22. لقد أدركتُ كيف أتعامل مع لطف والديَّ
حينما كنت في الثالثة من عمري، تطلَّق والداي بسبب عدم توافقهما العاطفي، وحينما كنت في الرابعة من عمري، أصبح لي زوجة أب. في غياهب ذكرياتي البعيدة، أتذكر أن العديد من السيدات المسنات في الحي كثيرًا ما كُنَّ يقلن لي: "يا لك من طفل مسكين، ستعاني فيما بعد، فزوجات الآباء لا يعتنين بأطفالهن أبدًا! إياك أن تُغضب زوجة أبيك أيها الصغير، عليك أن تكون مطيعًا ودؤوبًا في عملك حتى لا تُضرب وتجد طعامًا تأكله". في ذلك الوقت، لم أفهم سوى نصف ما كنَّ يقصدنه، وشعرت بالخوف بعض الشيء، لذلك لم أجرؤ قط على إغضاب زوجة أبي. لكنني فوجئت بأن زوجة أبي كانت تعاملني معاملة حسنة جدًّا، كما لو كنت ابنها. لاحقًا، صار لديَّ أخ أصغر مني، وواصلت زوجة أبي عنايتها بي ومحبتها لي بالقدر نفسه. في الواقع، كانت حتى أكثر محبة من والدتي الحقيقية. كثيرًا ما كانت زوجة أبي تقول لي ولأخي: "أنا ووالدكما نعمل بكدٍّ ونعاني لكي نجني المال، وكل ما نفعله هو لنبني لكما منزلين جديدين ونجهز لكما عندما تتزوجان. عندما تكبران وتكوِّنان أسرتيكما، يجب أن تكونا بارين بنا. ومهما نتكبد من مشاق، فإن الأمر سيستحق كل هذا العناء!". في كل مرة، كنت أعدها بجدية: "أماه، عندما أكبر، سأعتني بكما بكل تأكيد". كانت زوجة أبي تبتسم بارتياح دائمًا وتومئ برأسها باستمرار عندما تسمع ذلك. لقد مرَّت زوجة أبي بمصاعب جمَّة لتربيتي وساعدتني على الزواج والبدء في تكوين أسرتي وحياتي المهنية. كنت دائمًا ما أتذكر كلمات جدتي: "إنَّ الولادة ليست مهمة بقدر أهمية تربية الطفل"، وأن "ما تعطيه للناس هو ما تحصل عليه منهم، أربع أونصات بنصف جنيه كما يقولون". كنت أظن أن هذا هو مبدأ السلوك الإنساني، وأن الإنسان إذا كان مفتقرًا للضمير وناكرًا للجميل، فإنه لا يستحق أن يُطلق عليه اسم إنسان.
في عام 1994، آمنت عائلتنا كلها بالرب يسوع. كثيرًا ما كنا نخرج أنا وزوجتي للاعتناء بأمر الكنيسة، وأحيانًا لا نعود ليوم أو يومين، حتى عندما كان طفلنا البالغ من العمر عامين والعمل في الحقول بحاجة إلى وقتنا واهتمامنا. كانت والدتي تأخذ زمام المبادرة لتتولى تلك الأعمال حتى نتمكن من خدمة الرب جيدًا. في عام 2002، قبلت عائلتنا بأكملها عمل الله القدير في الأيام الأخيرة. دعمني والداي دعمًا كاملًا في واجباتي. ولأنني أصبحت ذائع الصيت في منطقتي بسبب إيماني بالرب، بعد قبولي هذه المرحلة من العمل، جذب عملي الإنجيلي في المنطقة انتباه الشرطة. وللحيلولة دون أن تعتقلني الشرطة، غادرت المنزل وأمضيت سنوات عديدة في القيام بواجباتي في مكان آخر. خلال العطلات، جعلني مرأى الآخرين وقد التئم شملهم مع عائلاتهم أقلق بشدة على عائلتي وأفتقد والديَّ. خلال موسم الزراعة المزدحم، كنت أفكر، على وجه الخصوص، في مدى معاناة والدتي من مشكلات في الظهر والساق والروماتيزم، وكيف كنت أحاول عادةً، في الطقس الممطر عندما تشتد آلامها للغاية، أن أمنعهما من القيام بأعمال زراعية شاقة في المنزل. لكن الآن كنت أنا وزوجتي نقوم بواجباتنا، ولم يكن والداي يعتنيان بطفلنا فحسب، بل يعملان في الحقول أيضًا. لقد كانا يعملان بجد شديد، وفكرت في المخاطرة بالعودة إلى الديار لمساعدتهما في أعمال المزرعة حتى لا يعودا مُضطرَّيْن إلى العمل. لكن إذا عدت، فمن المرجح أن تعتقلني الشرطة، ولن أتمكن من مساعدة والديَّ كثيرًا. علاوة على ذلك، كنت مشغولًا بواجباتي ولم أستطع أن أتخلى عن عملي في الكنيسة لأعود إلى الديار. بينما كنت أسير على الطريق، رأيت مزارعين يحصدون القمح في الحقول، وبدا الأمر كما لو كنت أشاهد والدتي ترفع رأسها لتمسح العرق عن جبينها في الحقول. أخذت الدموع تنهمر على وجهي، ولم أقدر أن أمنع نفسي من الشكوى: "لولا أن إيماني بالله وعملي في الإنجيل يعرضاني لخطر الاعتقال، لكنت قد عدت إلى الديار لمساعدة والديَّ خلال وقت ذروة العمل في الموسم!". كلما أمعنت التفكير في الأمر، شعرت بأنني مدين لوالديَّ بدرجة أكبر. في ذلك المساء، تبادرت إلى ذهني صورة والديّّ وهما يكدحان في الحقول دون اتزان، ولم يسعني إلا أن أذرف الدموع سرًّا. لذلك كنت كثيرًا ما أصلي إلى الله، وأئتمن والديَّ بين يديه.
في ديسمبر كانون الأول من عام 2012، اعتقلتني الشرطة وأنا أبشر بالإنجيل. واستخدمت الشرطة خلال الاستجواب أساليب قاسية لتعذيبي، وبينما كنت في حالة من الإعياء، أجبرني رئيس الشرطة على مشاهدة مقطع فيديو على هاتفه. رأيت جدتي البالغة من العمر تسعين عامًا بعينين غائرتين ونظرة شاردة، وبدت وكأنها قد تفارق الحياة في أي لحظة. ورأيت أيضًا والدتي، وقد دبَّ الشيب في شعرها وخطَّت الدموع وجهها. كانت شفتاها ترتجفان كما لو كانت تتجادل حول شيء ما، وبدت مضطربة للغاية. وبينما كنت أشاهد اللقطات المصورة، انهمرت الدموع على وجهي. انتهز رئيس فريق الأمن القومي هذه اللحظة ليقول: "لقد تحققنا أيضًا من أشخاص من قريتك، والجميع يتحدث عنك بكل خير. أنت ابن بار. جدتك تناهز المائة من العمر، ووالداك في السبعينيات من عمرهما. جميعهم يترقبون عودتك ليلتئم شمل العائلة! جدتك على وشك الموت. ألا تريد رؤيتها للمرة الأخيرة؟ فكما يقول المثل: "بر الوالدين في الحياة له الأولوية". ألم يربِّك والداك حتى يتمكنا من الاعتماد عليك والاستمتاع بسنوات شيخوختهما؟ أيمكنك تحمل تركهما يقضيان شيخوختهما في مثل هذه العزلة؟ كلاهما مسنان. أنت لا تعرف أبدًا متى تكون نظرتك إليهما هي الأخيرة. إذا حُكم عليك بثماني إلى عشر سنوات بسبب إيمانك، فقد لا تراهما أبدًا مجددًا، وسينتهي بك الأمر نادمًا لبقية حياتك. إذا أخبرتنا فحسب بما تعرفه، فسأرسلك مباشرةً إلى منزلك ليلتئم شملك بأسرتك. فكر مليًّا في الأمر!". عند سماعي لهذا، تدافعت إلى ذهني ذكريات جدتي وأمي وهما تعتنيان بي وتحبانني، ولم أملك إلا أن أجهش بالبكاء. كانت أمي تتمنى أن أرعاهما حين تكبران، والآن أصبحتا طاعنتين في السن وفي حالة صحية سيئة، وفي الوقت الذي كانتا في أمس الحاجة إليَّ، لم أكن موجودًا هناك لأتمم مسؤولياتي بصفتي ابنًا. بل إنني قد تسببت لهما في أن يعيشا في خوف جرَّاء اعتقالي. إذا حُكم عليَّ بالسجن لمدة ثماني إلى عشر سنوات، فقد لا أراهما ثانيةً أبدًا. كلما أمعنت التفكير في الأمر، أصبحت أكثر سلبية، وبدأت أضمر الشكاوى، وفكرت: "لو لم آتِ إلى هنا للتبشير بالإنجيل وأُلقي القبض عليَّ، ألم يكن بإمكاني أن أعتني بهما؟ ماذا عساي أن أفعل الآن؟ أينبغي أن أستعد للسجن، أم ينبغي أن أقدم تنازلات للشيطان والأبالسة لأردَّ لطف والديَّ؟ إذا خنت إخوتي وأخواتي، أو مصالح بيت الله، فسأكون حينئذٍ يهوذا المخزي، ولن يرتاح ضميري أبدًا، وسيلعنني الله وأذهب إلى الجحيم!". كان قلبي يموج بالاضطراب، وشعرت بأن رأسي سينفجر وكنت على وشك الانهيار. تضرعت باكيًا إلى الله في صلاة: "يا الله، أرجوك خلِّصني! ماذا عساي أن أفعل؟". في تلك اللحظة، تبادرت إلى ذهني فقرة من كلمة الله: "في كل وقت يجب أن يحترس شعبي من خطط الشيطان الماكرة، ويحرسوا لي بوابة بيتي، وينبغي أن يكونوا قادرين على أن يدعم بعضهم بعضًا، ويعيل بعضهم بعضًا، بحيث تتفادوا السقوط في فخ الشيطان، الذي لو حدث سيكون قد فات أوان الندم" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. كلام الله إلى الكون بأسره، الفصل الثالث). هدَّأت كلمات الله قلبي المضطرب. كان الشيطان يخطط لاستخدام مودتي لسحقي وحملي على خيانة الله. لم تنطلِ عليَّ حيله. كان عليَّ أن أتمسك بشهادتي! لذلك قلت: "لا أعرف شيئًا. فلتفعلوا ما تريدون بي!". استنفدت الشرطة جهودها لكنها لم تحصل على أي معلومات ذات فائدة، وفي النهاية، حكمت المحكمة عليَّ بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف.
في يوليو تموز من عام 2016، انتهت مدة عقوبتي في ذلك الجحيم الجاثم على الأرض. عندما وصلت إلى المنزل، احتضنت أمي رأسي بين ذراعيها وبدأت تبكي بحرقة. عزَّيتها ومسحت الدموع من على وجهها. قلت لنفسي: "لم أعد إلى المنزل منذ أكثر من عقد من الزمان، بسبب اعتقالات الحزب الشيوعي الصيني واضطهاده. لقد كان والداي دائمي القلق على سلامتي، لا سيَّما خلال السنوات التي قضيتها في السجن، فكانا أكثر قلقًا عليَّ خلال تلك الفترة. والآن كلاهما بات في السبعينيات من العمر، ولم أعد أريد أن أقلقهما عليَّ حقًا. والآن بعد أن عدت، أريد أن أقضي وقتًا أطول معهما وأتمم مسؤولياتي بصفتي ابنهما". بعد أيام قلائل، جاء عمي لرؤيتي واشتكى لي قائلًا: "لم تعد منذ كل هذه السنوات، ودخلت والدتك المستشفى عدة مرات ولا أثر لك، والجميع يقولون إنك ابن سيئ! والداك طاعنان في السن الآن، وكانا يعتنيان بطفلك ويعملان في الحقول من أجلك، والآن كلاهما مريض. أتظن أن هذا كان بالأمر الهيِّن عليهما؟ والآن ها قد عدتَ، عليكِ أن تقضي أيامك في المنزل على نحوٍ صحيح وتحرص على الاعتناء بهما حتى يتوقف الناس عن الثرثرة عنك!". وأنا أراقب عمي وهو يغادر، شعرت بانزعاج مفاجئ. لقد غدوتُ ابنًا جاحدًا في نظرهم حقًا. رأيت أنه ربما يمكنني الاكتفاء بالقيام بواجباتي في الكنيسة المحلية، ما سيسمح لي برعاية والديَّ. لكن بينما كنت أفكر على هذا النحو، وجدت نفسي أغرق عن غير قصد في حالة ذهنية مظلمة، ولذلك صليت إلى الله بوعي، طالبًا مقاصده. أدركت أنه في وضعي الحالي، لم يكن بإمكاني القيام بواجباتي في المنزل، وأنه يمكن أن أُعتقل في أي وقت، وأنه لا يمكنني أن أدع بر الوالدين يحول بيني وبين القيام بواجباتي. لقد تمتعت على مدار هذه السنوات بالكثير من النعمة وسقاية الحق وإمداده من الله، لذلك لم أستطع أن أخسر ضميري الآن، وكان عليَّ أن أقوم بواجباتي لأرد لله محبته. لذلك خرجت للتبشير بالإنجيل مجددًا.
ورغم ذلك، ظل تعلقي العاطفي بوالدتي في أعماقي باقيًا، ووجدت نفسي مرتبكًا في مواقف معينة. كانت الأخت المسنة في المنزل الذي استضافني تشعر بالدوار في كثير من الأحيان. وذات مرة، مرضت ومكثت في المستشفى لأكثر من عشرة أيام. فكرت في والدتي: "إنها تناهز الثمانين الآن وتعاني من ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، وكثيرًا ما يصيبها الدوار. ماذا لو مرضت واستدعت الحاجة إلى إدخالها المستشفى؟ كما يقول المثل: "الولادة ليست مهمة بقدر أهمية تربية الطفل" و"بر الوالدين في الحياة له الأولوية". وبصفتي ابنهما لا أستطيع حتى أن أتواجد هناك من أجل والديَّ وأخدمهما، ألن يقول أقربائي وجيراني إنني عاق وجاحد ومفتقر إلى الضمير؟". خلال ذلك الوقت، لم أستطع أن أتخلص من مدى اشتياقي إلى والدتي وقلقي عليها. بقيت صورة نظرات أمي المفعمة بالأمل عالقة في ذهني، ودوَّت في أذني سخرية أقربائي وجيراني. شعرت بالكبت في قلبي، وأمضيت أيامي مكتفيًا بأداء واجباتي بلا حماسة، بدون أن أحرز أي نتائج. أدركت أن حالتي كانت تؤثر في قدرتي على القيام بواجباتي، فصليت إلى الله طالبًا العون. لاحقًا، قرأت كلمات الله هذه: "إذا كنت تعتقد أن والديك هما أقرب الناس في العالم إليك، وأنهما رئيساك وقائداك، وأنهما من أنجباك وربياك، وأنهما من وفرا لك الطعام والملبس والمسكن والمواصلات، وأنهما من قاما بتنشئتك، وأنهما من أحسنا إليك، فهل سيكون من السهل عليك أن تتخلى عن توقعاتهما؟ (كلا). إذا كنت تؤمن بهذه الأشياء، فمن المحتمل جدًا أن تتعامل مع توقعات والديك من منظور جسدي، وسيكون من الصعب عليك التخلي عن أي من توقعاتهما غير المناسبة وغير المعقولة. ستقيدك توقعاتهما وتكبتك. وحتى لو كنت تشعر بعدم الرضا وعدم الرغبة في قلبك، فلن تكون لديك القدرة على التحرر من هذه التوقعات، ولن يكون أمامك خيار سوى أن تتركها تأخذ مسارها الطبيعي. لماذا عليك أن تتركها تأخذ مسارها الطبيعي؟ لأنك إذا تخليت عن توقعات والديك، وتجاهلت أيًا من توقعاتهما أو رفضتها، ستشعر بأنك كنت ابنًا غير بارّ، وبأنك كنت ناكرًا للجميل، وبأنك خذلت والديك، وبأنك لم تكن شخصًا صالحًا. أما إذا اتخذت منظورًا جسديًا، فستفعل كل ما بوسعك لاستخدام ضميرك لرد إحسان والديك، وللتأكد من أن المعاناة التي تحملها والداك من أجلك لم تكن بلا مقابل، وسترغب أيضًا في تحقيق توقعاتهما. ستحاول جاهدًا أن تنجز كل ما طلباه منك، لتتجنب تخييب آمالهما، ولتكون بارًا بهما، وستتخذ قرارًا بأن تعتني بهما عند كبر سنهما، لتضمن أن تكون سنواتهما الأخيرة سعيدة، بل وستفكر أكثر من ذلك بقليل، لتتولى أمر جنازتيهما، فترضيهما في الوقت نفسه الذي ترضي فيه رغبتك في أن تكون ابنًا بارًا بهما. يتأثر الناس أثناء عيشهم في هذا العالم بأنواع مختلفة من الرأي العام والمناخات الاجتماعية، بالإضافة إلى مختلف الأفكار والآراء الشائعة في المجتمع. إذا لم يفهم الناس الحق، فلا يمكنهم النظر إلى هذه الأشياء سوى من منظور المشاعر الجسدية، وفي الوقت نفسه، لا يمكنهم التعامل مع هذه الأشياء سوى من هذا المنظور" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. كيفية السعي إلى الحق (17)]. ما كشفته كلمات الله كان حالتي بالضبط. كنت أنظر إلى الأمور من منظور المودة الجسدية. كنت أعتقد أن كل ما أملكه مصدره والداي، وبصفتي شخصًا، ينبغي أن أكون ممتنًّا وأرد الجميل لوالديَّ على تربيتهما لي، وأن أسعى جاهدًا لتلبية مطالب والديَّ وتوقعاتهما، وأن هذا ما يجب أن يفعله الشخص ذو الضمير. تطلَّق والداي عندما كنت صغيرًا، وقال الكثير من الناس إنني طفل مثير للشفقة ستسيء زوجة أبيه معاملته، لكن زوجة أبي عاملتني على أنني ابنها. كانت في قلبي اليافع أقرب إليَّ من أمي الحقيقية. شعرتُ بأنها كانت تعمل بكدٍّ وتقتصد وتدخر لتربيتنا أنا وأخي، وأنها دعمت تعليمي وساعدتني في تكوين أسرتي وحياتي المهنية، وأنها كانت أكثر إنسانة أحترمها وأعتز بها في حياتي. لذلك قطعت عهدًا سريًّا في قلبي بأني سأكون بارًّا بها وأعتني بها في شيخوختها. لم تطلب مني والدتي الكثير من المطالب، آملةً فحسب أنه حينما تكبر هي ووالدي في السن، سأعتني بهما وأحرص على أن يكون لديهما من يعتمدان عليه. لم تكن أمي تتوقع مني سوى ذلك. قلت لنفسي: "بصفتي شخصًا ذا ضمير، يجب أن أبذل قصارى جهدي لأتمم رغبات والديَّ، وينبغي أن أكون بارًا بوالديَّ. إذا لم أكن كذلك، فسأكون شخصًا عاقًّا وجاحدًا بلا ضمير، وسأكون مستحقًا لإدانة المجتمع". ونظرًا لأنني كنت أؤدي واجباتي في مكان آخر، كثيرًا ما كنت أشعر بالقلق الشديد، خلال العطلات والمواسم الزراعية الحافلة بالعمل، إذ كنت أخشى أن يعمل والداي بكدٍّ شديد فيمرضان، ولذلك أردت العودة إلى الديار لمساعدتهما. كنت أبدو وكأنني أقوم بواجباتي، لكن لم يكن للطمأنينة مكانًا في قلبي، وكنت أكتفي بأداء واجباتي بدون حماسة. بعد إلقاء القبض عليَّ، استخدمت الشرطة مودتي تجاه والديَّ لإغرائي بخيانة إخوتي وأخواتي، ولولا كلام الله الذي أنارني وأرشدني، لكنت قد خنت الله بسبب مودتي. عندما رأيتُ الأخت المسنَّة من بيت استضافتي تمرض وتدخل المستشفى، تذكَّرتُ أمي، وفكرت في مدى ضعفها ومرضها، وكيف أنه لم يكن بإمكاني العودة لرعايتها. شعرت بالذنب والضيق، وأصبحت سلبيًّا وضعيفًا. كنت أضمر في قلبي شكاوى ضد الله بهدوء، واعتقدت أنني لم أستطع تلبية توقعات والديَّ أو أن أبرَّهما، وأن هذا كله كان سببه إيماني بالله وواجباتي. رأيت أنه بعد سنوات عديدة من الإيمان بالله، لم أكن قد اكتسبت أي حق، وأنني كنت لا أزال غير قادر على النظر إلى الأشياء وفقًا لكلام الله. ومتى ما كانت الأمور تتعلق بعائلتي، كنت أجد نفسي دائمًا محكومًا بمودتي الجسدية، ما يعني أنني كنت لا أزال متشبثًا بآراء غير المؤمن. لذلك صليت من أجل أن ينيرني الله ويرشدني لفهم الحق لأحل مشكلاتي.
لاحقًا، قرأت كلمات الله هذه: "بسبب تأثير الثقافة الصينية التقليدية، في المفاهيم التقليدية لشعب الصين، يؤمنون بضرورة برّ المرء لوالديه. ومن لا يراعي برّ والديه يُعدّ ولدًا عاقًا. هذه الأفكار غُرِست في الناس منذ الطفولة، وتُدرّس في كل منزل تقريبًا، وكذلك في كل مدرسة وفي المجتمع بشكل عام. وعندما يمتلئ رأس المرء بمثل تلك الأمور، فإنه يفكر قائلًا لنفسه: "برّ الوالدين أهم من أي شيء. وإذا لم أراعي ذلك، لن أكون شخصًا صالحًا؛ بل سأكون ولدًا عاقًا وسأتعرض للاستهجان من المجتمع. سأكون شخصًا لا ضمير له". هل هذا الرأي صحيح؟ لقد رأى الناس الكثير من الحقائق التي عبّر عنها الله؛ فهل طلب الله أن يُظهِر المرء البرّ تجاه والديه؟ هل هذه واحدة من الحقائق التي يجب على المؤمنين بالله فهمها؟ كلا، إنها ليست كذلك. لقد عقد الله شركةً فقط حول بعض المبادئ. بحسب أي مبدأ يطلب كلام الله من الناس التعامل مع الآخرين؟ أحْبِبْ ما يحبه الله، واكره ما يكرهه الله: هذا هو المبدأ الذي ينبغي التمسك به. إن الله يحبّ هؤلاء الذين يسعون إلى الحق ويستطيعون اتّباع مشيئته؛ وهؤلاء هم أيضًا الأشخاص الذين ينبغي أن نحبهم. أمّا أولئك غير القادرين على اتباع مشيئة الله، الذين يكرهون الله ويتمردون عليه، فهؤلاء يمقتهم الله، وعلينا أن نمقتهم أيضًا. هذا ما يطلبه الله من الإنسان. ... يستخدم الشيطان هذا النوع من الثقافة التقليدية والمفاهيم الأخلاقية لتقييد أفكارك وعقلك وقلبك، ليتركك عاجزًا عن قبول كلام الله. لقد استحوذتْ عليك هذه الأمور الشيطانية فجعلتك غير قادر على قبول كلام الله. عندما تود ممارسة كلام الله، تُحدث هذه الأمور إزعاجًا في داخلك، وتدفعك إلى معارضة الحق ومتطلبات الله، وتجعلك عاجزًا عن التخلص من نير الثقافة التقليدية. وبعد المقاومة لفترة، تضطر إلى التنازل: إذ تفضل الاعتقاد بأن المفاهيم التقليدية عن الأخلاق صحيحة، وأنها تتماشى مع الحق، ومن ثم ترفض كلام الله أو تنبذه. إنك لا تتقبل كلام الله على أنه الحق، ولا تفكر أبدًا في خلاص نفسك، وتشعر أنك لا تزال تعيش في هذا العالم، وأنك لكي تنجو عليك أن تعتمد على هؤلاء الناس. وبما أنك غير قادر على تحمل اتهامات المجتمع، فإنك تميل إلى اختيار التخلي عن الحق وعن كلام الله، والاستسلام للمفاهيم التقليدية عن الأخلاق ولتأثير الشيطان، مفضلًا الإساءة إلى الله وعدم ممارسة الحق. ألا يدعو حال الإنسان إلى الشفقة؟ أليس في حاجة إلى خلاص الله؟" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. لا يمكن للمرء أن يتحوّل حقًّا إلّا من خلال التعرف على آرائه الخاطئة). من كلمات الله، فهمت أنه بسبب تأثري بالثقافة التقليدية منذ الطفولة، وأيضًا بسبب تأثيرات تنشئتي، كنت أعتبر الأفكار التقليدية المتمثلة في "سدد اللطف بكل امتنان"، و"البر بالوالدين فضيلة يجب أن تكون فوق كل اعتبار"، و "لا تسافر بعيدًا أثناء حياة والديك" على أنها مبادئ أتصرف وفقًا لها. كنت أرى والداي بصفتهما محسنين إليَّ ودائنين لي مدى الحياة، وآمنت بأنني إذا لم أستطع أن أكون بارًّا بوالديَّ وأتركهما يستمتعان بشيخوختهما، فسأكون ابنًا عاقًّا بلا ضمير، وأستحق ازدراء المجتمع وإدانته. وفي ظل تأثير القيم الثقافية التقليدية، وخلال الأعياد والمواسم الزراعية المكتظة بالعمل، أو حينما كنت أرى إخوتي وأخواتي المسنين يمرضون ويدخلون المستشفى، كانت ذكريات والديَّ تتدفق إلى ذهني مجددًا، ولأنني لم أتمكن من العودة إلى الديار للاعتناء بوالديَّ، كانت تتعكر حالتي المزاجية لعدة أيام، ما يؤثر على أدائي لواجباتي. أصبحت توقعات والدتي مني دَيْنًا عاطفيًّا في قلبي لم أستطع سداده قط. حينما اعتُقلت واستجوبتني الشرطة، استخدموا أقوالًا مثل "بر الوالدين في الحياة له الأولوية" لتضليلي، ولولا كلام الله الذي أنارني وأرشدني، لكنت قد استسلمت لمودتي الجسدية وخنت الله. بالتأمل في أولئك الذين خانوا الله بسبب مودتهم بعد القبض عليهم، أدركت أنه على الرغم من أنهم أرضوا عائلاتهم ورغباتهم الجسدية، فإنهم خسروا خلاص الله. رأيت أنه بدون علاج مشكلات المودة، يمكن للمرء أن يخون الله في أي لحظة. من خلال إيماني بالله وأدائي لواجباتي، أصبحت أفهم بعض الحقائق، وتوصلت إلى فهم أهمية الحياة، وتغيرت شخصيتي الفاسدة بعض الشيء. كانت قدرتي على سلوك الطريق الصحيح للحياة هي نعمة من الله. ولكن بدلًا من أن أكون ممتنًّا، كنت أضمر شكاوى ضد الله، واعتقدت أنه لولا إيماني بالله وملاحقة الحزب الشيوعي الصيني لي، لما اضطررت إلى إدارة ظهري لدياري، وكنت سأظل قادرًا على أن أتمم البر تجاه والديَّ. إنَّ حقيقة أنني لم أستطع أن أبرَّ والديَّ كانت بوضوح بسبب اعتقالات الحزب الشيوعي الصيني واضطهاده، ورغم ذلك ألقيت باللوم على الله. أدركت أنه من جرَّاء تضليل الشيطان، كنت مرتبكًا وعاجزًا عن تمييز الصواب من الخطأ، وأنني كنت أتمرد على الله وأعارضه بدون أن أدرك ذلك حتى. بعد إدراكي لهذا، شعرت بندم عميق في قلبي، وصليت إلى الله: "يا الله، أعلم أن العيش في هذه الحالة هو تمرد عليك، ولا أريد أن أعيش وفقًا لهذه الأفكار التي غرسها الشيطان في نفسي. أرجوك أن تنيرني وترشدني لأفهم الحق وأكتسب التمييز".
بعد ذلك قرأت كلمات الله هذه: "دعنا ننظر في مسألة إنجاب والديك لك. من الذي اختار لهما أن ينجباك، أنت أم والداك؟ من اختار من؟ إذا نظرت إلى هذا الأمر من منظور الله، فالإجابة هي: لا أحد منكم. لم تختر أنت أو والداك أن ينجباك. إذا نظرت إلى أصل هذه المسألة، فهذا أمر قدّره الله. سننحي هذا الموضوع جانبًا في الوقت الحالي، لأن هذا الأمر سهل الفهم على الناس. فمن وجهة نظرك، ولدتَ لوالديك دون دور فاعل لك، دون أن يكون لك أي خيار في الأمر. ومن منظور والديك، فقد أنجباك بإرادتهما المستقلة، أليس كذلك؟ وبعبارة أخرى، إذا وضعنا جانبًا تقدير الله في مسألة إنجابك، كان والداك هما من يملكان كل السلطة. لقد اختارا إنجابك، وكان القرار قرارهما. لم تختر أن ينجباك، وأنجباك دون أن يكون لك أي دور، ولم يكن لديكَ أي خيار في الأمر. لذا، بما أن والديك كانا يملكان كل السلطة، وقد اختارا إنجابك، فإنهما ملزمان ومسؤولان عن تربيتك، وتنشئتك حتى تصبح راشدًا، وتزويدك بالتعليم، والطعام، والملابس، والمال؛ هذه مسؤوليتهما والتزامهما، وهذا ما يجب عليهما فعله. بينما كنت دائمًا سلبيًا خلال الفترة التي كانا يربيانك فيها، لم يكن لك الحق في الاختيار، وكان لزامًا عليهما أن يربياك. لم تكن لديك القدرة على تربية نفسك لأنك كنت صغيرًا، ولم يكن لديك خيار سوى أن يربياك دون قيامك بأي دور. لقد تربيت بالطريقة التي اختارها والداك، إذا قدما لك طعامًا وشرابًا جيدين، أكلت وشربت طعامًا وشرابًا جيدين. وإذا وفرا لك بيئة معيشية تعيش فيها على القشور والنباتات البرية، ستعيش على القشور والنباتات البرية. على أي حال، أثناء تربية والديك لك، كان دورك سلبيًا وكان والداكَ يفيان بمسؤوليتهما. الأمر مشابه لرعاية والديك لزهرة. بما أنهما يرغبان في رعاية زهرة، فعليهما أن يسمداها ويسقياها ويتأكدا من حصولها على ضوء الشمس. لذا، فيما يتعلق بالناس، سواء كان والداك قد اعتنيا بك باهتمام أو أفرطا في العناية بك، ففي كل الأحوال، كانا فقط يفيان بمسؤوليتهما والتزامهما. وبغض النظر عن السبب الذي جعلهما يربيانك، فقد كانت تلك مسؤوليتهم؛ فلأنهما أنجباك، فيجب أن يتحملا المسؤولية تجاهك. ... على أي حال، من خلال تربيتك، يفي والداك بمسؤولية والتزام. إن تربيتك حتى تصبح راشدًا هو التزام ومسؤولية يقعان على عاتقهما، ولا يمكن تسمية ذلك إحسانًا. إذا كان لا يمكن تسميته إحسانًا، أليس هذا شيئًا يجب أن تستمتع به؟ (بلى). هذا نوع من الحقوق التي يجب أن تتمتع بها. ينبغي أن يربيك والداك، لأن الدور الذي تلعبه قبل أن تبلغ سن الرشد هو دور الابن الذي يتم تربيته. لذلك فإن والديك يقومان فقط بنوع من الوفاء بالمسؤولية تجاهك، وأنت تتلقى ذلك فحسب، ولكنك بالتأكيد لا تتلقى منهما نعمة أو إحسانًا" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. كيفية السعي إلى الحق (17)]. من كلمات الله، فهمت أنه مرسوم الله السيادي للوالدين بتربية أبنائهم. وبغض النظر عن حجم المشقة والجهود التي يبذلها الوالدان في رعاية أبنائهم، فإن هذا يعد مسؤوليتهما والتزامهما فحسب، ولا يمكن اعتباره لطفًا. كانت النشأة في مثل هذه الأسرة هي أيضًا ترتيب الله لي، ومهما بلغ مقدار المعاناة التي تحملها والداي أو الثمن الذي دفعاه في تربيتي، فإنهما كانا يتممان مسؤولياتهما والتزاماتهما فحسب. لقد كان هذا محددًا سلفًا من الله، ولا ينبغي أن يُعتبر ذلك لطفًا، ولم يكن عليَّ أن أرد لهما الجميل. رتب الله أن تعتني بي وتحبني زوجة أبٍ، وكانت هذه نعمة من الله، لذلك ينبغي أن أكون ممتنًّا لله ولا أنسب كل الفضل لوالديَّ. لكنني لم أكن أفهم الحق، واعتقدت أنه لولا والداي، لما صار لي شيء، وأن محبة أمي هي التي غيرت حياتي التعيسة. لم تكن أمي الحقيقية لكنها كانت حتى أقرب إليَّ من أمي بالولادة، لذلك اعتبرتها أهم إنسانة في حياتي، وأردت دائمًا أن أرد لها الدين لرعايتها المُحبَّة، لكنني لم أراعِ كيفية القيام بواجباتي لإرضاء الله. ألم أكن أفتقر تمامًا إلى الإنسانية؟ الأمر أشبه عندما يستأجر الوالدان مربية أطفال، ويأتمناها على رعاية طفلهما لفترة من الزمن، وتوفر المربية للطفل كل ما يحتاجه. ولكن إذا كان هذا الطفل يدرك أن المربية هي والدته، ولا يرى سوى رعاية المربية ولا يعترف بكل ما فعله والداه من أجله، ألن يحطم هذا الأمر قلبي والديه؟ ألن يعد هذا نكرانًا حقيقيًّا للجميل وعكسًا لما هو مهم وغير مهم؟ إنَّ حياتي مستمدة من الله، وبفضل حماية الله ورعايته ظللت على قيد الحياة حتى يومنا هذا. لقد كانت تربية والديَّ لي ليس إلا تتميمًا منهما لمسؤولياتهما والتزاماتهما، وليس هناك أي مفهوم للطف في هذا. لا ينبغي أن أنظر إلى والديَّ بصفتهما دائنين لي، بل يجب أن أكون ممتنًّا لله وأرد له الجميل، فهو صاحب السيادة على كل شيء. إن لم أقم بواجباتي أمام الله بسبب بر الوالدين، فسأكون حقًّا شقيًّا جاحدًا بلا ضمير! إنَّ طلب القيام بواجبات الكائن المخلوق لإرضاء الله هو ما يجعل المرء مستحقًّا بصفته كائنًا مخلوقًا مؤهلًا وشخصًا ذا ضمير وعقل. إذا عدت إلى الديار لأعتني بوالديَّ، حتى لو امتدحني الآخرون بصفتي ابنًا بارًّا، فما أهمية ذلك إن لم أتلقَّ استحسان الله؟
لاحقًا، وقفتُ أمام الله مجددًا للصلاة وطلب إرشاده، سائلًا إياه عن كيف ينبغي أن أعامل والديَّ وفقًا لمبادئ الحق. بعد ذلك قرأت كلمات الله هذه: "بناءً على بيئتك المعيشية والسياق الذي تجد نفسك فيه، إذا كان إكرام والديك لا يتعارض مع إتمامك لإرسالية الله وأداء واجبك، أو بمعنى آخر، إذا كان إكرام والديك لا يؤثر على أدائك المخلص لواجبك، فيمكنك ممارسة كليهما في الوقت نفسه. لا تحتاج إلى الانفصال خارجيًا عن والديك، ولا تحتاج إلى التخلي عنهما خارجيًا أو رفضهما. في أي وضع ينطبق هذا؟ (عندما لا يتعارض إكرام الوالدين مع أداء المرء واجبه). ذلك صحيح. وبعبارة أخرى، إذا كان والداك لا يحاولان إعاقة إيمانك بالله، وكانا أيضًا مؤمنين، وكانا يدعمانك ويشجعانك حقًا على أداء واجبك بإخلاص وإكمال إرسالية الله، فإن علاقتك بوالديك ليست علاقة جسدية بين الأقارب بالمعنى المعتاد للكلمة، بل علاقة بين إخوة وأخوات في الكنيسة. وفي تلك الحالة، بخلاف التعامل معهما كإخوة وأخوات في الكنيسة، يجب عليك أيضًا تتميم بضعة من مسؤوليات البر بالوالدين تجاههما. يجب أن تُظهِر لهما القليل من الاهتمام الإضافي. ما دام ذلك لا يؤثر على أداء واجبك، أي ما دام قلبك غير مقيد بوالديك، فيمكنك الاتصال بهما للاطمئنان على أحوالهما وإظهار القليل من الاهتمام بهما، ويمكنك مساعدتهما على حل القليل من الصعوبات والتعامل مع بعض مشكلاتهما الحياتية، ويمكنك حتى مساعدتهما على حل بعض الصعوبات التي يواجهانها فيما يخص دخولهما في الحياة؛ يمكنك فعل جميع هذه الأشياء. بعبارة أخرى، إذا كان والداك لا يعرقلان إيمانك بالله، فينبغي أن تحافظ على هذه العلاقة معهما وأن تتمم مسؤولياتك تجاههما. ولماذا ينبغي أن تُبدي الاهتمام بهما وتعتني بهما وتطمئن على أحوالهما؟ نظرًا لأنك ابنهما ولديك هذه العلاقة بهما، فإنك تتحمل نوعًا آخر من المسؤولية، وبسبب هذه المسؤولية يجب أن تطمئن عليهما أكثر قليلًا وتزودهما بالمزيد من المساعدة الفعلية. ما دام ذلك لا يؤثر على أداء واجبك، وما دام والداك لا يعيقان إيمانك بالله وأداءك لواجبك أو يزعجاه، وكانا لا يعيقانك أيضًا، فمن الطبيعي والمناسب لك أن تُتمِّم مسؤولياتك تجاههما، ويجب عليك فعل هذا إلى الحد الذي لا يوبخك فيه ضميرك؛ هذا هو أدنى معيار يجب أن تستوفيه. إذا لم تتمكن من إكرام والديك في المنزل بسبب تأثير ظروفك وإعاقتها لك، فليس عليك الالتزام بهذه القاعدة. ينبغي أن تضع نفسك تحت رحمة تنظيمات الله وأن تخضع لترتيباته، ولستَ بحاجة إلى الإصرار على إكرام والديك. هل الله يدين هذا؟ الله لا يدين هذا، فهو لا يجبر الناس على فعل هذا. ما الذي نعقد عنه الشركة الآن؟ نعقد الشركة عن الكيفية التي ينبغي أن يمارس بها الناس عندما يتعارض إكرام والديهم مع أداء واجبهم. نحن نعقد الشركة عن مبادئ الممارسة والحق. أنت مسؤول عن احترام والديك، وإذا سمحت الظروف، فيمكنك تتميم هذه المسؤولية، ولكن ينبغي ألا تكون مقيدًا بمشاعرك. على سبيل المثال، إذا مرض أحد والديك وكان يلزمه الذهاب إلى المستشفى ولا يوجد من يعتني به بينما كنتَ مشغولًا جدًا بواجبك ولا يمكنك العودة إلى المنزل، فماذا ينبغي أن تفعل؟ في مثل هذه الأوقات، لا يمكن أن تقيدك مشاعرك. ينبغي أن تُسلِّم الأمر للصلاة وتأتمن الله عليه وتضعه تحت رحمة تنظيمات الله. ذلك هو نوع الموقف الذي ينبغي أن يكون لديك. إذا أراد الله أن يأخذ حياة أحد والديك ويبعده عنك، فلا يزال عليك الخضوع. يقول بعض الناس: "على الرغم من أنني خضعت، فإنني لا أزال أشعر بالتعاسة وقد بكيت بسبب ذلك لأيام. أليست هذه عاطفة جسدية؟" هذه ليست عاطفة جسدية، بل لطف إنساني. إنها امتلاك الإنسانية، والله لا يدينها. ... إذا حاصرتك مشاعرك وكان هذا يعيق أداء واجبك، فإن ذلك يتعارض تمامًا مع مقاصد الله، فالله لم يطلب منك أبدًا أن تفعل ذلك، لكنه يطلب منك فقط أن تتمم مسؤولياتك تجاه والديك؛ وذلك كل شيء. ذلك هو معنى البر بالوالدين. عندما يتحدث الله عن "إكرام الوالدين"، فإنه يوجد سياق لذلك. لستَ بحاجة إلا إلى تتميم القليل من المسؤوليات التي يمكن تحقيقها في ظل جميع أنواع الظروف، وذلك هو كل شيء. وفيما يخص ما إذا كان والداك يُصابان بمرض خطير أو يموتان، فهل أنت من يقرر هذه الأشياء؟ كيفية حياتهم أو موعد موتهم أو المرض الذي يميتهم أو كيفية موتهم – هل لهذه الأشياء أي علاقة بك؟ (كلا). ليست لها علاقة بك" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. ماذا يعني السعي إلى الحق (4)]. بعد قراءة كلمات الله، اكتسبت المبادئ وطريق الممارسة. إذا استطعت أن أقوم بواجباتي في المنزل في ظل ظروف مناسبة، يمكنني إظهار بر الوالدين والاعتناء بوالديَّ، ولكن إذا كانت الظروف لا تفسح لي المجال لرعايتهما، فلن يدينني الله على ذلك. بالتفكير في الأمر، لم تكن هذه قضية عدم رغبتي في الاعتناء بوالديَّ، ولكن لأنني كنت قد اعتُقلت على يد الحزب الشيوعي الصيني وكنت تحت مراقبتهم اللصيقة، وإذا واصلتُ الإيمان بالله والقيام بواجباتي في الديار، فسأُعتقل مجددًا، بل وأواجه اضطهادًا أكثر وحشية. إذا توفرت الظروف المناسبة في المستقبل، وأتيحت لي الفرصة للعودة إلى الوطن، فسأبرُّ بوالديَّ وأعقد شركة معهما حول كلام الله. لكن من دون هذه الظروف، سأظل أخضع لتنظيمات الله وترتيباته وأقوم بواجباتي بشكل جيد. يجب أن أصلي إلى الله فيما يتعلق بصحة والديَّ ورعايتهما في شيخوختهما، وأئتمنه على هذه الأشياء. خلق الله البشرية ورتب قوانين الميلاد والشيخوخة والمرض والموت، وعلى مرِّ التاريخ، لم يستطع بشر أن يتحدى هذا القانون، ولا يمكن لأحد أن يهرب من سيادة الله وترتيباته. إنه قانون طبيعي أن يصاب الوالدان ببعض الأمراض عندما يتقدم بهما العمر، وهذا أمر محتوم. بالإضافة إلى ذلك، حتى لو كنت بقيت بجوارهما، ماذا كان بإمكاني أن أفعل حقًّا؟ أكنت سأحل محلهما في معاناتهما؟ وعلاوة على ذلك، لديَّ أخي الأصغر ليعتني بهما. كل شخص لديه طريقه الخاص ليسلكه واختباراته التي يمر بها في الحياة، وهذه لا يمكن للآخرين استبدالها أو تغييرها. إنَّ قدر والديَّ بيد الله، وما يمكنني فعله هو الصلاة من أجلهما والخضوع لسيادة الله وترتيباته. هذا هو العقل الذي عليَّ أن أتحلى به.
من خلال هذا الاختبار، أدركت أن أفكار الثقافة التقليدية وتراث الأسلاف التي يراها الناس جيدة وصائبة، والتي يُنظر إليها على أنها تتوافق مع المفاهيم الشائعة للأخلاق والآداب، ليست هي الحق، ولا هي متطلبات الله للبشرية، وليست معايير للسلوك البشري. وحده كلام الله هو الحق ويجب أن يتبعه الناس. فقط من خلال العيش وفقًا لكلام الله والحق، يمكن اعتبار الشخص يمتلك ضميرًا وعقلًا حقًّا. إنَّ كلام الله هو الذي مكنني من فهم كيفية التعامل مع لطف والديَّ ولم أعد مُلزَمًا بالأفكار التقليدية أو مقيدًا بها. الشكر لله!