78. بعد علمي بوفاة والديّ

لطالما أحبني والدايّ حبًّا جمًّا، منذ أن كنت صغيرة، وكانا يعملان في الأعمال اليدوية الشاقة ليتمكنا من توفير نفقات الدراسة لي ولأخي. وإذ كنت أراهما يعملان بكل هذا الجهد من الفجر حتى الغسق، كنت أقول لنفسي: "عندما أكبر، يجب أن أربح الكثير من المال كي أُوفّر حياة أفضل لوالديّ". وبعد أن بدأت العمل، كنت أرسل لهما كل ما أربحه من مال، آملة أن أُحسِّن مستوى جودة حياتهما. لاحقًا، قبلت عمل الله في الأيام الأخيرة وشاركت الإنجيل مع والديّ، لكن أبي توقف عن الإيمان لأنه خاف أن يتم اضطهاده من قِبل التنين العظيم الأحمر. أما أمي، فكانت لا تزال تُؤيّد قيامي بواجبي وتساعدني في رعاية طفلي. كنت أشعر أن والديّ قد فعلا الكثير من أجلي، وكنت كلما ذهبت لزيارتهما في المنزل، أُحاول أن أُساعدهما قدر الإمكان في الأعمال المنزلية وأُظهر لهما برّي، وكان هذا يُشعرني بدرجة أكبر من الاطمئنان. وفي يونيو من عام 2022، بدأت الشرطة بمطاردتي بسبب تبشيري بالإنجيل، ومنذ ذلك الوقت، لم أستطع العودة إلى المنزل لرؤية والديّ وطفلي. كنت قلقة أيضًا من أن والديّ كانا مُسنَّين وبصحة سيئة، وأنهما إذا مرضا، فلن يكون هناك من يعتني بهما. من خلال قراءة كلمات الله، فهمت أن حياة الإنسان كلها مُرتبة من قِبل الله، وأن الله له السيادة على قدر والديّ أيضًا، لذا فقد ائتمنت الله على والديّ، ولم تتأثر حالتي كثيرًا، ما أتاح لي القيام بواجبي بشكل طبيعي.

وفي نهاية نوفمبر من عام 2022، تلقيت رسالة من إحدى الأخوات، تقول إن أمي في المستشفى وفي حالة حرجة. لم تذكر الرسالة نوع المرض الذي كانت تعانيه، وكنت قلقة جدًا، إذ لم أكن أعرف طبيعة مرض أمي، ولا ما كانت عليه حالتها. كنت أرغب بشدة في العودة لزيارة أمي. لكنني فكرت بعد ذلك في أن الشرطة لا تزال تلاحقني، وفي مدى انشغالي في التعامل مع عواقب الاعتقالات في عدة كنائس، وأن رحيلي سيُؤخر عمل الكنيسة. كنت في صراع شديد، لذا صليت إلى الله، وائتمنته على مرض أمي. وفي منتصف مايو 2023، تلقيت رسالة من المنزل، تقول إن أمي قد توفيت بسكتة دماغية في العام الماضي، وإن أبي قد توفي أيضًا بنوبة ربو قبل بضعة أيام. كانت هذه الأخبار المفاجئة أكثر مما أستطيع تحمله. عندما فكرت في سرعة رحيلهما، وفي أنني لم أعد أملك والدين، اجتاحتني موجة من الألم ولم أتمكن من التوقف عن البكاء. فكرت في أنني لم أكن بجانبهما لأعتني بهما عندما كانا مريضين، ولم أرهما لمرة أخيرة قبل وفاتهما. شعرت بأنهما ولا بد كانا حزينين جدًّا، وأنهما كانا يشعران بخيبة أمل تجاهي كابنتهما، وأن أقاربي لا بد وأنهم نعتوني بالابنة العاقة أو الناكرة للجميل. شعرت بضعف شديد ولم أستطع سوى البكاء. وعندما ذهبت إلى غرفتي واستلقيت، امتلأ رأسي بصور والديّ. ابتساماتهما، ولطفهما معي، وكانت مشاهد حياتنا معًا تدور في ذهني مثل فيلم مرارًا وتكرارًا. فكرت في مدى صعوبة تربية والديَّ لي، وكيف عملا بجهد في أعمال يدوية شاقة لأتمكن أنا من الدراسة، وأن أمي ساعدت في رعاية طفلي بينما كنت أقوم بواجباتي بعيدًا عن المنزل. شعرت بأنني مَدينة لهما كثيرًا على كل شيء صغير فعلاه من أجلي. كنت أتألم بشدة، بل فكرت أنني لو لم أكن أؤدي واجبي، وعملت بدلًا من ذلك لكسب المال، لتمكنتُ من مساعدتهما في نفقات المعيشة ووفرت المال لعلاجهما عندما كانا مريضين، وربما ما كانا ليفارقا الحياة بهذه السرعة. عندما فكرت في كل تلك السنوات التي لم أكن فيها بجانبهما لأعتني بهما، وفي أنني لم أتمم جيدًا مسؤوليات كوني ابنة، شعرت أنني آثمة، وأنني مدينة لهما كثيرًا! خلال تلك الأيام، كنت في حالة يأس شديدة، غير قادرة على الأكل أو النوم، وأعيش في شعور بالذنب والألم. وعلى الرغم من أنني كنتُ لا أزال أقوم بواجبي، فقد كان قلبي مضطربًا بعمق. كما أنني كنت أفتقر إلى الشعور بالعبء لمتابعة العمل الإنجيلي الذي كنت مسؤولة عنه، وقد تأثر عملي أيضًا. وفي ألمي، صليت إلى الله، "يا الله، لقد توفي والدايّ، وأنا أعاني من ألمٍ وعذاب شديدين. أرجوك ساعدني واحفظ قلبي من الاضطراب". بعد الصلاة، شعرت ببعض السلام الداخلي. تذكرت كلمات الله عن كيفية التعامل مع وفاة الوالدين، فبدأت أبحث عنها لأقرأها.

يقول الله القدير: "عندما يتعلق الأمر بوفاة والديهم، يجب أن يتبنى الناس أيضًا موقفًا صحيحًا وعقلانيًا. ... إذن كيف يجب عليك أن تتغلب على الصدمة غير المتوقعة التي ستصيبك قبل أن يحدث هذا، حتى لا تؤثر الصدمة على أدائك لواجبك أو على الطريق الذي تسير فيه، أو تتداخل معه أو تمسه؟ دعنا ننظر أولًا إلى ما هو الموت تحديدًا، وما هي الوفاة تحديدًا؛ أليس المعنى هو أن يغادر الشخص هذا العالم؟ (بلى). هذا يعني أن الحياة التي يمتلكها الشخص، والتي لها وجود مادي، تزول من العالم المادي الذي يمكن أن يراه البشر، وتختفي. ثم ينتقل هذا الشخص إلى العيش في عالم آخر، في هيئة أخرى. انتهاء حياة والديك يعني أن العلاقة التي تربطك بهما في هذا العالم قد ذابت، واختفت، وانتهت. إنهما يعيشان في عالم آخر، في هيئات أخرى. أما بشأن كيفية استمرار حياتهما في ذلك العالم الآخر، وما إذا كانا سيعودان إلى هذا العالم، أو يلتقيان بك مرة أخرى، أو تكون لهما أي نوع من العلاقات الجسدية أو الارتباطات العاطفية معك، فهذا أمر قدّره الله، ولا علاقة لك به. باختصار، موتهما يعني أن مهامهما في هذا العالم قد انتهت، وقد وصلت حياتهما لمنتهاها. لقد انتهت مهامهما في هذه الحياة وفي هذا العالم، لذلك انتهت علاقتك بهما أيضًا. أما بالنسبة إلى ما إذا كانا سيتجسدان مرة أخرى في المستقبل، أو ما إذا كانا سيلاقيان أي نوع من الجزاء والتقييد، أو أي نوع من التعامل والترتيبات في العالم الآخر، فهل هذا له أي علاقة بك؟ هل يمكنك أن تقرر هذا؟ لا علاقة لك بهذا، كما لا يمكنك أن تقرره، ولن تستطيع معرفة أي شيء عنه. تنتهي علاقتك بهما في هذه الحياة في ذلك الوقت. أي أن المصير الذي ربطكم معًا حيث عشتم معًا جنبًا إلى جنب لمدة 10 أو 20 أو 30 أو 40 عامًا ينتهي عندئذٍ. بعد ذلك، هم يصبحون هم، وأنت تصبح أنت، ولا تجمعكم أي علاقة على الإطلاق. حتى لو كنتم جميعكم تؤمنون بالله، فقد أديا واجباتهما، وأنت تؤدي واجباتك؛ عندما لا يعودان يعيشان في ذات البيئة المكانية، لا تعود هناك أي علاقة بينكم. ببساطة، لقد أكملا المهام التي أوكلها الله إليهما بالفعل. لذا، عندما يتعلق الأمر بالمسؤوليات التي أوفيا بها لك، فإنها تنتهي في اليوم الذي تبدأ فيه بالوجود بشكل مستقل عنهما؛ لم تعد لك أي علاقة بوالديك بعد الآن. إذا توفيا اليوم، سيكون ثمة ما تفتقده على المستوى العاطفي، وستفتقد اثنين من أحبائك الذين تحن إليهما. لن تراهما أبدًا مرة أخرى، ولن تتمكن من سماع أخبارهما مرة أخرى. لا علاقة لك بما سيحدث لهما بعد ذلك ومستقبلهما، ولن تكون بينكم روابط دم، ولن تعود حتى الكائن نفسه بعد ذلك. هكذا هو الأمر. ستكون وفاة والديك هي آخر خبر تسمعه عنهما في هذا العالم، وآخر ما تراه أو تسمع عنه من مراحل من حيث اختبارات الولادة، والكبر، والمرض، والموت في حياتهما، وهذا كل ما في الأمر. لن تأخذ وفاتهما منك شيئًا أو تعطيك شيئًا؛ فهما ببساطة قد ماتا، وانتهت رحلتهما كأناس. لذا، عندما يتعلق الأمر بوفاتهما، فلا يهم ما إذا كانت هذه الوفاة ناتجة عن حادث، أو وفاة طبيعية، أو وفاة ناتجة عن مرض، وما إلى ذلك، ففي كل الأحوال، لولا سيادة الله وترتيباته، ما كان بوسع أي شخص أو قوة أن تسلبهما حياتيهما. لا تعني وفاتهما سوى نهاية حياتهما الجسدية. إذا كنت تفتقدهما وتشتاق إليهما، أو تشعر بالخجل من نفسك بسبب مشاعرك هذه، فلا ينبغي أن تشعر بأي من هذه الأشياء، وليس من الضروري أن تشعر بها. لقد رحلا عن هذا العالم، لذا فإن الاشتياق إليهما لا داعي له، أليس كذلك؟ إذا كنت تفكر: "هل افتقدني والداي طيلة تلك السنوات؟ كم زادت معاناتهما لأنني لم أكن إلى جانبهما لأظهر لهما البرَّ بالوالدين طيلة هذه السنوات العديدة؟ لطالما تمنيت كل هذه السنوات أن أقضي بضعة أيام معهما، ولم أتوقع أبدًا أنهما سيتوفَّيان بهذه السرعة. أشعر بالحزن والذنب". ليس من الضروري أن تفكر بهذه الطريقة، فلا علاقة لموتهما بك. لماذا لا علاقة له بك؟ لأنه حتى لو كنت قد أظهرت لهما برّ الوالدين أو صاحبتهما، فليس هذا هو التكليف أو المهمة التي كلّفك الله بها. لقد قدَّر الله مقدار ما سيواجهه والداك من خير أو معاناة منك، وهذا لا علاقة له بك على الإطلاق. لن يعيشا حياة أطول لأنك معهما، ولن يعيشا حياة أقصر لأنك بعيد عنهما ولا يمكن أن تكون معهما كثيرًا. لقد قدَّر الله المدة التي سيعيشانها، ولا علاقة لذلك الأمر بك. لذا، إذا سمعت خبر وفاة والديك خلال حياتك، فلا داعي لأن تشعر بالذنب. يجب أن تتعامل مع هذا الأمر بالطريقة الصحيحة وتتقبله" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. كيفية السعي إلى الحق (17)]. "لو لم تغادر منزلك لأداء واجبك في مكانٍ آخر، وبقيت إلى جانب والديك، هل كان بوسعك أن تمنع عنهما المرض؟ (كلا). هل يمكنك التحكم في حياة والديك أو موتهما؟ هل يمكنك التحكم فيما إذا كانا غنيين أو فقيرين؟ (كلا). المرض الذي سيصيب والديك أيًا كان لن يكون بسبب إرهاقهما الشديد من تربيتك، أو لأنهما افتقداك؛ لن يصابا بأي من تلك الأمراض الكبيرة، والخطيرة، وربما القاتلة بسببك. هذا مصيرهما، ولا علاقة له بك. مهما كنت بارًا بوالديك، فإن أقصى ما يمكنك تحقيقه هو تخفيف معاناتهما الجسدية وأعبائهما قليلًا، أما بخصوص متى يمرضان وبأي مرض يصابان ومتى وأين يموتان؛ هل لهذه الأمور علاقة بك؟ لا، ليس لها علاقة بك. إذا كنت ابنًا بارًا بوالديك، إذا لم تكن عاقًا غير مبال، وقضيت اليوم كله معهما واعتنيت بهما، ألن يمرضا؟ ألن يموتا؟ إذا كانا سيمرضان، ألن يمرضا على أي حال؟ إذا كانا سيموتان، ألن يموتا على أي حال؟ أليس هذا صحيحًا؟" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. كيفية السعي إلى الحق (17)]. بعد قراءة كلمات الله، أدركت أن وقت ولادة الإنسان، وموعد وفاته، وطول عمره، كلها جزء من سيادة الله وقدره المسبق. موعد موت والديانا وكيفية موتهما كلها أمور مرتبة من قِبل الله، وهو يحكمها. لم أكن أنظر إلى الأمور بناءً على كلمات الله، ولم أكن أُدرك سيادته. كنت أعتقد أنه لو لم أخرج للقيام بواجبي، لتمكنتُ من العناية بوالديّ، وأنه كان بإمكاني توفير العلاج لهما عندما مرضا، ومن خلال القيام بذلك، لربما كانا سيعيشان لبضع سنوات أخرى ولم يموتا بهذه السرعة. كانت نظرتي للأمور هي نفسها نظرة غير المؤمنين، ومطابقة تمامًا لآراء عديم الإيمان. تذكرت أنه عندما مرض والديَّ من قبل، ذهبت إلى المنزل لزيارتهما، لكن كل ما استطعت فعله هو تقديم بعض كلمات المواساة لهما ونصيحتهما بالاعتناء بأنفسهما، وأعطيتهما ما كنت أملكه من مال قليل، من أجل شراء الدواء. لكن أمراضهما لم تتحسن، ولم أتمكن من تخفيف معاناتهما. وعندما قرأت كلمات الله هذه على وجه الخصوص: "المرض الذي سيصيب والديك أيًا كان لن يكون بسبب إرهاقهما الشديد من تربيتك، أو لأنهما افتقداك؛ لن يصابا بأي من تلك الأمراض الكبيرة، والخطيرة، وربما القاتلة بسببك. هذا مصيرهما، ولا علاقة له بك"، أدركت أخيرًا أن وفاة والديّ لم تكن لها أي علاقة بي، وأنه عندما انتهى عمرهما، رحلا عن هذا العالم في الوقت الذي قدَّره الله مسبقًا. كان هذا قدرهما. تذكرت أن أمي كانت قد قالت إن أبي أُدخل إلى المستشفى مرات عديدة وهو في حالة حرجة لتلقي علاج لإنقاذ الحياة، وكان الجميع يعتقدون أنه على وشك الوفاة، لكنه كان ينجو في النهاية. الكثير من الناس يمكثون بجانب والديهم ويعتنون بهم لسنوات، لكنهم رغم ذلك لا يستطيعون منعهم من الموت عندما يمرضون. ولا يمكن لأي مقدار من المال إنقاذهم. رأيت أن الله له السيادة على مصير كل إنسان، وأنني حتى لو كنت بجانب والديّ لأعتني بهما، كانا أيضًا سيصابان بالأمراض المُقدَّر لهما أن يصابا بها، ومهما كنت سأنفق على علاجهما من مال، فإنه لم يكن لينقذ حياتهما. فضلًا عن ذلك، كان والدايّ قد تجاوزا الستين من عمرهما، وكان أبي يعاني من الربو منذ عدة سنوات ويعتمد على الدواء يوميًا ليتمكن من العيش، وكان يتألم بشدة. الآن وقد رحل، لم يعد يعاني من المرض، وكان ذلك نوعًا من الراحة له. في ظل وجود هذه الأفكار في ذهني، شعرت ببعض الارتياح، وتحسنت حالتي قليلًا، وبدأت أقوم بواجبي بصورة طبيعية.

وذات يوم، بينما أنا أخرج لأقوم بواجبي، رأيت زوجين مسنين في الحافلة، وكانا في نفس عمر والديّ تقريبًا، ففكرتُ في والديّ مجددًا، وفي أنهما قد فارقا الحياة، ولم يعودا في نفس العالم معي. وبينما كنت أفكر في ذلك، امتلأت عيناي بالدموع، وسقطت في حالة من الكآبة الشديدة. وفي رأس السنة على وجه الخصوص، فكرتُ في والديّ مرة أخرى، وشعرت أنني لم أكن بارة بهما لأني لم أستطع أن أوفر لهما حياة مريحة. وكانت تلك عقبة لم أستطع تجاوزها، وشعرت بأنني مَدينة لهما بشدة. كنت أعلم أن حالتي خاطئة، فصليت إلى الله، "يا الله، لقد رحل والديّ، وأنا أعلم أن هذه هي سيادتك وترتيبك، لكنني ما زلت غير قادرة على التخلي عن الأمر، وأجد نفسي أعيش في شعور بالذنب ولوم الذات. أرجوك ساعدني في علاج حالتي".

بعد ذلك، قرأت فقرةً من كلمات الله: "عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع توقعات الآباء، هل من الواضح ما هي المبادئ التي يجب اتباعها وما هي الأعباء التي يجب التخلي عنها؟ (نعم). إذًا، ما هي تحديدًا الأعباء التي يتحملها الناس هنا؟ يجب عليهم أن يستمعوا إلى والديهم وأن يجعلاهما يعيشان حياة جيدة؛ فكل ما يفعله الأبوين هو من أجل مصلحتهم؛ ويجب عليهم أن يفعلوا ما يقوله آباؤهم ليكونوا بارين بوالديهم. إضافة إلى ذلك، يجب عليهم كبالغين أن يفعلوا أشياء لوالديهم، وأن يردوا الجميل لوالديهم، وأن يكونوا بارين بهما، وأن يرافقوهما، وألا يشعروهما بالحزن أو خيبة الأمل، وألا يخذلوهما، وأن يفعلوا كل ما في وسعهم لتقليل معاناتهما أو حتى إنهاءها تمامًا. إذا لم تستطع تحقيق ذلك، فأنت جاحد وغير بار بوالديك، وتستحق أن تضربك صاعقة ويزدريك الآخرون، وأنت شخص سيئ. هل هذه أعباؤك؟ (نعم). بما أن هذه الأشياء هي أعباء الناس، فيجب على الناس أن يقبلوا الحق ويواجهونها بشكل صحيح. فقط من خلال قبول الحق يمكن التخلي عن هذه الأعباء والأفكار والآراء الخاطئة وتغييرها. وإذا لم تقبل الحق، فهل هناك طريق آخر لك لتسلكه؟ (كلا). وهكذا، سواء كان الأمر يتعلق بالتخلي عن أعباء العائلة أو الجسد، فالأمر كله يبدأ بقبول الأفكار والآراء الصحيحة وقبول الحق. عندما تبدأ في قبول الحق، ستتفكك هذه الأفكار والآراء الخاطئة في داخلك تدريجيًا وستميزها وتراها على حقيقتها، ثم تُرفض تدريجيًا. وخلال عملية التفكيك والتمييز، ثم التخلي عن هذه الأفكار والآراء الخاطئة ورفضها، ستغير تدريجيًا موقفك ونهجك تجاه هذه الأمور. ستضعف هذه الأفكار التي تأتي من ضميرك البشري أو مشاعرك البشرية تدريجيًا؛ ولن تعود تزعجك أو تقيدك في أعماق عقلك، أو تتحكم في حياتك أو تؤثر فيها، أو تتدخل في أدائك لواجبك. على سبيل المثال، إذا كنت قد قبلت الأفكار والآراء الصحيحة وقبلت هذا الجانب من الحق، فعندما تسمع خبر وفاة والديك، ستذرف الدموع فقط من أجلهما دون أن تفكر كيف أنك خلال هذه السنوات لم ترد لهما جميلهما في تربيتك، وكيف جعلتهما يعانيان كثيرًا، وكيف أنك لم تعوضهما بأدنى قدر، وكيف أنك لم تجعلهما يعيشان حياة طيبة. لن تلوم نفسك على هذه الأمور بعد الآن؛ بل ستظهر تعبيرات طبيعية نابعة من احتياجات المشاعر الإنسانية الطبيعية؛ ستذرف الدموع ثم تختبر بعض الاشتياق إليهما. وسرعان ما ستصبح هذه الأمور طبيعية وعادية، وسرعان ما ستنغمس في حياة طبيعية وفي أداء واجباتك؛ ولن تنزعج من هذا الأمر. ولكن إذا لم تتقبل هذه الحقائق، فعندما تسمع خبر وفاة والديك، ستبكي إلى ما لا نهاية. ستشعر بالشفقة على والديك، وأن طوال عمرهما لم تكن حياتهما سهلة، وأنهما ربيا ابنًا غير بار بوالديه مثلك؛ فعندما كانا مريضين لم تجلس إلى جوار فراشهما لخدمتهما، وعندما ماتا لم تنح في جنازتهما ولم تكن في حالة حداد؛ لقد خذلتهما، وخيَّبت آمالهما، ولم تجعلهما يعيشان حياة طيبة. ستعيش مع هذا الشعور بالذنب لفترة طويلة، وكلما فكرت في الأمر ستبكي وتشعر بألم غريب في قلبك. وكلما واجهت ظروفًا أو أشخاصًا وأحداثًا وأشياء ذات صلة، سيكون لديك رد فعل عاطفي؛ وقد يرافقك هذا الشعور بالذنب لبقية حياتك. ما سبب ذلك؟ السبب هو أنك لم تقبل أبدًا الحق أو الأفكار والآراء الصحيحة باعتبارها حياتك؛ وبدلًا من ذلك استمرت أفكارك وآراؤك القديمة في السيطرة عليك، والتأثير على حياتك. لذا، ستقضي ما تبقى من حياتك في ألم بسبب وفاة والديك. ستكون لهذه المعاناة المستمرة عواقب تتجاوز مجرد الانزعاج الجسدي البسيط؛ إذ ستؤثر على حياتك، وموقفك تجاه أداء واجباتك، وموقفك تجاه عمل الكنيسة، وموقفك تجاه الله، وكذلك موقفك تجاه أي شخص أو أمر يمس روحك. قد تصاب أيضًا بالإحباط والتثبيط تجاه المزيد من الأمور، وتصبح يائسًا وسلبيًا، وتفقد الإيمان بالحياة، وتفقد الحماس والتحفز لأي شيء، وما إلى ذلك. وبمرور الوقت، لن يقتصر التأثير على حياتك اليومية البسيطة، بل سيؤثر أيضًا على موقفك تجاه أداء واجباتك والمسار الذي تسلكه في الحياة. وهذا أمر خطير للغاية. قد تكون نتيجة هذا الخطر أنك لا تستطيع أداء واجباتك باعتبارك كائنًا مخلوقًا بشكل وافٍ، وقد تتوقف عن أداء واجباتك في منتصف الطريق، أو قد يكون لديك مزاج وموقف مقاوم تجاه الواجبات التي تؤديها. باختصار، سيزداد هذا النوع من المواقف سوءًا حتمًا بمرور الوقت ويتسبب في تطور مزاجك، وعواطفك، وعقليتك في اتجاه خبيث. هل تفهم؟ (نعم)" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. كيفية السعي إلى الحق (16)]. بعد قراءة كلمات الله، أدركت أنني كنت أعيش في ألم وذنب، لأني كنت قد قبلت أفكار الشيطان التقليدية، مثل: "تقوى الأبناء فضيلة أرفع من كل الفضائل الأخرى"، و"يجب أن ترعى والديك في شيخوختهما وترافقهما حتى نهاية حياتهما"، و"الشخص غير البار بوالديه أدنى من البهيمة". كنت أعتقد أن بر الوالدين والإنفاق عليهما في شيخوختهما ومرافقتهما حتى نهاية حياتهما هو الدليل على أن الشخص لديه ضمير وإنسانية، وأن من لا يفعل ذلك يكون عديم الضمير ومجردًا من الإنسانية، لذا كان قلبي ممتلئًا بالذنب، وكنت أشعر بالإدانة وعدم ارتياح ضميري. عندما علمت بوفاة والديّ كليهما، فكرت في مدى الصعوبة التي لاقوها في تربيتهما لي، وكم ضحّيا من أجلي. ومع ذلك، لم أُرِحهما في شيخوختهما، أو أعتني بهما عندما كانا مريضين، ولم أرهما حتى لمرة واحدة أخيرة قبل أن يرحلا. ظللت أشعر بأني لم أبرّهما، وأنني لم أُتمِّم مسؤولياتي، كابنة، جيدًا، وأنَّ الآخرين سيُدونني ويزدَرونني بسبب ذلك، فلم أستطع أن أغفر لنفسي. كنت أعتبر أفكارًا مثل: "تقوى الأبناء فضيلة أرفع من كل الفضائل الأخرى"، و"يجب أن ترعى والديك في شيخوختهما وترافقهما حتى نهاية حياتهما"، و"الشخص غير البار بوالديه أدنى من البهيمة"، أمورًا إيجابية، لكنني لم أنظر إلى الأمور وفقًا لكلمات الله. في الواقع، الله يدين ما إذا كان لدى الإنسان ضمير وإنسانية بناءً على ما إذا كان يستطيع أن يتمم واجبه بوصفه كائنًا مخلوقًا ويرضي الله. إذا كان الإنسان قادرًا على التخلي عن كل شيء ليبذل نفسه من أجل الله ويتمم واجبه ككائن مخلوق، فهذا الإنسان مخلص لله ويمتلك ضميرًا وإنسانية عظيمَين. وعلى العكس من ذلك، إذا تخلى الإنسان عن واجبه ليكون بارًّا بوالديه، فحتى وإن اعتنى بهما جيدًا وامتدحه الجميع على بره، فهذا الإنسان إنما يعيش بحسب مشاعره الجسدية، وهو أناني وحقير ومجرد من الإنسانية. فكرت في القديسين عبر التاريخ الذين تركوا عائلاتهم ووظائفهم ليبشروا بإنجيل الرب. ولأجل أن يجلبوا الناس إلى الله ويجعلوهم يحصلون على خلاصه، غادروا وطنهم وأهلهم. في نظر الناس، بدا أنهم بلا مشاعر لأنهم لم يعتنوا بأسرهم ولم يبرّوا والديهم، لكن في نظر الله، هم قد تمموا واجباتهم ككائنات مخلوقة، وكان لديهم ضمير وإنسانية. وقد احتفى الله بذكرى أعمالهم. كنت أتبع الطريق الصحيح للإيمان بالله، وأتعرض للاضطهاد من الحزب الشيوعي الصيني، ولا أستطيع العودة إلى منزلي. وكان عجزي عن رعاية والديّ ناتجًا عن الظروف، لا عن نقص في برّي بهم أو ضميري. ومهما كانت نظرة عائلتي إليّ، أو كيفما وبخني غير المؤمنين، فطريقي لم يكن خاطئًا. رأي الآخرين في ليس مهمًا، بل ما يهم هو ما إذا كنت سأربح استحسان الله. هذا هو الأهم. كنت أعيش في حالة من المديونية والشعور بالذنب بسبب وفاة والديّ، وأضمر التذمر والتمرد ضد الله، ولا أتحلى بالإخلاص في واجبي. فبأي طريقة كان لدي أي إنسانية أو ضمير؟ لقد منحني الله الحياة، ورعاني وحماني، ووفّر لي كل احتياجاتي، ومع ذلك كنت لا أزال أشتكي منه. لقد كنت حقًا عاجزة عن التمييز بين الصواب والخطأ، وقد تجاوزت العقل! وبعد أن أدركت هذه الأمور، صليت إلى الله، "يا الله، لا أريد أن أعيش في ألم رحيل والديّ، أرغب في التوبة إليك".

لاحقًا، قرأت فقرةً من كلمات الله: "دعنا ننظر في مسألة إنجاب والديك لك. من الذي اختار لهما أن ينجباك، أنت أم والداك؟ من اختار من؟ إذا نظرت إلى هذا الأمر من منظور الله، فالإجابة هي: لا أحد منكم. لم تختر أنت أو والداك أن ينجباك. إذا نظرت إلى أصل هذه المسألة، فهذا أمر قدّره الله. سننحي هذا الموضوع جانبًا في الوقت الحالي، لأن هذا الأمر سهل الفهم على الناس. فمن وجهة نظرك، ولدتَ لوالديك دون دور فاعل لك، دون أن يكون لك أي خيار في الأمر. ومن منظور والديك، فقد أنجباك بإرادتهما المستقلة، أليس كذلك؟ وبعبارة أخرى، إذا وضعنا جانبًا تقدير الله في مسألة إنجابك، كان والداك هما من يملكان كل السلطة. لقد اختارا إنجابك، وكان القرار قرارهما. لم تختر أن ينجباك، وأنجباك دون أن يكون لك أي دور، ولم يكن لديكَ أي خيار في الأمر. لذا، بما أن والديك كانا يملكان كل السلطة، وقد اختارا إنجابك، فإنهما ملزمان ومسؤولان عن تربيتك، وتنشئتك حتى تصبح راشدًا، وتزويدك بالتعليم، والطعام، والملابس، والمال؛ هذه مسؤوليتهما والتزامهما، وهذا ما يجب عليهما فعله. بينما كنت دائمًا سلبيًا خلال الفترة التي كانا يربيانك فيها، لم يكن لك الحق في الاختيار، وكان لزامًا عليهما أن يربياك. لم تكن لديك القدرة على تربية نفسك لأنك كنت صغيرًا، ولم يكن لديك خيار سوى أن يربياك دون قيامك بأي دور. لقد تربيت بالطريقة التي اختارها والداك، إذا قدما لك طعامًا وشرابًا جيدين، أكلت وشربت طعامًا وشرابًا جيدين. وإذا وفرا لك بيئة معيشية تعيش فيها على القشور والنباتات البرية، ستعيش على القشور والنباتات البرية. على أي حال، أثناء تربية والديك لك، كان دورك سلبيًا وكان والداكَ يفيان بمسؤوليتهما. الأمر مشابه لرعاية والديك لزهرة. بما أنهما يرغبان في رعاية زهرة، فعليهما أن يسمداها ويسقياها ويتأكدا من حصولها على ضوء الشمس. لذا، فيما يتعلق بالناس، سواء كان والداك قد اعتنيا بك باهتمام أو أفرطا في العناية بك، ففي كل الأحوال، كانا فقط يفيان بمسؤوليتهما والتزامهما. وبغض النظر عن السبب الذي جعلهما يربيانك، فقد كانت تلك مسؤوليتهم؛ فلأنهما أنجباك، فيجب أن يتحملا المسؤولية تجاهك. وبناءً على هذا، هل يمكن اعتبار كل ما فعله والداك من أجلك إحسانًا؟ لا يمكن، أليس كذلك؟ (هذا صحيح). إن وفاء والديك بمسؤوليتهما تجاهك لا يعد من الإحسان، فإذا أوفيا بمسؤوليتهما تجاه زهرة أو نبتة وسقياها أو سمّداها، فهل يعد ذلك من الإحسان؟ (كلا). هذا أبعد من أن يكون إحسانًا. تنمو الزهور والنباتات بشكل أفضل في الخارج؛ إذا كانت مزروعة في التربة، تزدهر مع الرياح والشمس ومياه الأمطار. إنها لا تنمو بشكل جيد عندما تُزرع في أصيص في الداخل كما تنمو في الخارج، ولكن أينما كانت، فهي تعيش، أليس كذلك؟ أيًا كان مكان وجودها، فقد قدّر الله ذلك. أنت شخص حي، والله يتحمل مسؤولية كل حياة، ويجعلها قادرة على البقاء، والالتزام بالقانون الذي تلتزم به جميع الكائنات المخلوقة. لكنك تعيش كإنسان في البيئة التي يربيك أبواك فيها، لذا يجب أن تنمو وتعيش في تلك البيئة. إن حياتك في تلك البيئة هي على نطاقٍ أوسع نتيجة ما قدَّره الله لك، وعلى نطاقٍ أصغر، نتيجة تربية والديك لك، أليس كذلك؟ على أي حال، من خلال تربيتك، يفي والداك بمسؤولية والتزام. إن تربيتك حتى تصبح راشدًا هو التزام ومسؤولية يقعان على عاتقهما، ولا يمكن تسمية ذلك إحسانًا. إذا كان لا يمكن تسميته إحسانًا، أليس هذا شيئًا يجب أن تستمتع به؟ (بلى). هذا نوع من الحقوق التي يجب أن تتمتع بها. ينبغي أن يربيك والداك، لأن الدور الذي تلعبه قبل أن تبلغ سن الرشد هو دور الابن الذي يتم تربيته. لذلك فإن والديك يقومان فقط بنوع من الوفاء بالمسؤولية تجاهك، وأنت تتلقى ذلك فحسب، ولكنك بالتأكيد لا تتلقى منهما نعمة أو إحسانًا. بالنسبة إلى أي مخلوق حي، إنجاب الأطفال ورعايتهم، والتكاثر، وتربية الجيل التالي هو نوع من المسؤولية. على سبيل المثال، يجب على الطيور، والأبقار، والأغنام، وحتى النمور، أن تعتني بصغارها بعد تكاثرها. لا توجد كائنات حية لا تربي صغارها. من الممكن أن تكون هناك بعض الاستثناءات، ولكنها ليست كثيرة. إنها ظاهرة طبيعية في وجود الكائنات الحية، إنها غريزة لدى الكائنات الحية، ولا يمكن أن تُعزى إلى الإحسان. إنها مجرد التزام بقانون وضعه الخالق للحيوان وللبشر. لذا فإن تربية والديك لك ليست نوعًا من الإحسان. وبناءً على هذا، يمكن القول إن والديك ليسا دائنيك. إنهما يفيان بمسؤوليتهما تجاهك. ومهما كان مقدار الجهد والمال الذي ينفقانه عليك، فلا ينبغي لهما أن يطلبا منك تعويضهما، لأن هذه مسؤوليتهما كوالدين. وبما أنها مسؤولية والتزام، فينبغي أن تكون مجانية، ولا ينبغي لهما أن يطلبا منك تعويضًا" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. كيفية السعي إلى الحق (17)]. بعد قراءة كلمات الله، أدركت أن تربية والديّ لي بعد أن أنجباني كانت مسؤوليتهما وواجبهما، ولا يمكن اعتبارها عطفًا. كنت لا أفهم الحق، واعتبرت رعاية والديّ وتربيتهما لي عطفًا، معتقِدةً أنهما بذلا الكثير من أجلي، وكانا عطوفين معي، ولذا كان يجب عليّ أن أرد لهما عطفهما. عندما مرض والديّ، لم أرجع لأعتني بهما، وعندما توفيا، لم أرهما حتى لمرة واحدة أخيرة. شعرتُ بأنني مَدينةٌ لهما بشدة، لكن بعد أن قرأت كلمات الله، أدركت أن تربية الأطفال حتى يبلغوا سن الرشد هو أمر واجب على الوالدين. إنه مسؤوليتهم. تمامًا مثل الشخص الذي يعتني بنبتة في وعاء، فعليه أن يسقيها ويضع لها السماد، وهذا لا يُعدّ عطفًا. صلاح والديّ وكل ما فعلاه من أجلي كان ينبع من سيادة الله وترتيباته، ويجب عليّ أن أقبله بوصفه قادمًا من الله. لم أكن مدينةً لوالديّ بشيء، ولم يكن عليّ أن أرد لهما جميلًا أو أعوّضهما عن شيء. بعد أن فهمت هذا، خفَّ الألم في قلبي إلى حدٍ ما.

وبخصوص كيفية النظر إلى والديّ، فقد وجدت طريقًا في كلمات الله. قرأتُ كلمات الله هذه: "والداك ليسا دائنيك؛ أي أنه لا ينبغي لك أن تفكر دائمًا في كيفية رَدّ إحسانهما لمجرد أنهما قضيا وقتًا طويلًا في تربيتك. إذا لم تكن قادرًا على رَدّ إحسانهما، وإذا لم تكن لديك الفرصة أو الظروف المناسبة لرَدّ إحسانهما، فستشعر دائمًا بالحزن والذنب، إلى الحد الذي يجعلك تشعر بالحزن حتى عندما ترى شخصًا ما مع والديه أو يعتني بهما أو يقوم ببعض الأشياء لإظهار برّه بوالديه. لقد قدَّر الله أن يربيك والداك لكي تكبر وتصبح راشدًا، وليس لكي تقضي حياتك في رَدّ إحسانهما. لديك مسؤوليات والتزامات يجب عليك الوفاء بها في هذه الحياة، وطريق يجب أن تسلكه، ولديك حياتك الخاصة. لا يجب أن تضع كل طاقتك في هذه الحياة في رَدّ إحسان والديك. هذا مجرد شيء يرافقك في حياتك وفي طريق حياتك. أما من الناحية الإنسانية والعلاقات العاطفية، فهو أمر لا مفر منه. ولكن من حيث نوع العلاقة التي قُدِّر أن تكون بينك وبين والديك، سواء أكنتم ستعيشون معًا لبقية حياتكم، أو أنكم ستفترقون ولا يربطكم مصير واحد، فهذا يعتمد على تنظيمات الله وترتيباته. إذا كان الله قد نظم ورتب أن تكون في مكان مختلف عن والديك خلال هذه الحياة، وأن تكون بعيدًا جدًا عنهما، وألا تقدر على العيش معهما في كثير من الأحيان، فإن الوفاء بمسؤولياتك تجاههما هو بالنسبة إليك مجرد نوع من الاشتياق. وإذا كان الله قد رتب لك أن تعيش قريبًا جدًا من والديك في هذه الحياة، وأن تكون قادرًا على البقاء إلى جانبهما، فإن الوفاء بشيء من مسؤولياتك تجاه والديك، وإظهار بعض البرّ بهما من الأمور التي يجب عليك القيام بها في هذه الحياة؛ ليس ثمة ما يمكن انتقاده في هذا الأمر. ولكن إذا كنت في مكان مختلف عن والديك، ولم تكن لديك الفرصة أو الظروف المناسبة لإظهار البرّ لهما، فلا داعي لأن تعتبر ذلك أمرًا مخجلًا. لا يجب أن تشعر بالخجل من مواجهة والديك لأنك غير قادر على إظهار البرّ لهما، كل ما في الأمر أن ظروفك لا تسمح بذلك. يجب أن تفهم بوصفك ابنًا أن والديك ليسا دائنيك. ثمة الكثير من الأمور التي يجب عليك القيام بها في هذه الحياة، وهذه كلها أشياء يجب أن يقوم بها الكائن المخلوق، وقد ائتمنك عليها رب الخليقة، ولا علاقة لها بردّ إحسان والديك. إن إظهار برّ الوالدين، ورَدّ الجميل لهما، ورَدّ إحسانهما؛ هذه الأمور لا علاقة لها برسالتك في الحياة. يمكن أن يُقال أيضًا إنه ليس من الضروري أن تظهر برّ الوالدين، أو أن تردّ إحسانهما، أو أن تقوم بشيء من مسؤولياتك تجاههما. وبعبارة أوضح، يمكنك القيام بشيء من ذلك والوفاء بشيء من مسؤولياتك عندما تسمح ظروفك بذلك، أما عندما لا تسمح فلا داعي للإصرار على ذلك. إذا لم تستطع الوفاء بمسؤوليتك لتكون بارًا بوالديك، فهذا ليس بالأمر الفظيع، ولكنه يتعارض قليلًا مع ضميرك، وأخلاقك الإنسانية، ومفاهيمك البشرية. لكنه على أقل تقدير لا يتعارض مع الحق، ولن يدينك الله عليه. عندما تفهم الحق، لن يشعر ضميرك بالتوبيخ بسبب هذا. ألا تشعر قلوبكم بالثبات الآن بعد أن فهمتم هذا الجانب من الحق؟ (بلى)" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. كيفية السعي إلى الحق (17)]. بعد أن قرأتُ كلمات الله، أدركتُ أن والديّ ليسا دائنَيّ. ما كان قدر الله المسبق أن أُولد في الأيام الأخيرة لكي أردّ جميل والديّ أو أبرّهما، بل لأُتمم الإرسالية التي ينبغي عليّ إكمالها، وهي لقيام بواجب الكائن المخلوق، وهذا ما يجب أن أفعله كإنسانة. يجب أن يكون برّ الوالدين قائمًا على الظروف الخاصة بكل فرد. إذا كان ذلك لا يؤدي إلى تأخير الواجب، فيمكن للمرء أن يزور والديه، ليتمم مسؤولياته جيدًا كابن أو ابنة. لكن إذا لم تكن هناك، في أثناء القيام بالواجب، فرصة لأن يكون المرء بجانب والديه ليعتني بهما، فلا حاجة لأن يشعر بالذنب أو الدَّين. في الأوقات الحاسمة، يجب إعطاء الأولوية للواجبات. وقد أصبح هذا جليًّا على نحوٍ خاص بعد أن قرأت كلمات الله التي تقول: "كأعضاء في الجنس البشري وكمسيحيين أتقياء، تقع علينا المسؤولية والالتزام لتقديم أذهاننا وأجسادنا لتتميم إرسالية الله، إذ أن كياننا كله قد جاء من الله ويوجد بفضل سيادته. إن كانت أذهاننا وأجسادنا غير مكرّسة لإرسالية الله وقضية البشر العادلة، فستشعر أرواحنا بالخزي أمام أولئك الذين استشهدوا من أجل إرسالية الله، وبخزيٍ أكبر أمام الله الذي أمدَّنا بكل شيء" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. ذيل مُلحق 2: الله يسود على قدر جميع البشرية). الله هو مصدر حياة الإنسان. لقد وهبني الله الحياة، وبقائي على قيد الحياة حتى اليوم هو أيضًا بفضل رعاية الله وحمايته. أداء واجبي اليوم بوصفي كائنًا مخلوقًا هو مسؤوليتي والتزامي. في ظل فهمي لهذا، يمكنني رؤية وفاة والديّ بشكل صحيح.

رغم أنني ما زلت أفكر في والديّ بين الحين والآخر، لم أعد مقيدة بهذا، وأنا قادرة على التركيز في واجباتي. إن كلمات الله هي التي أرشدتني لأن أفهم كيفية النظر إلى وفاة والديّ بشكل صحيح، ولأن أتعلم مبادئ الممارسة بشأن كيفية النظر إلى والديّ. لقد خرجت من ألمي. أقدم الشكر الله على خلاصه!

السابق:  75. لم أعد مقيدة بغايتي

محتوى ذو صلة

14. لقد ظهر الرب في الشرق

بقلم تشيو تشن – الصينفي أحد الأيام، اتصلَتْ بي أختي الصغرى لِتقولَ لي إنها عادت من الشمال وإن لديها شيئًا مُهمًّا لِتُخبِرَني به، وطلبت مني...

2. الطريق إلى التطهير

بقلم كريستوفر – الفلبيناسمي كريستوفر، وأنا قس بكنيسة منزلية في الفلبين. في عام 1987، تعمدت وتحوّلت نحو الرب يسوع ثم بنعمة الرب، في عام 1996...

9. نوع مختلف من الحب

بقلم تشنغشين – البرازيللقد أتاحت لي فرصة حدثت بالمصادفة في عام 2011 أن أذهب من الصين إلى البرازيل. بعد وصولي مباشرةً، كنت غارقًا في تجارب...

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب

Connect with us on Messenger