لهم القول الفصل، ويجدر بالآخرين ألا يفكروا في التدقيق فيه، أو الإشراف عليه، أو متابعته، وألا يفكروا بالطبع في التدخل فيه. أليس هؤلاء أضدادًا حقيقيين للمسيح؟ (بلى). ولا يزال هؤلاء الناس يريدون نيل البركات! لدي كلمتان لوصف هؤلاء الناس: غير عقلانيين وغير قابلين للفداء. أولئك الذين لا يسعون إلى الحق قد يتعثرون في أي عقبة، ولن يذهبوا بعيدًا. في الماضي، كنت أقول لكم دائمًا: "إن استطعتم أن تعملوا حتى النهاية، وأن تكونوا عاملين مخلصين، فهذا جيد جدًا أيضًا". بعض الناس لا يحبون الحق، ولا يرغبون في السعي إليه. ما الذي ينبغي فعله حيال ذلك؟ يجب أن يكونوا عاملين. إذا استطعت أن تجتهد في العمل، وألا تتسبب في أي تعطيل أو إرباك، أو تفعل أي شر يؤدي إلى إخراجك، وتضمن ألا تفعل الشر، وأن تواصل العمل حتى النهاية، فستتمكن من النجاة. على الرغم من أنك لن تكون قادرًا على الحصول على قدر كبير من البركات، فستكون على الأقل قد اجتهدت في العمل خلال فترة عمل الله، وستكون عاملاً مخلصًا، وفي النهاية، لن يسيء الله معاملتك. لكن في الوقت الحالي، يوجد بعض العاملين الذين لا يستطيعون حقًا العمل حتى النهاية. لمَ هذا؟ لأنهم لا يملكون أرواحًا بشرية. لن نفحص نوع الروح التي تكمن في داخلهم، لكن على أقل تقدير، بالنظر إلى سلوكهم من البداية إلى النهاية، فإن جوهرهم هو جوهر إبليس، وليس جوهر إنسان. إنهم لا يقبلون الحق على الإطلاق، وهم أبعد ما يكونون عن السعي إليه.

قبل عشر سنوات، عندما لم تكن تُعقد شركة تفصيلية حول كل جانب من جوانب الحق، لم يكن الناس يفهمون معنى السعي إلى الحق أو التعامل مع الأمور بناءً على مبادئ الحق. كان بعض الناس يتصرفون بناءً على إراداتهم وتصوراتهم ومفاهيمهم، أو كانوا يتبعون القواعد. كان هذا مبرَّرًا، لأنهم لم يكونوا يفهمون. لكن اليوم، وبعد مرور عشر سنوات، وعلى الرغم من أن شركتنا حول الجوانب المختلفة للحق لم تنتهِ بعد، فإن مختلف الحقائق الأساسية التي تتعلق بعمل الناس وقيامهم بالواجبات قد شُرحت بوضوح من حيث المبادئ على الأقل. يجب أن يكون الناس الذين يمتلكون قلوبًا وأرواحًا ويحبون الحق ويستطيعون السعي إليه، قادرين على ممارسة جزء من مبادئ الحق بالاعتماد على ضمائرهم وعقولهم أيًا كان نوع الواجب الذي يؤدونه. إن الناس يقصِّرون ويعجزون عن الوصول إلى الحقائق الأعلى والأعمق، ولا يستطيعون رؤية جوهر بعض المشكلات، أو الجواهر التي تتعلق بالحق، لكن ينبغي أن يكونوا قادرين على تطبيق الحقائق التي يمكنهم الوصول إليها، والتي نُص عليها صراحةً. ينبغي أن يكونوا، على أقل تقدير، قادرين على التمسك بترتيبات العمل التي نص عليها بيت الله صراحةً، وتنفيذها وتوزيعها. لكن أولئك الذين هم من الأبالسة لا يمكنهم حتى القيام بهذه الأشياء. إنهم من النوع الذي لا يستطيع حتى العمل حتى النهاية. عندما لا يستطيع الناس حتى العمل حتى النهاية، فهذا يعني أنهم سيُطرحون من العربة في منتصف الرحلة. لماذا سيُطرحون من العربة؟ لو كانوا يجلسون بهدوء في العربة أو ينامون أو يبقون في مكانهم أو حتى يرفهون عن أنفسهم، فمن الذي سيكون لديه الجرأة على أن يطرحهم من العربة ما داموا لا يزعجون الجميع أو يربكون اتجاه القطار كله للأمام؟ لن يفعل ذلك أحد. إن كان بإمكانهم العمل حقًا، فالله أيضًا لن يطرحهم من العربة. لكن استخدام هؤلاء الناس للعمل الآن سيؤدي إلى تكبد خسائر أكثر مما سيحقق من المكاسب. لقد عانت الجوانب المختلفة لعمل بيت الله من خسائر كبيرة جدًا بسبب ما يسببه هؤلاء الناس من اضطرابات. إنهم سبب الكثير من القلق! إنهم لا يفهمون الحق مهما كانت كيفية عقد الشركة حوله، ويظلون بعد ذلك يفعلون أشياء سيئة. التفاعل مع هؤلاء الناس يعني حقًا الانخراط في حديث لا ينتهي، واختبار غضب لا ينتهي. المسألة الحاسمة هي أن هؤلاء الناس قد فعلوا الكثير من الشر، وتسببوا في خسائر كبيرة جدًا لعمل بيت الله في نشر الإنجيل. في الواجبات القليلة التي يؤدونها، لا يتسببون سوى في تعطيلات واضطرابات، والخسائر التي يسببونها لعمل بيت الله لا يمكن تعويضها. هؤلاء الناس يفعلون جميع أنواع الأشياء السيئة. في المستوى الأدنى، يفعلون ما يحلو لهم، ويبددون التقدمات، ويضخمون أعداد الناس الذين ربحوهم بينما ينشرون الإنجيل، ويستغلون الآخرين بشكل غير لائق. إنهم لا يستخدمون إلا بعض الأشخاص الأشرار والمشوشين والأشخاص الذين يتصرفون بجموح فاعلين أشياء شريرة. لا يستمعون إلى اقتراحات أي شخص، ويقمعون أي شخص يعبر عن رأيه ويعاقبونه، وتحت سلطتهم لا يُنفذ كلام الله ومتطلباته وترتيبات العمل، بل ينحَّى جانبًا. يصبح هؤلاء الناس متسلطين ومستبدين محليين؛ يصبحون طغاة. أخبرني، هل يمكن الاحتفاظ بمثل هؤلاء الناس؟ (كلا). في الوقت الحاضر، أُعفيَ بعض الأشخاص، وبعد إعفائهم يتحدثون عن "الخضوع لترتيبات بيت الله"، ليظهروا أنهم نبلاء جدًا وخاضعون جدًا وساعون إلى الحق. يقصدون بقولهم هذا أنهم ليس لديهم أي شيء يقولونه عن كل ما يفعله بيت الله، وأنهم على استعداد للخضوع لترتيباته. يقولون إنهم على استعداد للخضوع لترتيبات بيت الله، فلماذا فعلوا الكثير من الشرور التي أدت بالكنيسة إلى إعفائهم؟ لماذا لا يفهمون هذا؟ لماذا لم يقدموا بيانًا عن هذا؟ لقد جلبوا مختلف أنواع المتاعب والخسائر على عمل بيت الله أثناء عملهم؛ ألا يجب عليهم أن يفصحوا عن سريرتهم ويكشفوا عن أنفسهم فيما يتعلق بهذا الأمر؟ هل يعتبر الأمر منتهيًا إن لم يذكروه فحسب؟ إنهم يقولون إنهم يريدون الخضوع لترتيبات بيت الله، ويظهرون كم هم نبلاء وعظماء؛ هذا كله تظاهر وخداع! إذا كانوا يتعلمون الخضوع لترتيبات بيت الله، فلماذا لم يخضعوا لترتيبات العمل السابقة لبيت الله؟ لماذا لم ينفذوها؟ ماذا كانوا يفعلون آنذاك؟ من الذي كانوا يطيعونه حقًا؟ لماذا لا يقدمون بيانًا عن هذا؟ من سيدهم؟ هل نفَّذوا كل جانب من جوانب العمل الذي رتبه بيت الله؟ هل حققوا نتائج؟ هل يمكن لعملهم أن يصمد أمام الفحص الدقيق؟ كيف سيعوضون ما تسبب فيه تصرفهم بجموح وعملهم الشر من خسائر لعمل بيت الله؟ ألا يستحق هذا الأمر تعليقًا ما؟ هل يمكنهم فحسب أن يقولوا إنهم سيخضعون لترتيبات بيت الله، وهذا كل شيء؟ قل لي، هل لدى هؤلاء الناس إنسانية؟ (كلا). إنهم مجردون من الإنسانية والعقل والضمير، وليس لديهم خزي! إنهم لا يشعرون بأنهم قد فعلوا الكثير من الشر، وتسببوا في مثل هذه الخسائر الكبيرة لبيت الله. لقد تسببوا في الكثير من العرقلة والاضطرابات دون أن يشعروا بأي تأنيب ضمير، أو أي إحساس بالمديونية، أو أي اعتراف بهذا. إذا حاولت تحميلهم المسؤولية، فسيقولون: "لم أكن الشخص الوحيد الذي فعل ذلك"؛ لديهم أعذارهم. ما يقصدونه هو أنه لا يمكن تطبيق العقوبات إذا كان الجميع مخطئين، ولأن الجميع فعلوا الشر، فإنهم – كأفراد – لا ينبغي تحميلهم المسؤولية. وهذا خطأ. يجب أن يقدموا بيانًا عن الشر الذي اقترفوه؛ يجب على كل فرد أن يقدم بيانًا عن أي شر فعله. يجب أن يخضعوا لترتيبات بيت الله، وأن يتعاملوا مع مشكلاتهم الخاصة بشكل صحيح. إذا كان لديهم هذا الموقف، فيمكنهم أن يحصلوا على فرصة أخرى ويبقوا، لكن لا يمكنهم أن يفعلوا الشر دائمًا! إذا لم يكن هناك وعي في ضمائرهم، وإذا كانوا لا يشعرون بأنهم مدينون لله بأي شكل من الأشكال، ولا يتوبون على الإطلاق، فمن منظور بشري، يمكن أن يُعطوا فرصة، وأن يُسمح لهم بالاستمرار في القيام بواجباتهم، وألا يُحمَّلوا، لكن كيف يرى الله هذا؟ إذا لم يحملهم الناس المسؤولية، فهل الله لن يحاسبهم أيضًا؟ (كلا). يتعامل الله مع جميع الناس والأشياء بمبادئ. لن يتنازل الله معك ويلطف الأمور، ولن يكون – مثلك – ساعيًا لإرضاء الناس. الله له مبادئ، وله شخصية بارة. إذا انتهكت مبادئ بيت الله ومراسيمه الإدارية، فلا بد للكنيسة وبيت الله أن يتعاملا معك وفقًا لمبادئ المراسيم الإدارية وأحكامها. وبخصوص عواقب إساءتك إلى الله، فالواقع أنك تعرف في قلبك كيف يراك الله أو يعاملك. إذا كنت حقًا تعامل الله على أنه الله، فيجب عليك أن تأتي أمامه لتعترف وتقر بخطاياك وتتوب. إذا كنت تفتقر إلى هذا الموقف فأنت عديم الإيمان، وأنت إبليس، وأنت عدو لله، وينبغي أن تُلعن! ما الفائدة إذًا من استماعك للعظات؟ يجب أن تخرج، فأنت لا تستحق الاستماع إلى العظات! إن الحقائق تُقال ليسمعها البشر العاديون الفاسدون؛ رغم أن هؤلاء الناس لديهم شخصيات فاسدة، فهم يملكون العزيمة وهم مستعدون لقبول الحق، ويمكنهم التأمل في ذواتهم متى ما أصابهم شيء، ويمكنهم الاعتراف والتوبة وتغيير أنفسهم عندما يفعلون شيئًا خاطئًا. يمكن لمثل هؤلاء الناس أن يخلصوا، ومن أجلهم تُقال الحقائق. الأشخاص الذين ليس لديهم موقف توبة مهما كانت الأمور التي تصيبهم ليسوا بشرًا فاسدين عاديين، بل هم شيء آخر تمامًا؛ فجوهرهم هو جوهر إبليس لا إنسان. على الرغم من أن البشر الفاسدين العاديين هم أيضًا قد لا يسعون إلى الحق، فإنهم يستطيعون عادةً أن يمتنعوا عن فعل الأشياء السيئة استنادًا إلى ضمائرهم، وثمة قدر ضئيل من الشعور بالخزي تمتلكه إنسانيتهم الطبيعية، وثمة قدر قليل من العقل يمتلكونه، وليس لديهم نية للتسبب في العرقلة والإزعاج عمدًا. في ظل الظروف العادية، يمكن لمثل هؤلاء الأشخاص أن يعملوا ويتبعوا حتى النهاية، ويكونوا قادرين على النجاة. رغم ذلك، ثمة نوع من الناس الذين لا يملكون ضميرًا أو عقلًا، وليس لديهم أي إحساس بالشرف أو الخزي على الإطلاق، ولا تكون لديهم قلوب نادمة مهما فعلوا من شرور، وهم يختبئون بلا خجل داخل بيت الله، ولا يزالون يأملون في نيل البركات، ولا يعرفون التوبة. عندما يقول له أحدهم: "لقد تسببت في عرقلة وإزعاج بفعلتك هذه"، فإنه يقول: "حقًا؟ قد أخطأت إذًا، سأتصرف بشكل أفضل في المرة القادمة". فيرد الشخص الآخر: "ينبغي إذًا أن تتوصل إلى معرفة شخصياتك الفاسدة"، فيقول: "أتوصل لمعرفة أي شخصيات فاسدة؟ لقد كنت جاهلًا وأحمق فحسب. سأتصرف بشكل أفضل في المرة القادمة". إنه يفتقر إلى الفهم العميق، ويخدع الناس بكلامه. هل يمكن لأناس بهذا الموقف أن يتوبوا؟ إنهم حتى بلا خزي؛ إنهم ليسوا أناسًا! يقول البعض: "إن لم يكونوا أناسًا، فهل هم وحوش؟" إنهم وحوش، لكنهم أحط حتى من الكلاب. فكِّر في الأمر، عندما يفعل الكلب شيئًا سيئًا أو يسيء التصرف، إذا نهرته مرة واحدة، فسيشعر بالسوء على الفور، وسيظل يتلطف معك، وهو بهذا يعني: "أرجوك لا تكرهني، لن أفعل ذلك مرة أخرى". عندما يحدث شيء من هذا القبيل مرة أخرى، سيتعمد الكلب أن ينظر إليك نظرة يخبرك بها: "لن أفعل ذلك، لا تقلق". بغض النظر عما إذا كان الكلب خائفًا من التعرض للضرب، أو يحاول كسب ود سيده، وأيًا كانت الطريقة التي تنظر بها إلى هذا الأمر، عندما يعلم الكلب أن سيده لا يحب شيئًا ما أو لا يسمح به، فلن يفعله. إنه قادر على كبح جماح نفسه؛ ولديه شعور بالخزي. حتى الحيوانات لديها شعور بالخزي، لكن هؤلاء الناس ليس لديهم هذا الشعور. هل هم إذًا لا يزالون بشرًا؟ إنهم حتى أقل من الحيوانات، لذا فهم كائنات غير إنسانية وغير حية، إنهم أبالسة حقيقيين. إنهم لا يتأملون في ذواتهم أبدًا ولا يعترفون مهما فعلوا من شرور، وبالتأكيد لا يعرفون التوبة. بعض الناس يشعرون بالخزي من مواجهة إخوتهم وأخواتهم لأنهم فعلوا قليلاً من الشر، وإذا اختارهم الإخوة والأخوات في إحدى الانتخابات، فسيقولون: "لن أتولى هذا الواجب، فأنا لست مؤهلاً. فعلت في الماضي بعض الأشياء الحمقاء التي سببت بعض الخسائر لعمل الكنيسة. أنا لا أستحق هذا المنصب". لدى مثل هؤلاء الناس شعور بالخزي، ولديهم ضمير وعقل. لكن هؤلاء الأشرار ليس لديهم شعور بالخزي. إذا طلبت منهم أن يصبحوا قادة، فسيقفون على الفور ويقولون: "انظروا! ما رأيكم في هذا؟ لا يمكن لبيت الله أن يستغني عني. أنا شخص مهم ومقتدر جدًا!" أخبرني، أليس من الصعب جعل هؤلاء الناس يشعرون بالخزي؟ ما مدى صعوبة ذلك؟ إنه أصعب من تسلق أسوار ممر شانهاي الصيني؛ إنهم بلا خزي! مهما كان ما يفعلونه من شر، فإنهم يظلون بلا خزي يمضون أيامهم في الكنيسة بكسل. لم يكونوا متواضعين قط في تعاملهم مع الإخوة والأخوات، ولا يزالون يعيشون كما كانوا يعيشون دائمًا، بل إنهم يتفاخرون أحيانًا بـ "إنجازاتهم العظيمة"، وما تخلوا عنه في الماضي ونفقاتهم ومعاناتهم والأثمان التي دفعوها، وبـ "مجدهم وعظمتهم" السابقين. ما إن تسنح لهم الفرصة حتى يقفوا على الفور ليتباهوا ويتفاخروا بأنفسهم، ويتحدثوا عن رأس مالهم ويستعرضوا مؤهلاتهم، لكنهم لا يتحدثون أبدًا عن مقدار ما اقترفوه من شر، وما بددوه من تقدمات الله، وما تسببوا فيه من الخسائر لعمل بيت الله. إنهم لا يعترفون حتى عندما يصلون إلى الله على انفراد، ولا يذرفون دمعة بسبب الأخطاء التي ارتكبوها أو الخسائر التي سببوها لبيت الله. هذا هو مدى تعنتهم ووقاحتهم. أليسوا غير عقلانيين وغير قابلين للفداء تمامًا؟ (بلى). إنهم غير قابلين للفداء، ولا يمكن خلاصهم. مهما أعطيتهم من فرص، فإن الأمر يشبه التحدث إلى حائط من الطوب، أو دفع سمكة للحياة على البر، أو مطالبة الأبالسة والشيطان بعبادة الله. لذلك، بخصوص هؤلاء الناس، فإن موقف بيت الله في النهاية هو التخلي عنهم. إذا كانوا راغبين في أداء الواجبات، فيمكنهم ذلك، وسيمنحهم بيت الله فرصة صغيرة. إذا كانوا لا يرغبون في أداء الواجبات، ويقولون: "سأغادر من أجل أن أعمل وأكسب المال وأقضي أيامي؛ سأذهب لأدير أعمالي الخاصة"، فليتفضلوا، فباب بيت الله مفتوح، يمكنهم أن يسارعوا بالمغادرة! لا أريد أن أرى وجوههم مرة أخرى، إنهم مقززون جدًا! لماذا يتظاهرون؟ إن القدر القليل من المعاناة التي تحملوها، والأثمان القليلة التي دفعوها، والتنازلات والنفقات القليلة التي أنفقوها، كانت مجرد شروط مسبقة أعدوها حتى يتمكنوا من فعل الشر. إذا بقوا في بيت الله، فما نوع الخدمة التي يمكن أن يؤدوها له؟ ما الفوائد التي يمكن أن يقدموها لعمل بيت الله؟ هل لديكم أي فكرة عن مدى العرقلة والإزعاج الذي يمكن أن تجلبه لعمل الكنيسة في غضون ستة أشهر الأعمال الشريرة والأمور السيئة التي يقوم بها شخص شرير واحد؛ ضد مسيح واحد؟ أخبرني، كم عدد الإخوة والأخوات الذين سيحتاجون إلى العمل لتعويض ذلك؟ أليس استخدام ذلك الشخص الشرير، ضد المسيح هذا، لأداء القليل من الخدمة لا يستحق العناء؟ (بلى). لن نتكلم عن حجم الخسائر التي يمكن أن تتسبب فيها عصابة من أضداد المسيح يتحدون معًا لفعل أشياء سيئة؛ لكن ما مقدار الضرر الذي يمكن أن يلحق بعمل الكنيسة بمغالطة واحدة وتصريح إبليسي واحد ينطق به أحد أضداد المسيح، أو بأمر سخيف واحد يصدره أحد أضداد المسيح؟ أخبرني، كم عدد الأشخاص الذين سيحتاجون إلى العمل، ولكم من الوقت، لتعويض ذلك؟ من سيتحمل مسؤولية هذه الخسارة؟ لا أحد يستطيع! هل يمكن تعويض هذه الخسارة؟ (كلا). يقول بعض الناس: "إذا حصلنا على المزيد من الأشخاص للمساعدة، وتحمَّل الإخوة والأخوات قدرًا إضافيًا يسيرًا من المعاناة، فقد نتمكن من تعويضها". رغم أنكم قد تكونون قادرين على تعويض بعضها، فكم سيحتاج بيت الله إلى إنفاقه من القوى البشرية والموارد المادية؟ على وجه الخصوص، من يستطيع أن يعوض عن الوقت الضائع، والخسائر التي تكبدها شعب الله المختار من حيث دخولهم في الحياة؟ لا أحد يستطيع. ولذلك، لا يمكن غفران الأخطاء التي ارتكبها أضداد المسيح! يقول البعض: قال أضداد المسيح: "سنعوِّض عن الأموال التي ضاعت". بالطبع يجب أن يعوضوا عنها! "قال أضداد المسيح: "سنأتي بالمزيد من الناس لتعويض من فقدناهم". هذا أقل ما يمكنهم فعله. يجب أن يعوضوا عن الشر الذي ارتكبوه! ولكن من سيعوض عن الوقت الذي أضاعوه؟ هل يمكنهم ذلك؟ من المستحيل التعويض عنه. لذا، فإن الأخطاء التي ارتكبها هؤلاء الناس هي أبشع الخطايا! لا يمكن غفرانها. أخبرني، أليس الأمر كذلك؟ (إنه كذلك).

عندما يرى بعض الناس أن بيت الله يتعامل مع أضداد المسيح بحدة – إذ لا يعطيهم فرصة ويطردهم مباشرةً – تراودهم بعض الأفكار حول هذا الأمر: "ألم يقل بيت الله إنه يعطي الناس فرصًا؟ عندما يرتكب شخص ما خطأ صغيرًا، ألا يعود بيت الله يريده؟ ألا يمنحه فرصة؟ ينبغي أن يمنحه فرصة، بيت الله غير محب على الإطلاق!". أخبروني، كم من الفرص أُعطيت لهؤلاء الناس؟ لكم من العظات استمعوا؟ هل أُعطوا فرصًا قليلة جدًا؟ عندما يعملون، ألا يعرفون أنهم يؤدون واجبات؟ ألا يعرفون أنهم ينشرون الإنجيل ويقومون بعمل بيت الله؟ ألا يعرفون هذه الأشياء؟ هل يديرون عملًا تجاريًا أو شركة أو مصنعًا؟ هل يديرون مؤسساتهم الخاصة؟ كم من الفرص منحها بيت الله لهؤلاء الناس؟ لقد تمتع كل واحد منهم بقدر كبير من الفرص. بالنسبة إلى أولئك الذين نُقلوا من مجموعات مختلفة إلى فريق الإنجيل، هل أُعفي أي منهم بعد أن مكث في فريق الإنجيل لبضعة أيام فقط؟ لم يُعف أي منهم، ما لم يكن الشر الذي فعله فظيعًا للغاية، حينئذٍ أُعفوا. لقد أُعطي كل واحد منهم فرصًا كافية، كل ما في الأمر أنهم لا يعرفون أن يقدروها أو أن يتوبوا. إنهم يتبعون طريقهم الخاص، ويسيرون دائمًا في طريق بولس. يتكلمون كلامًا لطيفًا للغاية وواضحًا، لكنهم لا يتصرفون مثل البشر. هل لا يزال ينبغي أن يُمنح أمثال هؤلاء الناس فرصًا؟ (كلا). عندما أُعطوا فرصة، كانوا يُعاملون مثل البشر، لكنهم ليسوا بشرًا. إنهم لا يفعلون الأشياء التي يفعلها البشر، لذا معذرة، باب بيت الله مفتوح؛ يمكنهم المضي قدمًا والمغادرة. لن يستخدمهم بيت الله بعد الآن. بيت الله له الحرية فيما يتعلق باستخدام الناس، وله هذا الحق. هل سيكون الأمر على ما يرام إذا لم يستخدمهم بيت الله؟ إذا أرادوا أن يؤمنوا، فيمكنهم أن يفعلوا ذلك خارج بيت الله. على أي حال، لن يستخدمهم بيت الله؛ لا يمكنه ذلك، فهم سبب الكثير جدًا من القلق! لقد تسببوا في خسائر كبيرة جدًا لبيت الله، ولا يمكن لأحد أن يتحمل فاتورة ذلك؛ لم يمكنهم تحملها! ليس الأمر أنهم غير محظوظين، وليس الأمر أن بيت الله لم يمنحهم فرصة، وليس الأمر أن بيت الله غير محب لهم، وقسى عليهم كثيرًا، وبالتأكيد ليس الأمر أن بيت الله يتخلص منهم بعد أن انتهوا من عملهم. الأمر أن هؤلاء الناس قد تمادوا كثيرًا، ولم يعد من الممكن التسامح معهم، ولم يعد بإمكانهم تبرير الأشياء التي فعلوها. لقد قدم بيت الله مبادئ العمل لكل عنصر من عناصر العمل، وقدم الأعلى بنفسه الإرشاد، والمراقبة، والتصحيح. ليس الأمر فقط أن بيت الله والأعلى عقدا بضع اجتماعات، أو قالا بضع كلمات، بل تكلما بكلمات كثيرة وعقدا العديد من الاجتماعات، وحثا الناس بجدية، وفي نهاية المطاف، كان ما حصلا عليه في المقابل هو الخداع، وفي نهاية المطاف، تعطل عمل الكنيسة وأُزعج وتحول إلى فوضى عارمة. أخبروني، من ذا الذي سيظل على استعداد لمنح هؤلاء الناس فرصة؟ من سيكون على استعداد للاحتفاظ بهم؟ يمكنهم أن يتصرفوا بجموح فاعلين الشر، لكنهم بالتأكيد لا يمنعون بيت الله من التعامل معهم وفقًا للمبادئ؟ لا ينبغي أن يسمى التعامل معهم بهذه الطريقة عدم محبة، بل ينبغي أن يسمى امتلاكًا للمبادئ. المحبة تُعطى لمن يمكن أن يُحَبوا، وللجاهلين الذين يمكن أن يُغفر لهم؛ وهي لا تُعطى للأشرار والأبالسة أو الذين يتعمدون إحداث العرقلة والإزعاج، ولا تُعطى لأضداد المسيح. لا يستحق أضداد المسيح سوى اللعنة! لماذا لا يستحقون سوى اللعنة؟ لأنهم لا يتوبون، ولا يعترفون، ولا يغيِّرون أنفسهم مهما فعلوا من شرور، بل يتنافسون مع الله حتى النهاية. إنهم يأتون أمام الله قائلين: "عندما أموت، سأموت واقفًا. أنا لا أُذعِن. وعندما أمثل أمامك، لن أركع أو أنحني. لن أعترف بالهزيمة!" أي نوع من الأشياء هذا؟ وحتى عندما يكونون على وشك الموت، سيظلون يقولون: "سأظل أقاوم بيت الله حتى النهاية. لن أعترف بخطاياي؛ فأنا لم أفعل أي شيء خطأ!". حسنًا، إذا لم يكونوا قد فعلوا أي شيء خطأ، فيمكنهم المغادرة. لن يستخدمهم بيت الله. هل سيكون الأمر على ما يرام إذا لم يستخدمهم بيت الله؟ سيكون الأمر على ما يرام تمامًا! يقول البعض: "إذا كان بيت الله لن يستخدمني، فلا يوجد من يمكن أن يستخدمه". يجب على هؤلاء الناس أن ينظروا ليروا إن لم يكن يوجد أحد حقًا؛ هل يعتمد أي عمل في بيت الله على الناس؟ بدون عمل الروح القدس وبدون حماية الله، من كان بوسعه أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم؟ أي عنصر من عناصر العمل كان يمكن الحفاظ عليه حتى الآن؟ هل يعتقد هؤلاء الناس أنهم في العالم العلماني؟ لو فقدت أي مجموعة في العالم العلماني حماية فريق من الأفراد الموهوبين أو ذوي الملكات فلن يكون بوسعها أن تكمل أيًا من مشاريعها. والعمل في بيت الله مختلف. إن الله هو الذي يحمي العمل في بيت الله، ويقوده، ويوجهه. لا تظنوا أن العمل في بيت الله يعتمد على دعم أي شخص. ليس الأمر كذلك، وهذه هي وجهة نظر عديم الإيمان. هل تعتقدون أنه من اللائق ببيت الله أن ينبذ الأشرار مثل أضداد المسيح وعديمي الإيمان؟ (نعم). لماذا هو لائق؟ لأن الخسائر التي تترتب على استخدام هؤلاء الناس في القيام بالعمل كبيرة جدًا، فهؤلاء الناس يبددون كلًا من القوى البشرية والموارد المالية دون رادع، وليس لديهم مبادئ على الإطلاق. إنهم لا يستمعون إلى كلمة الله، ويتصرفون بشكل كامل بناءً على طموحاتهم ورغباتهم الجامحة الخاصة. إنهم لا يحترمون كلام الله أو ترتيبات عمل بيت الله على الإطلاق، لكن عندما يقول أحد أضداد المسيح شيئًا ما، فإنهم يحترمون ما يقوله احترامًا شديدًا، ويمارسون وفقًا له. لقد سمعت أن ثمة أحمق كان موجودًا في أوروبا، لكنه كان يعمل في مهام مقرها في آسيا. قال بيت الله إنه سينقله للعمل على نشر الإنجيل في أوروبا، لينقذه من التعامل مع فارق التوقيت، لكنه لم يرضَ، ولم يعد للعمل في مهام في أوروبا، حتى عندما رتب بيت الله ذلك، لأن ضد المسيح الذي كان يعبده كان في آسيا، ولم يكن راغبًا في أن يبتعد عن سيده. أليس بأحمق؟ (بلى). أخبروني، هل هو جدير بأداء واجبه؟ هل نريده؟ كانت ترتيبات العمل التي قام بها بيت الله مناسبة. إذا كنت في أوروبا، فعليك أن تعمل على مهام موجودة في أوروبا وليس في آسيا. أيًا كانت القارة التي أنت فيها، يجب أن تعمل على مهام هناك، وبهذه الطريقة يمكنك تجنب التعامل مع فروق التوقيت؛ هذا شيء عظيم! ورغم ذلك، لم يوافق هذا الشخص. لم تعمل عليه كلمات بيت الله؛ ولم يستطع بيت الله أن يحمله على الانتقال، كان يحتاج إلى أن يصدر سيده الأمر. إذا قال له سيده: "عُد للعمل على المهام في أوروبا"، فإنه كان سيعود للعمل في تلك المهام. وإذا قال له سيده: "لا يمكنك العودة للعمل على المهام في أوروبا، فأنا أحتاج إليك للعمل هنا"، كان سيقول: "إذًا لا يمكنني العودة". لمن كان يؤدي الخدمة؟ (لسيده). لقد كان يؤدي الخدمة لسيده؛ وهو ضد للمسيح. إذًا، ألا ينبغي تطهير بيت الله منه هو وسيده؟ ألا ينبغي أن يُطرد؟ (بلى). لماذا أنا غاضب جدًا من مثل هؤلاء الناس؟ لأنهم يفعلون الكثير من الشر؛ وأي شخص سيغضب لسماع ذلك. هؤلاء الناس يحاولون خداع الله وهم مدركون لذلك تمامًا؛ هذا خبيث للغاية! أخبروني، لماذا أنا غاضب جدًا من أمثال هؤلاء الناس؟ (لأنهم يقولون إنهم يؤمنون بالله، لكنهم في الواقع يستمعون إلى أسيادهم. إنهم لا يتبعون الله ويخضعون له حقًا). لقد كرسوا أنفسهم بالكامل لاتباع الأبالسة والشياطين. وقولهم إنهم يتبعون الله هو مجرد واجهة. إنهم يتبعون الشياطين ويخدمونهم تحت ستار اتباع الله وبذل أنفسهم من أجل الله، وفي النهاية، لا يزالون يريدون الحصول على المكافآت والبركات من الله. أليس هذا وقحًا تمامًا؟ أليس هذا غير عقلاني وغير قابل للإصلاح على الإطلاق؟ (بلى). أخبروني، هل سيحتفظ بيت الله بأناسٍ كهؤلاء؟ (كلا). إذًا ما هي الطريقة المناسبة للتعامل معهم؟ (تطهير بيت الله منهم ومن أسيادهم). إنهم يحبون أن يتبعوا أسيادهم، وهم مصممون على أن يجهدوا أنفسهم في العمل حتى الموت من أجل أسيادهم؛ فهم لا يحافظون على مصالح بيت الله في أثناء أداء واجباتهم، ولا يؤدون واجباتهم بينما يعيشون أمام الله، فهم يخدمون أسيادهم ضمن عصابة من أضداد المسيح؛ هذا هو جوهر عملهم. لذلك لن يُذكر عملهم مهما فعلوا. يجب تطهير بيت الله من أمثال هؤلاء الأشخاص، فهم ليسوا أهلًا حتى لأداء الخدمة! إذًا، هل تعتقدون أن أمثال هؤلاء الناس يصبحون هكذا فقط لأنهم يقابلون أناسًا أشرارًا أو لأنهم يقومون بهذا النوع من العمل؟ هل يتأثرون ببيئاتهم، أم أن الأشرار يضللونهم؟ (لا هذا ولا ذاك). إذًا لماذا هم هكذا؟ (إنهم من هذا النوع من الأشخاص في جوهر طبيعتهم). هؤلاء الناس لديهم جوهر طبيعة أسيادهم أضداد المسيح نفسه. إنهم النوع نفسه من الناس. إنهم يشتركون في الهوايات، والأفكار، والآراء، وكذلك في وسائل وأساليب القيام بالأشياء؛ ولديهم لغة يشتركون فيها وطريق السعي نفسه، وهم أيضًا يشتركون في الرغبات، والدوافع، وأساليب الممارسة نفسها لخيانة الله وإزعاج عمل بيت الله. فكروا في الأمر، إنهم يشتركون في الموقف نفسه فيما يتعلق بترتيبات العمل في بيت الله، وهو موقف الكذب على مَن هم أعلى منهم وإخفاء الأمور عمن هم دونهم. أولئك الأعلى منهم لديهم سياسات، وهم لديهم استراتيجيات خاصة بهم للتعامل معهم. بالنسبة إلى مَن هم أعلى منهم، فهم يتصرفون بطاعة تامة في الظاهر؛ وبالنسبة إلى من هم دونهم، فهم يتصرفون بجموح فاعلين الشر. إنهم يشتركون في الطرق والأساليب نفسها. وعندما يهذبهم الأعلى يقولون: "لقد أخطأت، لقد كنت مخطئًا، أنا سيئ، أنا متمرد، أنا إبليس!". وبعد ذلك يلتفتون ويقولون: "دعونا لا ننفذ ترتيبات العمل التي ذكرها الأعلى!"، ثم يفعلون الأشياء بطريقتهم الخاصة. إنهم يؤدون بشكل سطحي تمامًا عندما يبشرون بالإنجيل، ويضخمون الأرقام، ويخدعون بيت الله. هذه هي أساليب هذه العصابات من أضداد المسيح. إنهم دائمًا ما يتعاملون مع ترتيبات العمل باستراتيجياتهم وأساليبهم الخاصة؛ ألم تنكشف وجوههم الإبليسية؟ هل هم بشر؟ كلا، ليسوا كذلك، إنهم أبالسة! ونحن لا نتعامل مع الأبالسة، لذا دعونا نسارع إلى إخراجهم من هنا. لا أريد أن أرى وجوههم الإبليسية؛ ينبغي أن يخرجوا! أولئك الذين يرغبون في العمل يمكن إرسالهم إلى المجموعة (ب). وأولئك الذين لا يرغبون في العمل يمكن طردهم. هل مسار العمل هذا صحيح؟ (نعم). إنه المسار الأنسب للعمل! لديهم جوهر مشترك، لذا عندما يتحدثون ويتصرفون معًا، فإنهم يفعلون ذلك بسلاسة شديدة، وعندما يفعلون الأشياء معًا يكون بينهم قدر هائل من التماسك والتفاهم الضمني. وما إن يفتح هؤلاء الأسياد أفواههم، ومهما يكن ما يقولونه من أشياء إبليسية، فإن أتباعهم سيرددونها على الفور، بل إنَّ هؤلاء الأتباع سيشعرون في قلوبهم بالفخر، ويقولون: "أنت على حق، لنفعل الأمر بتلك الطريقة! إن ترتيبات العمل من الأعلى يصعب تلبيتها للغاية، ولا يمكننا القيام بالأشياء على ذلك النحو". مهما كانت مدى جودة إيضاح ترتيبات العمل التي قالها الأعلى أو مهما بلغت درجة تحديدها، فإن هؤلاء الناس لن ينفذوها، ومهما كانت الأشياء التي يقولها الأبالسة والشياطين محرَّفة أو سخيفة، فإنهم سيستمعون إليها. لمن يؤدون الخدمة إذًا؟ هل يمكن لأناس كهؤلاء أن يعملوا في بيت الله حتى النهاية؟ (كلا). لا يمكنهم العمل حتى النهاية. سواء كان الله يُظهر صبرًا تجاه شخص ما، أو تجاه أفعال أحد الأبالسة، فهناك دائمًا حد. إنه يُظهر للناس التحمل إلى أقصى حد ممكن، لكن عند الوصول إلى نقطة معينة، سيكشف أولئك الذين يجب أن يُكشفوا، ويستبعد أولئك الذين يجب أن يُستبعدوا. عند بلوغ هذه النقطة، سيكون هؤلاء الناس قد وصلوا إلى نهاية الطريق. ليس الأمر ببساطة أنهم لا يسعون إلى الحق أو لا يحبونه، بل إن جوهر طبيعتهم معادٍ للحق. فكِّر في الأمر، إنهم لا يستمعون متى ما تحدثت عن أشياء إيجابية أو فهم نقي أو مبادئ تتماشى مع الحق. وكلما كانت كلماتك أنقى، ازداد شعورهم بالسوء. بمجرد أن تبدأ في الحديث عن مبادئ الحق، لا يستطيعون الجلوس ساكنين، ويجدون طرقًا لاختلاق الأعذار لإخراج المحادثة عن مسارها، أو لتحويل التركيز، أو يذهبون ببساطة ليصبوا لأنفسهم بعض الماء. حالما تعقد شركة حول الحق أو تتحدث عن معرفة المرء لذاته، يشعرون بالنفور ولا يريدون الاستماع. إذا لم يكونوا بحاجة إلى استخدام المرحاض، فهم عطشى أو جوعى، أو يشعرون بالنعاس، أو يحتاجون إلى إجراء مكالمة هاتفية أو الاهتمام بأمر ما. دائمًا ما يكون لديهم عذر، ولا يمكنهم الجلوس ساكنين. إذا استخدمتَ أساليبهم، وتحدثت عن تعبيراتهم ونُهُجهم التي تسبب العرقلة والإزعاج حصريًا، فسيصبحون نشيطين وقادرين على الاستمرار في الحديث. إذا لم تشارك لغة مشتركة معهم، فسيشعرون بالنفور منك ويتجنبونك. هؤلاء أبالسة نموذجيون! يوجد بعض الناس الذين لا يزالون حتى الآن لا يستطيعون رؤية حقيقة هذا النوع من الأبالسة، ويظنون أن هؤلاء الناس لا يسعون إلى الحق فحسب. كيف يمكن أن يكونوا بهذه السذاجة؟ كيف يمكنهم أن يقولوا مثل هذه الأشياء الجاهلة؟ هل هؤلاء الناس لا يسعون إلى الحق فحسب؟ كلا، إنهم أبالسة أشرار، وهم ينفرون بشدة من الحق. يتصرف هؤلاء الناس بشكل جيد جدًا في الاجتماعات، لكن هذا كله مزيف. في الواقع، هل يستمعون حقًا إلى المحتوى الذي تُعقد حوله شركة أو إلى كلام الله الذي يُقرأ في الاجتماعات؟ كم عدد الكلمات التي يستمعون إليها حقًا؟ كم يقبلون منها؟ كم عدد ما يمكن أن يخضعوا له منها؟ لا يمكنهم حتى التحدث عن أبسط التعاليم وأكثرها شيوعًا. فيما يتعلق بمثل هؤلاء الأشخاص، مهما طالت مدة عملهم، أو مهما كان مستوى القيادة أو الإشراف الذي يشغلونه، فلا يمكنهم الوعظ، أو التحدث عن اختباراتهم الخاصة. إذا قال أحدهم: "تحدث عن شيء من معرفتك فيما يتعلق بأمر ما. أنت لست بحاجة إلى أن يكون لديك اختبار به، تحدث فحسب عن معرفتك به وفهمك له"، فلن يستطيع أن يفتح فمه، وسيكون الأمر كما لو كان فمه مغلقًا بإحكام، ولن يستطيع حتى التحدث ببعض التعاليم. وإن استطاع أن يجبر نفسه على قول بعض الكلمات عنها، فسيبدو كلامه أخرق وغريبًا. يقول بعض الإخوة والأخوات: "لماذا عندما يعظ بعض القادة، يبدون وكأنهم معلمون يقرأون نصًا على بعض الأطفال؟ لماذا يبدو الأمر أخرق وغريبًا؟". هذا يسمى عدم القدرة على الوعظ. ولماذا ليست لديهم القدرة على الوعظ؟ لأنهم يفتقرون إلى واقع الحق. لماذا يفتقرون إلى واقع الحق؟ لأنهم لا يقبلون الحق، وينفرون منه في قلوبهم، ويقاومون أي مبدأ أو تعبير للحق. إذا قيل إنهم يقاومونه، فيحتمل أنك لن تتمكن من رؤية ذلك من الظاهر، فكيف تعرف أنهم يقاومون؟ مهما عقد بيت الله من شركة حول الحق، فإنهم سينكرونه ويرفضونه في قلوبهم، وينفرون منه نفورًا شديدًا. وبغض النظر عن كيفية عقد الآخرين شركة حول معرفتهم بالحق، سيفكرون: "قد تؤمن أنت بذلك، أما أنا فلا أؤمن به". كيف يقيسون ما إذا كان شيء ما هو الحق؟ ما دام شيئًا يعتقدون أنه جيد وصحيح، فسيعتقدون أنه الحق. إذا لم يعجبهم تعبير ما، فمهما كان صحيحًا، فلن يعتبروه الحق. لذلك، عندما ننظر إلى أصل هذه المسألة، فإنهم في أعماق قلوبهم، يقاومون الحق، وينفرون من الحق، ويكرهون الحق. لا مكان للحق في قلوبهم على الإطلاق، فهم يبغضونه. قد لا يرى بعض الناس حقيقة هذا الأمر، ويقولون: "لا أراهم عادةً يقولون أي شيء يهين الله أو يجدّف على الحق أو ينتهك مبادئ الحق". إذًا، ثمة حقيقة واحدة يمكنهم رؤيتها: كل تفصيل محدد تنص عليه ترتيبات العمل في بيت الله ضروري، وهو موضوع من أجل حماية مصالح عمل الله، وتقدم حياة شعب الله المختار، والنظام الطبيعي لحياة الكنيسة، والتوسع الطبيعي لعمل الإنجيل. إن الهدف من ترتيبات العمل في كل فترة من الزمن، والتطبيق المحدد والتنظيم والتعديل لكل جانب من جوانب العمل هو حماية التطور الطبيعي لعمل بيت الله، وعلاوةً على ذلك، مساعدة الإخوة والأخوات على فهم مبادئ الحق والدخول فيها. وبعبارة أكثر تحديدًا، يمكن القول إن هذه الأمور تجلب الإخوة والأخوات أمام الله وتساعدهم على الدخول إلى وقائع الحق، وأن هذه الأمور تقود كل شخص وتجذبه إلى الأمام، وتؤازرهم بينما تعلّمهم وتدعمهم وتمدهم. فيما يتعلق بتنفيذ ترتيبات العمل، سواء كان الأمر يتعلق بتطبيق شركة محددة حول هذا خلال الاجتماعات، أو نشره عن طريق الكلام الشفهي، فإن الهدف هو تمكين شعب الله المختار من اختبار عمل الله، وربح دخول الحياة الحقيقي، وهو دائمًا ما يكون مفيدًا لدخول شعب الله المختار إلى الحياة. لا يوجد ترتيب واحد ضار بعمل بيت الله أو دخول شعب الله المختار إلى الحياة، ولا يوجد ترتيب واحد من الترتيبات يخلق اضطرابات أو دمارًا. ورغم ذلك، فإنَّ أضداد المسيح لا يحترمون ترتيبات العمل هذه أبدًا أو ينفذونها. بدلاً من ذلك، هم يبغضونها معتقدين أنها بسيطة للغاية وغير ذات أهمية، وأنها ليست مبهرة مثل طريقة عملهم هم أنفسهم، وأنهم لن يحصلوا على فوائد أكبر لهيبتهم ومكانتهم وسمعتهم بينما يقومون بهذا العمل. ونتيجة لذلك، لا يستمعون أبدًا إلى ترتيبات العمل أو يقبلونها، فضلًا عن تنفيذها، ويفعلون الأشياء بطريقتهم الخاصة بدلاً من ذلك. بناءً على هذا، أخبرني، هل أضداد المسيح لا يسعون إلى الحق فحسب؟ من هذه النقطة، يمكنك أن ترى بوضوح أنهم يكرهون الحق. إذا قيل إنهم يكرهون الحق، فلن تكون قادرًا على رؤية حقيقة ذلك، لكن من خلال النظر إلى كيفية تعامل أضداد المسيح هؤلاء مع تنفيذ ترتيبات العمل، ستتمكن من اكتساب نظرة ثاقبة في هذا الأمر. من الواضح جدًا أنه فيما يتعلق بكيفية تعامل القادة والعاملين الكذبة مع ترتيبات العمل، فإنهم على الأكثر، يؤدون المهام بشكل سطحي فقط، ويتحدثون عن ترتيبات العمل لمرة واحدة، وهذا كل شيء. لا يقومون بالمتابعة والمراقبة اللاحقة، ولا يقومون بالعمل المحدد بشكل صحيح. هؤلاء قادة كذبة. القادة الكذبة – على الأقل – لا يزال بإمكانهم تنفيذ ترتيبات العمل وأداء المهام بشكل سطحي، والحفاظ عليها. أضداد المسيح لا يمكنهم حتى الحفاظ على ترتيبات العمل، فهم ببساطة يرفضون قبولها أو تنفيذها، ويفعلون الأشياء بطريقتهم الخاصة بدلاً من ذلك. ما الذي يفكرون فيه؟ مكانتهم وشهرتهم وهيبتهم. إنهم يفكرون فيما إذا كان الأعلى يقدرهم، وكم عدد الإخوة والأخوات الذين يدعمونهم، وكم عدد قلوب الناس التي يحتلون فيها مكانة، وكم عدد الناس الذين يسودون على قلوبهم ويتحكمون فيهم، وكم عدد الناس الذين في قبضتهم. إنهم يهتمون بتلك الأشياء. إنهم لا يفكرون أبدًا في كيفية سقاية الإخوة والأخوات أو إمدادهم في وضع أساس على الطريق الحق، وبالتأكيد لا يفكرون أبدًا في كيفية سير دخول الإخوة والأخوات الحياة، وكيفية أداء الإخوة والأخوات واجباتهم، سواء كان ذلك نشر الإنجيل أو أنواع أخرى من الواجبات، أو ما إذا كان بإمكانهم التصرف وفقًا للمبادئ، ولم يهتموا قط بكيفية جلب الإخوة والأخوات أمام الله. إنهم لا يهتمون بهذه الأمور. أليست كل هذه الحقائق مطروحة أمام عينيك؟ أليست هذه هي المظاهر التي يمكن أن تروها غالبًا في أضداد المسيح؟ أليست هذه الحقائق دليلًا كافيًا على أن هؤلاء الناس يكرهون الحق؟ (بلى). في جميع الأوقات، فإنَّ كل ما يهتم به أضداد المسيح هو المكانة والشهرة والهيبة. هب أنك جعلت أحد أضداد المسيح مسؤولًا عن حياة الكنيسة، لتمكين الإخوة والأخوات من أن يعيشوا حياة كنسية سليمة، ومساعدتهم على التوصل إلى فهم الحق وإرساء أسسهم بينما يعيشون حياة الكنيسة، وامتلاك إيمان حقيقي بالله، والمثول أمام الله، واكتساب القدرة على العيش باستقلالية، والإيمان لأداء واجباتهم. وبهذه الطريقة، سيكون لعمل نشر الإنجيل في بيت الله بعض القوى الاحتياطية، ويمكن توفير المزيد من عاملي الإنجيل الموهوبين باستمرار لأداء واجباتهم في نشر الإنجيل. هل هكذا سيفكر ضد المسيح؟ بالتأكيد لن يفكر بهذه الطريقة. كان ليقول: "ما أهمية حياة الكنيسة؟ إذا كان الجميع يعيشون حياة الكنيسة بكل إخلاص، ويقرأون كلام الله، وإذا كانوا جميعًا يفهمون الحق، فمن سيستمع إلى أوامري؟ من سيهتم بي؟ من سيلتفت لي؟ لا يمكنني أن أدع الجميع يركزون على حياة الكنيسة طوال الوقت أو يصبحون مهووسين بها. إذا كان الجميع يقرأون كلام الله دائمًا، وإذا كان الجميع قد مثلوا أمام الله، فمن سيبقى حولي؟". أليس هذا هو موقف ضد المسيح؟ (بلى). إنه يعتقد أنه إذا ركز على إمداد الإخوة والأخوات في ربح الحق والحياة، فإن هذا سيضر بسعيه وراء الهيبة والربح والمكانة. إنه يفكر بينه وبين نفسه: "إذا قضيتُ كل وقتي في عمل أشياء للإخوة والأخوات، فهل سيظل لدي وقت للسعي وراء الهيبة والربح والمكانة؟ إذا كان الإخوة والأخوات جميعًا يسبحون اسم الله ويتبعون الله، فلن يبقى أحد ليطيعني. سيكون ذلك محرجًا جدًا بالنسبة إليّ!". هذا هو وجه ضد المسيح. إن أضداد المسيح لا يعجزون فحسب عن السعي إلى الحق، بل هم ينفرون من الحق نفورًا شديدًا. لا يقولون في وعيهم الذاتي: "أنا أكره الحق، وأكره الله، وأكره كل ترتيبات العمل والتعبيرات والممارسات التي تفيد الإخوة والأخوات". لن يقول هذا. إنه يستخدم فحسب بعض النُهُج والسلوكيات لمقاومة ترتيبات العمل في بيت الله. إذًا، جوهر هذه النُهُج والسلوكيات هو القيام بالأمور على طريقته الخاصة، وجعل الآخرين جميعًا ينصاعون له ويطيعونه. وبالتالي، مهما كان ما يفعله بيت الله، فلن يحترمه. أليس هذا هو الحال؟ (إنه كذلك). لقد عقدنا شركة حول مظاهر أضداد المسيح هذه كثيرًا في الماضي. أنتم صغار القامة، وفهمكم للحق ضحل؛ لقد فعل أضداد المسيح الكثير من الشرور أمام أعينكم، ومع ذلك فشلتم في تمييز ذلك. إنكم حمقى ومثيرون للشفقة، وبلداء وأغبياء، وفقراء وعميان. هذه هي مظاهركم الحقيقية وقامتكم الحقيقية. يسبب أضداد المسيح الكثير من المتاعب، ويسببون خسائر كبيرة لعمل بيت الله، ولا يزال هناك أناس يقولون إنه يجب استخدامهم لأداء الخدمة. لقد تسبب استخدامهم في ضرر أكثر مما نفع، لكنكم لا تعرفون أن تطردوهم أو تتعاملوا معهم؛ كم ستحتاجون من سنوات حتى تتغير هذه القامة وهذه الأفكار التي لديكم؟ يتباهى بعض الناس دائمًا قائلين: "أنا شخص يسعى إلى الحق"، لكنهم لا يستطيعون تمييز أضداد المسيح عندما يصادفونهم، بل ربما حتى يتبعون أضداد المسيح هؤلاء؛ أين مظاهر سعيهم إلى الحق؟ لقد استمعوا إلى الكثير من العظات، لكنهم لا يزالون يفتقرون إلى التمييز. حسنًا، سأنهي شركتنا حول هذا الموضوع عند هذا الحد، وبعد ذلك سنتحدث عن موضوعنا الرئيسي.

في اجتماعنا الأخير، عقدنا شركة حول المحتوى المتعلق بتوقعات الوالدين ضمن "تخلي المرء عن الأعباء التي تأتي من أسرته". لقد انتهينا من الشركة حول المبادئ ذات الصلة والموضوعات الرئيسية التي ينطوي عليها ذلك. تاليًا، سنعقد الشركة حول جانب آخر من جوانب تخلي المرء عن الأعباء التي تأتي من عائلته؛ تخلي المرء عن توقعاته لأبنائه. هذه المرة سنقوم بتغيير الأدوار. فيما يتعلق بالمحتوى الذي ينطوي على التعامل مع توقعات الوالدين، فإنَّ هذا يتمثل في بعض الأشياء التي يجب على الناس القيام بها من منظور الابن. وبخصوص الطريقة التي يجب أن ينتهجها الأبناء بشأن مختلف توقعات الآباء لأبنائهم وفي تعاملهم معها، والأساليب المختلفة التي يستخدمها آباؤهم معهم، والمبادئ التي يجب أن يمارسوها – فإنَّ هذا يتعلق بالتعامل مع المشكلات المختلفة التي تأتي من الآباء تعاملًا صحيحًا من منظور الابن. سنعقد الشركة اليوم حول موضوع "تخلي المرء عن توقعاته لأبنائه"، وهو يتعلق بالتعامل مع مختلف المشكلات التي تكون لدى الآباء تجاه أبنائهم من منظور الوالدين. ثمة دروس ينبغي تعلمها ومبادئ ينبغي مراعاتها هنا. إن الأمر الأهم – بصفتك ابنًا – هو الكيفية التي يجب أن تواجه توقعات والديك بها، وما هو الموقف الذي يجب أن تتبناه تجاه هذه التوقعات، وأي طريقة يجب أن تتبع، وأي مبادئ يجب أن تتحلى بها في هذا الوضع. بطبيعة الحال، كل شخص لديه الفرصة ليكون أبًا أو أمًا، أو قد يكون أبًا أو أمًا بالفعل؛ وهذا يمس التوقعات والمواقف التي لدى الناس تجاه أبنائهم. سواء كنت أنت الوالد أو الابن، فيجب أن تمتلك مبادئ مختلفة للتعامل مع توقعات الطرف الآخر. للأبناء مبادئ يجب أن يراعوها فيما يتعلق بالتعامل مع توقعات آبائهم، وللآباء أيضًا بطبيعة الحال مبادئ حق يجب أن يراعوها للتعامل مع توقعات أبنائهم. لذا فكروا أولاً: ما المبادئ التي يمكنكم رؤيتها الآن أو التفكير فيها والتي يجب على الآباء مراعاتها في تعاملهم مع أبنائهم؟ إذا تحدثنا عن المبادئ، فقد يكون هذا بعيدًا عنكم بعض الشيء، وقد يكون الموضوع واسعًا جدًا وعميقًا بعض الشيء، لذا لنتحدث بدلًا من ذلك عن التوقعات التي ستتوقعها أنت لأبنائك إذا كنت والدًا. (يا الله، لو أنني أصبح أبًا في يوم من الأيام، فإنني – أولًا وقبل كل شيء – سأتمنى أن يكون أطفالي أصحاء، وأن يكبروا بصحة جيدة. علاوة على ذلك، كنت لأتمنى أن تكون لهم تطلعاتهم الخاصة، وأن يكونوا طموحين بشأن تحقيق تطلعاتهم في الحياة، وأن تكون لديهم آفاق جيدة. هذان هما الأمران الرئيسيان اللذان سأتمناهما). هل تتمنى أن يصبح أبناؤك مسؤولين رفيعي المستوى أو أن يصبحوا أثرياء جدًا؟ (كنت لأتمنى هذين الأمرين أيضًا. كنت سآمل أن يتمكنوا على الأقل من التقدم في العالم، وأن يكونوا أفضل من الآخرين، وأن ينظر إليهم الآخرون نظرة تقدير). إن المتطلبات الأساسية للغاية التي تكون لدى الآباء والأمهات تجاه أبنائهم هي أن يكونوا أصحاء جسديًا، وأن ينجحوا في حياتهم المهنية، وأن يتقدموا في العالم، وأن يسير كل شيء في حياتهم على ما يرام. هل توجد أي توقعات مختلفة من الآباء تجاه أبنائهم؟ من لديه أبناء، فليتحدث. (أتمنى أن يكون أطفالي أصحاء، وأن تسير الأمور في حياتهم بسلاسة، وأن تكون حياتهم هادئة وآمنة. أتمنى أن يعيشوا في وئام مع أسرهم، وأن يحترموا الكبير ويرعوا الصغير). أي شيء آخر؟ (لو أنني أصبحت أبًا ذات يوم، فبخلاف التوقعات التي تحدثنا عنها للتو، سأتمنى أيضًا أن يكون أولادي مطيعين ومتعقلين، وأن يكونوا بارين بي، وأن أستطيع الاعتماد عليهم في أن يراعوني في شيخوختي). هذا التوقع بالغ الأهمية. إن أمل الآباء في أن يكون أبناؤهم بارين بهم هو توقع تقليدي نسبيًا يوجد لدى الناس في مفاهيمهم وعقلهم الباطن. هذه مسألة نموذجية إلى حد ما.

إن تخلي المرء عن توقعاته لأبنائه هو جزء مهم للغاية من تخلي المرء عن الأعباء التي تأتي من عائلته. يتوقع جميع الآباء توقعات معينة من أبنائهم. وسواء كانت هذه التوقعات كبيرة أو صغيرة؛ سواء كانت قريبة أو بعيدة، فإن هذه التوقعات هي موقف يكون لدى الآباء تجاه تصرفات أبنائهم أو أفعالهم أو حياتهم أو طريقة تعامل أبنائهم معهم. وهي أيضًا نوع من المتطلبات المحددة. هذه المتطلبات المحددة هي، من وجهة نظر الأبناء، أشياء يجب عليهم القيام بها، لأن الأبناء، بناءً على المفاهيم التقليدية، لا يمكنهم مخالفة أوامر آبائهم؛ فإن فعلوا ذلك يكونوا غير بارين بوالديهم. وبالتالي، يحمل الكثير من الناس أعباءً كبيرة وثقيلة فيما يتعلق بهذا الأمر. لذا، ألا ينبغي على الناس أن يفهموا ما إذا كان ما لدى الآباء من توقعات محددة لأبنائهم هي توقعات معقولة أم لا، وما إذا كان ينبغي أن تكون هذه التوقعات لدى الآباء أم لا، وأي من هذه التوقعات معقولة، وأيها غير معقولة، وأيها مشروعة، وأيها قسرية وغير مشروعة؟ وعلاوة على ذلك، توجد مبادئ حق يجب على الناس فهمها ومراعاتها فيما يتعلق بالكيفية التي يجب أن يتعاملوا بها مع توقعات الوالدين، وكيف يجب أن يقبلوها أو يرفضوها، والموقف والمنظور اللذين يجب النظر من خلالهما إلى هذه التوقعات والتعامل معها. عندما لا تكون هذه الأمور قد عولِجَت، غالبًا ما يتحمل الآباء والأمهات هذا النوع من الأعباء، معتقدين أن من مسؤوليتهم والتزامهم أن تكون لديهم توقعات لأبنائهم وذريتهم، ويعتقدون – بطبيعة الحال – أنها حتى أمور إضافية يجب أن يمتلكوها. يعتقدون أنهم إذا لم يكن لديهم توقعات لنسلهم، فسيكون ذلك معادلًا لعدم تتميم مسؤولياتهم أو التزاماتهم تجاه أبنائهم، ويعادل عدم القيام بما يتعين على الآباء القيام به. إنهم يعتقدون أن هذا سيجعلهم آباءً سيئين؛ آباء لا يتممون مسؤولياتهم. ولذلك، فيما يتعلق بمسألة توقعات الناس لأبنائهم، فإنهم ينتجون لا إراديًا متطلبات مختلفة لأبنائهم. لديهم متطلبات مختلفة لمختلف الأبناء في أوقات مختلفة وتحت ظروف مختلفة. وبما أنَّ الآباء والأمهات لديهم نظرة وعبء من هذا النوع بخصوص أبنائهم، فإنهم يمضون ويفعلون الأشياء التي يتعين عليهم القيام بها وفقًا لهذه القواعد غير المكتوبة، بغض النظر عما إذا كانت صحيحة أو خاطئة. فالآباء والأمهات يفرضون مطالب على أبنائهم بينما يتعاملون مع هذه الأساليب بوصفها نوعًا من الالتزام، ونوعًا من المسؤولية، وهم، في الوقت نفسه، يفرضونها على أبنائهم، ويجعلون أبناءهم يحققونها. وسنفصّل هذه المسألة على عدة مراحل في شركتنا هذه؛ سيكون الأمر أوضح بهذه الطريقة.

إنَّ الآباء والأمهات يفرضون مختلف المتطلبات على أبنائهم بالفعل قبل أن يبلغوا سن الرشد. وضمن هذه المتطلبات المختلفة، يعلقون أيضًا بالطبع أنواعًا مختلفة من التوقعات. لذا، بينما يعلق الآباء والأمهات توقعات مختلفة على أبنائهم، فإنهم يدفعون شخصيًا أثمانًا مختلفة وينتجون أنواعًا مختلفة من الأساليب من أجل تحقيق هذه التوقعات. لذلك، قبل أن يصل الأطفال إلى سن الرشد، يعلمهم الآباء بطرق مختلفة، ويضعون لهم متطلبات مختلفة. فعلى سبيل المثال، يقولون لأبنائهم منذ سن مبكرة جدًا: "عليك أن تستذكر دروسك جيدًا وأن تستذكر أكثر، ذلك لأنك ستكون أفضل من أي شخص ولن تكون موضع ازدراء الآخرين فقط بعد أن تكون قد أبليت بلاءً حسنًا في دراستك". يوجد أيضًا آباء يعلمون أبنائهم أن عليهم أن يكونوا بارين بهم بعد أن يكبروا، لدرجة أنهم عندما يكون أطفالهم في الثانية من عمرهم أو الثالثة، يسألونهم دائمًا: "هل ستعتني بأبيك بعد أن تكبر؟ فيقول أطفالهم: "نعم". فيسألونهم: "هل ستعتني بأمك؟ "نعم". "هل تحب أبيك أكثر أم أمك؟ "أنا أحب أبي". "لا، عليك أن تقول إنك تحب أمك أولاً، ثم تقول إنك تحب أبيك". إذًا، يتعلم الأطفال هذه الأشياء من والديهم. إنَّ تعليم الوالدين، سواء بالكلمات أو بالقدوة، يترك أثرًا عميقًا على العقول الصغيرة للأطفال. وبالطبع، ينقل إليهم أيضًا قدرًا معينًا من المعرفة الأساسية ويعلمهم أن والديهم هم أكثر من يحبونهم ويعشقونهم في العالم، وهم أكثر مَن ينبغي أن يظهروا لهم الطاعة من الناس وأكثر مَن ينبغي أن يكونوا بارين بهم. وبطبيعة الحال، تنغرس في أذهانهم الصغيرة فكرة أنه "بما أن والديَّ هما أقرب الناس إليَّ في العالم، فيجب أن أطيعهما دائمًا". وفي الوقت نفسه، تنشأ في أذهانهم الصغيرة فكرة مفادها أنه بما أن والديهم هم أقرب الناس إليهم، فلا بد أن كل ما يفعله الآباء يهدف لضمان أن يعيش أبناؤهم حياة أفضل. وبالتالي، فإنهم يعتقدون أن عليهم قبول تصرفات والديهم دون أي شروط؛ أيًا كان نوع الأساليب التي يستخدمونها، وبصرف النظر عما إذا كانت إنسانية أو غير إنسانية، فإنهم يعتقدون أن عليهم قبولها. في سن لا يملك فيه الأطفال بعد أي قدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، فإن تعليم والديهم، من خلال الكلمات أو من خلال القدوة، يغرس هذا النوع من الأفكار في داخلهم. يمكن للآباء والأمهات تحت توجيه هذا النوع من الأفكار أن يطالبوا أطفالهم بالقيام بمختلف الأشياء، تحت ستار الرغبة في ما هو الأفضل لهم. على الرغم من أن بعض تلك الأشياء لا تتماشى مع الإنسانية أو مع مواهب أبنائهم أو مستوى قدراتهم أو تفضيلاتهم، فإنه في ظل هذه الظروف، حيث لا يحق للأبناء التصرف بمبادرة منهم أو بأي قدر من استقلاليتهم الذاتية، لا يملكون أي خيار ولا قدرة على المقاومة فيما يتعلق بما يُسمى بتوقعات والديهم لهم ومطالبهم منهم. لا يملكون سوى أن يطيعوا كل كلمة لوالديهم، وأن ينفذوا لوالديهم ما يريدان، وأن يضعوا أنفسهم تحت رحمة والديهم، وأن يوجههم والديهم إلى أي نوع من المسارات. لذلك، قبل أن يصل الأبناء إلى سن الرشد، فإن كل ما يفعله الآباء، سواء كان غير مقصود أو نابعًا من مقاصد حسنة، سيكون له تأثير إما إيجابي أو سلبي على تصرفات الأبناء وأفعالهم. معنى هذا أنَّ كل ما يفعلونه سوف يغرس مختلف الأفكار والآراء داخل أطفالهم، بل إن هذه الأفكار والآراء قد تُدفَن في أعماق اللاوعي لدى أطفالهم، بحيث إنه بعد أن يصبحوا بالغين، ستظل هذه الأفكار والآراء تؤثر بعمق في كيفية رؤيتهم للناس والأشياء، وتصرفهم وفعلهم، وتؤثر حتى في الطرق التي يسلكونها.

لا يملك الأطفال قبل بلوغهم سن الرشد أي وسائل مقاومة ضد ما ينقله إليهم آباؤهم وأمهاتهم من البيئات المعيشية أو الميراث أو التعليم، لأنهم ليسوا بالغين بعد، ولا يفهمون الأمور جيدًا. عندما أتحدث عن الفترة التي تسبق بلوغ الطفل سن الرشد، فإنني أشير إلى الفترة التي لا يستطيع فيها الطفل التفكير أو الحكم على الصواب من الخطأ بشكل مستقل. في ظل هذه الظروف، لا يسع الأطفال إلا أن يضعوا أنفسهم تحت رحمة والديهم. وتحديدًا لأن الآباء والأمهات هم من يتخذون كل القرارات في كل شيء قبل بلوغ أطفالهم سن الرشد، فإن الآباء والأمهات في هذه الحقبة الشريرة يتبنون ما هو مناظِر من الأساليب التعليمية والأفكار والآراء، بناءً على الاتجاهات الاجتماعية لتحريض أطفالهم على القيام بأشياء معينة. على سبيل المثال، المنافسة في المجتمع الآن شرسة للغاية. لقد تأثر الآباء والأمهات بمناخ مختلف الاتجاهات والتوافقات المجتمعية، لذا فهم يتقبلون هذه الرسالة التي مفادها إن المنافسة شرسة، وسرعان ما ينقلونها إلى أبنائهم. ما يتقبلونه هو ظاهرة واتجاه يتمثلان في أنَّ المنافسة في المجتمع شرسة للغاية، لكن ما يشعرون به هو نوع من الضغط. وعندما يشعرون بهذا الضغط، سرعان ما يفكرون في أبنائهم قائلين "المنافسة الآن شرسة جدًا في المجتمع، لم تكن كذلك عندما كنا صغارًا. إذا درس أطفالنا بالطريقة نفسها التي درسنا بها، وعملوا وتعاملوا مع المجتمع ومختلف الأشخاص والأشياء بطريقتنا نفسها أيضًا، فسيستبعدهم المجتمع بسرعة. لذا، علينا أن نستفيد من حقيقة أنهم لا يزالون صغارًا، وعلينا أن نبدأ العمل عليهم الآن؛ لا يمكننا أن ندع أطفالنا يخسرون عند خط البداية". في الوقت الحالي، المنافسة في المجتمع شرسة، والناس جميعًا يعلقون آمالاً كبيرة على أطفالهم، لذلك سرعان ما ينقلون هذا النوع من الضغط الذي قبلوه من المجتمع إلى أطفالهم. والآن، هل أطفالهم على دراية بذلك؟ إنهم لا يدركون ذلك على الإطلاق لأنهم ليسوا بالغين بعد. إنهم لا يعرفون ما إذا كان هذا الضغط الذي يأتي من آبائهم صحيحًا أم خاطئًا، أو ما إذا كان عليهم رفضه أو قبوله. عندما يرى الآباء والأمهات أبناءهم يتصرفون على هذا النحو، يوبخونهم قائلين: "كيف يمكن أن تكون بهذا الغباء؟ المنافسة الآن شرسة للغاية في المجتمع، وأنت لا زلت لا تفهم أي شيء. أسرع بالذهاب إلى روضة الأطفال!" في أي سن يذهب الأطفال إلى روضة الأطفال؟ بعضهم يبدأ في عمر ثلاث سنوات أو أربع. لمَ هذا؟ في الوقت الحالي، ثمة عبارة متداولة في المجتمع: لا يمكنك أن تدع أطفالك يخسرون عند خط البداية، يجب أن يبدأ التعليم من سن مبكرة جدًا. انظروا؛ الأطفال الصغار جدًا يعانون، ويبدؤون روضة الأطفال في عمر ثلاث سنوات أو أربع. وما نوع روضة الأطفال التي يختارها الناس؟ في روضة الأطفال العادية، غالبًا ما يلعب المعلمون مع الأطفال ألعابًا مثل "النسر والدجاج"، لذلك يعتقد الآباء أنه لا يمكنهم اختيار روضة أطفال من هذا النوع، ويعتقدون أن عليهم اختيار روضة أطفال فاخرة ثنائية اللغة. وبالنسبة إليهم، فإن تعلم لغة واحدة فقط لا يكفي. يجب أن يتعلم الأطفال لغة ثانية بينما هم لا يزالون غير قادرين على التحدث بلغتهم الأم جيدًا. ألا يصعِّب هذا الأمور على الأطفال؟ لكن ماذا يقول الوالدين؟ "لا يمكننا أن ندع طفلنا يخسر عند خط البداية. في الوقت الحالي، هناك أطفال في عمر عام واحد تعلمهم المربيات في المنزل. يتحدث آباء الأطفال لغتهم الأم، وتتحدث المربيات لغة ثانية، حيث يقمن بتعليم الأطفال الإنجليزية أو الإسبانية أو البرتغالية. طفلنا في الرابعة من عمره بالفعل، فهو أكبر من اللازم بالفعل. إذا لم نبدأ بتعليمه الآن، فسيكون الأوان قد فات. علينا أن نبدأ بتعليمه في أقرب وقت ممكن، وأن نبحث عن روضة أطفال تدرس بلغتين، حيث يكون المعلمون حاصلين على درجتي البكالوريوس والماجستير". يقول الناس: "هذا النوع من المدارس مكلف للغاية"، فيردون: "لا بأس. لدينا منزل كبير؛ يمكننا الانتقال إلى منزل أصغر. سنبيع منزلنا المكون من ثلاث غرف نوم ونستبدل به منزلًا بغرفتي نوم. سندخر هذا المال ونستخدمه لإرسال طفلنا إلى روضة أطفال فاخرة". إن اختيار روضة أطفال جيدة لا يكفي، فهم يعتقدون أن عليهم الاستعانة بمدرسين خصوصيين لمساعدة أطفالهم على الدراسة لأولمبياد الرياضيات في أوقات فراغهم. حتى لو كان أطفالهم يكرهون الدراسة للأولمبياد كراهية متأصلة، فلا يزال يتعين عليهم القيام بذلك، وإذا فشلوا في دراسة الرياضيات، فسيدرسون الرقص. وإذا لم يجيدوا الرقص، فسيتعلمون الغناء. إذا لم يكونوا جيدين في الغناء، ورأى آباؤهم أن لديهم قوامًا جيدًا، وأذرعًا وسيقانًا طويلة، فسيفكرون في أنه ربما يمكنهم أن يصبحوا عارضين أزياء. حينئذٍ سيرسلونهم إلى مدرسة الفنون لدراسة عرض الأزياء. وبهذه الطريقة، يبدأ إرسال الأطفال إلى المدارس الداخلية في سن الرابعة أو الخامسة، وتتحول منازل أسرهم من منازل ذات ثلاث غرف نوم إلى منازل ذات غرفتي نوم، ومن منازل ذات غرفتي نوم إلى منازل ذات غرفة نوم واحدة، ومن منازل ذات غرفة نوم واحدة إلى منازل مستأجرة. يزداد عدد الدروس الخصوصية التي يأخذها أطفالهم خارج المدرسة بشكل كبير، وتصبح منازلهم أصغر تدريجيًا. يوجد حتى بعض الآباء والأمهات الذين ينقلون أسرهم بأكملها إلى الجنوب، أو إلى الشمال، ويتنقلون ذهابًا وإيابًا، حتى يتمكن أطفالهم من الالتحاق بمدارس جيدة، وفي النهاية، لا يعودون يعرفون إلى أين يذهبون، ولا يعرف أطفالهم أين يقع مسقط رأسهم، والأمر كله فوضى كبيرة. يدفع الآباء والأمهات مختلف الأثمان من أجل مستقبل أبنائهم قبل أن يكون أبناؤهم قد بلغوا سن الرشد، كيلا يخسر أبناؤهم عند خط البداية، وكي يتمكن أبناؤهم من التكيف مع هذا المجتمع الذي تزداد فيه المنافسة، وكي يحصلوا على وظيفة جيدة ودخل ثابت فيما بعد. بعض الآباء والأمهات مقتدرون جدًا؛ فهم يديرون أعمالًا كبيرة أو يعملون كمسؤولين رفيعي المستوى، ويستثمرون استثمارات كبيرة وهائلة في أبنائهم. بعض الآباء ليسوا بهذه المقدرة، ولكنهم مثل غيرهم من الناس، يريدون إرسال أطفالهم إلى مدارس فاخرة، وإلى العديد من الدروس المختلفة بعد المدرسة، وإلى دروس رقص ودروس فنون، وإلى دراسة لغات مختلفة ودراسة الموسيقى، مما يضع الكثير من الضغط على أطفالهم ويؤلمهم. عندئذ يفكر أطفالهم: "متى سيُسمح لي باللعب قليلاً؟ متى سأكبر وأصبح قادرًا على اتخاذ القرارات كما يفعل الكبار؟ متى لن أعود مضطرًا إلى الذهاب إلى المدرسة مثل الكبار؟ متى سأكون قادرًا على مشاهدة التلفاز قليلًا، وأعطي راحة لعقلي، وأذهب للتنزه في مكان ما بمفردي، دون أن يقودني والداي؟" لكن آباؤهم غالبًا ما يقولون: "إذا لم تدرس، فستضطر إلى تسول الطعام في المستقبل. انظر إلى مدى ضآلة أملك في الحياة! لم يحن الوقت لتلعب بعد، يمكنك اللعب عندما تكبر! إذا لعبتَ الآن، فلن تنجح في المستقبل؛ أما إذا لعبتَ لاحقًا، فيمكنك أن تستمتع أكثر وعلى نحو أفضل؛ يمكنك أن تسافر حول العالم. ألم تر كل هؤلاء الأثرياء في العالم؛ هل كانوا يلعبون عندما كانوا صغارًا؟ لقد درسوا فقط". إنَّ آباءهم يكذبون عليهم فحسب. هل رأى آباؤهم بأعينهم أن هؤلاء الأثرياء درسوا فقط ولم يلعبوا قط؟ هل يفهمون هذا الأمر؟ بعض الأغنياء والأثرياء في العالم لم يلتحقوا بجامعة؛ هذه حقيقة. أحيانًا عندما يتحدث الآباء، فإنهم يخدعون أبناءهم فحسب. قبل أن يبلغ الأبناء سن الرشد، يقول الآباء كل أنواع الأكاذيب من أجل أن يتحكموا في مستقبلهم بشكل أفضل، ويسيطروا على أبنائهم ويجعلونهم يطيعونهم. وبالطبع، يتحملون أيضًا كل أنواع المعاناة، ويدفعون كل أنواع الأثمان مقابل ذلك. هذا هو ما يسمى بـ"محبة الوالدين الجديرة بالثناء".

من أجل أن يحقق الآباء توقعاتهم لأبنائهم، فإنهم يعلقون عليهم الكثير من الآمال. وبالتالي، فهم لا يقومون فقط بتعليم أبنائهم وتوجيههم والتأثير عليهم بأقوالهم، بل يستخدمون في الوقت نفسه أفعالًا ملموسة للتحكم في أبنائهم وجعل أبنائهم يطيعونهم ويتصرفون ويعيشون وفقًا للمسار الذي حددوه والاتجاه الذي وضعوه. وبغض النظر عما إذا كان أبناؤهم على استعداد للقيام بذلك أم لا، فإن الوالدين في النهاية يقولان شيئًا واحدًا فقط: "إذا لم تستمع لي، فسوف تندم! إذا لم تطعني أو لم تأخذ دراستك بجدية الآن، وندمت على ذلك ذات يوم، فلا تأتي إلي، ولا تقل إنني لم أقل لك!" في إحدى المرات، ذهبنا إلى إحدى البنايات لقضاء بعض الشؤون، ورأينا بعض عمال النقل يبذلون جهدًا كبيرًا لنقل بعض الأثاث إلى أعلى الدرج. وكانوا في مواجهة أمًا كانت تقود ابنها إلى أسفل الدرج. لو رأى شخص عادي هذا المشهد، لقال: "هناك أشخاص ينقلون الأثاث، لنبتعد عن طريقهم". سيتعين على الأشخاص الذين ينزلون الدرج أن يسرعوا للابتعاد عن الطريق، دون أن يصطدموا بشيء، أو يزعجوا عمال النقل. لكن الأم عندما رأت هذا المشهد، انتهزت الفرصة للبدء في ممارسة بعض التعليم الملائم للظرف. لا أزال أتذكر ما قالته بوضوح شديد. ماذا قالت؟ قالت: "انظر كم هي ثقيلة الأشياء التي ينقلونها، وكم أنَّ الأمر متعب. إنهم لم يأخذوا دراستهم على محمل الجد عندما كانوا أطفالًا، والآن لا يمكنهم العثور على وظائف جيدة، لذلك عليهم نقل الأثاث والعمل بجدية كبيرة. هل ترى هذا؟ بدا أن الابن قد فهم جزئيًا، واعتقد أن ما قالته أمه كان صحيحًا. لاحت في عينيه تعبيرات صادقة من الخوف والرعب والتصديق وأومأ برأسه وهو ينظر مرة أخرى إلى ناقلي الأثاث. فاستغلت الأم هذه الفرصة لتسرع في وعظ ابنها قائلة له: "هل ترى؟ إذا لم تأخذ دراستك على محمل الجد في صغرك، فستضطر عندما تكبر إلى نقل الأثاث والكد في العمل هكذا لتكسب رزقك". هل كانت هذه العبارات صحيحة؟ (لا). بأي طريقة كانت خاطئة؟ انتهزت هذه الأم أي فرصة لإلقاء محاضرة على ابنها؛ ماذا كانت في رأيك عقلية ابنها بعد سماع هذا؟ هل كان قادرًا على تمييز ما إذا كانت هذه التصريحات صحيحة أم خاطئة؟ (كلا). ماذا اعتقد إذًا؟ ("إذا لم آخذ دراستي على محمل الجد، فسأضطر إلى الكد في العمل هكذا في المستقبل"). كان يفكر: "أواه، كل الناس الذين عليهم أن يكدوا في العمل لم يأخذوا دراستهم بجدية. يجب أن أستمع إلى أمي، وأن أجتهد في دراستي. أمي على حق، كل من لا يستذكر دروسه يجب أن يكد في العمل". تصبح الأفكار التي يتلقاها من أمه حقائق راسخة في قلبه مدى الحياة. قل لي؛ أليست هذه الأم حمقاء؟ (بلى، إنها كذلك). بأي طريقة هي حمقاء؟ إذا استخدمت هذا الأمر لإجبار ابنها على الاستذكار، فهل من المؤكد أنَّ ابنها سيحقق نجاحًا ما؟ هل سيضمن له هذا أنه لن يحتاج إلى أن يكد في العمل أو يقوم بعمل شاق في المستقبل؟ هل من الجيد لها أن تستغل هذا الأمر، هذا المشهد، لتخويف ابنها؟ (إنه أمر سيئ). سيلقي هذا الأمر ظلًا على ابنها مدى الحياة. هذا ليس بالأمر الجيد. حتى وإن اكتسب هذا الطفل قليلاً من التمييز بشأن هذه الكلمات بعد أن يكبر، فسيظل من الصعب إزالة هذه النظرية التي عبرت عنها أمه من قلبه ومن عقله الباطن. ستضلله بدرجة معينة وتكبّل أفكاره وتوجه نظرته إلى الأشياء. إن معظم توقعات الآباء والأمهات لأبنائهم قبل أن يصبحوا بالغين هي أنهم سيكونون قادرين على الاستذكار كثيرًا، وعلى المحاولة بجد، والاجتهاد وأنهم لن يعجزوا عن تحقيق توقعاتهم. لذلك يفعل الآباء والأمهات كل شيء من أجل أبنائهم قبل أن يصبحوا بالغين، مهما كان الثمن، فيضحون بشبابهم وسنواتهم ووقتهم وصحتهم وحياتهم الطبيعية، بل إن بعض الآباء والأمهات يتخلون عن وظائفهم وأمنياتهم القديمة أو حتى عن إيمانهم من أجل تدريب أبنائهم ومساعدتهم في الدراسة في أثناء التحاقهم بالمدرسة. في الكنيسة، يوجد عدد غير قليل من الأشخاص الذين يقضون كل وقتهم مع أطفالهم ويدربونهم حتى يكونوا إلى جوارهم عندما يكبرون ويصبحون بالغين، وحتى يتمكن أطفالهم من النجاح في حياتهم المهنية والحصول على وظائف مستقرة في المستقبل، وحتى تسير الأمور بسلاسة في عمل أبنائهم. هؤلاء الآباء لا يذهبون إلى الاجتماعات أو يؤدون الواجبات. إن لهم في قلوبهم مطالب معينة تتعلق بإيمانهم، ولديهم شيء قليل من العزم والرغبة، لكن لأنهم لا يستطيعون التخلي عن آمالهم لأولادهم، يختارون مصاحبتهم في هذه الفترة قبل بلوغهم سن الرشد، وينبذون واجباتهم الخاصة بهم باعتبارهم كائنات مخلوقة، وكذلك مساعيهم الخاصة في إيمانهم. وهذا هو الأمر الأكثر مأساوية. يدفع بعض الآباء والأمهات أثمانًا كثيرة من أجل تدريب أبنائهم ليصبحوا ممثلين أو فنانين أو كُتَّابًا أو علماء، وليمكنوا أبناءهم من إرضاء توقعاتهم. إنهم يتركون وظائفهم، ويتخلون عن مهنهم، بل إنهم يتخلون حتى عن تطلعاتهم ومتعتهم من أجل مرافقة أبنائهم. يوجد حتى بعض الآباء والأمهات الذين يتخلون عن حياتهم الزوجية من أجل أبنائهم. بعد طلاقهم، إذ يتحملون بمفردهم العبء الثقيل المتمثل في تربية أطفالهم وتدريبهم، مراهنين على أبنائهم بحياتهم، ومكرسين حياتهم من أجل مستقبل أبنائهم، لا لشيء سوى تحقيق توقعاتهم لأطفالهم. يوجد أيضًا بعض الآباء والأمهات الذين يفعلون الكثير من الأشياء التي لا يجب أن يفعلوها، ويدفعون الكثير من الأثمان التي لا داعي لها، ويضحون بأوقاتهم وصحتهم البدنية ومساعيهم قبل أن يبلغ الأبناء سن الرشد، حتى يتمكن الأبناء من التقدم في العالم في المستقبل، ويرسخوا أنفسهم في المجتمع. من جهة، هذه بعض التضحيات التي لا داعي لها بالنسبة إلى الوالدين. ومن جهة أخرى، فإن هذه الأساليب تشكل ضغطًا وعبئًا كبيرين على الأبناء قبل بلوغهم سن الرشد. وذلك لأن آباءهم قد دفعوا أثمانًا باهظة جدًا؛ لأنَّ آباءهم قد بذلوا الكثير جدًا إما من حيث المال أو الوقت أو الطاقة. على الرغم من ذلك، قبل أن يصل هؤلاء الأطفال إلى سن الرشد، وبينما لا يزالون يفتقرون إلى القدرة على تمييز الصواب من الخطأ، لا يكون لديهم خيار، ولا يسعهم سوى أن يتركوا آباءهم يتصرفون هكذا. حتى لو كانت لديهم بعض الأفكار في أعماق عقولهم، يظلون يمتثلون لأفعال والديهم. في ظل هذه الظروف، يبدأ الأطفال بشكل غير محسوس في التفكير في أن والديهم قد دفعوا ثمنًا باهظًا لتدريبهم، وأنهم لن يكونوا قادرين على رد الجميل لوالديهم أو تعويضهم بالكامل في هذه الحياة. ونتيجة لذلك، وخلال الوقت الذي يقوم فيه آباؤهم بتدريبهم ومرافقتهم، يعتقدون أن الأشياء الوحيدة التي يمكنهم فعلها، والأشياء الوحيدة التي يمكنهم القيام بها من أجل رد الجميل لوالديهم، هي إسعاد والديهم، وتحقيق أشياء عظيمة لإرضائهم، وعدم تخييب آمالهم. أما بالنسبة إلى الآباء والأمهات، فخلال هذه الفترة التي تسبق بلوغ أبنائهم سن الرشد، وبعد أن يكونوا قد دفعوا هذه الأثمان، ومع ازدياد توقعاتهم من أبنائهم أكثر فأكثر، تتحول عقليتهم تدريجيًا إلى مطالبة أبنائهم. أي: بعد أن يكون الآباء قد دفعوا هذه الأثمان المزعومة وبذلوا هذه النفقات المزعومة، يطالبون أبناءهم بالنجاح، وتحقيق أشياء عظيمة لرد الجميل لهم. لذلك، وبغض النظر عما إذا كنا ننظر إلى هذا الأمر من منظور الوالدين أم من منظور الأبناء، ففي إطار هذه العلاقة بين "الباذل من أجل" و"المبذول من أجله"، فإن التوقعات التي يضعها الآباء على أبنائهم تزداد أكثر فأكثر. "توقعاتهم تزداد أكثر فأكثر"؛ هذه طريقة لطيفة للتعبير عن الأمر. في الواقع، في أعماق قلوب الآباء، كلما زاد إنفاقهم وتضحيتهم، زاد اعتقادهم بأن أطفالهم يجب أن يردوا لهم الجميل بنجاحهم، وفي الوقت نفسه، زاد اعتقادهم بأن أبناءهم مدينون لهم. وكلما زاد إنفاق الآباء والأمهات، وزادت آمالهم، زادت توقعاتهم وتنامت بشأن ردِّ الأبناء الجميل لهم. إن توقعات الآباء لأبنائهم قبل بلوغهم سن الرشد، بدءًا من: "يجب أن يتعلموا الكثير من الأشياء، ولا يمكن أن يخسروا عند خط البداية" إلى "بعد أن يكبروا، يجب أن يتقدموا في العالم، ويرسخوا أنفسهم في المجتمع"، تصبح تدريجيًا نوعًا من المطالب التي يطلبونها من أبنائهم. هذا المطلب هو: بعد أن تكبر وترسّخ نفسك في المجتمع، لا تنس جذورك، لا تنس والديك؛ والداك هما أول من يجب أن ترد له الجميل؛ يجب أن تبرهما وتساعدهما على أن يعيشا حياة طيبة، لأنهما من يحسن إليك في هذا العالم، وهما من درباك؛ إنَّ ترسخك في المجتمع الآن، وكل ما تتمتع به وكل ما تملكه مُشترى بجهود والديك المضنية، لذا ينبغي عليك أن تستغل ما تبقى من حياتك في رد الجميل لهما وتعويضهما والإحسان إليهما. إن التوقعات التي يضعها الآباء على أبنائهم قبل بلوغهم سن الرشد – أن أبناءهم سيرسخون أنفسهم في المجتمع ويتقدمون في العالم – تتحول تدريجيًا من توقعات أبوية عادية جدًا إلى نوع من المطالب والالتماس الذي يفرضه الآباء على أبنائهم. ولنفترض أن الأبناء في الفترة التي تسبق بلوغهم سن الرشد، لا يحصلون على درجات جيدة، ولنفترض أنهم يتمردون ولا يريدون الدراسة أو طاعة والديهم ويعصونهما. سيقول آباؤهم: "هل تعتقد أن الأمر سهل علي؟ لمن تظنني أفعل كل هذا؟ أنا أفعل هذا لمصلحتك، أليس كذلك؟ كل ما أفعله من أجلك، وأنت لا تقدره. هل أنت غبي؟". سيستخدمون هذه الكلمات لتخويف أطفالهم واحتجازهم كرهائن. هل هذا النوع من النُهُج صحيح؟ (كلا). ليس صحيحًا. هذا الجزء "النبيل" من الآباء والأمهات هو أيضاً الجزء الحقير من الآباء والأمهات. ما الخطأ تحديدًا في هذه الكلمات؟ (توقعات الآباء والأمهات لأبنائهم وتدريب أبنائهم هي مساعٍ أحادية الجانب. إنهم يفرضون ضغطًا معينًا على أبنائهم، ويجعلونهم يدرسون هذا وذاك، حتى يكون للأبناء مستقبلًا جيدًا، وليصبحوا مصدر فخر لآبائهم، ويكونوا بارين بهم في المستقبل. في الواقع، كل ما يفعله الآباء والأمهات هو لأنفسهم). إذا نحينا جانبًا حقيقة أن الآباء والأمهات يتصرفون لمصلحتهم وأنانيون، وتحدثنا فقط عن الأفكار التي يلقنون بها أطفالهم قبل بلوغهم سن الرشد، والضغوط التي ينقلونها إليهم، طالبين منهم أن يدرسوا كذا وكذا من المواد، والانخراط في مهنة كذا وكذا بعد أن يكبروا، وتحقيق كذا وكذا من النجاح؛ ما طبيعة هذه النُهُج؟ في الوقت الحالي، لن نقيِّم سبب قيام الآباء والأمهات بهذه الأشياء، أو ما إذا كانت هذه الأساليب مناسبة أم لا. سنقوم أولاً بعقد شركة حول طبيعة هذه الأساليب وتشريحها، وسنجد مسار ممارسة أدق بناءً على تشريحنا لجوهرها. إذا عقدنا شركة حول هذا الجانب من الحق وتوصلنا إلى فهمه من هذا المنظور، فسيكون دقيقًا.

بادئ ذي بدء، هل هذه المتطلبات التي تكون لدى الوالدين بخصوص أبنائهم والنُهُج التي يتخذونها معهم صحيحة أم خاطئة؟ (إنها خاطئة). إذًا، في نهاية المطاف، ما المصدر الرئيس لهذه النُهُج التي يستخدمها الآباء والأمهات مع أبنائهم؟ ألا يتمثل في توقعات الآباء والأمهات من أبنائهم؟ (بلى). يتصور الآباء والأمهات في وعيهم الذاتي مختلف الأمور الخاصة بمستقبل أبنائهم ويخططون لها ويحددونها، ونتيجة لذلك ينتجون هذه التوقعات. وبتحريض من هذه التوقعات، يطالب الآباء والأمهات أبناءهم بدراسة مهارات مختلفة، فيطالبونهم بأن يدرسوا المسرح والرقص أو الفنون وما إلى ذلك. يطالبون بأن يصبح أبناؤهم من الموهوبين، وأن يكونوا بعد ذلك رؤساء وليسوا مرؤوسين، كما يطالبون بأن يصبح أبناؤهم مسؤولين رفيعي المستوى لا جنود مشاة؛ وهم يطالبون بأن يصبح أبناؤهم مديرين ورؤساء مجلس إدارة ومديرين تنفيذيين، وأن تكون الشركة التي يعملون بها من بين أفضل 500 شركة عالمية، وهكذا. هذه كلها أفكار غير موضوعية لدى الآباء والأمهات. الآن هل لدى الأبناء أي مفهوم عن محتوى توقعات والديهم قبل بلوغهم سن الرشد؟ (كلا). ليس لديهم أي مفهوم عن هذه الأشياء على الإطلاق، فهم لا يفهمونها. ماذا يفهم الأطفال الصغار؟ إنهم لا يفهمون سوى الذهاب إلى المدرسة لتعلم القراءة، والاستذكار بجد، وأن يكونوا أطفالاً صالحين وحسني السلوك. هذا في حد ذاته جيد جدًا. الذهاب إلى المدرسة لحضور الفصول الدراسية وفقًا للجداول الزمنية المقررة لهم، والعودة إلى المنزل للانتهاء من واجباتهم المدرسية – هذه هي الأشياء التي يفهمها الأطفال، أما الباقي فهو مجرد لعب وطعام وخيالات وأحلام وما إلى ذلك. قبل أن يبلغ الأطفال سن الرشد، لا يكون لديهم أي مفهوم على الإطلاق عن الأشياء المجهولة في مسارات حياتهم، وهم أيضًا لا يتصورون أي شيء عنها. تأتي كل الأشياء المتَصوَّرة أو المحدَّدَة عن الوقت الذي يلي بلوغ هؤلاء الأطفال سن الرشد، من آبائهم. لذلك، فإنَّ التوقعات الخاطئة التي يتوقعها الآباء لأبنائهم لا علاقة لها بهؤلاء الأبناء. لا يحتاج الأبناء سوى إلى تمييز جوهر توقعات والديهم. علام تستند توقعات الوالدين هذه؟ من أين تأتي هذه التوقعات؟ إنها تأتي من المجتمع والعالم. الهدف من كل هذه التوقعات الأبوية هو تمكين الأبناء من التكيف مع هذا العالم والمجتمع، وتجنب استبعاد العالم أو المجتمع لهم، وترسيخ أنفسهم في المجتمع، والحصول على وظيفة آمنة وأسرة مستقرة ومستقبل مستقر، لذلك فإن الآباء لديهم مختلف التوقعات غير الموضوعية لأبنائهم. على سبيل المثال، موضة العصر الآن أن تعمل كمهندس كمبيوتر. يقول البعض: "سيصبح ولدي مهندس كمبيوتر في المستقبل. يمكنه أن يكسب الكثير من المال في هذا المجال، ويحمل جهاز كمبيوتر طوال اليوم، ويقوم بهندسة الكمبيوتر. سيبديني هذا بمظهر جيد أيضًا!" في هذه الظروف، حيث لا يملك الأطفال أي مفهوم عن أي شيء على الإطلاق، فإنَّ آباءهم وأمهاتهم يحددون لهم مستقبلهم. أليس هذا خطأً؟ (إنه كذلك). إن آباءهم يعلقون الآمال على أبنائهم بالكامل على أساس نظرة الكبار للأشياء، وكذلك آراء الكبار ووجهات نظرهم وتفضيلاتهم فيما يخص أمور العالم. أليس هذا غير موضوعي؟ (بلى). إذا أردت صياغة الأمر بشكل لطيف، يمكنك القول إنه غير موضوعي، لكن ما هو في الحقيقة؟ ما التفسير الآخر لعدم الموضوعية هذا؟ أليست هذه أنانية؟ أليس هذا إكراه؟ (إنه كذلك). أنت تحب هذه الوظيفة أو تلك، ومهنة كذا وكذا، وأنت تستمتع بأن تكون ذا مكانة مرموقة، أو تعيش حياة براقة، أو أن تكون مسؤولًا، أو أن تكون ثريًا في المجتمع، فتجعل أولادك يفعلون هذه الأشياء أيضًا، وأن يكونوا من هذا النوع من الأشخاص أيضًا، ويسلكون هذا النوع من الطرق؛ لكن هل سيستمتعون بالعيش في تلك البيئة والانخراط في ذلك العمل في المستقبل؟ هل هم مناسبون له؟ ما أقدارهم؟ ما ترتيبات الله وأحكامه بشأنهم؟ هل تعرف هذه الأمور؟ يقول البعض: "أنا لا أهتم بتلك الأشياء، المهم هو الأشياء التي أحبها أنا بصفتي والده. سأعلق الآمال عليه بناءً على تفضيلاتي الخاصة". أليس ذلك أنانيًا للغاية؟ (إنه كذلك). إنه أمر أناني للغاية! بعبارة لطيفة، إنه أمر غير موضوعي بالمرة، إنه اتخاذ جميع القرارات من جانبهم، لكن ما هو في الواقع؟ إنه أمر أناني للغاية! هؤلاء الآباء والأمهات لا يضعون في اعتبارهم مستوى قدرات أبنائهم أو مواهبهم، ولا يهتمون بالترتيبات التي وضعها الله لقدر كل شخص وحياته. إنهم لا يأخذون هذه الأمور بعين الاعتبار، بل يفرضون تفضيلاتهم ومقاصدهم وخططهم على أبنائهم من خلال التمني. يقول البعض: "يجب أن أفرض هذه الأشياء على ابني. إنه أصغر من أن يفهمها، وبحلول الوقت الذي سيفهمها فيه، سيكون قد فات الأوان". هل هذا هو الحال؟ (كلا). إذا كان الأوان قد فات بالفعل، فذلك مصيره، وليس مسؤولية والديه. إذا فرضت الأشياء التي تفهمها على أبنائك، فهل سيفهمونها على نحو أسرع لمجرد أنك تفهمها؟ (كلا). لا توجد علاقة بين الكيفية التي يعلِّم بها الوالدان أبناءهم وبين فهم هؤلاء الأبناء لأمور مثل نوع مسار الحياة الذي سيختارونه، ونوع المهنة التي سيختارونها، والكيفية التي ستكون عليها حياتهم، فلديهم مساراتهم الخاصة، ووتيرتهم الخاصة، وقوانينهم الخاصة. فكر في الأمر، عندما يكون الأطفال صغارًا، بغض النظر عن الطريقة التي يعلمهم بها آباؤهم وأمهاتهم، لا تكون لديهم أي معرفة بالمجتمع. سيشعرون بتنافسية المجتمع وتعقيده وظلاميته ومختلف الأشياء غير العادلة في المجتمع، عندما تنضج إنسانيتهم. هذا أمر لا يمكن للآباء تعليمه لأبنائهم منذ الصغر. حتى لو علَّم الآباء أبناءهم منذ الصغر: "يجب أن تتكتموا على بعض الأمور عند التعامل مع الناس"، فإنهم لن يأخذوا ذلك إلا باعتباره نوعًا من التعاليم، ولن يكونوا قادرين حقًا على العمل بنصيحة آبائهم إلا عندما يفهمونها حقًا. عندما لا يفهمون نصيحة آبائهم، مهما حاول آباؤهم تعليمهم، فإنَّ النصيحة ستظل بالنسبة إليهم مجرد نوع من التعاليم. لذلك، هل الفكرة الموجودة لدى الآباء والأمهات بأن "العالم تنافسي للغاية، والناس يعيشون تحت ضغط كبير؛ وإذا لم أبدأ بتعليم أبنائي منذ سن مبكرة جدًا، فسوف يتحملون المعاناة والألم في المستقبل"، فكرة يمكن الدفاع عنها؟ (كلا). أنت تجعل أبناءك يتحملون ذلك الضغط في سن مبكرة حتى تقل معاناتهم في المستقبل، وعليهم أن يتحملوا ذلك الضغط بدءًا من سن لا يزالون لا يفهمون فيه أي شيء؛ ألست تؤذي أبناءك بعملك هذا؟ هل تفعل ذلك حقًا لمصلحتهم؟ من الأفضل لهم ألا يفهموا هذه الأشياء، بحيث يتمكنون من أن يعيشوا بضع سنوات في راحة وسعادة ونقاء وبساطة. إذا فهموا هذه الأشياء في وقت مبكر، فهل سيكون ذلك نعمة أم نقمة؟ (سيكون نقمة). نعم، سيكون نقمة.

إنَّ ما ينبغي على الناس أن يفعلوه في كل مرحلة عمرية يتوقف على سنهم ومدى نضج إنسانيتهم، وليس على التعليم الذي يتلقونه من آبائهم وأمهاتهم. قبل أن يبلغ الأطفال سن الرشد، ليس عليهم سوى أن يلعبوا وأن يتعلموا قليلاً من المعرفة البسيطة ويتلقوا قليلاً من التعليم الأساسي، وأن يتعلموا أشياء مختلفة، وأن يتعلموا كيفية التفاعل مع الأطفال الآخرين وكيفية التعايش مع الكبار، وأن يتعلموا كيفية التعامل مع بعض الأشياء التي لا يفهمونها من حولهم. قبل أن يصل الناس إلى مرحلة الرشد، يجب أن يفعلوا أمور غير الراشدين، أي يجب ألا يتحملوا أيًا من الضغوط أو قواعد اللعبة أو الأمور المعقدة التي يتعين على الكبار أن يتحملوها. إنَّ مثل هذه الأمور تسبب ضررًا نفسيًا للأشخاص الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد، وهي ليست بركات. كلما أبكر الناس في تعلم هذه الأمور الخاصة بالكبار، زاد تأثيرها السلبي على عقولهم الصغيرة. ليس الأمر فحسب أنَّ هذه الأشياء لن تساعد الناس على الإطلاق في حياتهم أو وجودهم بعد بلوغهم سن الرشد، بل على العكس، لأنهم يتعلمون هذه الأشياء أو يواجهونها في وقت مبكر للغاية، فإنها تتحول إلى نوع من العبء أو تلقي بظلالها الخفية على عقولهم الصغيرة، إلى درجة أنها قد تطاردهم طوال حياتهم. فكر في الأمر، عندما يكون الناس صغارًا جدًا، إذا سمعوا عن شيء فظيع، شيء لا يمكنهم تقبله، شيء خاص بالكبار لا يمكنهم تخيله أو فهمه أبدًا، فإن هذا المشهد أو هذا الأمر، أو حتى الأشخاص والأشياء والكلمات المتضمنة فيه، ستلاحقهم طوال حياتهم. سيلقي ذلك بنوع من الظلال عليهم، ويؤثر في طباعهم الشخصية وأساليبهم في السلوك في الحياة. على سبيل المثال، يكون الأطفال جميعًا أشقياء بعض الشيء في سن السادسة أو السابعة. لنفترض أن أحد الأطفال تعرض لتقريع معلمه في أثناء الحصة الدراسية بسبب همسه لزميل له في الفصل، ولم يكتف المعلم بتقريعه بطريقة واقعية، بل هاجمه شخصيًا، مقرِّعًا إياه لأن وجهه يشبه النمس وعينيه كعيني الفئران، بل إنه حتى يقرِّعه بقوله: "انظر كم أنك لست واعدًا! ستكون طوال حياتك شخص غير ناجح! إذا لم تستذكر بجد، فلن تكون سوى مجرد عامل. ستضطر في المستقبل إلى أن تستجدي طعامك! هيئتك هيئة لص؛ لديك مواصفات اللص!". على الرغم من أن الطفل لا يفهم هذه الكلمات، ولا يعرف سبب قول معلمه هذه الأمور، أو ما إذا كانت هذه الأشياء صحيحة أم لا، فإن كلمات الهجوم الشخصي هذه ستصبح نوعًا من القوة الخفية والشريرة داخل قلبه، وتدمر تقديره لذاته وتؤذيه. "أنت لديك وجه مثل النمس، وعينان كعيني الفئران، ورأس صغير!"؛ ستلاحقه كلمات الهجوم الشخصي هذه التي نطق بها معلمه طوال حياته. عندما يختار مهنة، وعندما يواجه رؤساءه وزملاءه في العمل، وعندما يواجه الإخوة والأخوات، فإن كلمات الهجوم الشخصي التي قالها معلمه ستبزغ من وقت لآخر، وتؤثر في عواطفه وحياته. وبالطبع، فإن بعض التوقعات غير السليمة التي يحملها لك والداك، وبعض المشاعر التي نقلوها لك والرسائل والكلمات والأفكار والآراء وغيرها، قد ألقت هي أيضًا بظلالها على عقلك الصغير. من منظور وعي والديك غير الموضوعي، ليس لديهما أي مقاصد سيئة، ولكن بسبب جهلهما، ولأنهما من البشر الفاسدين، وليس لديهما أساليب سليمة تتماشى مع المبادئ بخصوص كيفية معاملتك، لا يسعهما سوى اتباع اتجاهات العالم في كيفية معاملتهما لك، والنتيجة النهائية لذلك هي أنهما ينقلان لك مختلف الرسائل والمشاعر السلبية. في الظروف التي تفتقر فيها إلى أي تمييز، يصبح كل ما يقوله والداك، وكل الأفكار الخاطئة التي يلقنك إياها والداك ويروجان لها، هي المهيمنة عليك لأنك تتعرض لها أولاً، وتصبح هدف سعيك وكفاحك مدى الحياة. رغم أن التوقعات المختلفة التي يضعها لك والداك قبل بلوغك سن الرشد، هي ضربة لعقلك الصغير ودمار له، فأنت لا تزال تعيش طبقًا لتوقعات والديك، وكذلك تحت وطأة الأثمان المختلفة التي يدفعانها لك، فتتفهم إرادتهما، وتقبل أعمال العطف المختلفة التي يقدمانها وتشكرهما عليها. بعد أن تتقبل الأثمان المختلفة التي يدفعانها والتضحيات المختلفة التي يقدمانها من أجلك تشعر بأنك مدين لوالديك وتخجل من مواجهتهما في أعماق قلبك، وتعتقد أن عليك أن ترد لهما هذا بعد أن تكبر. ترد ماذا؟ توقعاتهما غير المعقولة لك؟ الدمار الذي تسببا لك فيه قبل أن تبلغ سن الرشد؟ أليس هذا خلطًا بين الأبيض والأسود؟ في الواقع، إذا تحدثنا عن هذا الأمر من جذوره وجوهره، فإن توقعات والديك لك هي مجرد توقعات غير موضوعية، وهي محض تمني. إنها بالتأكيد ليست أشياء يجب على الطفل أن يمتلكها أو يمارسها أو يعيشها، وليست شيئًا يحتاج الطفل إليه. من أجل اتباع اتجاهات العالم، والتكيف مع العالم، ومواكبة تقدم العالم، يجعلك والداك تتبعهما، ويجعلانك تتحمل هذا الضغط كما يفعلان، ويجعلانك تقبل هذه الاتجاهات الشريرة وتتبعها. ولذلك، تحت وطأة التوقعات المتَّقدة للوالدين، يجتهد الكثير من الأبناء في دراسة مهارات مختلفة، ودورات دراسية متنوعة، وأنواع مختلفة من المعرفة. إنهم ينتقلون من محاولة إرضاء توقعات آبائهم، إلى السعي الحثيث لتحقيق الأهداف المرجوة من توقعات آبائهم. بعبارة أخرى، قبل أن يصل الناس إلى سن الرشد، يتقبلون توقعات آبائهم بصورة سلبية، وبعد أن يصبحوا راشدين تدريجيًا، يبادرون بقبول توقعات وعي آبائهم غير الموضوعي، ويقبلون عن طيب خاطر هذا النوع من الضغط وهذا التضليل والسيطرة والتقييد الذي يأتي من المجتمع. باختصار، يتحولون تدريجيًا من مشاركين سلبيين في هذا إلى مشاركين فاعلين. وبهذه الطريقة، يشعر آباؤهم بالرضا. ويشعر الأطفال أيضًا بشعور بالسلام الداخلي، وبأنهم لم يخذلوا والديهم، وبأنهم أخيرًا أعطوا والديهم ما يريدون، وبأنهم قد كبروا؛ لم يصبحوا راشدين فحسب، بل أفرادًا موهوبين في نظر والديهم، وهم على مستوى توقعات والديهم. رغم أن هؤلاء الأشخاص ينجحون في أن يصبحوا، بعد أن يكبروا، أفرادًا موهوبين في أعين آبائهم وأمهاتهم ويبدو ظاهريًا كما لو أنهم قد ردوا الثمن الذي دفعه آباؤهم، وأن توقعات آبائهم لهم لم تذهب سدى، فما هو الواقع؟ لقد نجح هؤلاء الأبناء في أن يصبحوا دُمى لآبائهم، ونجحوا في أن يصبحوا مدينين لآبائهم بدين كبير، ونجحوا في استغلال ما تبقى من حياتهم لتحقيق توقعات آبائهم، وأن يقدموا عرضًا لصالح والديهم، وأن يجلبوا الفضل والهيبة لوالديهم، ونجحوا في إرضاء والديهم، وأن يصبحوا مصدر فخرهم وسعادتهم. سيذكر الآباء أبناءهم أينما ذهبوا: "ابنتي مديرة شركة كذا". "ابنتي مصممة للعلامة التجارية الشهيرة كذا". "ابنتي في مستوى كذا في هذه اللغة الأجنبية، ويمكنها التحدث بها بطلاقة، وهي مترجمة للغة كذا". "ابنتي مهندسة كمبيوتر". لقد نجح هؤلاء الأبناء في أن يصبحوا مصدر فخر وسعادة لآبائهم، ونجحوا في أن يصبحوا ظلالًا لآبائهم، وذلك لأنهم سيستخدمون الأساليب نفسها لتعليم أبنائهم وتدريبهم. إنهم يعتقدون أن آباءهم قد نجحوا في تدريبهم، لذلك سيقلدون أساليب آبائهم في التعليم لتدريب أبنائهم. وبهذه الطريقة، سيتعين على أبنائهم أن يتحملوا منهم ما تحملوه هم من آبائهم من البؤس والمعاناة المأساوية والدمار.

كل ما يفعله الآباء لتحقيق توقعاتهم من أبنائهم قبل بلوغهم سن الرشد يخالف الضمير والعقل والقوانين الطبيعية. والأكثر من ذلك أنه يتعارض مع ما عينه الله ومع سيادته. رغم أن الأطفال لا يملكون القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، أو التفكير بشكل مستقل، يظل مصيرهم تحت سيادة الله، فهم ليسوا محكومين من قبل آبائهم. لذلك، بخلاف وجود توقعات في وعي الآباء لأبنائهم، فإنَّ الآباء الحمقى يقومون أيضًا بمزيد من الأعمال والتضحيات ودفع الثمن من حيث سلوكهم، ويفعلون كل ما يريدونه ويرغبون في القيام به من أجل أبنائهم، بغض النظر عما إذا كان ذلك ببذل المال أو الوقت أو الطاقة أو أشياء أخرى. وعلى الرغم من أن الآباء والأمهات يقومون بهذه الأمور طواعيةً، فإنها أمور غير إنسانية، وليست من المسؤوليات التي يجب أن يفي بها الآباء والأمهات؛ لقد فاقت بالفعل نطاق قدراتهم ومسؤولياتهم المناسبة. لماذا أقول هذا؟ لأن الآباء يبدؤون في محاولة التخطيط لمستقبل أبنائهم والتحكم فيه قبل بلوغهم سن الرشد، ويحاولون أيضًا تحديد مستقبل أبنائهم. أليست هذه حماقة؟ (بلى). على سبيل المثال، لنفترض أن الله قد قدَّر أن يكون شخص ما عاملًا عاديًا، ولن يكون قادرًا في هذه الحياة إلا على كسب الأجر الأساسي لإطعام نفسه وكسوتها، لكن والديه يصران على أن يصبح من المشاهير والأثرياء والمسؤولين الكبار، وهما يخططان ويرتبان أمور مستقبله قبل أن يبلغ سن الرشد، ويدفعان مختلف أنواع ما يسمى بالأثمان، ويحاولان التحكم في حياته ومستقبله. أليست هذه حماقة؟ (إنها كذلك). على الرغم من أن ابنهما يحصل على درجات جيدة جدًا، ويذهب إلى الجامعة، ويتعلم مهارات مختلفة بعد بلوغه سن الرشد، ويمتلك بعض المهارات، فإنه عندما يذهب في النهاية للبحث عن عمل، يظل في النهاية عاملًا عاديًا مهما بحث. على أقصى تقدير، يحالفه الحظ ويصبح رئيس عمال، وهو أمر جيد بالفعل. في نهاية الأمر، لا يحصل إلا على راتب بسيط، ولا يستطيع أبدًا أن يحصل على راتب مسؤول كبير أو شخص ثري كما طالب والداه. يريده والداه دائمًا أن يرتقي في العالم، وأن يربح الكثير من المال، وأن يصبح مسؤولاً رفيعًا، حتى يتسنى لهما أن يتنعما معه. لم يتوقعا قط أنه على الرغم من أدائه الجيد في المدرسة وطاعته الشديدة، وعلى الرغم من أنهما دفعا الكثير من الأثمان من أجله، وعلى الرغم من أنه التحق بالجامعة بعد أن كبر، فمصيره في هذه الحياة أنه سيظل عاملًا عاديًا. لو كانا قادرين على توقع ذلك، لما عذبا نفسيهما كثيرًا آنذاك. لكن هل يمكن للآباء والأمهات تجنب تعذيب أنفسهم؟ (كلا). الآباء يبيعون بيوتهم وأراضيهم ومقتنياتهم العائلية، بل إن بعضهم يبيع كليته حتى يتمكن أولاده من الالتحاق بالجامعات المشهورة. عندما لا يوافق الابن على ذلك، تقول الأم: "لدي كليتان. إذا فقدت واحدة، فستظل لدي الأخرى. أنا كبيرة في السن بالفعل، ولا أحتاج سوى إلى كلية واحدة". بم يشعر الابن بعد سماع هذا الكلام؟ "حتى لو كان ذلك يعني أنني لن ألتحق بالجامعة، لا يمكنني أن أسمح لك ببيع كليتك". فتقول الأم: "لن تذهب؟ أنت ابن عاق وغير مطيع! لماذا أبيع كليتي؟ أليس من أجل أن تنجح في المستقبل؟ يشعر الابن بالتأثر بعد سماع ذلك، ويفكر: "يمكن لأمي أن تمضي قدمًا وتبيع كليتها إذًا. لن أخذلها". في نهاية الأمر تفعل الأم ذلك حقًا؛ تقايض كليتها مقابل مستقبل ابنها؛ وفي النهاية، يصبح ابنها مجرد عامل، ولا ينتهي به الأمر بتحقيق النجاح. إذًا، الأم باعت كليتها، وكل ما حصلت عليه في المقابل هو عامل، فهل هذا مناسب؟ (كلا). في النهاية، ترى الأم ذلك وتقول: "قدرك أن تكون عاملًا. لو كنت أعرف ذلك من قبل، لما بعت كليتي لتلتحق بالجامعة. كان بإمكانك أن تمضي قدمًا وتصبح عاملًا، أليس كذلك؟ ما فائدة التحاقك بالجامعة؟" لقد فات الأوان! من الذي جعلها تتصرف بحماقة في ذلك الوقت؟ من جعلها تستمتع بفكرة أن يصبح ابنها مسؤولًا رفيع المستوى ويكسب الكثير من المال؟ لقد أعماها الجشع، لقد استحقت هذا! لقد دفعت الكثير من الأثمان من أجل ابنها، لكن هل يدين لها ابنها بأي شيء؟ لا، لقد دفعت تلك الأثمان عن طيب خاطر، ونالت ما تستحقه! حتى لو كانت قد باعت كليتيها لكان ذلك عن طيب خاطر. بعض الناس يبيعون قرنية أعينهم لإرسال أبنائهم إلى جامعات مرموقة، والبعض يبيعون دمهم، والبعض يضحون بكل ما يملكون ويبيعون مقتنياتهم العائلية، فهل يستحق الأمر كل هذا العناء؟ كما لو أنهم يعتقدون أن بيع القليل من الدم أو عضو ما يمكن أن يقرر مستقبل الشخص ويغير مصيره. فهل يمكن ذلك؟ (كلا). الناس حمقى للغاية! إنهم يبحثون عن العوائد السريعة، وتعميهم الهيبة والمكاسب. إنهم يفكرون دائمًا: "حسنًا، هكذا تسير حياتي فحسب"، لذلك يعلقون آمالهم على أبنائهم. هل هذا يعني أن مصائر أبنائهم ستكون أفضل من مصيرهم حتمًا؟ وأن أبناءهم سيكونون قادرين على الارتقاء في العالم؟ وأنهم سيكونون مختلفين؟ كيف يمكن أن يكون الناس بهذه الحماقة؟ هل يعتقدون أنه لمجرد أن لديهم توقعات عالية لأبنائهم، فإن أبناءهم سيكونون حتمًا أفضل من الآخرين وسيرتقون إلى مستوى توقعاتهم؟ إن مصائر الناس لا يقررها آباؤهم، بل يقررها الله. بالطبع، لا يرغب أي أب أو أم في رؤية أبنائهم يصبحون متسولين. لكن رغم ذلك، ليس عليهم أن يصروا على أن يرتقي أولادهم في العالم ويصبحوا مسؤولين كبارًا أو أشخاصًا بارزين في الطبقة العليا من المجتمع. ما الجيد في أن يكونوا في الطبقة العليا من المجتمع؟ ما الجيد في الارتقاء في العالم؟ هذه مستنقعات، إنها ليست أشياء جيدة. هل هو شيء جيد أن تصبح من المشاهير، أو شخصية عظيمة، أو إنسانًا خارقًا، أو شخصًا ذا منصب ومكانة؟ حياة الشخص العادي هي الحياة الأكثر راحة. ما العيب في أن تعيش حياة أفقر وأصعب قليلًا، وأكثر تعبًا، مع طعام وملابس أسوأ قليلاً؟ على أقل تقدير، ثمة شيء واحد مضمون، بما أنك لا تعيش بين الاتجاهات الاجتماعية للطبقة العليا في المجتمع، فإنك على الأقل ستخطئ أقل وستكون الأشياء التي تفعلها لمقاومة الله أيضًا أقل. بصفتك شخصًا عاديًا، لن تواجه مثل هذا الإغواء الكبير أو المتكرر. رغم أن حياتك ستكون أصعب قليلاً، فعلى الأقل، لن تكون روحك متعبة. فكِّر في الأمر، كل ما عليك أن تقلق بشأنه بصفتك عاملًا هو التأكد من أنك تستطيع تناول ثلاث وجبات في اليوم. يختلف الأمر عندما تكون مسؤولاً، إذ عليك أن تحارب، ولن تعرف متى سيأتي اليوم الذي لن يكون فيه منصبك آمنًا. ولن تكون هذه هي نهاية المطاف، فالأشخاص الذين أسأت إليهم سيبحثون عنك لتصفية الحسابات، وسيعاقبونك. حياة المشاهير والعظماء والأثرياء متعبة للغاية. يخشى الأثرياء دائمًا من ألا يكونوا أثرياء جدًا في المستقبل، ومن ألا يكونوا قادرين على الاستمرار إذا حدث ذلك. يخشى المشاهير دائمًا أن تختفي هالاتهم، وهم يريدون دائمًا حماية هالاتهم، خوفًا من استبعاد هذا العصر والاتجاهات لهم. حياتهم متعبة للغاية! لا يدرك الآباء والأمهات هذه الأمور أبدًا، ويريدون دائمًا أن يدفعوا بأبنائهم إلى قلب هذا الصراع، ويزجون بهم في أوكار الأسود والمستنقعات. هل لدى الآباء حقًا مقاصد حسنة؟ إذا قلتُ إنهم لا يملكون مقاصد حسنة، فلن تكونوا على استعداد لسماع ذلك. إذا قلت إن توقعات آبائكم تؤثر عليكم سلبًا من نواحٍ عديدة، فهل أنتم على استعداد للاعتراف بذلك؟ (نعم). إنهم يؤذونكم بشدة، أليس كذلك؟ بعضكم غير مستعد للاعتراف بذلك، وأنتم تقولون: "والداي يريدان ما هو جيد لي". أنت تقول إن والديك يريدان لك ما هو جيد؛ حسنًا، أين هذه الأشياء الجيدة لك؟ والداك يريدان لك ما هو جيد، لكن كم عدد الأشياء الإيجابية التي مكَّنوك من فهمها؟ والداك يريدان لك ما هو جيد، ولكن كم صححوا من أفكارك وآرائك غير الصحيحة وغير المرغوب فيها؟ (لا شيء). إذًا، هل يمكنك أن ترى حقيقة هذه الأشياء الآن؟ يمكنك الشعور بأن توقعات الوالدين غير واقعية، أليس كذلك؟

من خلال تشريح جوهر توقعات الآباء لأبنائهم، يمكننا أن نرى أن هذه التوقعات أنانية، وأنها تتعارض مع الإنسانية، وعلاوةً على ذلك لا علاقة لها بمسؤوليات الآباء. عندما يفرض الآباء توقعات ومتطلبات مختلفة على أبنائهم، فإنهم لا يقومون بمسؤولياتهم. فما هي "مسؤولياتهم"؟ إن المسؤوليات الأساسية للغاية التي يجب على الوالدين الوفاء بها هي تعليم أبنائهم الكلام، وإرشادهم إلى أن يكونوا طيبين وألا يكونوا أشخاصًا سيئين، وتوجيههم في اتجاه إيجابي. هذه هي مسؤولياتهم الأساسية. إضافةً إلى ذلك، يجب عليهم أن يساعدوا أولادهم في دراسة ما يناسبهم من أنواع المعرفة والمواهب وما إلى ذلك حسب أعمارهم ومقدار ما يستطيعون تحمله ومستوى قدراتهم واهتماماتهم. سيساعد الآباء والأمهات الأفضل قليلًا أبناءهم على فهم أن الناس خليقة الله وأن الله موجود في هذا الكون، فيقودون أولادهم للصلاة وقراءة كلام الله، ويقصون عليهم بعض القصص من الكتاب المقدس، ويأملون أن يتبعوا الله ويقوموا بواجب الكائن المخلوق بعد أن يكبروا بدلاً من ملاحقة الاتجاهات الدنيوية، والوقوع في شراك مختلف العلاقات الشخصية المعقدة، وأن تدمرهم مختلف اتجاهات هذا العالم والمجتمع. لا علاقة للمسؤوليات التي يجب على الوالدين الوفاء بها بتوقعاتهم، فالمسؤوليات التي يجب أن يفوا بها في دورهم بوصفهم آباءً وأمهات هي أن يقدموا لأبنائهم التوجيه الإيجابي والمساعدة المناسبة قبل بلوغهم سن الرشد، وكذلك أن يعتنوا بهم على الفور في حياتهم الجسدية فيما يتعلق بالطعام والملبس والمسكن، أو في الأوقات التي يمرضون فيها. إذا مرض أبناؤهم، فيجب على الآباء والأمهات أن يعالجوا أي مرض يلزم علاجه، ولا ينبغي أن يهملوا أبناءهم أو يقولوا لهم: "استمر في الذهاب إلى المدرسة، واصل الدراسة؛ لا يمكنك أن تتخلف في دراستك. إذا تخلفت كثيرًا، فلن تتمكن من تعويض ما فاتك". عندما يحتاج الأبناء إلى الراحة، يجب على الآباء والأمهات أن يسمحوا لهم بالراحة؛ وعندما يمرض الأبناء، يجب على الآباء والأمهات مساعدتهم على التعافي. هذه هي مسؤوليات الوالدين. فمن ناحية، يجب عليهم الاهتمام بالصحة البدنية لأبنائهم؛ ومن ناحية أخرى، يجب عليهم مساعدة أبنائهم وتثقيفهم ومعاونتهم فيما يتعلق بصحتهم النفسية. هذه هي المسؤوليات التي يجب على الوالدين الوفاء بها، بدلاً من فرض أي توقعات أو متطلبات غير واقعية على أبنائهم. يجب على الوالدين الوفاء بمسؤولياتهم فيما يتعلق باحتياجات أبنائهم النفسية والأشياء التي يحتاج إليها أبناؤهم في حياتهم الجسدية. يجب على الوالدين ألا يتركوا أبناءهم يتجمدون من البرد في الشتاء، بل يجب أن يعلموهم بعض المعارف العامة في الحياة، مثل ما هي الظروف التي قد يصابون فيها بنزلة برد، وأن عليهم تناول الأطعمة الدافئة، وأن معدتهم ستؤلمهم إذا تناولوا الأطعمة الباردة، وأنه لا ينبغي أن يعرِّضوا أنفسهم للرياح بشكل عرضي أو يخلعوا ملابسهم في الأماكن التي بها تيار هواء عندما يكون الطقس باردًا، مما يساعدهم على تعلم العناية بصحتهم. إضافةً إلى ذلك، عندما تنشأ في عقول أطفالهم الصغار بعض الأفكار الطفولية غير الناضجة حول مستقبلهم، أو بعض الأفكار المتطرفة، يجب على الآباء والأمهات أن يسارعوا بتزويدهم بالتوجيه الصحيح حالما يكتشفون ذلك؛ وبدلاً من قمعهم بالقوة، يجب عليهم أن يجعلوا أبناءهم يعبِّرون عن أفكارهم وينفِّسون عنها، حتى يمكن علاج المشكلة فعلاً. هذا هو الوفاء بمسؤولياتهم. إنَّ وفاء الوالدين بمسؤولياتهم يعني من جهة رعاية الأبناء، ومن جهة أخرى تقديم المشورة للأبناء وتقويمهم وتقديم الإرشاد لهم بخصوص الأفكار والآراء الصحيحة. إن المسؤوليات التي يجب على الوالدين الوفاء بها لا علاقة لها في الواقع بتوقعاتهم من أبنائهم. يمكنك أن تتمنى أن يكون أولادك أصحاء جسديًا وأن يتمتعوا بالإنسانية والضمير والعقل بعد أن يكبروا، أو يمكنك أن تتمنى أن يكون أولادك بارين بك، لكن لا ينبغي أن تتمنى أن يصبح أولادك من نوع معين من المشاهير أو العظماء بعد أن يكبروا، ولا ينبغي حتى أن تقول لأولادك كثيرًا: "انظروا إلى مدى طاعة جارنا شياو مينج!" إن أولادك هم أولادك؛ وليست المسؤولية التي يجب أن تقوم بها أن تخبر أولادك عن مدى عظمة جارهم شياو مينج، أو أن تجعلهم يتعلمون من جارهم شياو مينج. ليس هذا شيئًا ينبغي على الوالدين القيام به، فكل شخص يختلف عن الآخر. يختلف الناس من حيث أفكارهم، وآرائهم، واهتماماتهم، وهواياتهم، ومستوى قدراتهم، وطباعهم الشخصية، وما إذا كان جوهر إنسانيتهم طيبًا أم خبيثًا. بعض الناس يولدون ثرثارين بالفطرة، بينما البعض الآخر انطوائيون بالفطرة، ولن يضايقهم أن يمر يوم كامل دون أن ينطقوا بكلمة واحدة. ولذلك، إذا أراد الآباء والأمهات الوفاء بمسؤولياتهم، فعليهم أن يحاولوا فهم طباع أبنائهم الشخصية وشخصياتهم واهتماماتهم ومستوى قدراتهم واحتياجات إنسانيتهم، بدلاً من أن يحولوا سعيهم – كراشدين – للعالم والهيبة والربح، إلى توقعات من أبنائهم، ويفرضوا على أبنائهم هذه الأمور الخاصة بالهيبة والربح والعالم التي تأتي من المجتمع. يطلق الآباء على هذه الأشياء اسمًا لطيفًا وهو "توقعات لأبنائهم"، لكن في الواقع، ليس هذا ما عليه الأمر. من الواضح أنهم يحاولون دفع أبنائهم إلى حفرة النار وإرسالهم إلى أحضان الأبالسة. إذا كنت والدًا جيدًا حقًا، فعليك أن تفي بمسؤولياتك فيما يتعلق بصحة أطفالك الجسدية والنفسية، بدلًا من فرض إرادتك عليهم قبل بلوغهم سن الرشد، وإجبار عقولهم الصغيرة على تحمل أشياء لا ينبغي لها تحملها. إذا كنت تحبهم وتعتز بهم حقًا، وتريد حقًا الوفاء بمسؤولياتك تجاههم، فعليك أن تعتني بأجسادهم وتحرص على صحتهم البدنية. بالطبع، يولد بعض الأطفال ضعفاء وبصحة معتلة. يمكن لوالديهم – إذا كانت ظروفهم تسمح بذلك حقًا – أن يعطوهم المزيد من المكملات الغذائية، أو الاستفسار من طبيب الطب الصيني التقليدي أو أخصائي تغذية، مظهرين قدرًا إضافيًا من الرعاية لهؤلاء الأطفال. إضافةً إلى ذلك، في كل مرحلة عمرية قبل بلوغ أبنائهم سن الرشد، من مرحلة الرضاعة والطفولة إلى مرحلة المراهقة، يجب على الآباء والأمهات أن يولوا اهتمامًا أكبر قليلاً لما يطرأ من تغيرات في الطباع الشخصية لأبنائهم وفي اهتماماتهم واحتياجاتهم فيما يتعلق باستكشاف إنسانيتهم، مظهرين لهم المزيد من الاهتمام. ينبغي عليهم أيضًا أن يقدموا لأبنائهم قدرًا من الإرشاد الإيجابي الإنساني والمساعدة والإمداد فيما يتعلق بالتغيرات النفسية والمفاهيم الخاطئة، وبعض الأمور غير المعروفة فيما يتعلق باحتياجات إنسانيتهم، مستخدمين في ذلك البصيرة العملية والخبرة والدروس التي اكتسبوها هم أنفسهم من خلال مرورهم بالأمور ذاتها. إذًا، ينبغي على الآباء والأمهات أن يساعدوا أبنائهم على أن ينشؤوا بسلاسة في كل مرحلة عمرية، وأن يتجنبوا اتخاذ الطرق الملتوية أو المنعطفات الخاطئة، أو الانحراف إلى التطرف. وعندما تصاب عقولهم الصغيرة المرتبكة بأذى أو تتعرض لضربة ما، فينبغي أن يتلقى الأبناء من والديهم العلاج السريع، وكذلك الاهتمام والحنان والرعاية والإرشاد. هذه هي المسؤوليات التي يجب على الوالدين الوفاء بها. أما بالنسبة إلى ما يخطط له الأبناء لمستقبلهم، سواء كانوا يرغبون في أن يكونوا معلمين أو فنانين أو مسؤولين وما إلى ذلك، فإذا كانت خططهم معقولة، فيمكن للآباء تشجيعهم وتقديم قدر معين من المساعدة والعون لهم حسب ظروفهم وتعليمهم ومستوى قدراتهم وإنسانيتهم وظروفهم العائلية وما إلى ذلك. ورغم ذلك، لا ينبغي للآباء والأمهات أن يتجاوزوا نطاق قدراتهم الخاصة، فلا ينبغي أن يبيعوا سياراتهم أو بيوتهم أو كلياتهم أو دمائهم. لا داعي لفعل ذلك، أليس كذلك؟ (صحيح). ينبغي عليهم فقط أن يقدموا لأبنائهم قدرًا معينًا من المساعدة بحسب أفضل ما لديهم من قدرات كآباء وأمهات. إذا قال الابن: "أريد الالتحاق بالجامعة"، فيمكن للوالدين أن يقولا: "إذا أردت الالتحاق بالجامعة، فسأدعمك ولن أعارضك، لكن أسرتنا ليست ميسورة الحال. سأضطر من الآن فصاعدًا إلى ادخار بعض المال كل يوم من أجل سداد مصاريف دراستك الجامعية لمدة عام. وعندما يحين الوقت، إذا كنت قد ادخرت ما يكفي، فيمكنك الالتحاق بالجامعة. أما إذا لم أدخر ما يكفي، فسيتعين عليك أن تجد حلاً بنفسك". يجب أن يتوصل الآباء والأمهات إلى هذا النوع من الاتفاق مع أبنائهم، بحيث يتفقون ويتوصلون إلى توافق في الآراء معًا، ثم يحلون مشكلة احتياجات أبنائهم فيما يتعلق بمستقبلهم. وبطبيعة الحال، إذا لم يتمكن الوالدان من تحقيق ما لدى أبنائهم من خطط ومقاصد فيما يتعلق بمستقبلهم، فلا داعي لأن يشعروا بالذنب ويفكروا: "لقد خذلتُ أولادي، لست مقتدرًا، وقد كان على أبنائي أن يعانوا بسبب ذلك. أبناء الآخرين يأكلون جيدًا، ويرتدون ملابس من علامات تجارية مشهورة، ويتجولون بسياراتهم في الجامعة، وعندما يعودون إلى منازلهم يسافرون بالطائرة. يضطر أبنائي إلى السفر بالقطار على المقاعد الصلبة؛ لا يمكنني حتى تحمل تكاليف سفرهم في عربات النوم. لقد خذلت أبنائي!" لا داعي لأن يشعروا بالذنب، فهذه هي ظروفهم، وحتى لو باعوا كلياتهم، فلن يستطيعوا توفير هذه الأشياء، لذا عليهم أن يتقبلوا مصيرهم. لقد رتب الله لهم هذا النوع من البيئات، لذلك ليس على هؤلاء الآباء إلى الشعور بالذنب تجاه أبنائهم بأي شكل من الأشكال، قائلين: "لقد خذلتك. إذا لم تكن بارًا بنا في المستقبل، فلن أشتكي. إننا نفتقر إلى الكفاءة، ولم نوفر لك بيئة معيشية جيدة". لا داعي لأن يقولا ذلك. كل ما يحتاج إليه الآباء والأمهات هو الوفاء بمسؤولياتهم بضمائر صافية، وأن يبذلوا كل ما في وسعهم، وأن يمكنوا أبناءهم من أن يكونوا أصحاء جسديًا وعقليًا. هذا يكفي. "الصحة" هنا لا تعني سوى أن يبذل الآباء والأمهات قصارى جهدهم للتأكد من أن أبناءهم لديهم أفكار إيجابية، وكذلك أفكار ومواقف إيجابية ونشطة ومتفائلة تجاه حياتهم اليومية ووجودهم. عندما يزعج الأبناء شيء ما، لا ينبغي أن يصابوا بنوبات غضب أو يحاولوا الانتحار أو يتسببوا في مشكلات لوالديهم أو يقرِّعوهما لكونهما غير مقتدرين فاشلين لا يستطيعان كسب المال، قائلين: "انظروا إلى آباء الآخرين. إنهم يقودون سيارات فارهة، ويعيشون في قصور، ويذهبون على متن سفن سياحية فاخرة، ويقومون برحلات إلى أوروبا. الآن انظروا إلينا، نحن لم نغادر حتى بلدتنا ولم نستقل القطار السريع!" إذا انتابتهم نوبات غضب كهذه، فكيف ينبغي لك أن تستجيب؟ يجب أن تقول: "أنت محق، هذا هو مدى عدم كفاءتنا. لقد ولدت في هذه الأسرة، وعليك أن تتقبل مصيرك. يمكنك كسب المال بنفسك في المستقبل إذا كنت مقتدرًا. لا تكن وقحًا معنا، ولا تطلب منا أن نفعل لك أشياء. لقد أوفينا بالفعل بمسؤولياتنا تجاهك، ولسنا مدينين لك بأي شيء. يومًا ما في المستقبل، ستصبح والدًا وستضطر أنت أيضًا إلى القيام بذلك". عندما يصبح لديهم أطفال، سيتعلمون أنه ليس من السهل على الوالدين كسب المال لإعالة أنفسهم وجميع أفراد أسرتهم صغارًا وكبارًا. الخلاصة أنه ينبغي عليك أن تعلمهم بعض المبادئ حول كيفية التصرف. عليك أن تعقد مع أبنائك شركة حول الإيمان بالله والسير في طريق السعي إلى الحق لتحقيق الخلاص، وعن بعض الأفكار والآراء الصحيحة التي فهمتها من الله، إذا كان باستطاعتهم أن يقبلوا ذلك. إذا كان أبناؤك على استعداد لقبول عمل الله والإيمان بالله معك، فهذا أفضل. إذا لم يكن لدى أبنائك هذا النوع من الاحتياج، فيكفيك أن تفي بمسؤولياتك تجاههم؛ ليس عليك أن تستمر في الثرثرة أو ذكر بعض الكلمات والتعاليم المتعلقة بالإيمان بالله لوعظهم بها. ما من حاجة إلى القيام بذلك. حتى لو كان أبناؤك لا يؤمنون، فما داموا يدعمونك، يمكنكم أن تكونوا أصدقاء جيدين، وأن تتحدثوا وتتناقشوا معًا في أي شيء. لا ينبغي أن تصبحوا أعداءً أو أن تشعر بالاستياء تجاههم، فثمة رابطة دم بينكم رغم كل شيء. إذا كان أبناؤك على استعداد للوفاء بمسؤولياتهم تجاهك، وإظهار برهم بك، وطاعتهم لك، فيمكنك أن تحافظ على علاقتك الأسرية معهم، وأن تتفاعل معهم بشكل طبيعي. لست بحاجة إلى أن تسب أبناءك أو تقرِّعهم باستمرار لأن لديهم آراء ووجهات نظر مختلفة عن آرائك ووجهات نظرك فيما يتعلق بالإيمان. لا داعي لذلك. لست بحاجة إلى أن تصبح متهورًا، أو أن تعتقد أن عدم إيمان أبنائك بالله أمر جلل، وكأنك قد فقدت حياتك ونفسك. الأمر ليس بهذه الخطورة. إذا كانوا لا يؤمنون، فمن الطبيعي أن يكون لهم طريقهم الخاص الذي اختاروا السير فيه. أنت أيضًا لديك طريق يجب أن تسلكه وواجب يجب أن تؤديه، وهذه الأمور لا علاقة لها بأبنائك. إذا كان أبناؤك غير مؤمنين فلا داعي لأن تصر على أن يؤمنوا. لعل الأمر أن الوقت المناسب لم يحن بعد، أو أن الله ببساطة لم يخترهم. إذا كان الله ببساطة لم يخترهم، وأنت تصر على إجبارهم على الإيمان، فأنت جاهل ومتمرد. بالطبع، إذا كان الله قد اختارهم، لكن الوقت المناسب لم يحن بعد، وأنت تطالب بأن يؤمنوا الآن، فسيكون الوقت مبكرًا جدًا. إذا أراد الله أن يتصرف، فلا يمكن لأي شخص أن يفلت من سيادته. إذا كان الله قد رتب لأبنائك أن يؤمنوا، فيمكنه أن يحقق ذلك بكلمة أو بفكرة. وإذا لم يكن الله قد رتب لهم أن يؤمنوا، فلن يتأثروا، وإذا لم يتأثروا، فلن تكون ثمة فائدة مهما تكلمت. إذا لم يؤمن أبناؤك فلن تكون مدينًا لهم؛ وإذا آمن أبناؤك فلن يكون هذا بفضلك. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). بغض النظر عما إذا كان بينك وبين أولادك أهداف مشتركة بخصوص الإيمان أو إذا كان لكما التفكير نفسه في هذا الشأن، فيجب في أي حال أن تفي بمسؤولياتك تجاههم. إن كنت قد أوفيت بهذه المسؤوليات فهذا لا يعني أنك قد أحسنت إليهم، وإن لم يؤمن أبناؤك فهذا لا يعني أنك مدين لهم، لأنك قد أوفيت بمسؤولياتك، وذلك كل ما في الأمر. تبقى علاقتك مع أبنائك على حالها، ويمكنك الاستمرار في التفاعل معهم كما كنت تفعل من قبل. عندما يواجه أبناؤك صعوبات، يجب عليك مساعدتهم بقدر ما تستطيع. إذا كانت ظروفك المادية تتيح لك مساعدة أبنائك فعليك أن تفعل ذلك، وإذا كنت قادرًا على تصحيح أفكار أبنائك وآرائهم على المستوى النفسي أو العقلي وأن تقدم لهم قدرًا من الإرشاد والمساعدة مما يمكّنهم من الخروج من معضلاتهم فهذا أمر جيد جدًا. الخلاصة أنه ما يجب على الآباء والأمهات القيام به قبل بلوغ أبنائهم سن الرشد هو القيام بمسؤوليات الوالدين، ومعرفة ما يريد الأبناء عمله، ومعرفة اهتمامات الأبناء وطموحاتهم. إذا كان الأبناء يريدون قتل الناس، وإشعال النار في الأشياء، وارتكاب الجرائم، فعلى الوالدين تأديبهم بجدية أو حتى معاقبتهم. أما إذا كانوا أبناء مطيعين، ولا يختلفون عن أي أبناء عاديين آخرين، ويحسنون السلوك في المدرسة، ويفعلون كل ما يأمرهم به آباؤهم، فعلى آبائهم أن يقوموا بمسؤولياتهم تجاههم فحسب. بخلاف الوفاء بمسؤولياتهم، فإن ما يسمى بالتوقعات والمتطلبات والتفكير في مستقبلهم كلها أمور زائدة عن الحاجة. لماذا أقول إنها زائدة عن الحاجة؟ لأن مصير كل شخص مُقَدَّرٌ من الله، ولا يمكن أن يقرره والداه. أيًا كانت توقعات الآباء لأبنائهم، فمن المستحيل أن تتحقق كلها في المستقبل. لا يمكن لهذه التوقعات أن تحدد مستقبل الأبناء أو حياتهم. مهما عظمت توقعات الوالدين لأبنائهم، أو مهما كانت التضحيات أو الأثمان التي يقدمونها من أجل تلك التوقعات، فذلك كله سدى؛ فهذه الأمور لا يمكن أن تؤثر في مستقبل أبنائهم أو حياتهم. لذلك، يجب على الآباء والأمهات عدم القيام بأشياء حمقاء. يجب عليهم ألا يقدموا تضحيات لا داعي لها من أجل أبنائهم قبل بلوغهم سن الرشد، وبطبيعة الحال يجب ألا يشعروا بالتوتر الشديد حيال ذلك. إن تربية الأطفال تتعلق بتعلم الآباء والأمهات بينما يكتسبون أيضًا أنواعًا مختلفة من الخبرات من خلال المرور ببيئات مختلفة، ومن ثم تمكين أبنائهم تدريجيًا من جني الفوائد منها. هذا كل ما يتعين على الوالدين القيام به. أما فيما يخص مستقبل الأبناء ومسارات حياتهم المستقبلية، فهذه الأمور لا علاقة لها بتوقعات والديهم. وهذا يعني أن توقعات والديك لا يمكن أن تحدد مستقبلك. ليس الأمر كما لو أن توقعات والديك الكبيرة لك، أو توقعاتهم لأشياء عظيمة منك تعني أنك ستتمكن من الازدهار والعيش الرغد، وليس الأمر كما لو أن عدم وجود توقعات من والديك تجاهك يعني أنك ستصبح متسولًا. لا توجد علاقة ضرورية بين هذه الأمور. أخبرني، هل هذه الموضوعات التي عقدت الشركة حولها سهلة الفهم؟ هل من السهل على الناس تحقيق هذه الأمور؟ هل هي صعبة؟ ليس على الآباء والأمهات سوى الوفاء بمسؤولياتهم تجاه أبنائهم وتربيتهم وتنشئتهم ليصبحوا راشدين؛ ليس عليهم سوى تربية أبنائهم ليصبحوا أفرادًا موهوبين. هل من السهل تحقيق ذلك؟ (هو كذلك). هذا أمر يسهل القيام به؛ أنت لست بحاجة إلى تحمل أي مسؤولية عن مستقبل أبنائك أو حياتهم، أو وضع أي خطط لهم، أو أن تفترض مسبقًا أي نوع من الأشخاص سيصبحون عليه، أو أي نوع من الحياة ستكون لهم في المستقبل، أو في أي نوع من الدوائر الاجتماعية سيوجدون لاحقًا، أو كيف ستكون جودة حياتهم في هذا العالم في المستقبل، أو بأي نوع من المكانة سيحظون بين الناس. ليس عليك أن تفترض هذه الأمور مسبقًا أو تتحكم فيها؛ كل ما عليك فعله ببساطة هو الوفاء بمسؤولياتك كأب أو أم. الأمر بهذه السهولة. عندما يصل أطفالك إلى سن المدرسة، يجب عليك إيجاد مدرسة وإلحاقهم بها، ودفع رسوم دراستهم عند الحاجة، ودفع مقابل كل ما يحتاجون إليه في المدرسة. يكفي فقط الوفاء بهذه المسؤوليات. فيما يتعلق بما يأكلونه ويلبسونه على مدار العام، ما عليك سوى الاعتناء بأجسادهم المادية تبعًا للظروف. لا تسمح بأن يظل بهم مرض دون علاج خلال الفترة التي تسبق بلوغهم سن الرشد، بينما لا يفهمون كيفية العناية بأجسادهم. سارع بتصحيح عيوبهم وعاداتهم السيئة، وساعدهم على تنمية عادات الحياة الجيدة، ثم انصح عقولهم وأرشدها، واحرص على عدم انحرافهم إلى التطرف. إذا كانوا يحبون بعض الأمور الشريرة في العالم، ولكن كان لا يزال بوسعك أن ترى أنهم أبناء صالحين، وأنهم قد تأثروا فحسب بالاتجاهات الشريرة في العالم، فعليك أن تسارع إلى تقويمهم ومساعدتهم على إصلاح عيوبهم وعاداتهم السيئة. هذه هي المسؤوليات التي يجب أن يفي بها الآباء والأمهات والوظائف التي يجب أن يقوموا بها. لا ينبغي للوالدين أن يدفعوا أبنائهم نحو اتجاهات المجتمع، ولا ينبغي أن يجعلوا أبناءهم يتحملون مختلف أنواع الضغوط، والتي لا ينبغي أن يتحملها سوى الكبار، في وقت مبكر جدًا بينما لم يبلغوا سن الرشد بعد. لا ينبغي على الآباء أن يفعلوا هذه الأشياء. هذه أشياء بسيطة يمكن تحقيقها، لكن بعض الناس لا يستطيعون تحقيقها. لأن هؤلاء الناس لا يستطيعون التخلي عن سعيهم وراء الهيبة والربح الدنيويين، أو اتجاهات العالم الشريرة، ولأنهم يخشون أن يستبعدهم العالم، فإنهم قبل أن يبلغ أبنائهم سن الرشد، يجعلونهم يندمجون في المجتمع في وقت مبكر جدًا ويتكيفون مع المجتمع بسرعة كبيرة على المستوى الذهني. إذا كان لدى الأبناء مثل هؤلاء الآباء والأمهات، فهم غير محظوظين. ومهما كانت الأساليب أو الذرائع التي يحبهم بها آباؤهم وأمهاتهم ويعزّونهم ويدفعون الثمن من أجلهم، فليست هذه بالضرورة أمورًا جيدة بالنسبة إلى أبناء هذه الأسر، بل يمكن القول إنها من أنواع الكوارث. وهذا لأن ما يجلبه هؤلاء الآباء والأمهات على عقول أبنائهم الصغار من وراء توقعاتهم الأبوية هو الخراب. أو بعبارة أخرى، فإن توقعات هؤلاء الآباء والأمهات ليست في الواقع توقعات تتعلق في الحقيقة بأن يتمتع أبنائهم بعقول وأجساد صحية، بل هي مجرد توقعات بأن يتمكن أبناؤهم من ترسيخ أنفسهم في المجتمع، وتجنب أن يستبعدهم المجتمع. الهدف من توقعاتهم هو أن يعيش أبناؤهم حياة طيبة، أو أن يكونوا متفوقين على الآخرين، وأن يتجنبوا أن يصبحوا متسولين، وأن يتجنبوا أن يتعرضوا لتمييز الآخرين ضدهم أو استقوائهم عليهم، وأن يندمجوا في الاتجاهات الشريرة والجماعات الشريرة من الناس. هل هذه أمور جيدة؟ (كلا). لذلك، لا تحتاجون إلى أن تأخذوا هذه الأنواع من التوقعات الأبوية على محمل الجد. إذا كان لدى والداك هذا النوع من التوقعات لك من قبل، أو إذا كانا قد دفعا أثمانًا كثيرة لتحقيق توقعاتهما لك، لذلك تشعر بأنك مدين لهما وتنوي أن تستغل حياتك كلها لتسديد الأثمان التي دفعاها من أجلك؛ إذا كانت لديك هذه الفكرة والرغبة، فعليك أن تتخلى عنها اليوم. أنت لا تدين لهما بأي شيء، بل إن والديك هما اللذان دمراك وأصاباك بالشلل. لم يفشلا فحسب في الوفاء بمسؤولياتهما كأبوين، بل على العكس، لقد أذياك، وألحقا بعقلك الصغير العديد من الإصابات، وخلفا وراءهما مجموعة كبيرة من الذكريات والبصمات السلبية. باختصار، مثل هؤلاء الآباء ليسوا آباءً صالحين. إذا كان والداك، في طريقة تعليمهما لك وتأثيرهما عليك وحديثهما معك قبل بلوغك سن الرشد، يأملان دائمًا أن تجتهد في دراستك وتنجح ولا ينتهي بك الأمر إلى أن تكون عاملًا، وأن تحظى حتمًا بآفاق جيدة في المستقبل، وأن تصبح مصدر فخر وفرح لهما، وتجلب لهما الشرف والمجد، فيجب عليك منذ اليوم أن تفلت من عطفهما المزعوم، ولا داعي لأن تأخذهما على محمل الجد. أليس هذا صحيحًا؟ (بلى). هذه هي التوقعات التي يتوقعها الآباء من أبنائهم قبل بلوغهم سن الرشد.

تظل طبيعة توقعات الوالدين لأبنائهم كما هي بعد بلوغ أبنائهم سن الرشد. على الرغم من أنَّ أبناءهم الراشدين يمكنهم التفكير باستقلالية والتواصل والتحدث ومناقشة الأمور معهم من مكانة الراشدين ومنظورهم، يظل الآباء والأمهات يحملون التوقعات نفسها لأبنائهم من منظور الأب أو الأم. تتحول توقعاتهم من توقعات لصغير لم يبلغ سن الرشد بعد إلى توقعات لشخص راشد. وعلى الرغم من أن توقعات الوالدين للراشدين تختلف عن توقعاتهم للصغار الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد، فإنَّ الآباء بوصفهم أناسًا عاديين وفاسدين وأفرادًا في المجتمع والعالم، يظلون يحملون لأبنائهم الأنواع نفسها من التوقعات. إنهم يأملون أن تسير الأمور بسلاسة بالنسبة إلى أبنائهم في العمل، وأن تكون زيجاتهم سعيدة وأسرهم مثالية، وأن يحصلوا على زيادات في الرواتب وترقيات، وأن ينالوا تقدير رؤسائهم، وأن تسير أمورهم في وظائفهم بشكل جيد للغاية، دون أن يواجهوا أي صعوبات. ما فائدة هذه التوقعات؟ (إنها عديمة الفائدة). إنها عديمة الفائدة، وغير ضرورية. يعتقد الوالدان أنهما يستطيعان قراءة أفكارك لأنهما من قاما بتربيتك ودعمك، وبالتالي يعتقدان أنهما يعرفان كل شيء عما تفكر فيه، وما تريده، وما هي طباعك الشخصية، رغم أنك الآن راشد. وعلى الرغم من أنك راشد مستقل، ويمكنك كسب المال لإعالة نفسك، فإنهما لا يزالان يشعران أنه بإمكانهما التحكم بك، وأنه لا يزال لديهما الحق في التحدث بشأن أي شيء يخصك والانخراط فيه واتخاذ القرارات والتدخل فيه أو حتى الهيمنة عليه. أي إنهما يظنان أنه يمكن أن يكون لهما القول الفصل. عندما يتعلق الأمر بالزواج على سبيل المثال، إذا كنت تواعد فتاة ما، فسيقول والداك على الفور: "هذا ليس جيدًا، فهي لا تتمتع بنفس المستوى التعليمي الذي تتمتع به أنت، وهي ليست جميلة جدًا، وعائلتها تعيش في الريف. وبعد أن تتزوجها، سيأتي أقاربها من الريف في مجموعة كبيرة، ولن يعرفوا كيفية استخدام الحمَّام، وسيجعلون كل شيء قذرًا. لن تكون هذه الحياة جيدة لك بالتأكيد. هذا ليس جيدًا، أنا لا أوافق على زواجك منها!" أليس هذا تدخلاً؟ (بلى). أليس هذا بلا ضرورة ومثيرًا للاشمئزاز؟ (إنه بلا ضرورة). لا يزال يتعين على الأبناء والبنات الحصول على موافقة والديهم عندما يبحثون عن شركاء الحياة. وبالتالي، ثمة بعض الأبناء الآن لا يخبرون آباءهم وأمهاتهم أنهم وجدوا شركاء حياة، فقط لتجنب تدخلهم. عندما يسألهم آباؤهم وأمهاتهم: "هل لديك شريك حياة؟"، يقولون: "لا، لا يزال الوقت مبكرًا، ما زلت صغيرًا، لا داعي للعجلة"، لكنهم في الواقع لديهم شركاء حياة منذ عامين أو ثلاثة بالفعل؛ هم فحسب لم يخبروا والديهم بذلك. ولماذا لا يخبرون والديهم بذلك؟ لأن والديهم يرغبان في التدخل في كل شيء؛ إنهما صعبا الإرضاء، لذا لا يخبرانهما عن شركاء حياتهم. وعندما يكونون مستعدين للزواج، يحضرون شركاء حياتهم مباشرة إلى منزل والديهم ويسألونهما: "هل توافقان؟ سأتزوج غدًا. هذه هي الطريقة التي سأتعامل بها مع هذا الأمر، سواء وافقتما أم لا. إذا لم توافقا، فسنمضي قدمًا رغم ذلك وننجب أطفالًا". هؤلاء الآباء والأمهات يتدخلون كثيرًا في شؤون أبنائهم، ويتدخلون حتى في زواجهم. وما دام شركاء الحياة الذين يجدهم أبناؤهم ليسوا ما يأملانه، أو إذا لم ينسجما معهم، أو إذا لم يُعجبا بهم، فسيحاولان التفريق بين أبنائهم وشركاء حياتهم. وإذا لم يوافق أبناؤهم على ذلك، فسينتحبون ويثيرون ضجة ويهددون بقتل أنفسهم، لدرجة أن أولادهم لن يعرفوا هل يبكون أم يضحكون؛ لن يعرفوا ماذا يفعلون. يوجد أيضًا بعض الأبناء والبنات الذين يقولون إنهم كبار في السن ولا يريدون الزواج، فيقول لهم آباؤهم وأمهاتهم: "هذا ليس جيدًا. كنت أتمنى أن تكبر وتتزوج وتنجب أطفالًا. لقد رأيتك تكبر، والآن أريد أن أراك تتزوج وتنجب أطفالًا، يمكنني عندئذ أن أرقد في سلام. لن أتمكن أبدًا من تحقيق هذه الأمنية. إن لم تتزوج. لن أتمكن من الموت، وإذا مت، فلن أموت في سلام. يجب أن تتزوج، فأسرع وابحث عن شريكة حياة. لا بأس، حتى لو وجدت شريكة حياة مؤقتة فحسب، ودعني ألقي نظرة عليها". أليس هذا تدخلاً؟ (إنه كذلك). فيما يتعلق باختيار أبنائهم الراشدين لشركاء الحياة، يمكن للوالدين تقديم المشورة المناسبة، ويمكنهم تذكير أبنائهم أو مساعدتهم في التحقق من شركاء حياتهم، لكن لا ينبغي لهما التدخل، ولا ينبغي لهما مساعدة أبنائهم في اتخاذ القرار؛ فالأبناء لديهم مشاعرهم الخاصة بشأن ما إذا كانوا يحبون شركاء حياتهم، وما إذا كانا منسجمين، وما إذا كانت لديهما اهتمامات مشتركة، وما إذا كانا سيسعدان معًا في المستقبل. لا يعرف الآباء بالضرورة هذه الأمور، وحتى لو عرفوها، فيمكنهم فقط تقديم الاقتراحات، ولا يجب أن يعرقلوا الأمر بشكل صارخ أو أن يتدخلوا بشكل حاد. يوجد حتى بعض الآباء الذين يقولون: "عندما يعثر ابني أو ابنتي على شريك حياة، يجب أن يكون من طبقة اجتماعية مكافئة لطبقة عائلتي، وإن لم يكن كذلك، وكانت لديه بعض الدوافع تجاه ابني أو ابنتي، فلن أسمح لهما بالزواج، وسأضطر إلى عرقلة خططهما. إذا أراد ذلك الشخص دخول منزلي، فلن أسمح له!". هل هذا التوقع مناسب؟ هل هو عقلاني؟ (ليس عقلانيًا). هذه مسألة مهمة في حياة أبنائهم، وتدخل الآباء والأمهات في هذه المسألة أمر غير عقلاني. ولكن من وجهة نظر هؤلاء الآباء والأمهات، ثمة سبب أكبر حتى من ذلك للتدخل في الأمور المهمة في حياة أبنائهم. إذا وجد أبناؤهم عرضًا أصدقاء من الجنس الآخر ليتحدثوا معهم، فلن يتدخل الوالدان في الأمر، لكن إذا كان الأمر يتعلق بمسألة الزواج العظيمة الأهمية، فسيعتقدان أنه يجب عليهما التدخل، بل إن ثمة آباء يبذلون جهدًا كبيرًا في التجسس على أبنائهم، ويبحثون عن أفراد الجنس الآخر الذين يحتفظون لهم على هواتفهم وحواسيبهم بتفاصيل الاتصال الخاصة بهم ومعلومات عنهم، وهم يتدخلون ويترصدون أبناءهم، لدرجة أن الأبناء لا يجدون أمامهم أي ملجأ، حيث لا يستطيعون أن يقاوموا أو يجادلوا أو يتهربوا من هذه العقبة. هل هذه طريقة مناسبة ليتصرف بها الوالدان؟ (لا). إذا تسبب الآباء والأمهات في أن يضيق أبناؤهم بهم، فهذا يسمى إثارة للمتاعب، أليس كذلك؟ لا يزال ما يجب أن يفعله الآباء لأبنائهم الراشدين هو أن يقوموا بمسؤولياتهم والتزاماتهم بوصفهم آباءً وأمهات، وأن يساعدوهم في مسارات حياتهم المستقبلية، وأن يقدموا لهم بعض النصائح المعقولة والقيِّمة وكذلك الحث والنصح، حتى يتجنبوا أن يُخدَعوا في العمل أو عند احتكاكهم بمختلف أنواع الأشخاص والأحداث والأشياء، ويتجنبوا أن يسلكوا طرقًا ملتوية أو يقابلوا متاعب لا داعي لها أو حتى أن يتعرضوا للمقاضاة. ينبغي على الآباء والأمهات أن يقفوا من منظور الشخص صاحب الخبرة، وأن يقدموا لأبنائهم بعض النصائح والنقاط المرجعية المفيدة والقيمة. وبخصوص إذا كان الأبناء سيستمعون إليهم أم لا، فهذا شأنهم الخاص. ليس على الآباء والأمهات سوى الوفاء بمسؤولياتهم. لا يمكن للآباء والأمهات التأثير في مقدار المعاناة التي سيختبرها أبناؤهم، أو مقدار الألم الذي سيتحملونه، أو عدد البركات التي سيتمتعون بها. إذا كان لا بد أن يتحمل أبناؤهم بعض المحن في هذه الحياة، وقد علموهم بالفعل الأشياء التي يحتاجون إلى تعلمها، لكنهم يظلون عنيدين جدًا عندما يحدث لهم شيء ما، فمن المفترض أن يعانوا وهذا مصيرهم، وليس على الآباء أن يلوموا أنفسهم، أليس هذا صحيحًا؟ (بلى). في بعض الحالات، لا تسير زيجات الناس على ما يرام، فهم ليسوا على وفاق مع أزواجهم، ويقررون الطلاق، وبعد الطلاق، تحدث خلافات حول من سيربي الأبناء. كان آباء هؤلاء الأشخاص يأملون أن تسير أمورهم على ما يرام في وظائفهم، وأن تكون زيجاتهم سعيدة وهانئة، وألا تظهر أي خلافات أو مشكلات، ولكن في النهاية لم يسر أي شيء كما أرادوا. ونتيجةً لهذا، يقلق هؤلاء الآباء والأمهات على أبنائهم، فيبكون، ويشتكون إلى جيرانهم من ذلك، ويساعدون أبناءهم أو بناتهم في البحث عن محامين للقتال من أجل حضانة أبنائهم. يوجد حتى بعض الآباء والأمهات الذين يرون أن بناتهم قد ظُلمن فينهضون للقتال نيابة عنهن، ويذهبون إلى بيوت أزواجهن ويصرخون: "لماذا ظلمت ابنتي هكذا؟ لن أسمح بمرور هذه الإهانة مرور الكرام!". إنهم حتى يصطحبون معهم عائلاتهم الممتدة للتنفيس عن الغضب نيابة عن بناتهن، ويصل هذا إلى العراك. ونتيجة لذلك، يتسببون في ضجة كبيرة. لو لم تأت العائلة بأكملها لإثارة ضجة، ولو نُزع فتيل التوتر بين الزوج والزوجة ببطء، فربما لم يكن الطلاق ليقع بعد أن يكون الزوجان قد هدئا. لكن، لأن هذين الوالدين أثارا ضجة، تحول الأمر إلى مشكلة كبيرة؛ ولم يمكن إصلاح زواجهما المنهار، وحدث الشقاق. في نهاية الأمر، أحدثا ضجة كبيرة لدرجة أن زواج أبنائهم لم يمض بسلاسة، وكان على هؤلاء الآباء أن يقلقوا بشأن هذا الأمر أيضًا. أخبرني، هل كان هذا يستحق العناء؟ ماذا كانت الفائدة من انخراطهم في تلك الأمور؟ يعتقد جميع الآباء والأمهات أن عليهم مسؤولية كبيرة سواء كان الأمر يتعلق بزواج أبنائهم أو عملهم: "يجب أن أنخرط في الأمر، يجب أن أتتبعه وأراقبه عن كثب". إنهم يراقبون ما إذا كانت زيجات أبنائهم سعيدة أم لا، وما إذا كانت هناك أي مشكلات فيما يتعلق بالمودة لديهم، وما إذا كان أبناؤهم أو أصهارهم على علاقة غرامية. بعض الآباء والأمهات يتدخلون في جوانب كثيرة من حياة أبنائهم أو ينتقدونها أو هم حتى يضعون مخططات بخصوصها من أجل تلبية توقع ما لديهم بشأن زواج أبنائهم أو أشياء أخرى مختلفة، وهذا يؤثر تأثيرًا خطيرًا في النظام الطبيعي لحياة أبنائهم وعملهم. أليس الآباء والأمهات من هذا النوع ممقوتين؟ (بلى). يوجد حتى بعض الآباء الذين يتدخلون في أنماط حياة أبنائهم وعاداتهم الحياتية، وعندما لا يكون لديهم ما يفعلونه، يذهبون إلى منازل أبنائهم للاطمئنان على أحوال زوجات أبنائهم، أو للتحقق مما إذا كانوا يرسلون هدايا أو أموالاً إلى أسرهم سرًا، أو ما إذا كانوا على علاقة برجال آخرين. يرى أبناؤهم أنَّ هذه التصرفات منفرة وبغيضة حقًا. إذا استمر الوالدان على هذا المنوال، فسيشعر أبناؤهم بأن هذا أمر بغيض ومنفر، لذا من الواضح جدًا أن هذه الأفعال غير عقلانية. وبالطبع، إذا نظرنا إلى هذا الأمر من منظور آخر، فإن هذه الأفعال أيضًا غير أخلاقية وتفتقر إلى الإنسانية. مهما يكن نوع توقعات الآباء والأمهات لأبنائهم، فبعد بلوغهم سن الرشد، يجب ألا ينخرط الآباء والأمهات في دوائر معيشتهم أو عملهم أو في أسرهم، ولا ينبغي بالطبع أن يحاولوا التدخل في جوانب حياتهم المختلفة أو التحكم فيها. يوجد حتى بعض الآباء والأمهات الذين يحبون المال حقًا، ويقولون لأبنائهم: "لكي تجني المزيد من المال بسرعة، عليك أن توسع نطاق عملك. انظر إلى ابن فلان، لقد وسَّع أعماله؛ حوَّل متجره الصغير إلى متجر كبير، وحوَّل هذا المتجر الكبير إلى سلسلة من المتاجر، والآن أصبح أبواه يأكلان ويشربان ما لذ وطاب معه. عليك كسب المزيد من المال. اكسب المزيد من المال وافتتح المزيد من المحلات التجارية، حينئذٍ يمكننا أن نتنعم بمجدك معك". بغض النظر عن الصعوبات التي يواجهها أبنائهم أو رغباتهم، لا يريد الآباء سوى إرضاء تفضيلاتهم الخاصة ورغباتهم الأنانية؛ لا يريدون سوى استخدام أبنائهم لكسب الكثير من المال من أجل تحقيق هدفهم في الاستمتاع بالملذات الجسدية. هذه كلها أشياء لا ينبغي أن يفعلها الآباء. هذه أشياء غير أخلاقية وتفتقر إلى الإنسانية، ومثل هؤلاء الآباء لا يقومون بمسؤولياتهم. ليس هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه الآباء تجاه أبنائهم الراشدين. بدلاً من ذلك، يستغل هؤلاء الآباء والأمهات أسبقيتهم ويتدخلون في حياة أبنائهم الراشدين وعملهم وزيجاتهم وما إلى ذلك، تحت ستار إظهار المسؤولية تجاه أبنائهم. وبغض النظر عن مدى اقتدار الأبناء الراشدين، أو مستوى قدراتهم، أو نوع مكانتهم في المجتمع، أو كم قد يبلغ دخلهم، فهذا هو المصير الذي قدَّره الله لهم، وهو تحت سيادة الله. لا ينبغي على الآباء أن يتدخلوا في نوع الحياة التي يعيشها أبناؤهم، إلا إذا كانوا لا يسلكون الطريق الصحيح، أو كانوا يخالفون القانون، وفي هذه الحالة يجب على الآباء تأديبهم بصرامة. لكن، في الظروف العادية، حيث يتمتع هؤلاء البالغون بسلامة العقل، ولديهم القدرة على العيش والبقاء على قيد الحياة بشكل مستقل، يجب على الآباء التراجع، لأن أبناءهم راشدون بالفعل. إذا كان الأبناء قد بلغوا للتو سن الرشد، وهم في سن العشرين أو الحادية والعشرين، ولا يزالون لا يعرفون عن مختلف المواقف المعقدة في المجتمع، أو كيف يسلكون في الحياة، ولا يفهمون كيفية التواصل الاجتماعي، ولديهم مهارات ضعيفة في البقاء، فيجب على هؤلاء الآباء أن يقدموا لهم بعض المساعدة المناسبة، ممكِّنين إياهم من الانتقال التدريجي إلى النقطة التي يستطيعون فيها العيش بشكل مستقل. وهذا ما يسمى بالوفاء بمسؤوليتهم. ولكن بمجرد أن يضعوا أبنائهم على المسار الصحيح، ويتمتع أبناؤهم بالقدرة على العيش بشكل مستقل، يجب على هؤلاء الآباء والأمهات الانسحاب. لا ينبغي أن يستمروا في معاملة أبناءهم كما لو أنهم لم يبلغوا سن الرشد بعد، أو كما لو كان لديهم قصور عقلي. لا ينبغي أن تكون لديهم أي توقعات غير واقعية من أبنائهم، أو أن يتدخلوا في حياة أبنائهم الخاصة أو في مواقفهم ووجهات نظرهم وأفعالهم بخصوص العمل والأسرة والزواج والأشخاص والأحداث، تحت ستار أن لديهم أي توقعات لهم. إذا قاموا بأي من هذه الأمور، فهم لا يفون بمسؤولياتهم.

عندما يكون الأبناء والبنات قادرين على العيش بشكل مستقل، فإن ما يتعين على الآباء والأمهات فعله هو ببساطة إظهار الاهتمام والرعاية اللازمة لهم فيما يتعلق بعملهم وحياتهم وأسرهم، أو تقديم بعض المساعدة المناسبة لهم في المواقف التي لا يستطيعون فيها إنجاز شيء ما أو العناية به باستخدام قدراتهم الخاصة. على سبيل المثال، لنفترض أن ابنك أو ابنتك لديه طفل رضيع، وكل منهما وزوجه أو زوجته مشغولان للغاية في العمل. لا يزال الرضيع صغيرًا جدًا، وأحيانًا لا يوجد من يعتني به. في ظل هذه الظروف، يمكنك مساعدة ابنك أو ابنتك في رعاية الرضيع. هذه هي مسؤولية الوالد، لأنهما من لحمك ودمك رغم كل شيء، وسيكون اعتناءك بالرضيع أكثر أمانًا من أن يقوم شخص آخر بذلك. إذا كان ابنك أو ابنتك يثق بك للاعتناء بطفلهما الرضيع، فينبغي عليك أن تعتني به. أما إذا كانا لا يشعران بالراحة في أن يأتمناك على الطفل ولا يريدانك أن تعتني به، أو إذا كانا لا يريدانك أن تعتني به لأنهما يعتزان بك، أو لأنهما يراعيانك، ويخشيان أنك لست في حالة بدنية جيدة بما يكفي للقيام بذلك، فلا ينبغي أن تجد عيبًا في ذلك. يوجد حتى بعض الأبناء والبنات الذين لا يثقون بوالديهم ببساطة، ويعتقدون أن والديهم لا يملكان القدرة على رعاية طفل رضيع، وأنهما لا يعرفان سوى تدليل الأطفال الصغار، ولا يعرفان كيف يعلموهم، وأنهما غير حريصين بخصوص الطعام الذي يتناولونه. إذا كان ابنك أو ابنتك لا يثقان بك، ولا يريدانك أن تعتني بطفلهما الرضيع، فهذا أفضل، لأنه سيمنحك وقت فراغ أكثر. وهذا ما يسمى بالتراضي: لا يتدخل الوالدان ولا الأبناء في شؤون الآخر، ويظهر أحدهم مراعاة للآخر في الوقت نفسه. عندما يحتاج الأبناء إلى المساعدة والعناية ولمن يرعاهم، فما على الوالدين إلا أن يقدما لهم ما هو مناسب وضروري من الاهتمام والرعاية والدعم على المستوى العاطفي أو في النواح الأخرى. على سبيل المثال، لنفترض أن أحد الوالدين لديه بعض المدخرات، أو أنه يجيد عمله ولديه مصدر دخل. عندما يحتاج أبناؤه إلى بعض المال، يمكنه مساعدتهم قليلًا إذا كان قادرًا على ذلك. أما إذا لم يكن قادرًا على ذلك، فليس من الضروري أن يتخلى عن كل ممتلكاته أو أن يقترض المال من أحد المرابين لمساعدة أبنائه، بل عليه فحسب أن يفعل كل ما هو في نطاق قدراته للوفاء بالمسؤوليات التي تقع على عاتقه في إطار القرابة. ليس هناك حاجة لأن يبيع كل ما يملك، أو أن يبيع كليته أو دمه، أو أن يعمل حتى الموت لمساعدة أولاده. حياتك ملك لك، وقد وهبها الله لك، ولديك مهامك الخاصة. أنت تمتلك هذه الحياة لكي تتمكن من تتميم تلك المهام. أبناؤك أيضًا يمتلكون حياتهم كي يتمكنوا من إكمال مسارات حياتهم وإتمام مهامهم في الحياة، وليس لكي يكونوا بارين بك. لذلك، بغض النظر عما إذا كان الأبناء راشدين أم لا، فإن حياة الآباء والأمهات ملك للآباء والأمهات أنفسهم، وليست ملكًا لأبنائهم. بطبيعة الحال، الآباء ليسوا مربيين مجانيين لأبنائهم أو عبيدًا لهم. بغض النظر عن توقعات الآباء لأبنائهم، ليس من الضروري أن يسمحوا لأبنائهم أن يأمروهم بشكل تعسفي دون أي مقابل، أو أن يصبحوا خدمًا لأبنائهم أو مربيين أو عبيدًا. مهما كانت مشاعرك تجاه أبنائك، فأنت لا تزال شخصًا مستقلًا. لا ينبغي لك أن تتحمل المسؤولية عن حياتهم الراشدة كما لو كان من الصواب تمامًا أن تفعل ذلك، لمجرد أنهم أولادك. لا حاجة للقيام بذلك. إنهم راشدون، وأنت قد أوفيت بالفعل بمسؤوليتك في تربيتهم. وبخصوص ما إذا كانوا سيعيشون حياة جيدة أو سيئة في المستقبل، وما إذا كانوا سيصبحون أغنياء أو فقراء، وما إذا كانوا سيعيشون حياة سعيدة أو تعيسة، فهذا شأنهم الخاص. هذه الأشياء لا علاقة لها بك. أنت لست ملزمًا بصفتك أبًا أو أمًا بتغيير تلك الأشياء. إذا كانت حياتهم غير سعيدة، فأنت لست ملزمًا بأن تقول: "أنت تعس؛ سأفكر في طرق لإصلاح ذلك، سأبيع كل ما أملك، سأستنفذ كل طاقتي في الحياة لأجعلك سعيدًا". القيام بذلك ليس أمرًا ضروريًا. ليس عليك سوى الوفاء بمسؤولياتك، وهذا كل شيء. إذا كنت تريد مساعدته، فيمكنك أن تسأله عن سبب تعاسته، وتساعده في فهم المشكلة على المستوى النظري والنفسي. إن قبل مساعدتك له، فسيكون هذا أفضل. وإذا لم يقبل، فما عليك سوى الوفاء بمسؤولياتك كأب أو أم، وهذا كل شيء. إذا كان أبناؤك يريدون المعاناة، فهذا شأنهم. لا داعي لأن تقلق أو أن تشعر بالانزعاج حيال هذا الأمر، أو ألا تتمكن من الأكل بشكل سليم أو النوم بشكل سليم؛ فالقيام بذلك سيكون أمراً مبالغًا فيه. لماذا سيكون مبالغًا فيه؟ لأنهم راشدون. ينبغي أن يتعلموا إدارة كل ما يواجهونه في حياتهم بأنفسهم. إذا كنت تشعر بالقلق عليهم، فهذه مجرد مودة؛ وإذا كنت لا تشعر بالقلق عليهم، فهذا لا يعني أنك بلا قلب، أو أنك لم تفِ بمسؤولياتك. إنهم راشدون، والراشدون يجب أن يواجهوا مشكلات الراشدين ويتعاملوا مع كل ما يجب على الراشدين التعامل معه. لا يجب أن يعتمدوا على والديهم في كل شيء. وبالطبع، لا يجب على الآباء والأمهات أن يحمّلوا أنفسهم مسؤولية ما إذا كانت الأمور تسير على ما يرام في وظائف أبنائهم، أو حياتهم المهنية، أو أسرهم، أو زيجاتهم بعد بلوغهم سن الرشد. يمكنك أن تشعر بالقلق حيال هذه الأمور، ويمكنك أن تستفسر عنها، ولكن لا داعي لأن تتولى أنت المسؤولية الكاملة عنها، فتربط أبناءك إلى جانبك، وتأخذهم معك أينما ذهبت، وتراقبهم أينما ذهبت، وتفكر فيهم: "هل يأكلون جيدًا اليوم؟ هل هم سعداء؟ هل عملهم يسير على ما يرام؟ هل يقدرهم رئيسهم في العمل؟ هل يحبهم أزواجهم؟ هل أطفالهم مطيعون؟ هل يحصل أطفالهم على درجات جيدة؟ ما علاقة هذه الأمور بك؟ يمكن لأبنائك أن يحلوا مشكلاتهم بأنفسهم، ولا داعي لأن تنخرط أنت في ذلك. لماذا أسأل ما علاقة هذه الأمور بك؟ أعني بذلك أن هذه الأمور لا علاقة لها بك. لقد وفيت بمسؤولياتك تجاه أبنائك، وربيتهم حتى أصبحوا راشدين، لذا عليك أن تتراجع. عندما تفعل ذلك، فلن يعني هذا أنه لن يكون لديك ما تفعله. لا يزال هناك الكثير من الأشياء التي يتعين عليك القيام بها. فيما يتعلق بالمهام التي يجب عليك إتمامها في هذه الحياة، فبخلاف تربية أبنائك حتى يصبحوا راشدين، لديك أيضًا مهام أخرى يجب أن تتممها. بخلاف كونك أبًا أو أمًا لأبنائك، أنت كائن مخلوق. ينبغي عليك أن تأتي أمام الله وتقبل واجبك منه. ما هو واجبك؟ هل أتممته؟ هل كرست نفسك له؟ هل شرعت في طريق الخلاص؟ هذه هي الأمور التي يجب أن تفكر فيها. وبالنسبة إلى حيث سيذهب أبناؤك بعد أن يصبحوا راشدين، وكيف ستكون حياتهم، وكيف ستكون ظروفهم، وهل سيشعرون بالسعادة والبهجة، فليس لهذه الأمور علاقة بك. أبناؤك مستقلون بالفعل، عمليًا وعقليًا على حدٍ سواء. ينبغي عليك أن تدعهم يكونوا مستقلين، ويجب أن تتخلى، ويجب ألا تحاول السيطرة عليهم. سواء فيما يتعلق بالجانب العملي أو المودة أو القرابة الجسدية، فقد وفيت بمسؤولياتك بالفعل، ولم تعد توجد أي علاقة بينك وبين أبنائك. لا توجد علاقة بين مهامهم ومهامك، ولا توجد علاقة بين مسارات الحياة التي يسلكونها وبين توقعاتك. لقد انتهت توقعاتك لهم ومسؤولياتك تجاههم. بطبيعة الحال، لا ينبغي أن تكون لديك توقعات لهم. إنهم هم، وأنت هو أنت. إذا لم يتزوج أبناؤك، فإنكم من جهة مصائركم ومهامكم أفراد مستقلون وغير مرتبطين على الإطلاق. إذا تزوجوا فعلًا وأسسوا أسرهم الخاصة، فإنَّ أسرتك وأسرهم ليس بينها أي صلة إطلاقًا. أبناؤك لهم عاداتهم المعيشية وأنماط حياتهم، ولهم احتياجاتهم فيما يتعلق بجودة حياتهم، ولديك عاداتك المعيشية واحتياجاتك فيما يتعلق بجودة حياتك. لك مسارك في الحياة ولهم مساراتهم في الحياة. لك مهامك، ولهم مهامهم. بالطبع، لديك إيمانك ولديهم إيمانهم. إذا كان إيمانهم يكمن في المال والجاه والمكسب، فأنتم أناس مختلفون تمام الاختلاف. إذا كان لديهم إيمانك نفسه، وإذا كانوا يسعون إلى الحق ويسيرون في طريق الخلاص، فأنتم بطبيعة الحال لا تزالون أشخاصًا مختلفين تمامًا. أنت هو أنت، وهم هم. يجب ألا تتدخل فيما يتعلق بالطرق التي يسلكونها. يمكنك أن تدعمهم وتساعدهم وتعولهم، ويمكنك أن تذكِّرهم وتحثهم لكنك لست بحاجة إلى التدخل أو الانخراط. لا أحد يمكنه أن يحدد نوع الطريق الذي سيسلكه شخص آخر، أو نوع الشخص الذي سيصبح عليه، أو نوع المساعي التي ستكون لديه. فكروا في الأمر؛ على أي أساس أجلس هنا وأدردش معكم وأتحدث إليكم عن كل هذه الأشياء؟ على أساس استعدادكم للإصغاء. أنا أتحدث لأنكم على استعداد للإصغاء إلى نصائحي الجادة. إن لم تكونوا راغبين في الاستماع، أو غادرتم، فما كنت لأقول المزيد. يعتمد عدد الكلمات التي أتحدث بها على ما إذا كنتم على استعداد للاستماع إليها أم لا، وما إذا كنتم على استعداد لإنفاق وقتكم وطاقتكم للقيام بذلك. لو أنك قلت: "أنا لا أفهم ما تقوله، هل يمكنك التوضيح بمزيد من التفاصيل؟" لبذلتُ قصارى جهدي للتوضيح بمزيد من التفاصيل، لتمكينك من فهم كلامي والدخول فيه. وعندما أكون قد وضعتك على الطريق الصحيح، وجلبتك أمام الله والحق، ومكَّنتك من فهم الحق واتباع طريق الله، ستكون مهمتي قد اكتملت. رغم ذلك، فيما يتعلق بما إذا كنت سترغب في ممارسة كلامي بعد أن تسمعه، أو نوع الطريق الذي ستسلكه، أو نوع الحياة التي ستختارها، أو ما ستسعى إليه، فهذه الأمور لا تخصني. لو قلتَ: "لديَّ سؤال يتعلق بهذا الجانب من الحق، وأريد أن أطلب بشأنه"، إذًا لأجبت عن سؤالك بصبر. إذا لم ترغب أبدًا في طلب الحق، فهل سأهذبك بسبب ذلك؟ لن أفعل. لن أجبرك على طلب الحق، ولن أتهكم عليك وأسخر منك، ومن المؤكد أنني لن أعاملك ببرود. سأتصرف كما كنت أتصرف من قبل. إذا أخطأت في واجبك أو تسببت عمدًا في عرقلة أو إزعاج، فلديَّ مبادئي وأساليبي للتعامل معك. ورغم ذلك، يمكنك أن تقول: "لا أريد أن أسمعك تتحدث عن هذه الأشياء، ولست على استعداد لقبول آرائك تلك. سأستمر في أداء واجبي بالطريقة التي كنت أؤديه بها دائمًا". حينئذٍ، يجب عليك عدم انتهاك المبادئ أو المراسيم الإدارية. إذا انتهكت المراسيم الإدارية بالفعل، فسأتعامل معك. لكن إذا لم تنتهك المراسيم الإدارية، وكان بوسعك أن تحسن التصرف بينما تعيش حياة الكنيسة، فلن أتدخل معك، حتى لو لم تسع إلى الحق. لن أتدخل عندما يتعلق الأمر بحياتك الشخصية أو ما تريد أن تأكله أو تلبسه أو أي الأشخاص تريد التعامل معهم. أنا أمنحك الحرية في هذه الأمور. لماذا؟ لقد تحدثت إليك بوضوح عن جميع المبادئ والمحتوى بخصوص هذه الأمور. والباقي يعتمد على اختياراتك الحرة. يعتمد الطريق الذي تختار السير فيه على نوع شخصيتك؛ هذا أمر واضح. إذا لم تكن شخصًا يحب الحق، فمن بإمكانه إجبارك على حبه؟ في نهاية المطاف، كل شخص سيتحمل مسؤولية الطريق الذي يسير فيه، والنتائج التي سيأتي بها. لست بحاجة إلى تحمل مسؤولية ذلك. إذا سعيت إلى الحق، فأنت تفعل ذلك طواعيةً. وإذا لم تسع إلى الحق، فأنت تفعل ذلك أيضًا طواعيةً؛ لا أحد يمنعك. إذا سعيت بالفعل إلى الحق، فلن يشجعك أحد ولن تُمنح نعمة خاصة أو بركات مادية. أنا فقط أؤدي مسؤولياتي وأتممها، وأخبركم بكل الحقائق التي ينبغي أن تفهموها وتحتاجون إلى الدخول فيها. أما كيف تعيشون حياتكم الخاصة، فأنا لم أستفسر عن هذا الأمر قط أو أتطفل لمعرفته. هذا هو الموقف الذي أملكه. الآباء والأمهات أيضًا يجب أن يتصرفوا على هذا النحو تجاه أبنائهم. يمتلك الراشدون القدرة على معرفة الصواب من الخطأ. ما إذا كانوا يختارون الصواب أم الخطأ، وما إذا كانوا يختارون الأبيض أم الأسود، وما إذا كانوا يختارون الأشياء الإيجابية أو السلبية – هو شأنهم الخاص؛ هذا يعتمد على احتياجاتهم الداخلية. إذا كان جوهر الشخص شريرًا، فلن يختار الأشياء الإيجابية. إذا كان الشخص يسعى جاهدًا إلى أن يكون صالحًا، ويمتلك الإنسانية ووعي الضمير والحس بالخزي، فسيختار الأشياء الإيجابية؛ حتى وإن كان بطيئًا بعض الشيء في القيام بذلك، فإنه في النهاية سوف يسلك الطريق الصحيح. هذا أمر حتمي. لذلك، يجب على الآباء والأمهات أن يتحلوا بهذا النوع من المواقف تجاه أبنائهم، وألا يتدخلوا في اختيارات أبنائهم. متطلبات بعض الآباء والأمهات من أبنائهم هي: "يجب على أبنائنا أن يسلكوا الطريق الصحيح، وينبغي أن يؤمنوا بالله، وينبذوا العالم الدنيوي، ويتخلوا عن وظائفهم. وإلا، فعندما ندخل الملكوت، لن يتمكنوا هم من دخوله، وسننفصل عنهم. سيكون من الرائع جدًا أن تدخل عائلتنا كلها الملكوت معًا! يمكننا أن نكون معًا في السماء، كما نحن هنا على الأرض. لا ينبغي أن نترك بعضنا بعضًا، ويجب أن نبقى معًا على مر العصور!" بعد ذلك، يتبين لهم أن أبناءهم لا يؤمنون بالله، وأنهم بدلاً من ذلك يسعون وراء الأمور الدنيوية، ويسعون لكسب الكثير من المال، وأن يصبحوا أثرياء جدًا؛ هم يلبسون كل ما هو موضة، ويفعلون كل ما هو رائج ويتحدثون عنه، ولا يحققون رغبات آبائهم. ونتيجة لذلك، يشعر هؤلاء الآباء بالانزعاج، ويصلون ويصومون بسبب ذلك؛ يصومون أسبوعًا أو عشرة أيام أو أسبوعين، ويبذلون الكثير من الجهد من أجل أولادهم في هذا الأمر. غالبًا ما يكونون جوعى للغاية لدرجة أنهم يشعرون بالدوار، وكثيرًا ما يصلُّون أمام الله بينما ينتحبون. لكن مهما صلوا ومهما بذلوا من جهد، فإن أولادهم لا يتأثرون ولا يعرفون أن يستيقظوا. وكلما أمعن أولادهم في رفض الإيمان، فكر هؤلاء الآباء والأمهات: "أواه، لقد خذلت أولادي، لقد خذلتهم. لم أستطع أن أبشِّرهم بالإنجيل، ولم أجلبهم معي إلى طريق الخلاص. هؤلاء الحمقى؛ إنه طريق البركات!". إنهم ليسوا حمقى؛ هم فقط لا يملكون هذا الاحتياج. الحمقى هم هؤلاء الآباء لمحاولتهم إجبار أبنائهم على هذا الطريق، أليس كذلك؟ لو كان لدى أبنائهم هذا الاحتياج، هل كان ليصبح من الضروري أن يتحدث هؤلاء الآباء عن هذه الأشياء؟ كان أبناؤهم سيؤمنون من تلقاء أنفسهم. يفكر هؤلاء الآباء دائمًا: "لقد خذلت أبنائي. لقد شجعتهم على الالتحاق بالجامعة منذ صغرهم، ومنذ التحاقهم بالجامعة لم يتراجعوا. إنهم لم يتوقفوا عن السعي وراء الأمور الدنيوية، وكلما عادوا إلى المنزل لا يتكلمون سوى عن العمل وكسب المال، وعمَّن حصل على ترقية أو اشترى سيارة، ومَن تزوج بأحد الأثرياء، ومَن ذهب إلى أوروبا لإجراء دراسات متقدمة أو ليكون طالبًا في أحد برامج التبادل، ويتحدثون عن مدى روعة حياة الآخرين. يتحدثون عن هذه الأشياء عندما يعودون إلى المنزل، وأنا لا أريد أن أسمعها، لكن لا يوجد شيء يمكنني فعله حيال ذلك. مهما قلت لأحاول جعلهم يؤمنون بالله، فإنهم يظلون لا يستمعون". وبالتالي، يتشاجرون مع أبنائهم. وكلما رأوا أبناءهم اسودت وجوههم؛ وكلما تحدثوا إلى أبنائهم ارتسم على تعبيراتهم الاستياء. بعض الأبناء لا يعرفون ماذا يفعلون، ويفكرون: "لا أعرف ما خطب والديَّ. إذا كنت لا أؤمن بالله، فهذا هو الأمر فحسب. لماذا يعاملانني دائمًا بهذا الأسلوب؟ ظننت أنه كلما زاد إيمان الشخص بالله، أصبح شخصًا أفضل. كيف يمكن للمؤمنين بالله أن يكون لديهم هذا القدر القليل جدًا من المودة تجاه عائلاتهم؟" هؤلاء الآباء والأمهات قلقون للغاية على أطفالهم لدرجة أن أحد أوعيتهم الدموية سيوشك على الانفجار، ويقولون: "هؤلاء ليسوا أبنائي! أنا أقطع علاقتي بهم، أنا أتبرأ منهم!". يقولون ذلك، لكن ليس هذا ما يشعرون به حقًا. أليس مثل هؤلاء الآباء والأمهات حمقى؟ (بلى). إنهم يريدون دائمًا السيطرة والاستحواذ على كل شيء، يرغبون دائمًا في السيطرة على مستقبل أبنائهم وإيمانهم والطرق التي يسيرون فيها. هذه حماقة كبيرة! إنه غير لائق. وعلى وجه الخصوص، يوجد بعض الأبناء الذين يسعون وراء الأمور الدنيوية، والذين يترقون إلى مناصب إدارية ويجنون الكثير من المال. وهم يجلبون أكوامًا ضخمة من الجينسنغ والأقراط الذهبية والقلائد الذهبية إلى والديهم كهدايا، فيقول والداهم: "أنا لا أريد هذه الأشياء، أنا فقط أتمنى أن تنعم بصحة جيدة، وأن تتبعني في الإيمان بالله. كم أنَّ الإيمان بالله شيء رائع!". يقول الأبناء: "لا تبدئي بذلك. لقد ترقيت، ولم تفعلي حتى أي شيء لتهنئتي. عندما يسمع آباء الآخرين وأمهاتهم أن أبناءهم قد نالوا ترقية، يفتحون زجاجات الشمبانيا، ويخرجون لتناول وجبات كبيرة، ولكن عندما أشتري لكِ قلادات وأقراط، لا تكوني سعيدة. بأي طريقة خذلتك؟ أنتما عابسان فقط لأنني لا أؤمن بالله". هل يحق لهؤلاء الآباء أن يعبسوا هكذا؟ الناس لديهم مساعٍ مختلفة، ويسيرون في مسارات مختلفة، ويختارون هذه المسارات بأنفسهم. يجب على الآباء التعامل مع هذا الأمر بشكل صحيح. إذا كان أطفالك لا يعترفون بوجود الله، فلا يجب أن تطالبهم أنت بالإيمان بالله؛ فالإجبار لا يجدي نفعًا أبدًا. إذا كانوا لا يريدون أن يؤمنوا بالله، ولم يكونوا من ذلك النوع من الأشخاص، فكلما ذكرت الأمر زاد إزعاجهم لك وستزعجهم أنت أيضًا؛ ستشعران كلاكما بالانزعاج. لكن شعور كليكما بالانزعاج ليس هو المهم؛ الأهم هو أن الله سيبغضك، وسيقول إن مودتك أقوى من اللازم. بما أنك قادر على دفع مثل هذه الأثمان الباهظة لمجرد أن أبناءك لا يؤمنون بالله، وأنت منزعج للغاية من سعيهم وراء الأشياء الدنيوية؛ إذا أخذهم الله يومًا ما، فماذا ستفعل عندئذٍ؟ هل ستتذمر من الله؟ إذا كان أبناؤك، في قلبك، هم كل شيء بالنسبة إليك، إذا كانوا هم مستقبلك، ورجاءك، وحياتك، فهل لا تزال شخصًا يؤمن بالله؟ ألن يبغض الله تصرفك على هذا النحو؟ إن الطريقة التي تتصرف بها غير حكيمة بالمرة، وتتعارض مع المبادئ، ولن يرضى الله بها. لذلك، إذا كنت حكيمًا، فلن تفعل هذه الأشياء. إن لم يكن أبناؤك مؤمنين، فعليك أن تترك هذا الأمر. لقد قدمت كل الحجج التي يجب عليك تقديمها، وقلت ما يُفترَض بك قوله، فدعهم يختارون بأنفسهم. حافظ على العلاقة التي كانت تربطك بأبنائك من قبل. إذا أرادوا أن يكونوا بارين بك، وإذا أرادوا أن يعتنوا بك ويهتموا بك، فلا داعي لأن ترفض هذا. إذا كانا يريدان اصطحابك في رحلة إلى أوروبا، لكن ذلك يعوق أداء واجبك، وأنت لا تريد الذهاب، فلا تذهب. ولكن إذا أردت الذهاب، وكان لديك الوقت لذلك، فاذهب. ليس ثمة عيب في توسيع آفاقك. لن تتلوث يداك بهذا، ولن يدينه الله. إذا اشترى أبناؤك بعض الأشياء الجميلة لك، بعض الأطعمة أو الملابس الجميلة، ورأيت أنه من اللائق أن يلبسها أو يستخدمها أحد القديسين، فاستمتع بها، واعتبرها نعمة من الله. إذا كنت تحتقر هذه الأشياء، وإذا كنت لا تستمتع بها، وإذا كنت تعتقد أنها مسببة للمتاعب ومقززة، كونك لا ترغب في الاستمتاع بها، فيمكنك رفضها قائلاً: "أنا سعيد برؤيتكم فحسب، لستم بحاجة إلى أن تجلبوا لي الهدايا أو تنفقوا عليَّ المال، فأنا لست بحاجة إلى تلك الأشياء. أنا فقط أريدكم أن تكونوا آمنين وسعداء". أليس هذا رائعاً؟ إذا قلت هذه الكلمات، وآمنت بهذه الأشياء في قلبك، إذا كنت حقًا لا تطلب من أبنائك أن يوفروا لك أي وسائل راحة مادية، أو أن يساعدوك على أن تنعم في خيرهم، فسيُعجَب بك أبناؤك، أليس كذلك؟ وبالنسبة إلى أية صعوبات تواجههم في عملهم أو حياتهم، فابذل قصارى جهدك لمساعدتهم متى استطعت. إذا كانت مساعدتهم ستؤثر في أدائك لواجبك، فيمكنك الرفض؛ هذا حقك. يمكنهم إدارة حياتهم بأنفسهم لأنك لم تعد مدينًا لهم بأي شيء، ولأنه لم يعد لديك أي مسؤوليات تجاههم، ولأنهم بالفعل راشدون مستقلون. لست بحاجة إلى خدمتهم دون قيد أو شرط أو في جميع الأوقات. إذا طلبوا مساعدتك، ولم تكن راغبًا في مساعدتهم، أو إذا كان ذلك سيعيق أداءك لواجبك، فيمكنك أن ترفض. هذا حقك. على الرغم من أن لك صلة دم بهم، وأنك أبوهم أو أمهم، فليست هذه سوى علاقة شكلية وعلاقة دم ومودة؛ فيما يتعلق بمسؤولياتك، فقد تحررت بالفعل من العلاقة معهم. لذا، إذا كان الآباء والأمهات حكماء، فلن تكون لديهم أي توقعات أو متطلبات أو معايير لأبنائهم بعد بلوغهم سن الرشد، ولن يطلبوا من أبنائهم أن يتصرفوا بطريقة معينة أو أن يقوموا بأشياء معينة من منظور الوالدين أو موقفهما، لأن أبناءهم مستقلون بالفعل. عندما يكون أبناؤك مستقلين فهذا يعني أنك قد وفَّيت جميع مسؤولياتك تجاههم. لذا، مهما كان ما تقوم به لأبنائك عندما تسمح الظروف، سواء أظهرت لهم العناية والرعاية، فليست هذه سوى مودة، وهي زائدة عن الحاجة. أو إذا طلب منك أبناؤك أن تفعل شيئًا ما، فهذا أيضًا زائد عن الحاجة، وليس شيئًا يتوجب عليك فعله. ينبغي أن تفهم هذا. هل هذه الأمور واضحة؟ (نعم).

لنفترض أن أحدكم سيقول: "لا يمكنني أبدًا أن أتخلى عن أبنائي. لقد ولدوا ببنى ضعيفة، وهم جبناء وخجولون بالفطرة، كما أنهم لا يتمتعون بمستوى قدرات جيد جدًا، ودائمًا ما يستقوي عليهم آخرون في المجتمع. لا يمكنني التخلي عنهم". عدم قدرتك على التخلي عن أبنائك لا يعني أنك لم تنتهِ من تتميم مسؤولياتك تجاههم، بل هو محض تأثير نابع من مودتك. ربما تقول: "أنا دائمًا قلق وأفكر فيما إذا كان أبنائي يأكلون جيدًا، أو ما إذا كانوا يعانون من أي مشكلات في المعدة. إذا لم يتناولوا وجبات الطعام في الأوقات المناسبة واستمروا في طلب الوجبات الجاهزة على المدى الطويل، فهل سيصابون بمشكلات في المعدة؟ هل سيصابون بمرض ما؟ وإذا مرضوا، فهل سيجدون من يعتني بهم ويحبهم؟ هل يهتم بهم أزواجهم وزوجاتهم ويعتنون بهم؟" إن همومك تنشأ ببساطة من مودتك ورابطة الدم التي تربطك بأبنائك، لكن هذه ليست مسؤولياتك. المسؤوليات التي حمَّلها الله للآباء والأمهات هي فقط مسؤوليات تربية أبنائهم ورعايتهم قبل بلوغهم سن الرشد. بعد أن يصبح أبناؤهم راشدين، لا يعود للوالدين أي مسؤوليات تجاههم. هكذا يُنظر إلى المسؤوليات التي يجب على الوالدين الوفاء بها من منظور تعيين الله. هل تفهم هذا؟ (نعم). مهما تبلغ قوة مشاعرك، أو عندما تتحرك غرائزك الأبوية، فإن هذا ليس وفاءً بمسؤولياتك، بل هو تأثير مشاعرك فحسب. إنَّ تأثيرات مشاعرك لا تنبثق من عقل الإنسانية أو من المبادئ التي علَّمها الله للإنسان، أو من خضوع الإنسان للحق، وهي بالتأكيد لا تنبثق من مسؤوليات الإنسان، بل من مشاعر الإنسان؛ إنها تسمى مشاعر. ثمة القليل فقط من المحبة الأبوية والقرابة ممزوج بهذا. لأنهم أبناؤك، فإنك تقلق عليهم باستمرار، وتتساءل عما إذا كانوا يعانون، وعما إذا كانوا يتعرضون للتنمر. تتساءل عما إذا كان عملهم يسير على ما يرام، وما إذا كانوا يتناولون وجباتهم في الأوقات المناسبة. تتساءل عما إذا كانوا قد أصيبوا بمرض ما، وما إذا كانوا سيستطيعون تحمل تكاليف فواتير علاجهم إذا مرضوا. غالبًا ما تفكر في هذه الأمور، وهي أشياء لا علاقة لها على الإطلاق بمسؤولياتك بصفتك والدًا. إذا لم تستطع التخلي عن هذه المخاوف، فلا يمكن القول سوى إنك تعيش وسط مشاعرك، وإنك غير قادر على انتشال نفسك منها. أنت تعيش فحسب وسط مشاعرك، وتتعامل مع أبنائك وفقًا لمشاعرك، بدلًا من أن تعيش وفقًا لتعريف مسؤوليات الأبوة الممنوحة لك من الله. أنت لا تعيش وفقًا لكلام الله، بل تشعر بكل هذه الأمور وتراها وتتعامل معها وفقًا لمشاعرك. هذا يعني أنك لا تتبع طريق الله. هذا واضح. لقد انتهت مسؤولياتك الأبوية – كما علمك الله إياها – في اللحظة التي بلغ فيها أبناؤك سن الرشد. أليست طريقة الممارسة التي علمك الله إياها سهلة وبسيطة؟ (إنها كذلك). إذا مارست وفقًا لكلام الله، فلن تنخرط في ممارسات لا طائل منها، وستمنح أبناءك قدرًا معينًا من الحرية، وفرصة لتطوير أنفسهم، دون أن تتسبب لهم في أي متاعب أو عناء إضافي، أو أن تضع عليهم أي أعباء إضافية. وبما أنهم راشدون، فإن القيام بذلك سيسمح لهم بمواجهة العالم وحياتهم ومختلف المشكلات التي يواجهونها في حياتهم اليومية ووجودهم من منظور الراشدين، وبأساليب الراشدين المستقلة في التعامل مع الأمور والنظر إلى الأشياء، ونظرة الراشدين المستقلة للعالم. هذه هي حريات أبنائك وحقوقهم، وعلاوةً على ذلك، هذه هي الأشياء التي يجب أن يقوموا بها كراشدين، وهذه الأشياء لا علاقة لها بك. إذا كنت ترغب دائمًا في الانخراط في هذه الأمور، فهذا مثير للغثيان. إذا كنت تريد دائمًا أن تقحم نفسك عمدًا في هذه الأمور وتتدخل فيها، فستكون قد تسببت في إزعاجهم وتدميرهم، وفي النهاية، إضافة إلى أن الأمور ستسير على عكس رغباتك، فإنك أيضًا ستجعل أولادك يشعرون بالنفور منك، وحياتك أيضًا ستكون متعبة جدًا. في النهاية، ستمتلئ بالشكاوى وتتذمر من أن أولادك ليسوا بارين بك أو مطيعين أو مراعين لك، وستتذمر من أنهم ناكرون للجميل جاحدون وغير مقدِّرين وغير مهتمين. يوجد بعض الآباء الوقحين وغير العقلانيين الذين يبكون أيضًا ويثيرون ضجة ويهددون بقتل أنفسهم، مستخدمين أي حيل يستطيعون استخدامها. هذا أكثر إثارة للاشمئزاز، أليس كذلك؟ (بلى). إذا كنتَ حكيمًا، فستسمح للأمور بأن تأخذ مجراها الطبيعي، وتعيش حياتك بطريقة مريحة، وتتمم مسؤولياتك الأبوية فقط. إذا كنت تقول إنك تريد رعاية أطفالك وإظهار بعض الاهتمام بهم من أجل المودة، فإن إظهار الاهتمام اللازم لهم أمر مباح. أنا لا أقول إنه يجب على الآباء والأمهات أن يقطعوا علاقتهم بأبنائهم بمجرد أن يصبح الأبناء راشدين ويكون الآباء قد أوفوا بمسؤولياتهم. لا ينبغي على الآباء أن يهملوا أبناءهم الراشدين تمامًا، ولا ينبغي أن يقولوا لهم أن يبتعدوا بأنفسهم، أو أن يتجاهلوهم مهما كانت الصعوبات التي يواجهونها – حتى عندما تدفع تلك الصعوبات بأبنائهم إلى حافة الموت – أو أن يرفضوا تقديم يد العون لأبنائهم عندما يكونون بحاجة إلى والديهم. هذا أيضًا خطأ؛ هذا تطرف. عندما يحتاج أبناؤك إلى أن يأتمنوك على أسرارهم، يجب عليك أن تصغي إليهم، وبعد الاستماع إليهم، ينبغي أن تسألهم عما يفكرون فيه وما ينوون فعله. يمكنك أيضًا تقديم اقتراحاتك الخاصة. إذا كانت لديهم أفكارهم وخططهم الخاصة، ولم يتقبلوا اقتراحاتك، فقل لهم فحسب: "حسنًا. بما أنك قد اتخذت قرارك بالفعل، فأي عواقب ستنتج عن ذلك في المستقبل ستتحملها وحدك. هذه حياتك. عليك أن تسير في مسار حياتك وتنهيه. لا يمكن لأحد آخر أن يتحمل مسؤولية حياتك. إذا كنت قد اتخذت قرارك، فسأدعمك. إذا كنت بحاجة إلى المال، فيمكنني أن أعطيك القليل منه. إذا كنت بحاجة إلى مساعدتي، فيمكنني مساعدتك في حدود قدراتي. أنا والدك رغم كل شيء، لذا لا داعي لقول المزيد. لكن إذا قلت إنك لا تحتاج إلى مساعدتي إياك أو إلى مالي، وإنك تحتاج مني فقط أن أسمعك، فهذا أسهل". حينئذٍ ستكون قد قلت ما كان يتعين عليك قوله، وسيكون هو قد قال ما كان يتعين عليه قوله، وسيكون قد أفرغ كل ما لديه من شكاوى، ونفَّس عن كل غضبه. سيمسح دموعه، وسيذهب ليفعل ما يتعين عليه فعله، وستكون قد تممت مسؤولياتك كوالد. يُفعَل هذا من أجل المودة؛ هذا ما يسمى بالمودة. ولمَ هذا؟ لأنك، بصفتك والدًا، ليس لديك أي مقاصد خبيثة تجاه أبنائك. أنت لن تؤذيهم أو تتآمر عليهم أو تتهكم عليهم، وبالتأكيد لن تسخر منهم لضعفهم وعجزهم. يمكن لأبنائك البكاء والتنفيس والتذمر أمامك دون قيود، كما لو كانوا أطفالًا صغارًا؛ يمكن أن يكونوا مدللين أو عابسين أو عنيدين، لكن، بعد أن ينتهوا من التنفيس عن عواطفهم وعن عبوسهم وعنادهم، عليهم أن يقوموا بما يتعين عليهم القيام به، وأن يتعاملوا مع كل ما هو موجود أمامهم. إذا تمكنوا من تحقيق ذلك دون أن تفعل لهم أي شيء أو تقدم لهم أي مساعدة، فهذا جيد جدًا، وسيكون لديك حينئذٍ وقت فراغ أكبر، أليس كذلك؟ وبما أن أبناءك قد قالوا هذه الأشياء، يجب أن يكون لديك بعض الوعي الذاتي. لقد كبر أبناؤك وأصبحوا مستقلين. لقد أرادوا فقط التحدث معك حول هذا الأمر، ولم يطلبوا أن تساعدهم. إذا لم يكن لديك بعض الإدراك، فقد تفكر: "هذه مسألة مهمة. إن إخبارك لي بها يدل على احترامك لي، ألا ينبغي إذًا أن أقدم لك بعض المشورة بشأنها؟ ألا ينبغي أن أساعدك في اتخاذ قرار؟" هذا يُسمى مبالغة في تقدير قدراتك الخاصة. كان أبناؤك يتحدثون معك ببساطة عن هذا الأمر، لكنك تتعامل مع نفسك كما لو كنت شخصية مهمة. هذا غير لائق. لقد أخبرك أبناؤك عن هذا الأمر لأنك والدهم، وهم يحترمونك ويثقون بك. في واقع الأمر، كانت لديهم أفكارهم الخاصة بشأن هذا الموضوع لبعض الوقت، لكنك الآن لا تفتأ ترغب في التدخل في الأمر. هذا غير لائق. أبناؤك يثقون بك، ويجب أن تكون جديرًا بتلك الثقة. ينبغي أن تحترم قرارهم ولا تنخرط في الأمر أو تتدخل فيه. إذا أرادوا منك الانخراط، فيمكنك أن تفعل ذلك. ولنفترض أنه عندما تنخرط في الأمر، تدرك الآتي: "هذه متاعب كبيرة! سيؤثر هذا في أدائي لواجبي. لا يمكنني حقًا أن أنخرط في هذا الأمر؛ بصفتي مؤمنًا بالله، لا يمكنني القيام بهذه الأشياء". حينئذٍ، يجب عليك أن تسارع إلى الابتعاد عن هذا الأمر. لنفترض أنهم لا يزالون يريدونك أن تتدخل، وأنت تفكر: "لن أتدخل. ينبغي عليك أن تتعامل مع هذا الأمر بنفسك. لقد كان لطفًا كافيًا مني أن أستمع إليك تنفِّس عن هذه الشكوى وكل هذا الهراء. لقد أوفيت بالفعل بمسؤولياتي الأبوية. لا يمكنني التدخل في هذا الأمر على الإطلاق. هذه حفرة نار، ولن أقفز فيها. تفضل واقفز فيها بنفسك إن أردت". أليس هذا مناسبًا؟ هذا يسمى اتخاذ موقف. يجب ألا تتخلى أبدًا عن المبادئ أو عن موقفك. هذه هي الأشياء التي يتعين على الآباء القيام بها. هل فهمت هذا؟ هل من السهل تحقيق هذه الأشياء؟ (نعم). إنها في واقع الأمر سهلة التحقيق، ولكن إذا كنت تتصرف دائمًا وفقًا لمشاعرك، وإذا كنت دائمًا مُحاصَر وسط مشاعرك، فسيكون من الصعب جدًا عليك تحقيق هذه الأشياء. ستشعر أن القيام بذلك يجعل قلبك يعتصر ألمًا، وأنك لا تستطيع نبذ هذا الأمر، وأنك لا تستطيع تحمله كذلك، أو التقدم إلى الأمام أو التراجع. ما الكلمة التي يمكن استخدامها لوصف ذلك؟ "عالق". سوف تكون عالقًا هناك. أنت ترغب في الاستماع إلى كلام الله وممارسة الحق، لكنك لا تستطيع أن تتخلى عن مشاعرك؛ أنت تحب أبناءك حبًا جمًا، لكنك تشعر أنه ليس من اللائق أن تفعل ذلك، وأن هذا يخالف تعاليم الله وكلام الله؛ أنت في ورطة. عليك أن تختار؛ إما أن تتخلى عن توقعاتك لأبنائك، ولا تعود تحاول أن تتحكم في أبنائك، وبدلًا من ذلك تتركهم يحلقون بحرية، لأنهم راشدون مستقلون، أو يمكنك أن تتبعهم. عليك أن تختار أحد هذين الخيارين. إذا اخترت اتباع طريق الله والاستماع إلى كلام الله، وتخليت عن همومك ومشاعرك تجاه أولادك، فعليك أن تفعل ما يجب على الوالدين فعله، وهو أن تتمسك بموقفك ومبادئك، وأن تمتنع عن فعل الأشياء التي يراها الله كريهة ومقززة. هل يمكنك القيام بذلك؟ (نعم). في الواقع، من السهل القيام بهذه الأشياء. فبمجرد أن تتخلى عن القليل من المودة التي تكِنُّها، يمكنك تحقيق هذه الأشياء. أبسط الطرق هي عدم الانخراط في حياة أبنائك وأن تدعهم يفعلون ما يرغبون في فعله. إذا أرادوا التحدث إليك عن الصعوبات التي يواجهونها، فاستمع إليهم. يكفيك فقط أن تعرف أنه هكذا تسير الأمور. بعد انتهائهم من الحديث، قل: "أنا أسمعك. هل يوجد أي شيء آخر تريد أن تخبرني به؟ إذا كنت تريد شيئًا لتأكله، فيمكنني أن أطبخ لك. إذا لم ترغب في ذلك، فيمكنك العودة إلى المنزل. إذا كنت بحاجة إلى المال، فيمكنني أن أعطيك القليل. إذا كنت بحاجة إلى بعض المساعدة، فسأفعل ما بوسعي. إذا لم يكن بوسعي أن أساعدك، فعليك أن تجد حلاً بنفسك". إذا أصروا على أن تساعدهم فيمكنك أن تقول: "لقد تممنا بالفعل مسؤولياتنا تجاهك. نحن لا نملك سوى هذه القدرات، ويمكنك رؤية ذلك؛ فنحن لسنا بمهارتك. إذا أردت طلب النجاح في العالم، فهذا شأنك، لا تحاول الزج بنا فيه. لقد كبرنا بالفعل، وقد مضى ذلك الوقت بالنسبة إلينا. كانت مسؤوليتنا الأبوية هي أن نربيك فقط حتى تصل لسن الرشد. وبخصوص نوع الطريق الذي تسلكه، وأيًا ما كانت الطريقة التي تريد أن تعبث بها، فلا تقحمنا فيها؛ لن نسايرك. لقد أكملنا بالفعل مهمتنا فيما يتعلق بك. لدينا أمورنا الخاصة، وطرقنا الخاصة في العيش، ومهامنا الخاصة. لا تتعلق مهامنا بالقيام بالأمور من أجلك، ولا نحن نحتاج إلى مساعدتك لنا لإكمالها. سنكمل مهامنا بأنفسنا. لا تطلب منا أن ننخرط في حياتك اليومية أو وجودك. تلك الأمور لا علاقة لنا بها". عبِّر عن نفسك بوضوح، وستكون هذه هي نهاية الأمر؛ يمكنك بعد ذلك التواصل معهم والاتصال بهم ومعرفة أخبارهم حسبما يقتضي الحال. الأمر بهذه البساطة! ما فوائد التصرف بهذه الطريقة؟ (إنه يجعل الحياة سهلة للغاية). على أقل تقدير، ستكون قد تعاملت مع مسألة المحبة الجسدية العائلية بشكل مناسب وصحيح. سيكون عالمك العقلي والروحي في راحة، ولن تقدم أي تضحيات لا داعي لها، أو تدفع أي أثمان إضافية؛ ستكون خاضعًا وسط تنظيمات الله وترتيباته، تاركًا إياه يتولى كل هذه الأشياء. ستكون متمِّمًا لكل ما يجب أن يقوم به الناس من مسؤوليات، ولن تقوم بأي شيء من الأشياء التي لا يجب على الناس القيام بها. لن تمد يدك للانخراط في الأشياء التي لا يجب على الناس القيام بها، وستعيش بحسب الطريقة التي يخبرك الله أن تعيش بها. إن الطريقة التي يأمر الله الناس أن يعيشوا بها هي أفضل طريق، وهي تمكنهم من أن يعيشوا حياة مريحة وسعيدة وفرحة وهادئة للغاية. لكن الأهم من كل ذلك أنه إضافة إلى أن العيش بهذه الطريقة سيتيح لك المزيد من الوقت والطاقة لأداء واجبك بشكل جيد وإظهار التكريس في أداء واجبك، سيكون لديك أيضًا المزيد من الطاقة والوقت لبذل الجهد فيما يتعلق بالحق. وعلى النقيض من ذلك، إذا كانت طاقتك ووقتك مشغولان بمشاعرك وجسدك وأبناؤك ومحبتك لأسرتك، وكانا واقعان في شراك هذه الأشياء، فلن يكون لديك أي طاقة إضافية للسعي إلى الحق. أليس هذا صحيحًا؟ (إنه كذلك).

عندما ينخرط الناس في مسارات مهنية في العالم، فإن كل ما يفكرون فيه هو السعي وراء أشياء مثل الاتجاهات الدنيوية والجاه والربح والمتعة الجسدية. ما الذي يترتب على ذلك؟ يترتب على ذلك أن هذه الأشياء تشغل كل طاقتك ووقتك وشبابك وتستهلكها. هل هي ذات معنى؟ ماذا ستربح منها في النهاية؟ حتى لو ربحت جاهًا ومكسبًا، فسيظل ذلك خواءً. ماذا لو غيرت طريقة عيشك؟ إذا لم ينشغل وقتك وطاقتك وذهنك سوى بالحق والمبادئ، وإذا لم تفكر سوى في الأشياء الإيجابية، مثل كيفية أداء واجبك جيدًا، وكيفية القدوم أمام الله، وإذا بذلت طاقتك ووقتك من أجل هذه الأشياء الإيجابية – حينئذٍ، فإن ما ستربحه سيكون مختلفًا. سيكون ما تربحه هو الفوائد الأكثر جوهرية. ستعرف كيف تعيش، وكيف تتصرف، وكيف تواجه كل نوع من الأشخاص والأحداث والأشياء. فور أن تعرف كيف تواجه كل نوع من الأشخاص والأحداث والأشياء، سيمكنك هذا إلى حد كبير من الخضوع بشكل طبيعي لتنظيمات الله وترتيباته. عندما تتمكن من الخضوع بشكل طبيعي لتنظيمات الله وترتيباته، فإنك دون حتى أن تدرك ذلك، ستصبح شخصًا من النوع الذي يقبله الله ويحبه. فكر في الأمر؛ أليس هذا شيئًا جيدًا؟ ربما لا تعرف هذا بعد، لكن في أثناء عيشك لحياتك، وقبولك لكلام الله ومبادئ الحق، ستتمكن دون أن تعي من أن تعيش وترى الناس والأشياء وتتصرف وتفعل وفقًا لكلام الله. هذا يعني أنك ستخضع لا شعوريًا لكلام الله وستخضع لمتطلباته وتلبيها. حينئذٍ ستكون قد أصبحت بالفعل من نوع الأشخاص الذي يقبله الله ويثق به ويحبه، دون حتى أن تعرف ذلك. أليس هذا رائعًا؟ (إنه كذلك). لذلك، إذا بذلت طاقتك ووقتك في السعي إلى الحق والقيام بواجبك جيدًا، فإن ما ستربحه في النهاية سيكون أثمن الأشياء. وعلى العكس من ذلك، إذا كنت تعيش دائمًا من أجل مشاعرك وجسدك وأبنائك وعملك وجاهك ومكسبك؛ إذا كنت واقعًا على الدوام في شراك هذه الأشياء، فماذا ستربح في النهاية؟ محض فراغ. لن تربح أي شيء على الإطلاق، وستبتعد أكثر فأكثر عن الله، وفي النهاية سيزدريك الله تمامًا. حينئذٍ، ستنتهي حياتك، وستكون قد فقدت فرصتك في الخلاص. لذلك، يجب على الآباء والأمهات أن يتخلوا عن كل مخاوفهم العاطفية وتعلقهم وتشابكاتهم فيما يتعلق بأبنائهم الراشدين، بغض النظر عن توقعاتهم لهم. لا ينبغي أن يضعوا على أبنائهم أي توقعات على مستوى عاطفي انطلاقًا من مكانة الوالدين أو وضعهم. إذا كنت قادرًا على تحقيق هذه الأمور، فهذا رائع! على أقل تقدير، ستكون قد تممت مسؤولياتك بصفتك والدًا، وستكون في نظر الله شخصًا مناسبًا يتصادف فحسب أنه والد. أيًا كان المنظور البشري الذي ترى به هذا الأمر، ثمة مبادئ لما يجب أن يفعله الناس والمنظور والموقف الذي يجب أن يتبنوهما، والله لديه معايير فيما يتعلق بهذه الأشياء، أليس هذا صحيحًا؟ (بلى). لنختتم هنا شركتنا بخصوص توقعات الآباء والأمهات لأبنائهم والمبادئ التي يجب أن يمارسوها عندما يبلغ أبناؤهم سن الرشد. إلى اللقاء!

21 مايو 2023

السابق:  كيفية السعي إلى الحق (17)

التالي:  كيفية السعي إلى الحق (19)

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب

Connect with us on Messenger