8. لن أندم أبدًا على هذا الاختيار
منذ سن مبكرة، كنت دائمًا ما أحصل على درجات جيدة، وكثيرًا ما كنت في صفي أحصل على أعلى الدرجات في الاختبارات. في كل مرة كانت تظهر فيها درجات أحد الاختبارات، كان اسمي وصورتي دائمًا ما يظهران على لوحة الشرف في المدرسة. عند رؤية كيف كان ينظر إليَّ أساتذتي بعيون مبتسمة مليئة بالرضا والثناء، وعند سماع مديح زملائي في الصف، كان قلبي يتفجر فرحًا وأشعر بالفخر الشديد. عند عودتي إلى المنزل، كان الجيران الذين أصادفهم في الطرقات يحيونني قائلين: "هذه الفتاة تلميذة نجيبة. إنكِ تجعلين والديكِ فخورين بكِ للغاية. من المؤكد أنك ستلتحقين في المستقبل بجامعة بكين أو جامعة تسينغهوا!". كنت أبادلهم بابتسامة خجولة، لكن في داخلي، كان الأنا لديَّ قد تأجَّج بالكامل. لاحقًا، قُبلت في إحدى أفضل الجامعات في مقاطعتي وحصلت على المركز الأول في اختصاصي بصفتي طالبة في السنة الأولى الجامعية. شعرت بفرحة غامرة؛ فقد أثنى جميع زملائي في الصف على موهبتي وأعجبوا بي وأغبطوني وعقد أساتذتي آمالًا كبيرة عليَّ. شعرت بأنني قد أصبحت مميزة بين أقراني. رغم ذلك، لم تكن الحياة الجامعية بالقدر ذاته من الانشغال الذي كانت عليه في المرحلة الثانوية، بل كانت في أحيان كثيرة سهلة وهانئة تمامًا. كثيرًا ما كنا نضطر في الفصول الدراسية إلى دراسة بعض نظريات العلوم الاجتماعية وحفظ هذه النظريات والمصطلحات عن ظهر قلب، وكنت أتساءل أحيانًا: "ما جدوى تعلُّم كل هذه النظريات وحفظها؟". لم أدرس معظم الوقت إلا لأتمكن من التعامل مع الاختبارات. كان زملائي خارج الصف وفي أوقات فراغهم، يضيعون وقتهم في الملذات، بينما كنت أجلس فحسب أتصفح هاتفي، وقد أعياني السأم والملل. كثيرًا ما كنت أفكر: "أحقًّا خُلقنا على هذه الأرض لمجرد تمضية الوقت هكذا؟ ألا ينبغي أن يكون لدينا هدف أو اتجاه في الحياة بوصفنا بشرًا؟". لكنني لم أدرِ كيف أجيب عن تلك الأسئلة.
في صيف عامي الجامعي الأول، نشرت إليَّ إحدى الأخوات إنجيل الله في الأيام الأخيرة. من خلال أكل كلام الله وشربه، تعلمت أن الله أدى ثلاث مراحل من العمل ليُخلِّص البشرية. رأيت كيف صُلب الرب يسوع ليفدي البشر من خطاياهم، وفي الأيام الأخيرة، تجسَّد الله مجددًا ليخلِّص البشرية بالكامل، معبِّرًا عن الكثير من الحقائق ليدين البشر ويطهِّرهم، سامحًا لهم بالتحرر تمامًا من قيود الخطيئة والدخول إلى ملكوت الله. تملكني إحساس عميق بالإخلاص واللطف اللذين خلَّص الله بهما البشرية وأيضًا الشعور بمحبة الله للبشرية. تأثرت بعمق وعزمت على وضع ثقتي في الله والسعي إلى الحق. لاحقًا، عقد إخوتي وأخواتي الشركة عن كيف أنه كان وقتًا حاسمًا للتوسع في نشر إنجيل الملكوت. قالوا إنه كان أمرًا قيِّمًا للغاية أن أكون قادرة على المساهمة في توسع نشر الإنجيل وجلب أناس أكثر أمام الله ليتلقوا خلاصه. بعد ذلك سألتني إحدى الأخوات عما إذا كنت أرغب في القيام بواجب. شعرت بشيء من التردد: "يستلزم الأمر وقتًا وطاقة للقيام بواجب. إنَّ المنافسة في الجامعة قوية للغاية، وماذا سأفعل إذا تأثرت درجاتي؟ أينبغي عليَّ اختيار أن أضع ثقتي في الله وأقوم بواجبي بصفتي كائنًا مخلوقًا أم أكرِّس وقتي للدراسة لأحصل على درجات جيدة وأضمن مستقبلًا جيدًا وإعجاب الآخرين واحترامهم؟". لم أدرِ أي الطريقين أختار ولذلك أخبرت الأخت أنني سأفكر مليًّا في الأمر. في الليالي التالية، كنت كثيرًا ما أجد نفسي في حيرة من أمري وأنا أسير في طريق جامعتي، أراقب الطلاب الآخرين وهم يجتهدون حتى وقت متأخر من الليل ليحصلوا على درجات جيدة، متسائلةً: "أينبغي عليَّ اختيار السعي إلى الحياة الأكاديمية والمستقبل الجيد مثل معظم أقراني، أم أتبع الله وأقوم بواجب؟".
لاحقًا، صادفتُ هذه الفقرات من كلمات الله: "نظرًا لسيادة الخالق وتعيينه المسبق، فإن نفسًا وحيدة بدأت بلا أي شيء تمامًا تكتسب والدين وعائلة، والفرصة في أن تصبح من أفراد الجنس البشريّ، والفرصة في اختبار الحياة البشريّة والترحال عبر العالم الإنساني، كما تكسب أيضًا فرصة اختبار سيادة الخالق والتوصل إلى معرفة عجائب خليقة الخالق، وعلاوةً على ذلك، تكسب الفرصة في التوصل إلى معرفة سلطان الخالق والتسليم له. لكن معظم الناس لا ينتهزون حقًا هذه الفرصة النادرة العابرة. يستنفد الناس طاقة عمرهم بأكملها في الصراع ضد القدر، ويقضون حياتهم بأكملها منهمكين في السعي لإعالة أسرهم ويهرعون ذهابًا وإيابًا من أجل الجاه والربح. الأشياء التي يُقدّرها الناس هي المحبة العائلية والمال والشهرة والربح، وهم يعتبرون أنها الأشياء الأكثر قيمةً في الحياة. يشتكي جميع الناس من سوء أقدارهم، ورغم ذلك يتجنبون التفكير في القضايا التي هي أكثر ما يتعين عليهم فهمه واستكشافه: السبب في حياة الإنسان، والكيفية التي يجب أن يعيش بها، وقيمة الحياة ومعناها. إنهم يقضون حيواتهم بأكملها، مهما طالت، وهم يهرعون فقط طلبًا للشهرة والربح، إلى أن ينقضي شبابهم، ويشيب شعرهم ويتجعّد جلدهم، حتى يدركوا أن الشهرة والربح لا يمكنهما منعهم من الشيخوخة، وأن المال لا يمكنه ملء فراغ قلوبهم، وحتى يفهموا أنه لا أحد بوسعه أن يفلت من نواميس الميلاد والشيخوخة والمرض والموت، وأن أحدًا لا يمكنه التخلص من ترتيبات القدر. فقط عندما يُجبرون على مواجهة المنعطف الأخير من منعطفات الحياة يُدرِكون حقًّا أنه حتّى إن كان أحد يمتلك ثروة طائلة وأصولاً كثيرة، وحتّى إن كان يتمتّع بامتيازٍ وكان صاحب مرتبة عالية، فإنه لا يمكنه أن يفلت من الموت، ولا بد أن يعود إلى وضعه الأصليّ: نفسٌ وحيدة خالية الوفاض" [الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (3)]. "كل شيء في حياة الإنسان خاوٍ ولا يستَحقُّ الذكرى، ما خلا الإيمان بالله والسعي إلى الحق وأداء واجبه ككائن مخلوقٍ. حتى لو كنتَ قد أنجزتَ أعظم الأعمال البطوليَّة؛ حتى لو ذهبتَ إلى القمر ورجعتَ؛ حتى لو حققتَ تقدُمًا علميًّا كان له بعض النَّفع أو الفائدة للبشرية، فكله باطل ومصيره الزوال. ما الشيء الوحيد الذي لن يزول؟ (كلمة الله). وحدها كلمة الله، والشهادات لله، وكل الشهادات والأعمال التي تشهد للخالق، وأعمال الناس الصالحة لن تزول. هذه الأشياء سوف تدوم إلى الأبد، وهي ذات قيمة كبيرة" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. لا توجد قيمة في العيش إلا بحسن أداء المخلوق واجبه). كان لكلام الله تأثير عميق في نفسي. يرتب الله لكل شخص أن يأتي إلى هذا العالم ليدرك سيادة الله، ويفهم حكمته وسلطانه، ويتعلم أن يخضع لله ويعبده. إذا لم يدرك الناس مقصد الله، فإن وقتهم في هذا العالم سيكون هباءً؛ لن يعرفوا لماذا وُلِدوا، أو لماذا يجب أن يموتوا، أو ما ينبغي أن يعيشوا من أجله. كثيرًا ما كنت أشاهد تقارير إخبارية عن أشخاص مشهورين، على الرغم من تلقيهم التملق وجنيهم الكثير من المال وعيشهم في رفاهية، فإنهم أصيبوا بالاكتئاب وانتحروا في نهاية الأمر. فصَّلتْ قصص أخرى كيف أنَّ أشخاصًا أثرياء يتمتعون بمكانة عالية أصابهم المرض فجأة وماتوا. لاحظت أيضًا كيف أن جدَّيَّ اللذين كانا مُثقفَيْن وحاصلَيْن على شهادات عليا، وكانا قد عملا بكدٍّ طوال حياتهما، وكانت لديهما فيما سبق لحظات مجد، يقضيان سنوات تقاعدهما في الثرثرة وإضاعة الوقت وتمضية أيامهما على نحو فارغ، دون أن يعرفا معنى الحياة، وينتظران الموت بلا هدف. أدركتُ أنه مهما يدرس المرء أو يحقق من إنجازات عظيمة، فإن كل ذلك زائل وفانٍ. سيزول كل شيء عندما يُدمَّر العالم القديم الشرير في نهاية المطاف. لا يمكن لهذه المنجزات العلمية والإنجازات الشخصية أن ترشد الناس نحو فهم الله، وأن يأتوا أمام الله ويعرفوا معنى الحياة. ولا يمكنها أيضًا إفساح المجال للناس لكي يتخلصوا من فسادهم ويعيشوا بحسب شَبهٍ إنساني؛ حتى بعد تحقيق هذه الإنجازات، فهم لا يزالون فاسدين كما هو شأنهم دائمًا. علاوةً على ذلك، فإن المعرفة عاجزة تمامًا عن تغيير الحالة الظلامية للمجتمع، وتعجز عن وضع الناس على الطريق والاتجاه الصحيحين. المعرفة والإنجازات لا معنى لهما فحسب. وحدهم شعب الله المختار هم الذين يشهدون لله وما يربحونه من اختبار عمل الله أبدي. لو كنتُ قد استثمرتُ نفسي في طلب المعرفة وسعيتُ وراء ثمار هذا العالم الفاني، وتهافتُّ على الشهرة والمكسب والعائلة والحياة الأكاديمية والمهنية، وفشلتُ في السعي إلى الحق ومعرفة الله، وفشلتُ في النهاية في استيعاب أي حق، وفشلتُ في اكتساب معرفة الله ولم تتغيَّر شخصيتي، ألم أكن لأضيِّع فرصة ذهبية لأن أختبر عمل الله؟ لقد أرشدني الله لأن أجد اتجاهي في الحياة: أدركت أنه يتوجب علينا في الحياة أن نسعى إلى الحق وأن نسعى إلى معرفة الله. لم أكن لأستحق خلاص الله إلا بتتميم واجبي بصفتي كائنًا مخلوقًا؛ وفقط مثل هذه الحياة هي التي يمكن أن تكون ذات قيمة ومعنى. لقد كانت مسؤوليتي وتمجيدًا من الله أن أكون قادرة على بذل جهدي في توسيع نطاق نشر الإنجيل وأن أجلب أناس أكثر أمام الله. كان عليَّ أن أتوقف عن إهدار الوقت في دراستي، وقررت أن أجعل الإيمان أولويتي. بعد ذلك، تخليت عن فرصتي في قبولٍ مضمون في الدراسات العليا وقررت أن أقوم بواجبي.
في مُستهل عام 2020، تفشَّت الجائحة بينما كنت أقضي السنة الصينية الجديدة في المنزل، وانتهى بي الأمر بأنني علقت هناك ولم يكن بإمكاني التواصل مع كنيستي. لم أتمكن لمدة نصف عام من حضور الاجتماعات أو أكل كلام الله وشربه. كنت في السنة النهائية في ذلك الوقت وأستعد للتخرج. كان بعض زملائي في الصف قد قُبلوا بالفعل في برامج الدراسات العليا، بينما قد وجد آخرون وظائف جيدة. أما بالنسبة إليَّ، فلم أكن قد وجدت وظيفة بعد. كثيرًا ما كان والدي ينصحني بصرامة قائلًا: "لقد قُبل ابن فلان للتو في برنامج للدراسات العليا في إحدى الجامعات الشهيرة. الحصول على درجة الدراسات العليا في هذه الأيام هو الاتجاه السائد وسيجعلكِ أكثر قدرة على المنافسة في سوق العمل. كان يجب عليكِ أن تقرري الحصول على درجة الدراسات العليا على أي حال، لكنكِ لم تكوني لتستمعي إلينا. إذا لم تحصلي على وظيفة قريبًا، فما الذي تخططين لفعله بعد التخرج؟". عند سماع نصائح والدي ورؤية كيف كان جميع أقراني يعملون بجِدٍّ من أجل مستقبل أفضل، قلت لنفسي: "إنه محق، إنني على وشك التخرج. هل أريد حقًّا أن أكون عاطلة عن العمل بعد التخرج؟ ماذا سيظن الناس بي؟ ألن يعتقدوا أنني عديمة الفائدة؟". شعرت ببؤس شديد. في إحدى المرات في لقاء مع زملاء الصف السابقين، بدأ الجميع بالحديث عن خططهم المستقبلية: قال البعض بحماس إنهم قد قُبلوا في برنامج الدراسات العليا بإحدى الجامعات الشهيرة أو غيرها، وحصل البعض الآخر على وظائف في الشركات المملوكة للدولة، بينما حصل آخرون على وظائف بصفتهم موظفين حكوميين. لقد أغدقوا بالثناء بعضهم على بعض وتحدثوا عن خبراتهم قبل القبول وبعده، أما بالنسبة إليَّ، فلم يكن لدي ما أقوله. عند رؤية هيبة أقراني، وكيف تهللت وجوههم بالابتسامات والفخر، لم يسعني إلا أن أطأطئ رأسي في يأس صامت، مفكرةً: "كنت أحصل حتى على درجات أفضل منهم وكنت محل تقديرهم وإعجابهم جميعًا، لكنهم الآن طلاب دراسات عليا في أفضل الجامعات وأنا لا أحمل سوى درجة البكالوريوس. إنهم متقدمون عليَّ بكثير، فكيف يمكنني أن أرفع رأسي عاليًا أمامهم في المستقبل؟ أليست صورتي وتقديري في أعينهم قد انهارت الآن؟". بدا الأمر وكأنني قد أحاطتني الكآبة. عندما سألني زملائي في الصف عن خططي المستقبلية، تلعثمتُ فحسب وتهرَّبت من أسئلتهم على نحو محرج، إذ كنت أخشى أن أرى نظراتهم المستنكرة. شعرت طوال فترة اللقاء بالكبت الشديد؛ فقد اعتقدت أنني لم أنجز أي شيء، وكان من المؤكد أن زملائي في الصف ينظرون إليَّ نظرة دونية. بعد عودتي إلى المنزل، انهرت باكيةً. كنت دائمًا ما أحظى بإعجاب الآخرين وثنائهم منذ سن مبكرة، لكنني الآن كنت متخلِّفة عنهم بكثير، ووجهتْ إليَّ تلك الفجوة الهائلة من الشعور بين الحاضر والماضي ضربة قاسية. لم أكن متيقنة من الطريق الذي يجب أن أسلكه في المستقبل. بالنظر إلى مؤهلاتي الأكاديمية الحالية، لم تكن ثمة طريقة تمكنني من الحصول على وظيفة محترمة. أكان عليَّ أن أستسلم فحسب لكوني أقل شأنًا من طلاب الدراسات العليا هؤلاء؟ لم يكن بإمكاني قبول ذلك، فعزمتُ على أن أتقدم لامتحان القبول للدراسات العليا.
لاحقًا، تواصلت مع كنيستي وأخبرت الإخوة والأخوات أنني كنت أستعد للعودة إلى دياري والتقدم لامتحان القبول للدراسات العليا، لكنني سأظل أحضر الاجتماعات متى أمكنني ذلك. أخبرني الإخوة والأخوات أنهم كانوا بحاجة إلى أناس أكثر للقيام بواجب معين، وسألوني إذا كنت سأفكر في القيام بذلك. في ذلك الوقت، كنت أعلم أن الإيمان بالله والسعي إلى الحق أمران صالحان، وأنني بفشلي في القيام بواجبي، كنت أخذل الله الذي قد أمدني بالكثير، لكنني فكرت بعد ذلك في أنه لم يتبقَّ سوى بضعة أشهر فقط لأستعد لامتحان القبول، وكانت هذه فرصتي الأخيرة لحفظ ماء وجهي. كان قبولي في بداية أحد برامج الدراسات العليا هو السبيل الوحيد الذي سيمكِّنني من البقاء على المستوى نفسه مع زملاء الصف من ذوي المؤهلات الرفيعة، وأن أتمِّم توقعات عائلتي، وأن أكون قادرة على رفع رأسي عاليًا أمام أصدقائي وأقربائي. إذا تخليت عن دخول امتحان القبول للدراسات العليا، ألم أكن لأفقد كل أمل في التميز بين أقراني؟ لم أكن مستعدة لفعل ذلك فحسب. وهكذا، أخبرت إخوتي وأخواتي أنه لم يكن بإمكاني القيام بواجب بدوام كامل وأنني لا أستطيع إلا القيام بالواجب بقدر ما يمكنني، بينما أستعد أيضًا في الوقت نفسه للامتحان. وقعتُ تحت ضغط وتوتر شديدين خلال الأشهر القليلة التالية. كنت أقوم بواجبي خلال النهار أو أحضر الاجتماعات، وبعد ذلك كنت أعود إلى المنزل ليلًا لأجد أكوامًا سميكة من مواد التحضير للاختبار؛ أكون مرهقة للغاية، لكنني أجبر نفسي على إبقاء عينيَّ مفتوحتين وإتمام أي مهام دراسية كنت قد أعطيتها لنفسي لذلك اليوم. في كل صباح عند بزوغ الفجر، كنت أستيقظ على الفور بغض النظر عن مدى شعوري بالتعب وأعود للغوص في ذلك البحر العميق من المعرفة. لم أجرؤ على منح نفسي أدنى فرصة للاسترخاء؛ حتى عندما كنت أخرج لشراء الطعام أو في أثناء الطهي أو تنظيف الصحون، كنت أشغِّل ملفات صوتية لمواصلة الدراسة. بعد ذلك، أخيرًا، بعد عدة أشهر صعبة من التحضير، نجحتُ في اختبار الالتحاق ببرنامج للدراسات العليا. كنت متحمسة للغاية عندما رأيت نتيجة اختباري؛ الآن صار بإمكاني أخيرًا أن أستعيد بعضًا من تلك الهيبة التي كنت أحظى بها في السابق، وأن أرفع رأسي عاليًا بين أقربائي وأصدقائي وأكفُّ عن القلق بشأن ازدراء الآخرين لي. عندما سمع زملائي في الصف أنني قد نجحت في اختبار القبول في برنامج الدراسات العليا، أمطروني جميعًا بالتهاني. كان والدي في غاية السعادة لدرجة أن ابتسامته العريضة لم تفارق مُحيَّاه، ولم يطق الانتظار حتى يزف الخبر السار لجميع جيراننا وأقربائنا. عندما عدت إلى المنزل، أشاد بي جميع جيراني وأثنوا عليَّ قائلين: "لقد التحقتِ ببرنامج للدراسات العليا، أحسنتِ! لقد كنتِ تلميذة موهوبة منذ سن مبكرة. لا بد أن والدكِ فخور جدًّا بكِ!". كنت سعيدة للغاية بنفسي وتمكنت أخيرًا أن أرفع رأسي عاليًا.
لم يمضِ وقت طويل حتى بدأ العام الدراسي، ووازنت وقتي بين الدراسة والقيام بواجبي، لكن كان على طلاب الدراسات العليا أن يحضروا عدة حصص دراسية في اليوم الواحد، وأن يكملوا واجباتهم المنزلية في أوقات فراغهم، فلم يكن لدي متسع من الوقت لممارسة العبادات وقراءة كلام الله. كنت أدرك أحيانًا أنني كنت أكشف عن فساد في واجبي، لكن لم يكن لدي الوقت لأتأمل في ذاتي، وكنت أشعر بالاضطراب والبؤس. كنت أفكر أحيانًا: "كيف ستتقدم حياتي إذا لم يكن لديَّ أي وقت لقراءة كلام الله وطلب الحق؟ ورغم ذلك، ظلَّت واجباتي المنزلية تتراكم وكنت أضطر إلى إكمالها. علاوةً على ذلك، كان زملائي في الصف يدرسون ويبحثون بجدية أكبر، ويبذلون كل جهودهم لزيادة قدراتهم ومستواهم؛ إذا لم أخصص وقتًا للاستذكار، ألم أكن لأتخلف عنهم ولم أكن لأتميز قطٌّ؟". لقد أقلقني هذا الأمر وعذبني؛ لماذا كنت لا أزال حزينة بعد أن اجتزت اختبار القبول في برنامج الدراسات العليا الذي كنت أحلم به؟
ذات ليلة، أعلنت جامعتي أنها ستغلق الحرم الجامعي بسبب الجائحة، لذا في غضون بضعة أيام، ما كان ليعود بإمكان الطلاب الذين دخلوا الحرم الجامعي الخروج منه متى ما أرادوا. أدركت أن الوقت قد حان بالنسبة إليَّ لأتخذ قرارًا. إذا قررت استكمال دراستي، فلم أكن لأتمكن من ممارسة إيماني والقيام بواجبي. إذا كنت سأنحِّي واجبي جانبًا ولم يكن بإمكاني حضور الاجتماعات في مثل هذه اللحظة المهمة، فإن حياتي كانت لتتضرر بالتأكيد. علاوة على ذلك، إذا أمضيت جُلَّ وقتي في الجامعة ولم يكن بإمكاني حضور الاجتماعات، فمن المؤكد أنني كنت سأبذل كل جهدي في السعي إلى مستقبل في العالم العلماني وكان سيصعب عليَّ أن أترك ذلك. إذا لم أنل الحق، ولم تتغيَّر آرائي حول الأشياء، وانتهى بي الأمر بالتمرغ في الوحل مع غير المؤمنين الآخرين والسعي وراء الاتجاهات الشريرة، فإنني كنت لأصبح في النهاية صورة حية للشيطان وكان سيُحكم عليَّ بالهلاك والدمار. كانت الكوارث قد بدأت بالفعل، وكانت أيضًا لحظة حاسمة للتوسع في نشر الإنجيل؛ فإذا واصلتُ المساعي الدنيوية ولم أقم بواجبي وأعد الأعمال الصالحة على الإطلاق، فمن المؤكد أنني لم أكن لأنال عناية الله وحمايته، وكنت سأنجرف في الكوارث مثل جميع غير المؤمنين الآخرين. لكن، لم يكن بإمكاني أن أتخلى عن دراستي أيضًا؛ إذ لم يكن إنجازًا سهلًا أن أجتاز اختبار القبول في برنامج الدراسات العليا، فكيف كان بإمكاني الانسحاب بهذه السهولة؟ إذا انسحبتُ، ألم أكن لأفقد هيبتي وشهرتي مجددًا؟ حينها ألم أكن لأصبح أقل شأنًا من أقراني وأعيش حياة مكبوتة وأعجز عن رفع رأسي بفخر؟ عندما فكرت في الانسحاب، شعرت بالبؤس الشديد لدرجة أنني لم أشعر برغبة في القيام بأي شيء. عندما كنت أستيقظ كل صباح، كنت أفكر في الخيارات المطروحة أمامي وأغرق في الضيق.
لاحقًا، صادفتُ فقرة من كلمات الله: "لا يكتفي الله بدفع ثمن لكل شخص في عشرات الأعوام من ولادته إلى الوقت الحاضر. يرى الله أنك أتيت إلى هذا العالم مرَّات لا تُحصى، وأعيد تجسدك مرَّات لا تُعد. من المسؤول عن هذا؟ الله هو المسؤول عن هذا. ولا مجال لك لمعرفة هذه الأشياء. في كل مرَّة تأتي فيها إلى هذا العالم، فإن الله يُجري لك ترتيبات بنفسه: إنه يرتب عدد الأعوام التي ستعيشها، ونوع العائلة التي ستولد فيها، والوقت الذي سوف تُكوِّن فيه عائلة وتحصل على وظيفة، وكذلك ما سوف تفعله في هذا العالم وكيف ستكسب لقمة العيش. يرتب الله لك طريقة لكسب العيش حتى تتمكن من إنجاز مهمتك في هذه الحياة دون عوائق. وبخصوص ما يجب عليك عمله في تجسدك القادم، يرتب الله تلك الحياة وينتجها لك وفقًا لما يجب أن تتمتع به وما يجب أن يُعطى لك...أجرى الله هذه الترتيبات لك مرَّات عدة، وقد وُلدت أخيرًا في عصر الأيام الأخيرة في عائلتك الحالية. رتّب الله لك بيئة يمكنك أن تؤمن به فيها. وجعلك تسمع صوته وتعود للمثول أمامه لتتمكن من اتباعه وأداء واجب في بيته. فأنت لم تعش إلى يومنا هذا إلا بمثل هذا الإرشاد من الله. وأنت لا تعرف عدد المرَّات التي وُلدت فيها بين البشر، ولا عدد المرَّات التي تغيَّر فيها شكلك، ولا عدد العائلات التي كوَّنتها، ولا عدد العصور والسلالات التي عشت خلالها. ولكن طوال الوقت كانت يد الله تساندك وكان الله يحرسك دائمًا. فكم يكدح الله من أجل الإنسان! يقول بعض الناس: "عمري ستين عامًا. كان الله يحرسني ويحميني ويرشدني لمدة ستين عامًا. عندما أتقدم في السن، إن لم أتمكن من أداء واجب ولا يمكنني فعل أي شيء، هل سيظل الله يهتم بي؟" أليس من السخف قول هذا؟ لا يملك الله سيادة على قَدر الشخص أو يحرسه أو يحميه في مجرد حياة واحدة. إن كان الأمر يرتبط فقط بحياة واحدة وعُمر واحد، لا يمكن إثبات أن الله قدير ويملك السيادة على كل شيء. فالعمل الذي يصنعه الله والثمن الذي يدفعه عن الإنسان، ليس فقط لترتيب ما يفعله الإنسان في هذه الحياة، ولكن لترتيب عدد لا يُحصى من الأعمار له. يتحمَّل الله المسؤولية كاملةً عن كل نفس تتجسد من جديد. إنه يعمل بانتباه دافعًا ثمن حياته ومرشدًا كل شخص ومرتبًا كل حياة من حيواته. يكدح الله ويدفع ثمنًا بهذه الطريقة من أجل الإنسان، ويمنح الإنسان هذه الحقائق كلها وهذه الحياة. إن لم يؤدِّ الناس واجب الكائنات المخلوقة في هذه الأيام الأخيرة ولم يرجعوا أمام الخالق، وإن كانوا في النهاية لا يؤدون واجباتهم جيدًا ولم يُلبِّوا مطالب الله – مهما كانت الحيوات والأجيال التي مروا بها – ألا يكون دَينهم لله هائلًا جدًّا؟ ألن يكونوا غير مستحقين لكل الأثمان التي دفعها الله؟ سوف يكونون ناقصي الضمير لدرجة أنهم لن يستحقوا أن يُدعوا بشرًا، وذلك لأن دَينهم تجاه الله سيكون هائلًا جدًّا. ولذلك، في هذه الحياة، أنا لا أتحدث عن حيواتك السابقة، ولكن في هذه الحياة إن لم تكن قادرًا على التخلي عن الأشياء التي تحبها أو الأشياء الخارجية من أجل مهمتك – مثل الملذات المادية والمحبة والفرح من الأسرة – وإن لم تتخل عن ملذات الجسد من أجل الأثمان التي يدفعها الله لك أو لرد محبة الله، فأنت شرير حقًا! في الواقع، أي ثمن تدفعه لله يستحق العناء. مقارنةً بالثمن الذي يدفعه الله بالنيابة عنك، ماذا يمثل المبلغ الضئيل الذي تقدمه أو تنفقه؟ ما الذي تمثله معاناتك القليلة؟ هل تعلم مدى ما عاناه الله؟ إن القليل الذي تعاني منه لا يستحق الذكر حتى عند مقارنته بما عانى منه الله. بالإضافة إلى ذلك، من خلال أداء واجبك الآن تنال الحق والحياة، وفي النهاية سوف تبقى على قيد الحياة وتدخل في ملكوت الله. يا لها من بركة عظيمة! بينما تتبع الله، بصرف النظر عما إذا كنت تعاني أو تدفع الثمن، فأنت في الواقع تعمل مع الله. مهما كان ما يطلبه الله منا، فإننا نستمع إلى كلام الله ونمارس وفقًا له. لا تتمرد على الله ولا تفعل أي شيء يحزنه. للعمل مع الله، يجب أن تعاني قليلًا وتتخلى عن بعض الأشياء وتضعها جانبًا. يجب أن تتخلى عن الشهرة والربح والمكانة والمال والملذات الدنيوية، بل ويجب أن تتخلى عن أشياء مثل الزواج والعمل وآفاقك في العالم. هل يعلم الله ما إذا كنت قد تخليت عن هذه الأشياء؟ هل يمكن أن يرى الله هذا كله؟ (نعم). ماذا سيفعل الله عندما يرى أنك تخليت عن هذه الأشياء؟ (سيستريح الله وسيُسر). لن يشعر الله بمجرد المسرة ويقول: "لقد أثمرت الأثمان التي دفعتها. الناس على استعداد للعمل معي، ولديهم هذا التصميم وقد ربحتهم". سواء كان الله مسرورًا أو سعيدًا، وراضيًا أو مستريحًا، فإنه ليس لديه ذلك الموقف فقط. إنه يعمل أيضًا ويريد أن يرى النتائج التي يحققها عمله، وإلا فإن ما يطلبه من الناس سيكون بلا معنى. إن النعمة والمحبة والرحمة الذي يُظهره الله للإنسان ليس مجرد موقف، بل حقيقة أيضًا. ما حقيقة ذلك؟ حقيقة أن الله يضع كلامه في داخلك وينيرك حتى تتمكن من رؤية ما هو جميل فيه ورؤية مغزى العالم، وحتى يمتلئ قلبك بالنور مما يسمح لك بفهم كلامه والحق. وبهذه الطريقة، سوف تربح الحق دون أن تدري. يعمل الله فيك كثيرًا جدًّا بطريقة حقيقية تمامًا، مما يتيح لك ربح الحق. عندما تربح الحق وتربح الشيء الأثمن وهو الحياة الأبدية، تتحقق مقاصد الله. عندما يرى الله أن الناس يطلبون الحق ويرغب في التعاون معه، فإنه يكون مسرورًا وراضيًا. وبالتالي، فإن الله صاحب موقف، وبينما هو على ذلك الموقف، فإنه ينطلق إلى العمل ويستحسن الإنسان ويباركه. إنه يقول: "سوف أكافئك بالبركات التي تستحقها". وبعد ذلك تكون قد ربحت الحق والحياة. عندما تكون لديك معرفة بالخالق وتكون قد ربحت تقديره، هل ستظل تشعر بالفراغ في قلبك؟ لا. سوف تشعر بالإشباع والمسرة. أليس هذا هو معنى أن تتمتع حياة الإنسان بالقيمة؟ هذه هي الحياة الأكثر قيمة ومغزى" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. دفع الثمن لكسب الحق عظيم الأهمية). من خلال كلمات الله، أدركت أن الله هو الذي أرشدني وحماني في كل خطوة على طريقي إلى اللحظة الحالية. لم يسمح لي الله أن أُولد في الأيام الأخيرة وأن يحالفني الحظ بما يكفي لأقبل عمله في الأيام الأخيرة لمجرد أن يكون بإمكاني الذهاب للسعي وراء الآفاق والمهنة. كلا، لقد أرادني الله أن أتلقى إمداد كلامه، وأن أفهم الحق، وأن أتمم واجبي بصفتي كائنًا مخلوقًا. إنَّ العائلة والعمل اللذان يرتبهما الله للناس ليسا سوى أمرين مؤقتين. إذا رفضت خلاص الله ورفضت القيام بواجبي بصفتي كائنًا مخلوقًا لمجرد أن يمكنني الارتقاء إلى مستوى توقعات عائلتي أو أحقق مستوى من المتعة المادية والشهرة والمكسب، ألم أكن لأصبح غير مستحقة لإمداد الله وأفقد فرصة رائعة لأن أُخلَّص؟ إذا قررتُ أن أقوم بواجبي، فقد أتنازل عن مصالح شخصية معينة، لكنني كنت لأحصل على الحق الأكثر قيمة وأحصل في النهاية على خلاص الله والنجاة؛ وهذه هي الفوائد الملموسة بالدرجة الأكبر على الإطلاق! بعد إدراكي لهذا الأمر، تأثرت كثيرًا وصار لدي حافز، وشعرت أن الله كان يدفعني ويرشدني وجهًا لوجه. شاهدت بعد ذلك مقطع فيديو لشهادة اختبار بعنوان "اختيار بلا ندم"، وفيه تتخلى إحدى الأخوات بعزم عن فرصة للدراسة في جامعة "تسينغهوا" من أجل ممارسة الإيمان ونشر الإنجيل. في مقطع الفيديو، عندما تبشر الأخت أستاذها بالإنجيل، يصير متحمسًا إلى أبعد الحدود وينفجر في البكاء فرحًا، لأنه كان ينتظر مجيء الرب منذ فترة طويلة بشكل مؤلم، وقد وجد أخيرًا إنجيل الله الذي قد انتظره لفترة طويلة. كان لهذا الفيديو تأثير عميق بشكل خاص في نفسي. فكرت في جميع زملائي في الصف وأصدقائي الذين لم يفهموا المعنى الحقيقي للحياة وكانوا لا يزالون يعيشون في بؤس تحت سلطة الشيطان. كنت محظوظة بما يكفي لقبولي إنجيل الله في الأيام الأخيرة، لذا كان يجب أن أتحمل المسؤولية، وأسعى إلى الحق قدر ما أمكنني، وأتزود بالحق، وأنشر الإنجيل، وأجلب أناسًا أكثر أمام الله ليتلقوا دينونته، ويُطهَّروا، ويحققوا الخلاص، ويعيشوا ببركات الله وإرشاده. كم كان ذلك سيكون رائعًا! بعد إدراكي لهذا، قررت أن أنبذ دراستي وأركز على الإيمان بالله. لكن عندما حان الوقت الفعلي لاتخاذ قراري، كان لا يزال الأمر صعبًا بعض الشيء بالنسبة إليَّ. فكرت: "إذا لم أستكمل دراستي، فلن تتاح لي الفرصة أبدًا للتميز في المستقبل". كان الثناء من عائلتي وأقربائي وأصدقائي وجيراني نوعًا من الهيبة التي وجدت صعوبة في التخلي عنها.
في خِضَمِّ معاناتي، صادفت هذه الفقرة من كلمات الله: "خلال عمليّة تعلُّم الإنسان المعرفة يستخدم الشيطان أيّ أسلوبٍ، سواء كان شرح القصص أو مُجرّد تقديم قدرٍ ضئيل من المعرفة للبشر، أو السماح لهم بإشباع رغباتهم أو تحقيق طموحاتهم. ما هو الطريق الذي يريد الشيطان أن يقودك إليه؟ يعتقد الناس أنه لا خطأ في تعلُّم المعرفة، وأن ذلك طبيعيّ تمامًا؛ أو لوصف الأمر بطريقة أكثر جاذبية، أن تُعزِّز المُثُل العُليا أو أن تكون لديك طموحاتٌ معناه أن يكون لديك دافع، ويجب أن يكون هذا هو الطريق الصحيح في الحياة. إذا كان بإمكان الناس تحقيق مُثُلهم الخاصّة أو النجاح في مهنةٍ في حياتهم، ألن يكون من الأروع العيش بهذه الطريقة؟ من خلال قيام المرء بتلك الأمور لا يُكرم أسلافه فحسب بل ربّما يترك أيضًا سمتَه المميزة في التاريخ، أليس هذا شيئًا جيّدًا؟ هذا شيءٌ جيّد في نظر الناس الدنيويّين، وبالنسبة لهم يجب أن يكون مناسبًا وإيجابيًّا. ومع ذلك، هل يأخذ الشيطان الناس بدوافعه الشرّيرة إلى هذا النوع من الطريق وهذا كل ما في الأمر؟ لا بالتأكيد. في الواقع، بغضّ النظر عن سموّ مُثُل الإنسان العُليا، وبغضّ النظر عن مدى واقعيّة رغبات الإنسان أو مدى لياقتها، فإن كلّ ما يسعى إليه الإنسان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بكلمتين. هاتان الكلمتان مُهمّتان للغاية بالنسبة لحياة كلّ شخصٍ، وهما متعلقتان بأمورٌ يعتزم الشيطان غرسها في الإنسان. ما هاتان الكلمتان؟ هما "الشهرة" و"الربح". يستخدم الشيطان نوعًا دقيقًا جدًّا من الطرق، وهي طريقةٌ تتوافق إلى حد كبير مع مفاهيم الناس؛ وهي ليست متطرفة على الإطلاق، ومن خلالها يجعلُ الناس يقبلون – دون وعي منهم – طريقة عيش الشيطان وقواعده للعيش ويُحدِّدون أهداف الحياة ووجهتهم في الحياة، وعند قيامهم بذلك تصبح لديهم أيضًا طموحات في الحياة دون دراية منهم. بغضّ النظر عن مدى سموّ هذه الطموحات الحياتية، فهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا "بالشهرة" و"الربح". كل شيء يتبعه أيّ شخصٍ عظيم أو مشهور، أو جميع الناس في الحياة يتعلَّق بكلمتين فقط: "الشهرة" و"الربح". يعتقد الناس أنه بمُجرَّد حصولهم على الشهرة والربح يمكنهم حينها الاستفادة منهما للتمتع بالمكانة العالية والثروة الكبيرة والاستمتاع بالحياة، ويعتقدون أن الشهرة والربح هما نوع من رأس المال الذي يمكنهم الاستفادة منه للحصول على حياة قائمة على البحث عن اللذة والمتعة الجسدية المفرطة. يسلِّم الناس عن طيب خاطرٍ، وإن كان دون درايةٍ، أجسادهم وعقولهم وكلّ ما لديهم ومستقبلهم ومصائرهم إلى الشيطان لتحقيق الشهرة والربح اللذين يرغبون فيهما. يفعل الناس هذا فعلًا دون تردُّدٍ للحظةٍ واحدة ويجهلون دائمًا الحاجة إلى استعادة كلّ شيءٍ سلَّموه. هل يمكن للناس أن يتحكَّموا بأنفسهم بمُجرَّد أن يلجأوا إلى الشيطان بهذه الطريقة ويصبحوا مخلصين له بهذه الطريقة؟ لا بالتأكيد. فالشيطان يتحكَّم بهم تمامًا وبمعنى الكلمة. كما أنهم قد غرقوا تمامًا وبمعنى الكلمة في مستنقعٍ، وهم عاجزون عن تحرير أنفسهم. بمُجرَّد أن يتورَّط شخصٌ ما في الشهرة والربح، فإنه لا يعود يبحث عمّا هو مُشرِقٌ أو ما هو عادل أو تلك الأشياء الجميلة والصالحة. يعود السبب في هذا إلى أن القوّة المُغرية التي تملكها الشهرة والربح على الناس هائلةٌ للغاية، وتصبح أشياءً يتبعها الناس طيلة حياتهم وحتَّى إلى الأبد بلا نهايةٍ. أليس هذا صحيحًا؟" [الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (6)]. من خلال كلمات الله، أدركت تدريجيًّا أن تلك الآراء والأفكار ومبادئ البقاء على قيد الحياة مثل "تميز عن الآخرين"، "كرِّم أسلافك"، و "المساعي الأخرى ضئيلة، والسجلات تفوقها جميعًا"، التي كنت أعتمد عليها دائمًا جاءت من الشيطان. اعتقدت أن الدراسة بجد للحصول على درجة علمية متقدمة وأن أكون متفوقة على البقية كان هدفًا إيجابيًّا لأسعى إليه. لتحقيق هدفي، عملت بجِدٍّ كبير في دراستي وكنت مستعدة للمثابرة خلال أي معاناة. عندما لاحظت أن بعض زملائي في الصف كانوا يحصلون على درجات علمية أعلى أو وظائف ممتازة، شعرت بأنني أقل منهم شأنًا، وقلقت من أن يُنظر إليَّ نظرة دونية. لأحفظ ماء وجهي وأتمكن من رفع رأسي عاليًا أمام أقراني، تخليت عن فرصة القيام بواجبي بدوام كامل، وآثرتُ أن أضع كل وقتي وطاقتي في التحضير لامتحان القبول في الدراسات العليا. لم أراعِ عمل الكنيسة أو مقصد الله المُلحِّ في أن يُخلِّص البشرية ولو بأدنى قدر، وخشيت أن يؤخر قيامي بالواجب تحضيراتي للاختبار. في أثناء التحضير للاختبار، كنت أقضي الليل والنهار في الاستذكار، ولم أمنح نفسي أدنى فرصة للراحة وأصبحت قلقة وبائسة رُغمًا عني. كان الأمر منهكًا للغاية! لقد رأيت أشخاصًا على شبكة الإنترنت يناقشون كيف أنهم بعد أن واجهوا الفشل في أثناء أداء اختبارات برامج الدراسات العليا أو البحث عن عمل، بدأوا يعانون من القلق والاكتئاب. أخبرني أحد أصدقائي أيضًا عن طالب تخرج من جامعتنا وفشل في اجتياز اختبار القبول في أحد برامج الدراسات العليا وانتهى به المطاف في جناح الأمراض النفسية من جرَّاء العذاب النفسي للتجربة برمَّتها. كان بالإمكان سماعه كل يوم في الجناح وهو يصرخ: "أريد الالتحاق بالدراسات العليا، أريد الالتحاق بالدراسات العليا!". كان هناك أيضًا العديد من الأشخاص الذين واجهوا الفشل في اجتياز اختبارات الالتحاق بالكلية أو الدراسات العليا وانتهى بهم الأمر بقتل أنفسهم، لأنهم اعتقدوا أنه لم يكن لديهم أي آفاق مستقبلية، ولا فرصة لتحقيق الشهرة والمكاسب، وأن الحياة لا معنى لها. ألم تكن تلك الأمثلة الحية كلها نتيجة لعذاب الشيطان؟ كان الأمر نفسه بالنسبة إليَّ: لقد بذلتُ كل جهدي في السعي وراء الآفاق والشهرة والمكاسب، وغرقتُ في هاوية الشهرة والمكاسب السحيقة، ولم أشعر بأي دافع إطلاقًا لممارسة الإيمان، والسعي إلى الحق والسعي إلى التحول الشخصي. حينها فقط رأيت حقًّا دوافع الشيطان الشريرة. لقد استخدم الشيطان الشهرة والربح لاستدراجي؛ فهو لم يجعلني أعاني عقليًّا وعاطفيًّا فحسب، بل حاول أيضًا أن يمنعني من القدوم أمام الله للسعي إلى الحق وتحقيق الخلاص. فكرت في هذه الفقرة من كلمات الله: "إذا كانت المكانة الاجتماعية لشخص ما متدينة جدًا، وعائلته فقيرة جدًا، ومستوى تعليمه منخفض، لكنه يؤمن بالله بطريقة واقعية، ويحب الحق والأشياء الإيجابية، فهل قدْره مرتفع في نظر الله أم منخفض، هل هو ذو قدر أم أنه لا قيمة له؟ إنه ذو قيمة. إذا نظرنا إلى الأمر من هذا المنظور، فعلامَ يعتمد قدْر شخص ما، سواء كان مرتفعًا أم منخفضًا، وسواء كان نبيلًا أم متدنيًا؟ يعتمد ذلك على الطريقة التي يراك بها الله. إذا رآك الله شخصًا يسعى وراء الحق، فهذا يعني أن ذو قدر وقيمة؛ أنت وعاء قيِّم. وإذا رأى الله أنك لا تسعى إلى الحق وأنك لا تبذل نفسك بإخلاص من أجله، فأنت بلا قدر ولا قيمة وأنت وعاء حقير. مهما بلغ علوُّ تعليمك أو ارتفعت مكانتك في المجتمع، فإذا لم تسعَ إلى الحق أو تفهمه، فلا يمكن أبدًا أن تكون عالي القدر؛ حتى وإن دعمك الكثير من الناس، وأثنوا عليك، وأحبوك، فإنك ما تزال وضيعًا حقيرًا. فلماذا يرى الله الناس بهذه الطريقة؟ لماذا يُرى مثل هذا الشخص "النبيل" ذو المكانة العالية في المجتمع والذي يمدحه ويعجب به الكثير من الناس، وضيعًا في نظر الله رغم أنه ذو جاه كبير؟ لماذا نظرة الله للناس مناقضة تمامًا للآراء التي تكون لدى الناس تجاه الآخرين؟ هل يضع الله نفسه ضد الناس عن قصد؟ بالطبع لا. هذا لأن الله هو الحق، والله هو البر، بينما الإنسان فاسد وليس لديه حق أو بر، والله يقيس الإنسان بمعياره الخاص، ومعياره لقياس الإنسان هو الحق. قد يبدو قول هذا مجردًا بعض الشيء، لذا لنقُل بطريقة أخرى إنَّ معيار الله للقياس يستند إلى موقف الشخص تجاه الله، وموقفه تجاه الحق، وموقفه تجاه الأشياء الإيجابية؛ لم يعد الأمر مجردًا" [الكلمة، ج. 4. كشف أضداد المسيح. البند السابع: إنهم أشرارٌ وماكرون ومخادعون (الجزء الأول)]. من خلال كلمات الله، تعلمت أن الله لا يقيِّم الناس بناءً على مؤهلاتهم الأكاديمية أو مكانتهم الاجتماعية، بل على أساس الموقف الذي يتبنونه في تعاملهم مع الحق والله. إنَّ الله يقدِّر أولئك الذين يؤمنون به حقًّا، ويسعون إلى الحق ويحبون الأمور الإيجابية. على النقيض من ذلك، حتى لو كان شخص ما يتمتع بمكانة اجتماعية رفيعة ويوقره الآخرون، إذا لم يقبل الحق ولم يحترم الله ويسعى إلى الشر ويُفسد الأمور، فإنَّ الله سيعتبره وضيعًا. شعرت بالتحرر بعد فهمي لمقصد الله ومعياره في تقييم الناس، وأدركت كم كان أمرًا سخيفًا ومتعارضًا مع الحق أن أقيِّم الناس بناءً على مؤهلاتهم الأكاديمية. شعرت أيضًا بإحساسٍ بالحافز وتوقفت عن الرغبة في السعي بتركيز شديد للحصول على درجة علمية متقدمة ودرجات جيدة. أردت أن أصبح إنسانة تسعى إلى الحق وتكون ثابتة الخُطى وواقعية في واجباتها.
بعد ذلك، ذهبت إلى الجامعة للانسحاب. وبَّخني أستاذي بشكل مستمر، بل إنه حتى سخر مني لعدم مواصلتي للدراسات العليا، قائلًا إنني لا بد أن أكون حمقاء لعدم قضائي عامين فقط للحصول على شهادتي المتقدمة. في مواجهة سخرية الأستاذ، شعرت بالضعف بعض الشيء. فكرت أيضًا في كيف أن الطلاب في بداية العام الدراسي كانوا يفيضون بالحماس والطموح، مستعدين لبدء حياتهم الجديدة بصفتهم طلاب دراسات عليا، بينما كنت أنسحب وأسير في الاتجاه المعاكس. إذا اعتقد الناس أنني كنت غريبة ولم يفهموني، هل كنت سأظل قادرة على الثبات على موقفي عندما يسألني الآخرون؟ صليت إلى الله: "يا إلهي، لم يُستهزأ بي هكذا من قبل وأشعر بالضعف الشديد. يا إلهي، أرجو أن تمنحني الإيمان وتسمح لي أن أكون واثقة وشجاعة خلال كل هذا، حتى يمكنني أن أثبت على معتقداتي". لاحقًا، بحثت عن كلمات الله المتعلقة بحالتي الحالية وصادفت ترنيمة من كلمات الله بعنوان "ما يجب أن يسعى له الشَّباب". كان لهذه الترنيمة تأثير عميق في نفسي.
لا ينبغي أن يكونوا بلا مُثل، لا ينبغي على الشباب ألا يكونوا بلا عزيمة في ممارسة التمييز في المشكلات، وفي سعيهم وراء الحق والعدل. ...
1 العيون التي تمتلئ بالخداع والتعصب تجاه الناس ليست هي العيون التي ينبغي على الشباب امتلاكها، ولا يجب على الشباب أن يرتكبوا أعمال تدمير وعدوان. لا ينبغي أن يكونوا بلا مُثل أو تطلعات أو رغبة متحمسة في تحسين أنفسهم؛ لا ينبغي أن يشعروا بخيبة الأمل بشأن تطلعاتهم ولا أن يفقدوا الأمل في الحياة والثقة في المستقبل؛ ينبغي أن تكون لديهم مثابرة للاستمرار في طريق الحق الذي اختاروه الآن – حتى يحققوا رغبتهم في بذل حياتهم بالكامل لأجلي.
2 لا ينبغي على الشباب أن يكونوا بلا حق، ولا ينبغي أن يكنّوا في صدورهم الرياء والإثم، بل يجب أن يثبتوا في الموقف السليم. لا ينبغي أن ينجرفوا بعيدًا بل يجب أن تكون لديهم روح الإقدام للتضحية والنضال من أجل العدل والحق. ينبغي أن يكون لدى الشباب الشجاعة لكيلا يخضعوا لقمع قوات الظلمة وليغيروا مسار أهمية وجودهم. لا ينبغي أن يستسلموا للمحنة، بل ينبغي أن يكونوا منفتحين وصرحاء ولديهم روح الغفران تجاه إخوتهم وأخواتهم.
3 لا ينبغي على الشباب ألا يكونوا بلا عزيمة في ممارسة التمييز في المشكلات، وفي سعيهم وراء الحق والعدل. ما يجب أن تسعوا وراءه هو كل الأشياء الجميلة والجيدة، وينبغي عليكم الحصول على واقعية جميع الأشياء الإيجابية، وأيضًا أن تكونوا مسؤولين تجاه حياتكم، ولا يجب أن تستخفوا بها.
– الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. كلمات للشباب والشيوخ
وأنا أستمع إلى كلام الله، شعرت وكأن الله كان يحفزني وجهًا لوجه: لا تنجرفي مع الاتجاهات السائدة. لقد أدركتِ أن اتباع الله هو طريق النور الصحيح، لذلك يجب أن تتبعي هذا الطريق بعزم. أدركت أيضًا أنه بفضل نعمة الله الرائعة كان بإمكاني قبول عمل الله وقراءة الحق الذي يعبر عنه! كل ما يأتي من الله إيجابي، بينما كل ما يسعى إليه الناس في العالم العلماني سلبي. إذا قلقتُ من عدم فهم الآخرين لي ودعمهم إياي واتبعتُ الاتجاهات الدنيوية لأحمي نفسي، ألم أكن لأتمرَّغ في الوحل مع أولئك الذين في العالم العلماني؟ بفضل إرشاد كلام الله، تحلَّيتُ بالإيمان والشجاعة للتمسك بقناعاتي بقوة وتوقفت عن الدراسة في الجامعة.
بالتأمل في طريقي، أدركت أن الأمر كان بفضل إرشاد كلام الله الذي مكنني من رؤية دوافع الشيطان الغادرة في استخدام الشهرة والكسب لإيذاء الناس. علاوة على ذلك، ساعدني كلام الله على التحرر من الهاوية المظلمة للسعي وراء الشهرة والكسب. اختبرت الفرح والسلام اللذين جلبهما لي كلام الله، وفهمت المقاصد الحسنة التي يُخلِّص الله بها البشرية. كان عليَّ أن أعتز بهذه الفرصة النادرة، وأن أبذل قصارى جهدي لأتزود بالحق، وأنشر الإنجيل، وأشهد لله لأرد له محبته! بعد ذلك، شرعت في القيام بواجب في سقاية القادمين الجدد. بدون قيود الدراسة الأكاديمية وقيود القلق على الآفاق المستقبلية، كان بإمكاني أن أكرِّس نفسي بالكامل لواجبي، وكان لديَّ المزيد من الوقت لقراءة كلام الله، والتزود بالحق، وتعلمت واكتسبت أكثر بكثير من واجبي. الشكر لله على إرشاده وخلاصه!