كيفية السعي إلى الحق (7)
الممارسة الأولى للسعي إلى الحقّ: التخلي
أولًا: التخلي عن مختلف المشاعر السلبية
كان موضوعنا الرئيسي للشركة خلال هذه الفترة هو "كيفية السعي إلى الحق". وقد لخصنا سابقًا مبدأين من مبادئ الممارسة للسعي إلى الحق. ما هو المبدأ الأول؟ (المبدأ الأول هو التخلي، والثاني هو التكريس). المبدأ الأول هو التخلي، والثاني هو التكريس. لم ننتهِ بعد من عقد الشركة عن موضوع "التخلي". ما أول محاور مبدأ "التخلي"؟ (التخلي عن مختلف المشاعر السلبية). ما الذي عقدنا عنه الشركة بشكل أساسي بشأن التخلي عن مختلف المشاعر السلبية؟ عقدنا الشركة بشكل أساسي عن المشاعر السلبية التي يختبرها الناس وكشفناها، أي أنواع المشاعر السلبية التي غالبًا ما تصاحب الناس في حياتهم اليومية وفي مسار حياتهم، وكذلك كيفية التخلي عنها. تظهر هذه المشاعر السلبية كنوع من الشعور داخل الناس، لكنها تنجم في الواقع عن خواطر ووجهات نظر مغلوطة متنوعة يتبناها الناس. تنجم مختلف المشاعر السلبية بسبب مختلف الخواطر ووجهات النظر التي يتبناها الناس، وهي تتجلى فيهم وتظهر. ما المشكلات التي ترونها استنادًا إلى مسائل المشاعر السلبية التي عقدنا الشركة عنها سابقًا، ومختلف سلوكيات الناس، ومختلف خواطرهم ووجهات نظرهم؟ بمعنى آخر، هل يمكنكم إدراك قدر من الجوهر الكامن في خواطر الناس من خلال تشريح المظاهر الخارجية لمختلف المشاعر السلبية؟ عندما تظهر المشاعر السلبية لدى شخص ما، إذا تعمقنا فيها وشرَّحناها بعناية، فيمكننا ملاحظة مختلف وجهات نظره ورؤاه ومواقفه الخاطئة تجاه الناس والأحداث والأشياء مخفي داخل تلك المشاعر السلبية، بل يمكننا أيضًا رؤية أساليبه في التعامل مع مختلف الناس والأمور والأشياء وحلِّه إياها انطلاقًا من تلك المشاعر السلبية، أليس كذلك؟ (بلى). هل يمكننا إذن – بناءً على المرات العديدة التي أقمنا الشركة فيها عن تشريح هذه المشاعر السلبية – القول إن مختلف ما يحمله الناس من الخواطر ووجهات النظر الخاطئة والمغلوطة والمتحيزة والسلبية والمعاكسة خفي داخل مشاعرهم السلبية؟ هل يمكننا قول ذلك؟ (نعم). ماذا قلتُ للتو؟ (قال الله للتو إن مختلف ما يحمله الناس من الخواطر ووجهات النظر الخاطئة والمغلوطة والمتحيزة والسلبية والمعاكسة خفي داخل مشاعرهم السلبية). هل فهمتني بوضوح؟ (نعم، لقد فهمتك). إذا لم نعقد الشركة عن هذه المشاعر السلبية، فقد لا يعير الناس اهتمامًا كبيرًا للمشاعر السلبية المؤقتة أو طويلة المدى التي تطفو على السطح. ورغم ذلك، هل يعترف الناس بهذه الحقيقة بعد تشريح مختلف الخواطر ووجهات النظر الخفية داخل المشاعر السلبية؟ تستتر مختلف الخواطر ووجهات النظر السلبية داخل مختلف المشاعر السلبية للناس. وهذا يعني أنه عندما يواجه الشخص مشاعر سلبية، فإن هذه الخواطر ووجهات النظر قد تظهر على هيئة مشاعر معينة. ربما يُنفِّس الشخص عن مشاعره، أو يقول أشياءَ تبعث على الكآبة، أو ينشر الجمود، أو يجلب نتائج سلبية معينة، أو يفعل أشياءَ متطرفة نسبيًا. هذا هو ما ينكشف ظاهريًا، لكن هذه التجليات من المشاعر السلبية والسلوكيات المتطرفة تكمن خلفها في واقع الأمر مختلف من الخواطر ووجهات النظر السلبية التي توجد داخل الناس. ولهذا، رغم أننا كنا نناقش المشاعر السلبية خلال هذه الفترة، فإنَّ ما نفعله في الواقع هو تشريح مختلف خواطر الناس ووجهات نظرهم السلبية من خلال كشف مختلف مشاعرهم السلبية وتشريحها. لماذا نكشف هذه الخواطر ووجهات النظر؟ هل تؤثر هذه الخواطر ووجهات النظر السلبية على مشاعر الناس فقط؟ هل لأنها فقط تولِّد مشاعر سلبية لدى الناس؟ لا، فهذه الخواطر ووجهات النظر الخاطئة لا تؤثر على مشاعر المرء ومساعيه فحسب؛ إلا أن مشاعر المرء وسلوكياته الخارجية هي ما يستطيع الناس رؤيته وإدراكه. ولذلك، فإننا نستخدم الطريقة البسيطة والمناسبة لتشريح المشاعر السلبية لكشف مختلف الخواطر ووجهات النظر السلبية والمعاكسة وغير الملائمة لدى الناس. نحن نكشف هذه الخواطر ووجهات النظر والمشاعر السلبية لأن هذه الخواطر ووجهات النظر مرتبطة بمنظور الناس وموقفهم في النظر إلى الناس والأشياء وإلى تصرفاتهم وأفعالهم في الحياة الواقعية. ثم إنها تتعلق بأهداف الناس واتجاههم للبقاء، وترتبط بطبيعة الحال أيضًا بنظرتهم عن الحياة. ولهذا السبب، كشفنا عن بعض المشاعر السلبية. وبصرف النظر عن ذلك، فإن الهدف الرئيسي من عقد الشركة عن مختلف المشاعر السلبية هو كشف مختلف الخواطر ووجهات النظر المغلوطة والسلبية والمعاكسة لدى الناس وتشريحها وعلاجها. ومن خلال كشفنا عن هذه الخواطر ووجهات النظر السلبية، سوف يتمكن الناس من التعرف بوضوح على وجهات النظر والمواقف والرؤى الخاطئة الموجودة في خواطرهم تجاه مختلف الناس والأحداث والأشياء. وهذا يساعد على علاج مختلف المشاعر السلبية الناجمة عن هذه الخواطر ووجهات النظر السلبية، ومن ثمَّ يسمح للناس بإدراك هذه الخواطر ووجهات النظر المغلوطة ورؤيتها على حقيقتها، مما يمكِّنهم بعد ذلك من طلب الطريق الصحيح والتخلي عنها وهجرها تمامًا. والهدف النهائي من ذلك هو إنماء القدرة على مواجهة مختلف الناس والأحداث والأشياء التي يقابلها المرء في حياته اليومية أو على مدار حياته وتناولها والتعامل معها وعلاجها بالخواطر ووجهات النظر الصحيحة. ما هي العاقبة المرجوة باختصار؟ إنها تمكين الناس من إدراك مختلف الخواطر السلبية الموجودة داخل أنفسهم ورؤيتها على حقيقتها، وأن يتمكنوا بعد ذلك من تغيير هذه الخواطر ووجهات النظر الخاطئة وتصحيحها باستمرار في حياتهم ومسارات حياتهم، وطلب الخواطر ووجهات النظر الصحيحة التي تتوافق مع الحق أو قبولها أو الخضوع لها، وأن يتمكنوا في النهاية من العيش والتصرف وفقًا للخواطر ووجهات النظر الصحيحة. ذلك هو الهدف. هل توافقون؟ (نعم). ظاهريًا، نحن نكشف المشاعر السلبية الموجودة لدى الناس، لكننا في الواقع نكشف خواطرهم ووجهات نظرهم المغلوطة تجاه مختلف الناس والأحداث والأشياء. يهدف هذا الكشف إلى تمكين الناس من استخدام الخواطر ووجهات النظر الصحيحة عند مواجهة مختلف الناس والأحداث والأشياء لمواجهتها والتعامل معها، والتصرف – في نهاية المطاف – وفقًا لمبادئ الحق عند رؤية الناس والأشياء وفي تصرفاتهم وأفعالهم. ألا يعود هذا إلى موضوع "كيفية السعي إلى الحق"؟ (بلى).
لا يزال عقد الشركة حول التخلي عن مختلف المشاعر السلبية يعود في النهاية إلى الموضوع الأوسع وهو "كيفية السعي إلى الحق" من دون الابتعاد عن الموضوع الرئيسي، أليس كذلك؟ (بلى). قد يجول في خاطر بعض الناس في البداية: "لا يبدو أن التخلي عن مختلف المشاعر السلبية له علاقة كبيرة بالسعي إلى الحق. المشاعر السلبية مجرد حالات مزاجية مؤقتة أو خواطر وأفكار عابرة". إذا كانت خاطرة مؤقتة أو حالة مزاجية عابرة، فإن ذلك لا يندرج ضمن نطاق المشاعر السلبية التي نعقد الشركة عنها. هذه المشاعر السلبية التي نقصدها تنطوي على مسائل المبدأ والجوهر التي ترتبط برؤية المرء إلى الناس والأشياء، وبتصرُّفاتهم وأفعالهم. إنها تتضمن الآراء والمواقف والمبادئ الصحيحة التي ينبغي للناس التمسك بها في الحياة، إضافةً إلى وجهات نظرهم عن الحياة وطرق العيش. والهدف النهائي من عقد الشركة عنها هو أن يتمكن الناس، عندما يواجهون أمورًا مختلفة في الحياة، من التوقف عن التعامل مع هذه الأمور بطبيعتهم أو تهورهم، أو التعامل معها باستخدام شخصياتهم الفاسدة؛ مما يعني أيضًا بالطبع أنهم لن يتعاملوا مع هذه المشكلات بناءً على مختلف الفلسفات الشيطانية التي غرسها المجتمع فيهم. بدلًا من ذلك، سوف يتعاملون معها بالطريقة الصحيحة، وبالضمير والعقل اللذين ينبغي أن يمتلكهما الشخص على الأقل عند التعامل مع المشكلات التي يواجهها في الحياة. علاوةً على ذلك، فوفقًا للأحوال الأساسية للضمير والعقل البشريين الطبيعيين، سوف يتعاملون مع مختلف الناس والأحداث والأشياء التي تتضمنها الحياة والتي يواجهونها فيها وفي الوجود، وفقًا لكلام الله والحق ومختلف المبادئ التي علَّمها الله للناس. يهدف عقد الشركة عن مختلف المشاعر السلبية وتشريحها إلى تحقيق هذا الهدف. هل تفهم؟ (نعم، أفهم). أخبرني بما تفهم. (إن هدف الله من عقد الشركة عن هذه المشاعر السلبية وتشريحها هو تمكين الناس من تمييز الخواطر ووجهات النظر الخاطئة داخل مشاعرهم السلبية وتغيير مسارها، ومن ثمَّ التخلي عن هذه المشاعر السلبية والاعتماد على الضمير والعقل للتعامل بشكل صحيح مع مختلف الناس والأحداث والأشياء التي يواجهونها في الحياة وفقًا لكلام الله ومبادئ الحق. هذا يسمح لهم بتغيير نظرتهم للحياة تدريجيًا، ورؤية الناس والأشياء بناءً على الحق، والتصرف والفعل وفقًا للحق، والعيش بحسب إنسانيتهم الطبيعية). لو لم أعقِد الشركة عن هذه المشاعر السلبية وأشرِّحها، ولو لم أعقِد الشركة عن مختلف الخواطر ووجهات النظر السلبية لدى الناس وأكشفها، لاتخذ الناس الموقف والمنظور الخاطئين في كثير من الأحيان عند مواجهة مشكلات في حياتهم اليومية، ولواجهوا هذه الأمور وتعاملوا معها وعالجوها بخواطر ووجهات نظر مغلوطة. وبهذه الطريقة، سوف يكون الناس مقيدين بهذه الخواطر السلبية إلى حد كبير ومربوطين بها وتحت سيطرتها غالبًا، وسوف يعجزون عن التعامل مع مختلف المشكلات في الحياة وفقًا لمتطلبات الله أو المبادئ والطرق المعلنة في كلام الله. وبالطبع، إذا كان الشخص لديه الخواطر ووجهات النظر الصحيحة تجاه مختلف الناس والأحداث والأشياء، إضافةً إلى المنظور والموقف الصحيحين، فإن ذلك سوف يساعده كثيرًا في التعامل مع هؤلاء الناس والأحداث والأشياء – عندما تقابله – بالمنظور الصحيح، أو في نطاق الضمير والعقل الإنسانيين الطبيعيين على الأقل، وتجنب التعامل مع مختلف المسائل بطريقة متهورة أو وفقًا لشخصياته الفاسدة، مما قد يُسبِّب مشكلات غير ضرورية ويؤدي إلى عواقب غير مرغوب فيها. ومن أمثلة ذلك أنَّ كيفية تعامل الشخص مع المستقبل والمرض والعائلة والزواج والعواطف والمال والعلاقات بين الناس، ومواهبه الخاصة، وكذلك وضعه الاجتماعي وقيمته وغيرها من المسائل المماثلة، تعتمد على ما سمعه أو تعلَّمه أو تأثر به في عائلته أو مجتمعه قبل أن يتوصل إلى فهم الحق، فضلًا عن بعض الخبرات أو الطرق التي توصَّل إليها بنفسه. فلكل شخص طريقته الفريدة في تناول الأشياء، وكل شخص يؤكِّد على موقف معين عند التعامل مع الأمور. وثمة عامل مشترك بالطبع في الطرق المختلفة التي يتعامل بها الناس مع الأشياء، وهو أنهم جميعًا تحت سيطرة خواطر ووجهات نظر سلبية أو معاكسة أو مغلوطة أو متحيزة ومحكومون بها. إن هدفهم النهائي هو تحقيق شهرتهم وثروتهم ومصلحتهم الشخصية. وعلى وجه التحديد، تأتي هذه الخواطر ووجهات النظر من غرس الشيطان وتعاليمه. ويمكن القول أيضًا إنها تنشأ من مختلف الخواطر ووجهات النظر المغلوطة التي ينشرها الشيطان ويدعو لها ويحتضنها في جميع أنحاء البشرية. وفي ظل توجيه هذه الخواطر ووجهات النظر المغلوطة، فإنَّ الناس يستخدمونها بلا وعي لحماية أنفسهم وضمان تحقيق الحد الأقصى من مصالحهم الخاصة. إنهم يبذلون قصارى جهدهم لاستخدام مختلف هذه الخواطر ووجهات النظر النابعة من المجتمع والعالم لحماية أنفسهم والسعي إلى تعظيم منافعهم الخاصة لنيل مصالحهم الذاتية. وهذا السعي للنَيل لا يتوقف بالطبع عند أي شيء، ويتجاوز الحدود الأخلاقية وكذلك الضمير والعقل. ولذلك، ففي ظل توجيه هذه المشاعر السلبية والخواطر ووجهات النظر السلبية، لا يمكن أن تؤدي النتيجة النهائية لكيفية رؤية المرء للناس والأشياء وكيفية تصرُّفهم وعملهم إلا إلى الاستغلال والخداع والأذى والصراعات المتبادلة بين الناس. وفي النهاية، سوف ينجرف الناس أبعد وأبعد عن متطلبات الله أو حتى عن مبادئ كيفية التصرف والفعل وفقًا لتعليم الله في ظل توجيه مختلف الخواطر ووجهات النظر السلبية أو استعبادها إياهم أو إغرائها لهم. ويمكن القول أيضًا إنه في ظل توجيه مختلف الأفكار السلبية وإغوائها، لن يتمكن الناس أبدًا من ربح الحق فعليًا أو الدخول إلى واقع ممارسة الحق كما يطلب الله. ويصعب عليهم أيضًا الالتزام بمبدأ تشكيل آرائهم عن الناس والأشياء وتصرُّفهم وأفعالهم على أساس كلام الله، بحيث يكون الحق معيارًا لهم. ولذلك، عندما يعالج الناس مشاعرهم السلبية، فإنهم في الواقع مطالبون أيضًا بالتخلي عن مختلف الخواطر ووجهات النظر السلبية. لا يمكن للناس التخلي عن كل نوع من أنواع المشاعر السلبية إلا عندما يدركون مختلف الخواطر ووجهات النظر الخاطئة داخل أنفسهم. وعندما يتخلى الناس عن مختلف الخواطر ووجهات النظر السلبية، فإن مشاعرهم السلبية تُعالَج بالطبع إلى حد كبير. على سبيل المثال، دعونا نفكر في مشاعر الاكتئاب التي عقدنا الشركة عنها سابقًا. للتبسيط، إذا تولَّدت في الشخص هذه المشاعر السلبية نظرًا لأنه يشعر باستمرار أن قَدَره سيئ، فإنه سيغرق بلا وعي في شعور الاكتئاب عندما يتمسك بالخواطر ووجهات النظر التي تفيد بأن قَدَره سيئ. إضافةً إلى ذلك، فإن وعيه الذاتي سيدعم على نحو متزايد هذا الاعتقاد بأن قَدَره سيئ. وكلما واجه شيئًا صعبًا أو شاقًا بعض الشيء، يقول في قرارة نفسه: "آه، إن قَدَري سيئ". إنه ينسب ذلك إلى قَدَره السيئ. ونتيجةً لهذا، فإنه يعيش في المشاعر السلبية المتمثلة في اليأس والتخلي عن الذات والاكتئاب. إذا استطاع الناس مواجهة مختلف الصعوبات التي يقابلونها في الحياة بشكل صحيح أو سعوا إلى الحق عندما تظهر لديهم خواطر ووجهات نظر سلبية، واعتمدوا على كلام الله لمواجهتها، وأدركوا ماهية مصير الإنسان، وآمنوا أن قَدَرهم في يد الله وأن الله يملك زمام الأمور، فيمكنهم حينها التعامل مع هذه الشدائد والتحديات والعقبات والصعوبات في الحياة تعاملًا صحيحًا أو فهم هذه الصعاب فهمًا صحيحًا. عندما يفعلون هذا، هل تتغير خاطرتهم ووجهة نظرهم بشأن قَدَرهم السيئ بأي مقدار؟ وهل يربحون في الوقت نفسه موقفًا صحيحًا لمواجهة هذه المشكلات؟ (نعم). عندما يتخذ الناس الموقف الصحيح في مواجهة هذه المسائل، فإن مشاعر الاكتئاب لديهم تتحسن تدريجيًا، وتتغير من المستوى الشديد إلى المستوى المتوسط، ثم تتحول من المستوى المتوسط إلى المستوى الخفيف، وانطلاقًا من الحالة الخفيفة، تتبدد هذه المشاعر تمامًا وتختفي من وجودهم. ونتيجةً لذلك، تختفي مشاعر الاكتئاب لديهم. لماذا؟ لأن خاطرتهم ووجهة نظرهم السابقة: "قَدَري سيئ" تخضع للتحول. وبعد تصحيحها، لا يعودون ينظرون إلى قَدَرهم بشعور من الاكتئاب، بل يتعاملون مع المسائل بموقف استباقي ومتفائل، وبطرق تعاليم الله، وبمنظور جوهر المصير الذي كشفه للبشرية. ولذلك، عندما يواجهون المشكلة نفسها التي واجهوها من قبل، فإنهم لا يعودون ينظرون إلى مصيرهم من خلال الخواطر ووجهات النظر المرتبطة بالقَدَر السيئ، ولا يعودون يقاومون هذه المسائل أو يتمردون عليها بمشاعر الاكتئاب. على الرغم من أنهم قد يتجاهلون هذه المشاعر في البداية أو يتعاملون معها بلا مبالاة، فإنهم بمرور الوقت عندما يتعمقون في السعي إلى الحق وينمون في القامة ويصبح منظورهم وموقفهم في النظر إلى الناس والأشياء صحيحين بشكل متزايد، تختفي مشاعر الاكتئاب لديهم، بل يصبحون أيضًا أكثر استباقية وتفاؤلًا. وفي النهاية، يربحون فهمًا كاملًا ورؤيةً واضحة لطبيعة مصير الإنسان. يمكنهم التعامل مع هذه الأمور وتناولها بشكل صحيح من خلال تبني موقف – أو واقع – الخضوع لتنظيم الله. عند تلك المرحلة، يكونون قد تخلَّوا تمامًا عن مشاعر الاكتئاب. إنَّ التخلي عن المشاعر السلبية عملية تسير على هذا المنوال، وهو موضوع جسيم في الحياة. واختصارًا عندما يتجذر شعور سلبي في قلب الشخص أو يؤثر في كيفية رؤيته للناس والأشياء وكيفية تصرُّفه وفعله، فإنه بلا شك أكثر من مجرد شعور سلبي بسيط. إنما تكمن من ورائه خاطرة أو وجهة نظر خاطئة بخصوص هذا الموضوع أو ذاك، أو بخصوص أمر آخر. في مثل هذه الحالات، عليك ألا تكتفي بتحليل مصدر المشاعر السلبية فحسب، فالأهم من ذلك هو أن تفحص القاتل الخفي داخل مشاعرك السلبية. وهذا العنصر الخفي هو خاطرة أو وجهة نظر سلبية ترسخت عميقًا في قلبك على مدى فترة طويلة؛ هو خاطرة أو وجهة نظر خاطئة أو مغلوطة تجاه التعامل مع الأشياء. وبخصوص الجوانب المغلوطة والسلبية، فإن هذه الخاطرة أو وجهة النظر تناقض الحق وتخالفه حتمًا. وفي هذه المرحلة، لا تقتصر مهمتك على مجرد التفكير فيها وتشريحها وفهمها، وإنما فهم الضرر الذي تُسبِّبه لك، وما تفرضه عليك من سيطرة وعبودية، وأثرها السلبي على سعيك إلى الحق فهمًا تامًا. ولذلك، فإن ما يجب عليك فعله هو كشف مختلف الخواطر ووجهات النظر السلبية وتشريحها والتعرف إليها. وفي الوقت نفسه، يجب أن تطلب كلمات الله لتمييزها ورؤيتها على حقيقتها وفقًا لمبادئ الحق التي يقدم الله الشركة عنها، وأن تستعيض عن خواطرك ووجهات نظرك الخاطئة أو السلبية بالحق، وأن تعالج المشاعر السلبية التي كانت تورطك علاجًا تامًّا. هذا هو الطريق لعلاج المشاعر السلبية.
يقول بعض الناس: "لم ألاحظ أي مشاعر سلبية في نفسي إلى الآن". لا تقلق، فسوف تظهر هذه المشاعر السلبية بشكل طبيعي، عاجلًا أم آجلًا، في الوقت المناسب، والبيئة الملائمة، أو عندما تبلغ العمر المناسب، أو تصل إلى منعطف خاص مهم في الحياة. ليس عليك أن تبحث أو تفتش عنها بوعي؛ فهي موجودة في قلوب الجميع إلى حدٍ ما، بدرجة أو أخرى. هذا لأن الناس يعيشون في عالم البشر، فلا أحد يتعامل مع أي شيء مثلما يفعل الحاسوب، من دون أن يأخذ أفكاره ووجهات نظره بعين الاعتبار. كما أن أفكار الناس نشطة، وهي مثل حاوية يمكنها تلقي الأمور الإيجابية والسلبية. لسوء الحظ، قبل وقت طويل من بدء الناس في قبول الأفكار ووجهات النظر الإيجابية، كانوا قد قبلوا بالفعل العديد من الأفكار ووجهات النظر المغلوطة والخاطئة من الشيطان، ومن المجتمع، ومن البشرية الفاسدة. لقد ملأت هذه الأفكار ووجهات النظر الخاطئة أعماق نفوس الناس، وأثَّرت بشدة على حياتهم اليومية ومسارات حياتهم وتدخلت فيها. لذلك، في الوقت نفسه الذي تُلازم فيه مختلف الأفكار ووجهات النظر السلبية حياة الناس ووجودهم، فإن مختلف المشاعر السلبية تُلازم أيضًا حياتهم ومسار وجودهم. لذلك، بصرف النظر عن الفرد، سوف تكتشف يومًا أنه ليس لديك بعض المشاعر السلبية المؤقتة فحسب، بل إن لديك الكثير منها. إنك لا تمتلك فكرة أو وجهة نظر سلبية واحدة فحسب، لكن العديد من الأفكار ووجهات النظر السلبية موجودة فيك بشكل متزامن. على الرغم من عدم الكشف عنها بعد، فإن ذلك يرجع فقط إلى عدم وجود بيئة مناسبة، أو وقت ملائم، أو محفِّز قد يجعلك تكشف أفكارك ووجهات نظرك الخاطئة، أو تُنفِّس عن مشاعرك السلبية وتكشفها، أو يرجع إلى أن تلك البيئة أو ذلك الوقت لم يصلا بعد. إذا أتى دور أحد هذه العوامل، فسوف يعمل مثل فتيل، يُشعِل مشاعرك السلبية وأفكارك ووجهات نظرك السلبية حتى تنفجر. سوف تؤثر عليك، وتتحكم بك، وتُقيِّدك رغمًا عنك. بل وقد تصبح عائقًا أمامك، وتؤثر على اختياراتك. إنها مسألة وقت فحسب. سبب ذلك هو أن مختلف المشاعر السلبية التي عقدنا شركةً عنها هي مسائل قد يواجهها الناس في حياتهم، أو في طريق وجودهم، وهي مشكلات واقعية يواجهها كل شخص في حياته أو وجوده. إنها ليست فارغةً بل ملموسةً. لأن هذه المشاعر السلبية تتضمن بشكل مباشر المبادئ التي ينبغي على المرء التمسك بها والمنظور تجاه البقاء الذي ينبغي أن يكون لديه، من الضروري علينا التعمق في هذه المسائل بحرص وتشريحها.
هـ. الشعور بالكبت
3. شعور المرء بالكبت نتيجةً عدم قدرته على تتميم تطلعاته ورغباته
عقدنا شركةً فيما مضى عن الشعور السلبي المتمثل في "الكبت". كم مرَّةً عقدنا شركةً عن مسألة "الكبت"؟ (عقدنا شركةً عنه مرَّتين). ما الذي عقدنا شركةً عنه في المرَّة الأولى؟ (عقدنا شركةً في المرَّة الأولى عن عدم قدرة الناس غالبًا على فعل ما يحلو لهم، مما يؤدي إلى نشوء المشاعر السلبية المتمثلة في الكبت. في المرَّة الثانية، عقدنا شركةً عن عدم قدرة الناس على استخدام خبرتهم، وعن أنهم يعيشون غالبًا في حالة من المشاعر السلبية المكبوتة). لقد عقدنا شركةً عن هذين الجانبين. هل يمكننا منهما القول إن وراء هذين النوعين من الكبت تكمن أفكار ووجهات نظر مخفية مماثلة فيما يخص كيفية تعامل الناس مع الحياة؟ أي نوع من الفكرة أو وجهة النظر يمثله النوع الأول الذي ينبع من عدم قدرة المرء على فعل ما يحلو له؟ إنه عقلية الرغبة الدائمة في أن يكون عنيدًا وغير مسؤول، وأن يفعل الأشياء بناءً على الاندفاع والحالة المزاجية والشعور والفضول من دون فهم الحاجة إلى تحمُّل المسؤولية. أليس هذا موقفًا معينًا ينتهجه الناس تجاه الحياة؟ (بلى). هذه أيضًا طريقة للصمود. هل هذا موقف وطريقة للصمود إيجابيين؟ (لا). إنهما ليسا إيجابيين. يريد الناس دائمًا أن يعيشوا كما يحلو لهم، وأن يفعلوا الأشياء بعناد بناءً على الحالة المزاجية والفضول والهوايات. هذه ليست الطريقة الصحيحة للعيش؛ فهي طريقة سلبية وتحتاج إلى أن تُعالج. بالطبع، ينبغي علاج المشاعر السلبية الناشئة عن هذا الموقف وطريقة الصمود السلبيين بمقدار أكبر. النوع الآخر هو المشاعر السلبية المتمثلة في الكبت التي تنشأ من عدم قدرة الفرد على استخدام خبرته الخاصة. عندما لا يتمكن الناس من إظهار خبرتهم، أو استعراض أنفسهم، أو تبيُّن قيمتهم الفردية، أو تلقي التقدير من الآخرين، أو تلبية تفضيلاتهم الخاصة، فإنهم يشعرون بعدم السعادة والكآبة والكبت. هل هذه طريقة صحيحة ومنظور صحيح للوجود؟ (لا). ينبغي تغيير الأشياء الخاطئة وطلب الحق لعلاجها، وإحلال الطريقة الصحيحة التي تتوافق مع الحق والإنسانية الطبيعية مكانها. لقد عقدنا شركةً مسبقًا عن هذين السببين وراء نشوء مشاعر الكبت، مثل عدم قدرة المرء على فعل ما يحلو له، وعدم قدرته على استخدام خبرته. ثمّة سبب آخر لنشوء مشاعر الكبت، هل يمكنكم تخمينه؟ ما الأشياء الأخرى المرتبطة بوجهة النظر الوجودية الخاصة بالمرء والتي يمكن أن تجعل الناس يشعرون بالكبت؟ غير متأكدين؟ سبب آخر هو أن الناس لا يستطيعون تحقيق تطلعاتهم ورغباتهم، لذا يشعرون بالكبت ويخلقون مشاعر سلبية متمثلة في الكبت. فكِّر في هذا قليلًا. هل مسألة الكبت هذه موجودة؟ هل هي مشكلة حقيقية للبشر؟ (نعم). يميل الناس الذين ناقشنا أمرهم سابقًا والذين يرغبون في فعل ما يحلو لهم إلى أن يكونوا أكثر أنانيةً وعنادًا. يتّسم موقفهم تجاه الحياة بالتصرف بناءً على اندفاعاتهم وعمل كل ما يريدون. إنهم يفضلون التسلط على الآخرين، ولا يُناسبهم العيش في مجتمع. طريقة صمودهم هي أن يجعلوا أنفسهم محطّ أنظار الجميع، كما أنهم أنانيون وعاجزين عن العيش في تناغم أو التعاون بتناغم مع الآخرين. النوع الثاني من الأشخاص الذين يُفضُون إلى الكبت هو الشخص الذي يريد دائمًا التباهي، وإظهار نفسه، والذي يعتقد أنه الشخص المهم الوحيد، ولا يمنح الآخرين أبدًا مساحةً للوجود. ما دام يمتلك القليل من الخبرة أو الموهبة، سوف يرغب في إظهارها بصرف النظر عمّا إذا كانت البيئة مناسبةً، أو ما إذا كانت خبرته لها قيمة، أو يمكن استخدامها في بيت الله. يميل هذا النوع من الأشخاص أيضًا إلى التأكيد على الفردية، أليس كذلك؟ هل تتضمن طرق الناس للصمود هذه الأمور كلها؟ (نعم). كلتا الطريقتين للعيش والصمود غير صحيحتين. الآن، دعونا نعود إلى المشاعر السلبية المتمثلة في الكبت، والتي ناقشناها سابقًا والتي تنشأ من عجز المرء عن تحقيق تطلعاته ورغباته. بصرف النظر عن المناسبة أو البيئة أو الفترة، وبغض النظر عن نوع العمل الذي يُشارِك المرء فيه، فإنه يركز دائمًا على هدف تحقيق تطلعاته ورغباته الخاصة به، ويجعل ذلك معيارًا له. إذا لم يستطع تحقيق هذه الغاية أو إنجازها، فإنه يشعر بالكبت والحزن. أليست هذه أيضًا طريقة نوع معين من الأشخاص للصمود؟ (بلى). هذه أيضًا طريقة بعض الناس للصمود. إذًا، ما الفكرة أو وجهة النظر الرئيسية لأولئك الذين يعيشون وفقًا لطريقة الصمود هذه؟ إنها تتمثل في أنه ما دامت لديهم تطلعات ورغبات، فإن هدفهم هو تحقيق تطلعاتهم ورغباتهم، مهما كان مكان وجودهم أو ما يفعلونه. هذه هي طريقتهم للصمود وهدفهم. بصرف النظر عن الثمن الذي يتعيّن على الآخرين دفعه، أو التضحيات التي يتعيّن على الآخرين تقديمها، ومهما كان عدد الناس الذين يتعيّن عليهم تحمُّل العبء أو التضحية بمصالحهم الشخصية من أجل تطلعاتهم ورغباتهم، فإنهم سوف يسعون إلى الهدف المتمثل في تحقيق تطلعاتهم ورغباتهم الخاصة بلا استسلام. إنهم على استعداد حتى للوقوف على أكتاف الآخرين أو التضحية بمصالح الآخرين بلا تردد. إذا لم يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف، فإنهم يشعرون بالكبت. هل مثل هذه الفكرة أو وجهة النظر صحيحة؟ (لا). ما الخطأ فيها؟ (إنها أنانية للغاية!) هل مصطلح "أناني" إيجابي أم سلبي؟ (إنه سلبي). إنه شيء سلبي ومعاكس، ولذلك ينبغي علاجه على أساس الحق.
كيف ينبغي أن يعالج المرء مشاعر الكبت هذه التي تنشأ من العجز عن تحقيق تطلعاته ورغباته؟ دعونا نفحص أولًا مختلف التطلعات والرغبات لدى الناس. ماذا عن بدء شركتنا من تلك النقطة؟ (حسنًا). إن بدء شركتنا من نقطة ما التطلعات والرغبات التي لدى الناس يجعل من الأسهل عليهم فهم تسلسل واضح للأفكار وتتبُّعه. لذلك، دعونا أولًا نلقي نظرةً على التطلعات والرغبات التي لدى الناس. بعض التطلعات والرغبات واقعية، بينما بعضها الآخر غير واقعية. بعض الناس لديهم تطلعات مثالية، أما البعض الآخر فلديهم تطلعات واقعية. هل ينبغي علينا أولًا عقد شركة عن تطلعات المثاليين أم تطلعات الواقعيين؟ (التطلعات الواقعية). التطلعات الواقعية. ماذا عن التطلعات غير الواقعية؟ هل ينبغي علينا عقد شركة عنها أم لا؟ إن لم نعقد شركةً عنها، فهل سيكون الناس على دراية بها؟ (لن يكونوا على دراية). ما داموا لن يكونوا على دراية بها من دون تقديم شركة، فنحن بحاجة حقًا إلى عقد شركة عنها. غالبًا، وحتى من دون تقديم شركة، يمكن للناس أن يدركوا تطلعات الواقعيين. توجد هذه الأشياء في أفكار الجميع ووعيهم. تظل بعض التطلعات والرغبات بلا تغيير من الطفولة إلى مرحلة البلوغ، بصرف النظر عمّا إذا كانت متحققةً أم لا، بينما تتغير بعضها الآخر مع تقدم العمر. فيما يتقدم الناس في العمر وتتسع معرفتهم وأفقهم وخبرتهم، فإن تطلعاتهم ورغباتهم تتغير باستمرار. إنها تصبح أكثر واقعية، وأقرب إلى الحياة الواقعية، وأكثر تحديدًا. مثال ذلك، أراد بعض الناس عندما كانوا صغارًا أن يصبحوا مطربين، ولكن بينما كبروا، أدركوا أنهم لا يستطيعون الحفاظ على التناغم الموسيقي، لذلك أن يُصبحوا مطربين لم يكن واقعيًا. ثم فكروا في أن يصبحوا من نجوم الأفلام. وبعد عدة أعوام، نظروا في المرآة وأدركوا أنهم لم يكونوا جذابين للغاية. على الرغم من أنهم كانوا أطول قليلًا، فإنهم لم يكونوا جيدين في التمثيل، ولم تَبدُ تعبيراتهم شديدة العفوية. لذا كان كونهم من نجوم الأفلام غير واقعي أيضًا. لذلك، فكروا في أن يصبحوا مخرجين بدلًا من ذلك، حتى يتمكنوا من إخراج أفلام للنجوم. عندما بلغوا العشرينات من عمرهم واضطروا إلى اختيار تخصص في الكلية، تغيَّر تطلعهم إلى أن يصبحوا مخرجين. بعد التخرج، عندما حصلوا على شهادة الإخراج ودخلوا إلى عالم الواقع، أدركوا أن كونهم مخرجين يتطلب الشهرة والهيبة، ويستلزم مؤهلات، بالإضافة إلى الموارد المالية، وهو ما كانوا يفتقرون إليه في جميع النواحي. لم يقبل أحد تعيينهم مخرجين. لذلك، اضطروا إلى الرضا بالقليل، وشق طريقهم في صناعة السينما، ربما كمشرفين على السيناريو، أو مُنسقي إنتاج. بمرور الوقت، فكروا قائلين: "ربما يناسبني أن أكون منتجًا. فأنا أستمتع بالانشغال وجمع الأموال، ويُمكنني التحدث جيدًا، كما أن مظهري جميل إلى حد معقول. لا يعتبرني الناس مزعجًا، ويمكنني التواصل جيدًا مع الآخرين وكسب رضاهم. قد يكون الإنتاج مناسبًا لي". كما ترى، لقد تغيَّر تطلعهم تدريجيًا. لماذا تغيَّر؟ تغيَّر مبدئيًا لأن أفكارهم نضجت تدريجيًا، ولأن إدراكهم للأشياء أصبح أدق، وأكثر موضوعية وعملية. ومن ثم، بعد أن عاشوا في العالم الحقيقي، فإنه بناءً على بيئة حياتهم الواقعية والاحتياجات العملية وضغوط الحياة، تبدَّلت تطلعاتهم السابقة تدريجيًا بفعل تلك البيئة. عند طريق مسدود، يختارون في عجزهم أن يصبحوا منتجين، بدلًا من أن يصبحوا مخرجين. لكن هل حقَّق كونهم منتجين بالفعل تطلعاتهم أم لا؟ لم يتمكنوا من معرفة ذلك بأنفسهم. على أي حال، بمجرد أن بدؤوا، فإنهم فعلوا ذلك لمدة عشرة أعوام تقريبًا، أو حتى لحين التقاعد. هذه نظرة عامة على تطلعات الواقعيين.
كنا نناقش للتوّ كيف أنه من الممكن تقسيم تطلعات الناس إلى تطلعات المثاليين وتطلعات الواقعيين، أي هاتين الفئتين. لنبدأ الحديث عن تطلعات المثاليين. ينبغي أن يكون من السهل تمييز تطلعات الواقعيين. من ناحية أخرى، فإن تطلعات المثاليين ليست ملموسةً للغاية وبعيدة عن الحياة الواقعية إلى حد ما. كما أنها بعيدة كل البعد عن الأمور العملية المرتبطة بصمود البشر مثل الضروريات اليومية. هذه التطلعات لها صورة ذهنية ملموسة، لكنها تفتقر إلى نقطة رُسوّ محددة. يمكنك القول إن هذه التطلعات والرغبات هي خيالات، وهي فارغة ومنفصلة نسبيًا عن الطبيعة البشرية. يمكن اعتبار بعضها مجردة، وبعضها حتى تطلعات ورغبات تنشأ من طبع ممزّق. ما هي تطلعات المثاليين؟ ينبغي أن تكون المثالية سهلة الفهم. إنها حلم يقظة وخيال، ولا علاقة لها بالأمور العملية للضروريات اليومية في الحياة الواقعية. مثال ذلك، أن يكون المرء شاعرًا، أي شاعرًا خالدًا يهيم في الأرض؛ أو أن يكون مُبارِزًا، أي فارسًا مغامرًا يهيم أيضًا في الأرض، وأن يبقى بلا زواج ولا أطفال، ويتحرر من ورطة تفاهات الحياة، ويتحرر من همّ الضروريات اليومية، ويعيش في راحة واسترخاء، ويتنقل هنا وهناك، ويطمح دائمًا إلى أن يكون خالدًا ويهرب من الحياة الواقعية. هل هذا هو تطلع المثالي؟ (نعم). هل توجد مثل هذه الأفكار لدى أي منكم؟ (لا). ماذا عن شعراء الماضي المشهورين أولئك في الصين الذين كانوا يسكرون ويكتبون الشعر؟ هل كانوا مثاليين أم واقعيين؟ (مثاليين). لقد كانت الأفكار التي يدعون لها هي خيالات المثاليين وأحلام يقظتهم. كانوا يتنقلون دائمًا هنا وهناك، ويتحدثون بمصطلحات غامضة وملتبسة، متخيلين كيف كان العالم جميلًا، وكيف يمكن أن تكون البشرية مسالمةً، وكيف يمكن أن يتعايش الناس في تناغم. لقد فصلوا أنفسهم عن الضمير والعقل وضروريات الحياة للإنسانية الطبيعية. لقد فصلوا أنفسهم عن مسائل الحياة الواقعية هذه، وتخيلوا عالمًا فاضلًا أو خياليًا كان منفصلًا تمامًا عن الواقع. لقد تصوروا أنفسهم كائنات داخل ذلك العالم، تعيش في ذلك الفضاء. أليس هذا هو تطلع المثالي؟ ثمّة قصيدة من الماضي، ويقول أحد أبياتها: "أود أن أركب الرياح وأطير عائدًا إلى البيت". ماذا كان عنوان تلك القصيدة؟ ("لحن الماء"). اقرأ سطور تلك القصيدة. ("أود أن أركب الرياح وأطير عائدًا إلى البيت. أخشى أن يكون الجو باردًا جدًا في السحاب، وأن يكون القصر المصنوع من اليشم في غاية الارتفاع. أرقص مع ظلي، ولا أعود أشعر بالرابطة التي بيني وبين العالم الفاني"). ماذا يقصد بقوله: "أرقص مع ظلي، ولا أعود أشعر بالرابطة التي بيني وبين العالم الفاني؟" هل ينقل هذان البيتان مشاعر الكبت والاستياء لدى المثالي الذي لا يمكنه بلوغ تطلعاته أو تحقيقها؟ هل هما شيء يُعبَّر عنه في ظل مشاعر الكبت هذه؟ ما هو محور هذا؟ ما العبارة التي تشير إلى البيئة والخلفية اللتين وجد نفسه فيهما في ذلك الوقت؟ هل هي "أخشى أن يكون الجو باردًا جدًا في السحاب"؟ (نعم). لقد كان يكشف ظلمة عالم السلطة الرسمية وشره، وهو مكان فاسد للعيش. أراد أن يكون مثل شخص خالد، وأن يهرب من مثل هذه البيئة والوضع. ألن يكفيه أن يتنحى ببساطة عن كونه مسؤولًا؟ هل من الممكن أنه أراد تغيير هذه البيئة؟ كان غير راضٍ عن مثل هذه البيئة، إذ شعر أنها لا تتناسب مع بيئة المعيشة التي تطلع إليها، وشعر بالكبت في أعماقه. هذا نوع من التطلعات التي يمتلكها المثالي. تميل تطلعات المثاليين في الغالب إلى الأوهام. إنها غير واقعية ومجردة ومنفصلة عن الحياة الواقعية. يبدو الأمر كما لو أنهم يعيشون في عالم آخر خارج العالم المادي، أي في مساحة مستقلة وفردية، منغمسين في الأوهام ومنفصلين عن الواقع. وتمامًا مثل بعض الناس الذين يعيشون في المجتمع الحديث، فإنهم يريدون دائمًا ارتداء ملابس قديمة، وتصفيف شعرهم بطرق قديمة، والتحدث بلغة قديمة. يقولون: "يا لروعة ذلك النوع من الحياة! تمامًا مثل شخص خالد، يتنقّل ويهيم ويتحرر من متاعب الجسد المادي، ومن مختلف مشاق الحياة الواقعية. في ذلك النوع من البيئة المعيشية، لا يوجد قمع أو استغلال أو هموم. الناس متساوون ويقدمون المساعدة ويعيشون في تناغم بعضهم مع بعض. يا لجمال تلك الظروف المعيشية المثالية وجاذبيتها!" من بين غير المؤمنين، يوجد البعض ممن يسعون إلى هذه الأشياء. ينشد بعض الناس أغاني مماثلة، أو يكتبون قصائد مماثلة، أو يؤدون استعراضات مماثلة. نتيجةً لذلك، يتوق الناس أكثر إلى ذلك العالم الآخر الذي يحلم به المثاليون. وعندما يُنشِد بعض الناس هذه الأغاني أو يؤدون هذه الاستعراضات، فإنهم كلما غنوا، أصبح مزاجهم أكثر كآبةً، وازداد شوقهم إلى ذلك العالم المثالي وتمسُّكهم به. ماذا يحدث في النهاية؟ بعد أن يغني بعض الناس لفترة طويلة، يشعرون أنهم لا يستطيعون الهروب من همومهم. بصرف النظر عن مقدار غنائهم، ما زالوا عاجزين عن الشعور بدفء عالم البشر. وبصرف النظر عن مقدار غنائهم، فإنهم ما زالوا يشعرون أن العالم المُتخيَّل في مثاليتهم أفضل. يصبحون مخذولين من العالم ولا يعودون يريدون العيش في عالم البشر هذا، وفي النهاية يتخذون قرارًا حازمًا بالذهاب إلى ذلك العالم المثالي بطريقتهم الخاصة. البعض يتجرعون السم، ويقفز البعض من المباني، ويخنق البعض أنفسهم بسراويلهم، ويصبح البعض رهبانًا ويسعون إلى الممارسة الروحية. بحسب تعبيرهم، فقد خاب أملهم في العالم. في الواقع، حتى وإن خاب أمل المرء في العالم، فليس ثمّة حاجة للّجوء إلى مثل هذه التدابير والطرق المتطرفة لعلاج مشكلاته. ثمّة طرق عديدة لمعالجة المشكلات والصعوبات، ولكن نظرًا لفشلهم في إدراك الجوهر الكامن وراء هذه المسائل، فإنهم في نهاية المطاف يختارون طرقًا متطرفة لمعالجة هذه الصعوبات والهروب منها لبلوغ غايتهم المتمثلة في تحقيق تطلعاتهم. يُمثِّل هذا بعض المثاليين الذين يسكنون بين غير المؤمنين ومشكلاتهم.
هل يوجد في بيت الله، أي في الكنيسة، أناس لديهم تطلعات مماثلة؟ بالتأكيد يوجد، لكنّكم فقط لم تكتشفوهم بعد، لذلك سأخبرك عنهم. يوجد أفراد يتوقون، في العالم العلماني، إلى مجتمع مثالي يسوده السلام والتناغم والطمأنينة والمساواة بين الجميع، مثلما يفعل المثاليون بين غير المؤمنين. هذا المجتمع المثالي يشبه العوالم الفاضلة التي صوَّرها بعض الشعراء أو المؤلفين، على الرغم من أنه يشبه بالطبع في أحيان كثيرة بعض المساحات، أو طرق الحياة، أو البيئات المعيشية، الموجودة داخل العوالم المثالية للناس. يطلب هؤلاء الناس بلا وعي إيمانهم الخاص لتحقيق تطلعاتهم، مدفوعين بمثل هذه الاحتياجات والتطلعات. أثناء البحث، يكتشفون أن الإيمان بالله طريق جيد واختيار حسن للإيمان. فيما يحملون تطلعاتهم معهم، فإنهم يأتون إلى بيت الله، آملين أن يختبروا الدفء، والرعاية، وأن يحظوا بالإعزاز والاهتمام بين الناس، ويأملون أكثر بالطبع في أن يشعروا بمحبة الله العظيمة وحمايته. إنهم يدخلون بيت الله بتطلعاتهم، وسواءً قاموا بواجباتهم أم لا، تظل تطلعاتهم بلا تغيير على أي حال؛ إنهم يحملون تطلعاتهم دائمًا ويحتفظون بها بداخلهم. من البداية إلى النهاية، يمكن وصف تطلعاتهم كالتالي: عند دخولهم بيت الله، يأملون أن يكون مكانًا يشعرون فيه بالدفء، حيث يمكنهم فيه التمتع بالدفء، والسعادة، والرفاهية. إنهم يأملون أن يكون مكانًا خاليًا من أي نزاع، أو ارتياب، أو تمييز بين الناس، ومكانًا لا يحدث فيه تنمُّر، أو خداع، أو أذى، أو إقصاء بين الناس. في الأساس، هذه هي التطلعات التي يمكن إيجادها في أذهان أمثال هؤلاء المثاليين. ذلك يعني أنهم يتصورون مكانًا يُعامِل فيه الناس بعضهم بعضًا مثل الآلات، ويتجردون فيه من الحياة، ومن أي أفكار، ويبتسمون، ويومئون، وينحنون بطريقة آلية عندما يجتمعون لإظهار الودّ، ولإظهار عدم وجود أي عداء. في هذا المكان المثالي، تسود محبة كبيرة بين الناس، ويمكنهم الاهتمام ببعضهم البعض، والاعتزاز ببعضهم البعض، ورعاية بعضهم البعض، ومساعدة بعضهم البعض، وفهم بعضهم البعض، وتقبُّل بعضهم البعض، بل وحماية بعضهم البعض، والتستُّر على بعضهم البعض. هذه جميعها بعض الأشياء التي يتطلع إليها المثاليون ويحلمون بها. مثال ذلك، عندما يدخل المثاليون بيت الله، فإن تطلعاتهم وآمالهم هي احترام الصغار لكبار السن، وتقديرهم، ورعايتهم، ومنحهم خالص الاهتمام والرعاية. إلى جانب الاحترام، يأملون أيضًا أن يستخدم الناس ألقاب تشريف، مثل مناداة الإخوة بـ"العم الكبير فلان"، أو "العم هذا أو ذاك"، أو "العم فلان"، ومناداة أخواتهم بـ"الجدة كذا وكذا"، أو "العمة فلانة"، أو "الأخت فلانة"؛ أي مناداة كل شخص بلقبه الخاص أساسًا. إنهم يأملون على وجه الخصوص أن يكون الناس ودودين، ومتناغمين، ومهذبين مع بعضهم البعض ظاهريًا، وألا تكون لدى أي شخص أي سوء نية، أو أشياء سيئة أو شريرة سواءً ظاهريًا أو في أعماق قلوبهم. إنهم يأملون أنه إذا ارتكب أي شخص خطأً ما، أو واجه صعوبات، فيمكن للجميع مد يد العون لمساعدته، بالإضافة إلى تزويده أيضًا بوافر العناية والتسامح. على وجه الخصوص، عندما يرتبط الأمر بأولئك الذين هم ضعفاء، وأولئك الناس البسطاء نسبيًا الذين يسهل على الآخرين التنمُّر عليهم أو اضطهادهم في العالم؛ إنهم يأملون حتى أكثر من ذلك أنه عندما يأتي أمثال هؤلاء الناس إلى الكنيسة، إلى بيت الله، فإنه يمكنهم تلقي وافر الرعاية، والاهتمام، والمعاملة الخاصة. كما يقول هؤلاء المثاليون، عندما أتوا إلى بيت الله، تمنوا أن يكون الجميع سعداء وعلى ما يُرام، وتمنوا أنه بما أنهم يؤمنون جميعًا بالله، فإنهم سوف يشكلون عائلةً كبيرةً وسوف يكونون أشقاء معًا. إنهم يعتقدون أنه ينبغي ألا يحدث تنمُّر، أو عقاب، أو ضرر. إنهم يؤمنون أنه في حال ظهور مشكلة، ينبغي ألا تحدث نزاعات أو غضب بين الناس، وأنه ينبغي على الجميع بدلًا من ذلك أن يتعاملوا بهدوء، وببالغ الصبر والمساعدة فيما بينهم، وأن ينبغي عليهم أن يجعلوا الآخرين يشعرون دائمًا بالراحة، وأن كل شخص ينبغي عليه إظهار أفضل وألطف جوانبه للآخرين، مع الاحتفاظ بجانبه الشرير أو السيئ لنفسه. إنهم يؤمنون أن الناس ينبغي أن يُعاملوا بعضهم بعض مثل الآلات، وأنه ينبغي ألا يحملوا أي وجهات نظر أو آراء سلبية عن الأشخاص الآخرين، وبالطبع ينبغي ألا يفعلوا أي شيء سلبي لبعضهم البعض؛ إنهم يعتقدون أن الناس ينبغي أن تكون لديهم نوايا حسنة تجاه الآخرين، وأن هذه الحكمة تُعبِّر عن هذا جيدًا: "الأخيار ينعمون بحياة السلام". إنهم يعتقدون أن هذا وحده هو بيت الله الحقيقي والكنيسة الحقيقية. مع ذلك، فإن تطلعات هؤلاء المثاليين لم تتحقق بعد. يركز بيت الله على المبادئ بدلًا عن ذلك، ويؤكِّد على المساعدة والدعم المتبادلين بين الناس، ويطالب الجميع بمعاملة جميع أنواع الناس على أساس مبادئ الحق وكلام الله. بل إن بيت الله وضع بعض المتطلبات "غير المراعية" تجاه الناس، مثل التمييز بين الأنواع المختلفة من الناس، ومعاملتهم بطريقة مختلفة. يتطلب بيت الله أيضًا أن ينهض الناس لكشف أي أحد يرونه يضر بمصالح بيت الله، أو ينتهك ترتيبات العمل، أو يخالف المبادئ، وتهذيبه للحفاظ على مصالح بيت الله، ولا يسمح للناس بحماية أي شخص أو التستر عليه بناءً على المشاعر. بالطبع، فقد وضع بيت الله أيضًا مستويات مختلفة من القيادة. من ناحية، يستلزم بيت الله من القادة على جميع المستويات الاهتمام بالعمل اليومي للكنيسة. ومن ناحية أخرى، يستلزم منهم الإشراف على مختلف المهام، وإدارتها، ومتابعتها بحزم، مع البقاء أيضًا على اطلاع على حالات مختلف أنواع الأفراد وحياتهم الكنسية وفهمها والاهتمام بها في جميع الأوقات، وملاحظة المواقف والميول التي لديهم أثناء قيامهم بواجباتهم، وإجراء تعديلات معقولة ومناسبة عند الضرورة. بالطبع، يستلزم بيت الله أيضًا من القادة والعاملين أن يُهذِّبوا بحزم أي أفراد يكتشفون أنهم يتعارضون مع ترتيبات العمل في بيت الله، أو ينتهكون المبادئ ويعطلون عمل الكنيسة ويزعجونه، وأن يصدروا تحذيرات بشأن المخالفات البسيطة، ويتعاملوا مع الحالات الأخطر بطريقة ملائمة. في هذا السياق، تتم تصفية بعض الناس، أو طردهم، أو شطب أسماؤهم. بالطبع، عندما يأتي الناس إلى بيت الله للقيام بواجبات متنوعة والمشاركة في مهام متعددة، يسمع كثيرون منهم التوبيخ والدينونة اللذين يأتيان من كلام الله أو يرونهما أو يختبرونهما؛ بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يختبرون أن يُهذَّبوا على يد القادة من مختلف الرُتب. تختلف هذه البيئات المتفاوتة والأمور التي يواجهها الناس في بيت الله، تختلف تمامًا عن بيت الله وعن الكنيسة اللذين يتصورهما المثاليون في تطلعاتهم، إلى حد أنهما خارج توقعاتهم بشكل كبير، وهذا يجعلهم يشعرون بقدر كبير من الضغط في أعماق قلوبهم. من ناحية، يجدون أن مختلف الأحداث التي تظهر في الكنيسة، أو طرق الكنيسة ومبادئها في التعامل مع المشكلات، لا يمكن تصورها. من ناحية أخرى، تنشأ مشاعر الكبت في أعماق قلوبهم بسبب تطلعاتهم وفهمهم المغلوط عن الأمور الإيجابية، والكنيسة، وبيت الله. بعد ظهور مشاعر الكبت هذه، ولأنهم يفشلون في تصحيح أفكارهم ووجهات نظرهم الخاطئة على وجه السرعة، ولا يرون المشكلات المتعلقة بتطلعاتهم على حقيقتها ولا يتعرفون عليها بوضوح، تبدأ بالتالي العديد من المفاهيم في الظهور داخلهم. بالإضافة إلى ذلك، نظرًا لأنهم غير قادرين على فهم الحق أو استخدام الحق لعلاج هذه المفاهيم، فإنها تبدأ بالتجذّر في أفكارهم أو في أعماق نفوسهم، مما يتسبب في تضخم مشاعر كبتهم باستمرار، واشتدادها على نحو متزايد. في الواقع، الله، وبيت الله، والكنيسة، والمؤمنون، والمسيحيون، جميعهم غير متوافقين مع الفردوس، أو السماء، أو العالم الفاضل، الذي يتخيله هؤلاء المثاليون في تطلعاتهم. نتيجةً لذلك، يستمر الكبت الكامن في أعماق قلوبهم يتراكم باستمرار، وليس لديهم طريقة لتحرير أنفسهم منه. هل يوجد مثل هؤلاء الناس في الكنيسة؟ (نعم).
يقول بعض الناس: "أوه، لماذا يتحدث بيت الله دائمًا عن قبول الدينونة والتوبيخ؟ كيف يمكن للمؤمنين بالله أن يواجهوا التهذيب؟ أوه، لماذا يطرد بيت الله الناس؟ إنه يخلو من المحبة تمامًا! كيف يمكن أن تحدث أشياء كهذه في "السماء على الأرض"؟ كيف يمكن أن يظهر أضداد المسيح في الكنيسة؟ كيف يمكن أن تقع حوادث يقمع فيها أضداد المسيح الآخرين ويعاقبونهم؟ في الكنيسة، في بيت الله، كيف يمكن للناس كشف وتشريح بعضهم بعضًا؟ كيف يمكن أن توجد خلافات؟ كيف يمكن أن توجد غيرة وصراع؟ ما الذي يحدث؟ بما أننا أتينا إلى بيت الله، ينبغي أن توجد المحبة بيننا، وينبغي أن نتمكن جميعًا من مساعدة بعضنا البعض. كيف يمكن أن تستمر هذه الأشياء في الحدوث؟". هل يوجد أناس كثيرون ممّن لديهم هذه الأفكار؟ ينظر أناس كثيرون إلى بيت الله من خلال عدسة تصوراتهم. الآن، أخبرني، هل هذه التصورات والتفسيرات موضوعية؟ (لا، إنها ليست موضوعيةً). أين تفتقر إلى الموضوعية؟ (البشرية فاسدة للغاية، وجميع أولئك الذين يخلصهم الله لديهم شخصيات فاسدة، لذلك سوف يكشفون حتمًا عن الفساد في تعاملاتهم مع الآخرين. سوف تكون غيرة وصراع، وسوف تكون حوادث تنمُّر وقمع. هذه الأشياء تحدث حتمًا. الأشياء التي يتصوّرها المثاليون أمثال هؤلاء لا وجود لها. بالإضافة إلى ذلك، سوف تُهذّب الكنيسة الناس بناءً على مبادئ الحق، أو تُعدِّل الناس وتستبدلهم، أو تُخرِج الأشخاص الأشرار وعديمي الإيمان وتطردهم، لحماية حياة الكنيسة وعملها؛ هذا يتوافق مع المبادئ. ذلك لأنه عندما يتصرف الناس وفقًا لشخصياتهم الفاسدة، فإنهم يعطلون عمل الكنيسة ويزعجونه. سوف يكون من غير الواقعي إذا لم تتخذ الكنيسة تدابير مثل تهذيب أمثال هؤلاء الناس أو استبدالهم أو إزالتهم). إنه غير واقعي، ولهذا السبب، فإن أفكار هؤلاء الناس هي تطلعات المثاليين. لا واحدة منها واقعية، فجميعها فارغة ومُتصوَّرة، أليس كذلك؟ حتى الآن، ما زال أمثال هؤلاء الناس لا يفهمون لماذا ينبغي لهم الإيمان بالله. يقول بعض الناس: "الإيمان بالله أمر جيد. الإيمان بالله يعني فعل أشياء صالحة، وأن تكون شخصًا صالحًا". هل هذا القول صحيح؟ (لا، إنه غير صحيح). "ينبغي للمؤمنين بالله أن توجد لديهم نوايا حسنة في قلوبهم". هل هذا القول صحيح؟ (لا، إنه غير صحيح). وجود نوايا حسنة في قلب المرء: أي نوع من الأقوال هذا؟ هل يمكن أن تكون لديك نوايا حسنة بمجرد رغبتك في ذلك؟ هل لديك نوايا حسنة؟ هل وجود نوايا حسنة في قلب المرء أحد مبادئ السلوك الإنساني؟ إنه مجرد شعار وتعليم. إنه شيء فارغ. عندما لا يرتبط الأمر بمصالحك الخاصة، يمكنك أن تقول هذا بلطف شديد، معتقدًا: "لديَّ نوايا حسنة في قلبي، فأنا لا أتنمر على الآخرين، أو أؤذيهم، أو أغشهم، أو أستغلهم". لكن عندما يرتبط الأمر بمصالحك، ومكانتك، وكبريائك، هل سيكون القول "وجود نوايا حسنة في قلب المرء" قادرًا على كبحك؟ هل يمكن أن يعالج شخصيتك الفاسدة؟ (لا، لا يستطيع). لذلك، فإن هذا القول فارغ؛ إنه ليس الحق. بوسع الحق كشف جوهر شخصيتك الفاسدة، وبوسعه كشف الجوهر والطبيعة الحقيقية لنوع الأشياء التي تفعلها وتشريحها، وتحديد جوهر هذه الأشياء التي تفعلها والشخصية التي تكشفها وإدانتها. إنه يزودك إذًا بالمسار والمبادئ المناسبة لتغيير طريقة عيشك وطريقة تصرُّفك وعملك. بهذه الطريقة، إذا استطاع الناس قبول الحق وتغيير طريقة عيشهم، فيمكن علاج شخصياتهم الفاسدة؛ أما حث الناس على أن تكون لديهم نوايا حسنة في قلوبهم فلا يمكنه فعل هذا، فالحق وحده يمكنه فعل ذلك. لا يعالج الحق شخصيات المرء الفاسدة بتقديم شعارات وتعاليم، أو أنظمة وقواعد، بل بإعطائهم مبادئ ومعايير وتوجيهات لكيفية التصرف. إنه يستخدم هذه المبادئ والمعايير والتوجيهات لكي يزيح شخصية الناس الفاسدة ويحل محلها. عندما تتغير مبادئ الناس ومعاييرهم وتوجيهاتهم بخصوص كيفية التصرف ويجري تصحيحها، فإن مختلف الأفكار المحرَّفة والخواطر الخطأ في أذهانهم تتغير أيضًا بالمثل. عندما يفهم الشخص الحق ويربحه، تتغير أفكاره وفقًا لذلك. لا يرتبط الأمر بوجود نوايا حسنة في قلب المرء بل بتغيير في مصدر أفكاره وفي شخصيته، وفي جوهره. ما يكشفه مثل هذا الشخص ويعيش بحسبه يصبح إيجابيًا. كما أن اتجاه كيفية تصرُّفه وطريقته ومصدره هي أمور تخضع جميعها للتغيير. يعتمد كلامه وأفعاله على كلام الله كأساس ومعيار، ويمكنه أن يعيش بحسب الإنسانية الطبيعية. هل ما زال من الضروري إذًا أن نخبره ببساطة: "أن توجد نوايا حسنة في قلبه؟" هل هذا مفيد؟ ذلك القول أجوف؛ فهو لا يستطيع علاج أي مشكلات على الإطلاق. بعد أن يأتي المثاليون إلى بيت الله، أي الكنيسة، فإنه لا يزال من غير الممكن أن تتحقق تطلعاتهم، كما أنهم يشعرون بالكبت في قلوبهم بسبب هذا. هذا أشبه بكيفية توغل بعض المثاليين داخل الحكومة أو المجتمع، ثم يجدون أن تطلعاتهم لا يمكن تحقيقها أو استيفائها. نتيجةً لذلك، يشعرون بخيبة الأمل غالبًا. بعد أن يصبح بعض الناس مسؤولين أو أباطرة، يشعرون بسعادة غامرة تجاه أنفسهم، ويصبحون متكبرين للغاية، تمامًا مثل ذلك البيت في القصيدة الذي يقول: "تهبُّ رياح شديدة، وتتناثر الغيوم". ما نص البيت التالي؟ ("الآن بما أن قوتي تسود على كل شيء في البحار، فإنني أعود إلى وطني"). كما ترى، تبدو كلماتهم غريبةً. إنهم يمتلكون نوعًا من الشعور يصعب على الناس ذوي الإنسانية الطبيعية والعقل فهمه. يتحدث هؤلاء المثاليون بنبرة متعالية دائمًا. ماذا يعني التحدث بنبرة متعالية؟ يعني أنهم لا يواجهون الواقع أبدًا، أو يعالجون مشكلات حقيقية في أي شيء يفعلونه. إنهم لا يفهمون ماهية الواقع، وتحركهم المشاعر دائمًا. عندما يأتي هؤلاء الناس إلى بيت الله، فإنهم لا يفهمون معنى الإيمان بالله أو أهمية الإيمان بالله، مهما كان مقدار الحق الذي يسمعونه. إنهم لا يدركون قيمة الحق، ناهيك عن قيمة السعي إليه. إنهم يسعون دائمًا إلى تطلعات المثاليين. حلمهم هو أن يكون بيت الله يومًا ما كما يتصورون، حيث يعامل الناس فيه بعضهم البعض باحترام، ويعيشون في تناغم معًا، ويتوافقون جيدًا جدًا بعضهم مع بعض، ويُقدِّرون، ويعتنون، ويعتزون، ويساعدون، ويشكرون بعضهم. يحلمون أن يكون بيت الله مكانًا يقول الناس فيه أشياء لطيفة وكلمات مباركة بعضهم لبعض، من دون أي كلمات بغيضة أو جارحة، أو كلمات تكشف الجوهر الفاسد للناس، أو أي خلافات، ومن غير أن يكشف الناس بعضهم البعض، ومن دون أن يُهذِّبوا بعضهم البعض. بصرف النظر عن مقدار الحق الذي يسمعونه، فإن هؤلاء الناس ما زالوا لا يفهمون معنى الإيمان بالله، أو متطلبات الله، ونوعية الأشخاص التي يريد الله من الناس أن يكونوا عليها. ليس الأمر أنهم لا يفهمون هذه الأشياء فحسب، بل أملهم يمتدّ حتى إلى أنهم يمكنهم يومًا الاستمتاع بالمعاملة المثالية التي يرغبون فيها في بيت الله. إذا لم يتلقوا مثل هذه المعاملة، فإنهم يشعرون أنه لا يوجد مكان في بيت الله يمكن أن تتحقق فيه تطلعاتهم، ولا توجد أي فرصة لتحقيقها. لذلك، يفكر بعض الناس غالبًا في الاستسلام بينما يشعرون بالكبت، قائلين: "الإيمان بالله يبدو مملًا وفارغًا. المؤمنون بالله لا يساعدون، ولا يُقدِّرون، ولا يحترمون بعضهم بعضًا بالطريقة نفسها مثلما يفعل المؤمنون بالبوذية. والمؤمنون بالله يناقشون الحق والمبادئ دائمًا، ويتحدثون كثيرًا عن التمييز في العلاقات بين الأشخاص، كما يوجد انكشاف وانتقاد من حين إلى آخر، بل إنهم يواجهون التهذيب كثيرًا. هذه ليست نوعية الحياة التي أريدها". إذا لم تكن لديهم تطلعاتهم وبارقة الأمل في أنهم سوف يدخلون إلى السماء، فيمكن للمثاليين أمثال هؤلاء أن يغادروا الكنيسة في أي وقت ويجدوا طريقًا آخر. أخبرني إذًا، هل ينتسب هؤلاء الناس إلى بيت الله؟ هل هم مناسبون للبقاء في بيت الله؟ (لا، ليسوا مناسبين). أين ينبغي أن يذهبوا برأيكم؟ (إنهم مناسبون للانضمام إلى الحياة الرهبانية). يمكنهم الذهاب إلى معابد بوذية أو طاوية، كلاهما سيكون جيدًا. إنهم لا يشعرون بالكبت في العالم العلماني، لكنهم يشعرون بالكبت على وجه الخصوص في بيت الله، إنهم يشعرون أنه ليست لديهم الفرصة لتحقيق تطلعاتهم أو المجال لتطبيقها. لذلك، فإن هؤلاء الأشخاص مناسبون جدًا للأماكن المليئة بأكاليل الدخان، والإحراق المستمر للبخور. تلك الأماكن هادئة، ولا تُعلِّمك كيفية التصرف. إنها لا تكشف مختلف أفكارك ووجهات نظرك المغلوطة، ولا تكشف شخصيتك الفاسدة أو تُهذِّبها. يوجد فيها تباعد واحترام بين الناس. الناس لا يتبادلون أكثر من بضع كلمات في اليوم، ولا توجد أي خلافات. إنك لا تخضع لإشراف أحد أو تنظيمه. سوف تعيش حياة الاكتفاء الذاتي هناك، وبالكاد سوف تقابل غرباء على مدار العام. لن تضطر إلى القلق بشأن الشؤون اليومية. إذا كنت بحاجة إلى شيء لقُوتِك الجسدي، فيمكنك أن تأخذ وعاءً صغيرًا، أو وعاء تسول، وتستجدي الصدقات من عامة الناس، وتحصل على بعض الطعام لتأكله، من دون الحاجة إلى كسب المال. تختفي جميع المتاعب الدنيوية في تلك الأماكن. الناس يعاملون بعضهم البعض بلطف شديد، ولا أحد يتجادل مع أي شخص آخر. إذا كانت ثمّة خلافات، فإنها تبقى في قلوب الناس. تنقضي الأيام في سهولة وراحة. وهذا هو ما يُعرَف باسم أرض النعيم المطلق، إنه مكان تطلعات المثاليين، والمكان الذي يمكن فيه للمثاليين تحقيق تطلعاتهم. ينبغي أن يعيش هؤلاء الناس في المكان الموجود في تصوراتهم، وليس في الكنيسة. فيما يخص الناس أمثالهم، ثمّة أشياء كثيرة جدًا ينبغي عملها في الكنيسة. كل يوم، ينبغي عليهم قراءة كلام الله، وحضور الاجتماعات، وتعلُّم كل مبدأ من المبادئ، وعقد شركة عن الحق، وعن فهم شخصياتهم الفاسدة طوال الوقت؛ وبعض الناس، الذين يتصرفون بناءً على شخصياتهم الفاسدة، وينتهكون المبادئ، يواجهون التهذيب، بل وإن القليل من الناس يواجهون هذا مرارًا وتكرارًا. يشعر هؤلاء الناس بالكبت والتعاسة على وجه الخصوص هنا. الكنيسة ليست بيئتهم المثالية. إنهم يؤمنون أنه بدلًا من استنفاد وقتهم، أو إهدار شبابهم في هذا المكان، سوف يكون من الأفضل أن يذهبوا للعيش في مكان يحبونه على نحو أسرع إلى حد ما. إنهم يعتقدون أنه لا توجد حاجة إلى استنفاد وقتهم هنا، يشعرون بالكبت المستمر، ويعيشون حياةً مزعجةً وكئيبةً وتعيسةً. هذا هو المظهر النمطي الوحيد لتطلعات المثاليين التي تناولناها. لا يمكن قول الكثير عن هؤلاء الناس. بصرف النظر عن مقدار الحق الذي تعقد شركةً عنه معهم، فإنهم لن يستمعوا إليه. إنهم يتمادون طوال اليوم في الأوهام، وجميع الأشياء التي يفكرون فيها غير واقعية وغامضة للغاية، وهم بعيدون كل البعد عن الإنسانية الطبيعية. إنهم يفكرون في هذه الأشياء طوال اليوم ولا يمكنهم التواصل مع الأشخاص الطبيعيين. لا يستطيع الأشخاص الطبيعيون أيضًا فهم الأشياء التي صُنِع عالمهم منها. لذلك، بصرف النظر عن نوع الأفكار ووجهات النظر التي يحملها هؤلاء الناس، فإن تطلعاتهم جوفاء. لأن تطلعاتهم جوفاء، فإن أفكارهم ووجهات نظرهم جوفاء أيضًا بطبيعة الحال. إن أفكارهم ووجهات نظرهم لا تستحق التشريح أو التعمّق فيها كثيرًا. لأنها جوفاء، دعها تبقى جوفاء. يمكن لهؤلاء الناس الذهاب إلى أي مكان يريدون، ولن يتدخل بيت الله. إذا كانوا على استعداد للبقاء في بيت الله والقيام بالقليل من واجباتهم أو العمل، فسوف نلبي احتياجاتهم ونمنحهم الفرصة للتوبة، ما داموا لا يسببون إزعاجًا أو يفعلون الشر. باختصار، ما دام هؤلاء الأشخاص ودودين تجاه الإخوة والأخوات، وتجاه بيت الله، وتجاه الكنيسة، فإننا لسنا بحاجة إلى التعامل مع مثل هذا النوع من الأشخاص، إلا إذا عبَّروا بأنفسهم عن رغبتهم في المغادرة. إذا كان الأمر كذلك، فدعونا نرحب بهذا بأذرع مفتوحة، أليس كذلك؟ (بلى). لقد حُسِمَ الأمر إذًا.
تميل تطلعات المثاليين إلى أن تكون جوفاء، بينما تكون تطلعات الواقعيين أكثر عمليةً وتتوافق توافقًا وثيقًا مع حياة الناس وبيئاتهم الفعلية. بالطبع، فإنها تتَّصل أيضًا بشكل ملموس أكثر بقضايا حياة البشر ووجودهم، بما في ذلك قضايا استقرار المرء وبدء حياته. ينطوي استقرار المرء وبدء حياته على المهارات، والإمكانيات، والمواهب التي يكتسبها الناس، ومختلف أنواع التعليم التي يتلقونها، ومَلَكاتهم، وقدراتهم، وخبرتهم. تشمل تطلعات الواقعيين هذه الجوانب. في عالم تطلعات الواقعيين، تظهر هذه التطلعات بشكل ملموس في حياة الناس الفعلية، سواءً كانت تهدف إلى تحسين ظروفهم المعيشية أو إرضاء عالمهم الروحي الخاص. مثال ذلك، يمتلك بعض الناس قدرات قيادية، ويستمتعون بكونهم في دائرة الضوء. ربما يتفوقون في التحدث أمام الجمهور أو التواصل اللفظي، أو يملكون فهمًا عميقًا للناس ومهارةً في استغلالهم، وهو ما يمكن وصفه بشكل أنسب بأنه إصدار أوامر للناس. بالتالي، فإن أمثال هؤلاء الناس مغرمون على وجه الخصوص بشغل مناصب، أو تولي أدوار قيادية، أو العمل في الموارد البشرية. بمجرد أن يدركوا كفاءتهم في هذه المجالات، فإنهم يطمحون إلى أن يكونوا قادةً أو مُنظِّمين بين الناس، وأن يشرفوا على المهام والموظفين، أو حتى يوجهوا مهمةً معينةً. إن تطلعهم الأساسي هو أن يصبحوا قادةً. بالطبع، هذه هي طريقة تصرُّفهم في المجتمع. عندما يدخلون بيت الله، فإنهم يعتبرونه منظمةً دينيةً، منظمةً فريدة من نوعها. بعد الانضمام إلى الكنيسة، تظل تطلعاتهم بلا تغيير. لا تتأثر تطلعاتهم بالتغيرات في البيئة أو الخلفية التي يعيشون فيها. إنهم يجلبون معهم إلى بيت الله التطلع نفسه المتمثل في القيادة. رغبتهم هي أن يخدموا بوصفهم قادةً وعمالًا في بيت الله في جميع المستويات، مثل قائد كنيسة، أو مشرف في مستوى معين، أو رئيس مجموعة. هذا هو تطلعهم. مع ذلك، نظرًا لأن ترتيبات العمل في بيت الله لها مبادئ وأنظمة لاختيار القادة أو العاملين، ونظرًا لأن هؤلاء الناس يفشلون في تلبية المؤهلات المطلوبة، حتى إن شاركوا أحيانًا في عملية اختيار القيادة لمستوى معين، فإنهم لا يُمكنهم في النهاية تحقيق تطلعهم وأن يُصبحوا القادة كما كانوا يطمحون. كلما ازداد عدم تمكّنهم من نيل القيادة أو أداء الوظيفة التي يتطلعون إليها، كلما ضجّت تطلعاتهم في داخلهم، ما يُصاعِد شوقهم إلى القيادة. بالتالي، فإنهم يبذلون جهدًا هائلًا في مختلف المساعي، سواءً بين إخوتهم وأخواتهم، أو أمام القادة رفيعي المستوى، وذلك لإظهار أنفسهم، وجعل أنفسهم يبدون متميزين واستثنائيين، والتأكد من الاعتراف بمواهبهم. بل وربما يتنازلون عن ضميرهم الخاص لتلبية تفضيلات إخوتهم وأخواتهم، فيفعلون أو يقولون أشياء معينة ويُظهِرون سلوكيات معينة عمدًا للتوافق مع متطلبات القيادة التي تحددها ترتيبات العمل في بيت الله. مع ذلك، فإنهم ما زالوا غير قادرين عن تحقيق تطلعاتهم في أن يصبحوا قادةً، على الرغم من جهودهم الحثيثة. ثمّة أولئك الذين يشعرون بخيبة الأمل، والضياع، والانفصال عن أنفسهم. تشتد حدّة المشاعر السلبية المتمثلة في الكبت التي اختبروها سابقًا عندما يؤمنون بالله، لكنهم لا يستطيعون قبول الحق أو إيجاد حلول لمشكلاتهم. لقد رغبوا دائمًا في تولي مناصب وفي أن يكونوا قادةً، وهذه التطلعات نمت في قلوبهم بالفعل حتى قبل أن يؤمنوا بالله. نظرًا لأنهم لم يتمكنوا من تحقيق تطلعاتهم، فإنه كان ثمّة دائمًا شعور خفي بالكبت في أعماقهم. حتى بعد دخول بيت الله، تزداد مشاعر الكبت بداخلهم قوةً واشتدادًا، حيث لا يزالون غير قادرين على تحقيق تطلعاتهم. يشعر هؤلاء الناس بالاستياء نظرًا لأن قدراتهم القيادية لا تُستغَل، ويشعرون بالأسف، وخيبة الأمل، والكبت، لأن تطلعاتهم لا يمكن تحقيقها. بما أن تطلعاتهم تبقى غير مُحقّقة، فإنهم يشعرون بإحساس الظلم داخل أنفسهم. وفيما لا يكون لديهم منفذ لقدراتهم، فإنهم يُصبحون خائبي الأمل بشأن الحياة والطريق أمامهم. بالتالي، فإنهم يحملون شعورًا بالكبت غالبًا في حياتهم اليومية، أثناء أداء المهام المختلفة. بعض الناس ما زالوا عاجزين عن أن يصبحوا قادةً أو أن يحققوا تطلعاتهم، حتى بعد العديد من الجهود والمحاولات. في مثل هذه المواقف، يبدأون باللجوء إلى وسائل مختلفة للتنفيس عن مشاعرهم والبوح بكبتهم أو التعبير عنه. بالطبع، فإن بعض الذين يؤمنون بالله بينما لا يزالون متمسكين بتطلعاتهم في تولي مناصب تتحقق لهم رغبة قلوبهم ويصبحون قادةً في الكنيسة. مع ذلك، فإنهم غير قادرين على أداء واجباتهم كقادة وفقًا لمتطلبات الله وترتيبات بيت الله. في الوقت نفسه، يجدون أنفسهم يؤدون هذه الأدوار القيادية على مضض تحت متطلبات وإشراف بيت الله وإخوتهم وأخواتهم. على الرغم من أنهم حققوا تطلعاتهم ويفعلون الأشياء التي كانوا يتطلعون إلى القيام بها من الناحية المثالية، فإنهم ما زالوا يشعرون بالكبت. هذا لأنهم يقودون على أساس تحقيق تطلعاتهم الشخصية، وعلى الرغم من أنهم قد يبدون خارجيًا أو ظاهريًا وكأنهم يُتمّمون المهام التي يتطلبها بيت الله، فإن تطلعاتهم تتجاوز هذه المسؤوليات بكثير. فطموحاتهم، وتطلعاتهم، ورغباتهم، ورؤيتهم، تتجاوز ما هو أبعد من نطاق أدوارهم الحالية. نظرًا لترتيبات عمل بيت الله ومتطلبات الله، تكون أفعالهم، وأفكارهم، وكذلك خططهم ونواياهم، مربوطةً ومقيدةً. لذلك، فإنهم لا يزالون يشعرون بالكبت حتى بعد توليهم مناصب قيادية. ما سبب هذه المشكلات؟ السبب هو أنه على الرغم من أنهم أصبحوا قادةً، فإنهم يواصلون السعي لتحقيق تطلعاتهم الخاصة، والوعود التي قطعوها في تطلعاتهم الخاصة. مع ذلك، فإن الخدمة كقادة في بيت الله أو في الكنيسة لا تحقق تطلعاتهم ورغباتهم، كما أن مشاعرهم تصبح مختلطةً وتتناقض بعضها مع بعض. بسبب هذه الصراعات وعدم قدرتهم على التخلي عن تطلعاتهم ومساعيهم الخاصة، فإنهم يشعرون غالبًا بالكبت في أعماقهم، ولا يمكنهم إيجاد التحرر. هذا أحد أنواع الأشخاص. في بيت الله، يوجد من بين هؤلاء الناس، أولئك الذين يقاتلون من أجل تطلعاتهم ولكنهم ما زالوا عاجزين عن تحقيقها، وثمّة أيضًا أولئك الذين يقاتلون من أجل تطلعاتهم ويحققونها في النهاية ولكنهم ما زالوا يشعرون بالكبت. مهما كان الوضع الذي يجدون أنفسهم فيه، فإن هؤلاء هم الأشخاص الذين لم يتخلوا عن تطلعاتهم وما زالوا مستمرين في السعي إليها أثناء قيامهم بواجباتهم وعيش حياتهم في بيت الله.
ثمّة آخرون أيضًا يمتلكون موهبة الكتابة، والتواصل اللفظي، والأدب. إنهم يأملون في التعبير عن أفكارهم باستخدام مهاراتهم الأدبية، وفي الوقت نفسه استعراض هذه المهارات وجعل الناس يلاحظون قدرتهم، وقيمتهم، ومساهمتهم لبيت الله. يتمثل تطلعهم في السعي ليصبحوا كُتَّابًا ومثقفين متميزين ومؤهلين. عندما يدخلون بيت الله ويبدأون في القيام بالواجبات النصية، فإنهم يشعرون أنهم وجدوا مكانًا لاستخدام قدراتهم. إنهم يُظهِرون بحماسة نقاط قوتهم ومواهبهم لتحقيق تطلعهم في أن يصبحوا كُتَّابًا ومثقفين. على الرغم من استمرارهم في القيام بواجباتهم، فإنهم لا يتخلون عن تطلعاتهم. ففي أدائهم لواجباتهم، يمكن القول إن 80 إلى 90 بالمائة منها يعتمد على تطلعاتهم، بكلمات أخرى، الدافع وراء أداء واجباتهم يأتي من سعيهم إلى تطلعاتهم هذه وتمنيها. بالتالي، فإن أداء أمثال هؤلاء الناس للواجبات مشوب بالشوائب بعض الشيء، مما يجعل من الصعب عليهم تلبية معايير إتمام الواجبات وفقًا لمبادئ الحق ومعايير الله المطلوبة. إنهم لا يأتون إلى بيت الله لإتمام واجباتهم فحسب، وإنما يأملون في الاستفادة من فرصة أداء واجباتهم لاستعراض مواهبهم الخاصة، ويتوقون إلى تحقيق تطلعاتهم وإثبات قيمتهم من خلال إظهار مواهبهم. بالتالي، فإن العقبة الأكبر أمامهم في إتمام واجباتهم وفقًا للمعيار هي تطلعاتهم، أي أن عملية القيام بواجباتهم تختلط بالتفضيلات الشخصية وأفكارهم ووجهات نظرهم عن مختلف الناس، والأحداث، والأشياء. يملك بعض الناس فهمًا لمهارات مهنية معينة أو يتمتعون بموهبة معينة. مثال ذلك، يفهم البعض تقنية الحاسوب ويستمتعون بالعمل كمهندسي حاسوب. إنهم يرتدون نظارات، وملابس مهنية، وعلى وجه التمييز، يحملون حواسيب محمولة فريدة من نوعها أو نادرًا ما يراها الآخرون. بصرف النظر عن المكان الذي يذهبون إليه، فإنهم يجلسون بحواسيبهم المحمولة ويفتحونها للتحقق من المعلومات الموجودة على مختلف صفحات الويب ويتعاملون مع مختلف المشكلات عن طريق الحاسوب، وهذا كله بأسلوب احترافي. باختصار، فإن المنظور والسلوك والكلام والأسلوب بشكل مهني هو ما يطالبون أنفسهم به ويتباهون به أمام الآخرين، إذ يسعون جاهدين ليصبحوا مهنيين في صناعة هندسة الحاسوب. يحقق هؤلاء الناس تطلعهم أخيرًا بعد دخول بيت الله، ويؤدون المهام المتعلقة بتقنية الحاسوب. إنهم يدرسون التقنية باستمرار، ويُحدِّثون مهاراتهم، ويحددون مختلف الإشكاليات ويحلونها بجدية بهدف مواكبة اتجاهات الصناعة وترويج المعلومات الجديدة في مجالهم ونشرها. يُبدي أمثال هؤلاء الناس اهتمامًا خاصًا بمهارة مهنية محددة وفهمها، مما يجعلهم مهنيين وخبراء. بالتالي، فإن تطلعهم هو أن يصبحوا مهنيين، وهم يأملون أن بيت الله سوف يضعهم في منصب مهم، وأن يُقدِّرهم، ويعتمد عليهم. بالطبع، في بيت الله وفي الفترة الحالية، استخدم معظم أمثال هؤلاء الناس نقاط قوتهم بالفعل وحققوا تطلعاتهم. مع ذلك، هل راعى هؤلاء الناس أثناء تحقيقهم تطلعاتهم ما إذا كانوا يؤدون واجباتهم أو يسعون إلى تطلعاتهم الخاصة بهم في القيام بعملهم؟ الأمر ليس واضحًا تمامًا، أليس كذلك؟ إن العمل الذي يشاركون فيه متخصص، ومعقد، ومضنٍ. مع ذلك، فإن المهارات التي يمتلكونها لا تستوفي متطلبات بيت الله لهذا العمل. لذلك، أثناء سعيهم لتطلعاتهم الخاصة بهم وقيامهم بواجباتهم، فإنهم يشعرون بأنهم مقيدين وخاضعين للسيطرة إلى حد ما. قد يشعر هؤلاء الناس بسبب التطلعات التي لديهم في قلوبهم بمستوى معين من الكبت عندما يواجهون مختلف حقائق الإيمان بالله ومبادئ أداء الواجبات. ثمّة بعض الناس على هذه الشاكلة.
ثمّة مجموعة أخرى من الأشخاص الذين يشاركون في نشر الإنجيل. إنهم يطمحون إلى أن يصبحوا قادةً في التبشير، وأن يكونوا الأوائل، وأن يقودوا ويتفوقوا في أي كنيسة يكونون جزءًا منها، ولا يرضَون أبدًا بالتخلف عن الركب. على الرغم من أنهم يقومون بواجباتهم ويؤدّون عملهم، فإنهم يسعون إلى تطلعاتهم والأهداف التي يخططون لها، ويتصورونها، والتي لا علاقة لها بالإيمان بالله أو الحق. عند كشف هذه الأهداف والتطلعات وتصنيفها، أو عندما يواجهون عقبات معينة، ويدرك هؤلاء الناس أنه لا يمكن تحقيق تطلعاتهم أو إظهار قيمتهم، فإنهم يشعرون بالكبت والاستياء على وجه الخصوص. يرغب كثيرون منهم في تلقي التأييد والتصديق أثناء السعي إلى تطلعاتهم. عندما لا يتلقون هذه الأشياء، أو عندما لا تحقق تكلفة جهودهم عوائد فورية، فإنهم يشعرون أن الأمر لا يستحق ذلك العناء، وأنه ينطوي على الظلم، ولذلك يشعرون بالكبت. ألا يُظهِرون مثل هذه السلوكيات؟ (بلى، إنهم يُظهرونها). من بين أولئك المشاركين في نشر الإنجيل، ثمّة البعض ممن أرادوا دائمًا أن يكونوا وُعّاظًا أو مبشرين مؤهلين ومثاليين. عندما يسمعون فلانًا، المبشر والواعظ الشهير، فإنهم يمتلئون بالحسد ويأملون في أن يصبحوا أيضًا هكذا يومًا، ويأملون أن تُحيي الأجيال القادمة ذكراهم وتمدحهم، وأن يذكرهم الله. إنهم يريدون دائمًا الوعظ بطريقتهم التطلعية، مستخدمين تطلعهم هدفًا ودافعًا كي يصبحوا وُعّاظ ويكسبوا الشهرة، أو كي تذكرهم الأجيال القادمة في بيت الله. هذا هو تطلعهم. مع ذلك، ثمّة في بيت الله متطلبات صارمة لأي مهمة، وثمّة مبادئ طلب الله الناس أداء هذه المهمة وفقًا لها. بالتالي، يشعر هؤلاء الأفراد بالكبت لأنهم لا يستطيعون أن يصبحوا مثل المبشرين الذين تمثّلوا بهم في تطلعاتهم، وغالبًا ما يكونون تحت الإشراف والتنظيم، وثمّة متابعة واستفسار من القادة والعاملين فيما يخص عملهم. كما يوجد أولئك الذين يواصلون السعي وراء تطلعاتهم بعد مجيئهم إلى بيت الله، نظرًا لامتلاكهم مهارات أو مواهب خاصة. مثال ذلك، من بين أولئك الممثلين، يتمتع البعض بمهارة في الأداء ولديهم فهم أساسي لأساليب التمثيل. إنهم يتمنون أن يصبحوا الممثل الذي يتطلعون إليه، ويأملون أن يصبحوا يومًا مثل الممثلين المشهورين المعروفين بين غير المؤمنين: أي كبار الشخصيات، والنجوم، مثل الملوك والملكات. مع ذلك، في بيت الله، تنكشف دائمًا شخصية الفساد ومظاهره في هذا الصدد، وثمّة متطلبات ومبادئ محددة للممثلين. حتى بعد أن يكتسبوا قدرًا من الشهرة كممثلين، فإنهم ما زالوا عاجزين عن أن يصبحوا من المشاهير الذين يقدّسهم الناس ويتبعونهم، مما يقودهم إلى الشعور بالكبت. إنهم يقولون: "بيت الله مزعج. إنهم يقيدون الناس دائمًا في كل شيء. ما العيب في الاقتداء بالمشاهير؟ ما العيب في ارتداء ملابس فريدة من نوعها، مع لمسة بسيطة من الطابع الشخصي والمتطلبات؟". نظرًا لمتطلبات أزياء الممثلين والعروض المحددة في بيت الله، ثمّة دائمًا في نظرهم صراع وتعارض بين هذه المتطلبات وتطلعهم في أن يصبحوا من المشاهير وكبار الشخصيات. نتيجةً لذلك، يشعرون بالانزعاج الشديد في قلوبهم، ويفكرون قائلين: "لماذا يصعب للغاية تحقيق تطلعاتي؟ لماذا أواجه عقبات في بيت الله عند كل منعطف؟" يشعرون بالكبت عند اختبار مثل هذه الأفكار أو عند عدم تلبية هذه التوقعات. فيما وراء هذا الشعور بالكبت يكمن اعتقادهم بأن تطلعاتهم مشروعة وتتمتع بالقيمة. يعتقدون أيضًا أنه لا عيب في السعي إلى تطلعاتهم، وأنه من حقهم أن يفعلوا ذلك، وبالتالي، تبدأ مشاعر الكبت في الظهور داخلهم. مثال ذلك، يشعر بعض المخرجين أنهم اكتسبوا قدرًا كبيرًا من الخبرة بعد إخراج العديد من الأفلام. إنهم يعتقدون أن أفلامهم تستحق أن تُعرَض، وأنهم تحسنوا من ناحية التصوير السينمائي، والمونتاج، وأداءات الممثلين، والإدارة المماثلة بجميع أنواعها، مقارنةً بما قبل. بعد تلقي التوجيه من الأعلى، فإن أفلامهم تستوفي أخيرًا المعايير المناسبة وتصدر في الوقت المحدد. يبدو أن هذا يؤكد أن سعيهم ليصبحوا مخرجين مؤهلين طموح مناسب، ومشروع، وضروري. مع ذلك، فيما يسعون لتحقيق هدفهم المتمثل في أن يصبحوا مخرجين مؤهلين، فإن بعض أفكارهم، ووجهات نظرهم، وأفعالهم غير المتوافقة مع المبدأ يكون مصيرها الرفض، أو الإلغاء، أو عدم الاعتراف بها غالبًا. بل قد يواجهون أحيانًا التهذيب. وهذا يُسبِّب لهم إحساسًا بالكبت في أعماق قلوبهم، ويقولون: "لماذا يصعب للغاية أن أكون مخرجًا في بيت الله؟ انظر إلى هؤلاء المخرجين في عالم غير المؤمنين، ومدى سِحرهم. لديهم أشخاص يقدمون الشاي، ويصبُّون المشروبات لهم، بل ويغسلون أقدامهم. في بيت الله، فإن كونك مخرجًا يفتقر إلى المكانة والهيبة، ولا أحد يُقدِّرنا أو يُعجَب بنا. لماذا يجري تهذيبنا دائمًا؟ مهما كان ما نفعله، فإنه ليس صحيحًا أبدًا. يا للكبت! لدينا أفكارنا، ووجهات نظرنا، وقدراتنا المهنية، فلماذا يجري تهذيبنا دائمًا؟ هل من الخطأ أن نسعى وراء تطلعاتنا الخاصة بنا، أو هل من الممكن أن يكون السعي وراء تطلعاتنا غير شرعي؟ لماذا يكون تحقيق تطلعاتنا صعبًا للغاية؟ هذا ينطوي على كبت شديد!". بصرف النظر عن طريقة تفكيرهم في الأمر، فإنهم ما زالوا يشعرون بالكبت. ثمّة أيضًا مرنمون معينون يقولون: "لا أسعى في بيت الله إلى أي شيء إلا أن أكون مرنمًا مؤهلًا، وأن أرنم جيدًا، وأُظهِر أسلوبي الخاص، وأكون محبوبًا من كل من يسمعني". مع ذلك، يضع بيت الله غالبًا متطلبات ومبادئ مختلفة لترتيل الترانيم، ويخضع هؤلاء المرنمون غالبًا للتهذيب بسبب انتهاكهم لتلك المتطلبات مرارًا وتكرارًا. وعندما لا يُهذَّبون، يشعرون أنه يمكنهم تحقيق تطلعاتهم بيُسر. ولكن عندما يُهذَّبون ويختبرون بضعة نكسات، فإنهم يشعرون أن جهودهم وإنجازاتهم خلال تلك الفترة تبدو وكأنها قد أُلغِيت، ويعودون إلى نقطة البداية. هذا يتسبب في شعور بالكبت عميقًا في قلوبهم، ويقولون: "آه، من الصعب حقًا تحقيق تطلعاتي! العالم واسع، ولكن يبدو أنه ليس ثمّة مكان لي. ينطبق الأمر نفسه في بيت الله. لماذا يكون السعي إلى مسيرتي المهنية صعبًا للغاية؟ لماذا يكون من الصعب جدًا عمل الأشياء التي أريد عملها؟ لا أحد يمنحني الضوء الأخضر، أنا أواجه عقبات في كل منعطف، ويجري تهذيبي باستمرار. كل هذا يمثل تحديًا وكبتًا لي حقًا! في عالم غير المؤمنين، يتآمرون ويتقاتلون بعضهم مع بعض دائمًا، وتوجد عقبات وظيفية في كل مكان، لذلك من الطبيعي أن تشعر بالكبت. لكن لماذا لا أزال أشعر بالكبت عندما آتي إلى بيت الله بتطلعاتي؟". أولئك الذين ينخرطون في مهام مختلفة في بيت الله يواجهون انتكاسات غالبًا في عملية السعي وراء تطلعاتهم، ويُبطَلون مرارًا وتكرارًا، ويجري تهذيبهم، ويفشلون في تلقي التقدير غالبًا. بعد اختبار هذه الأشياء بشكل سلبي، يقعون بلا قصد في حالة معنوية منخفضة، ويشعرون أن حياتهم أيضًا ربما تكون قد انتهت وأنه يستحيل تحقيق تطلعاتهم. قبل المجيء إلى بيت الله، اعتادوا على التفكير: "إنني أحمل تطلعاتي وطموحاتي معي. لديَّ رغباتي الخاصة، وتوجد في بيت الله إمكانيات لا حصر لها. يمكنني أن أصبح مخرجًا، أو ممثلًا، أو كاتبًا، أو حتى راقصًا، أو مرنمًا، أو موسيقيًا مؤهلًا". وبينما عجزوا عن إظهار مواهبهم وتحقيق تطلعاتهم، اعتقدوا أن بيت الله سوف يوفر لهم مسرحًا خاصًا بهم، بمساحة واسعة يمكن أن تتحقق فيه تطلعاتهم، وأحلامهم، وطموحاتهم. لقد شعروا أن المسرح في بيت الله كان كبيرًا على وجه الخصوص. لكن بعد مرور أعوام طويلة يتساءلون: "لماذا أشعر أن المسرح يضيق تحت قدميَّ؟ لماذا ينكمش عالمي؟ تبدو إمكانية تحقيق تطلعاتي بعيدةً بشكل متزايد، بل ومستحيلةً. ما الذي يحدث؟" في هذه المرحلة، لا يزال هؤلاء الناس غير مستعدين للتخلي عن تطلعاتهم أو التشكيك في صحة هذه التطلعات والرغبات. ما زالت هذه التطلعات والرغبات تراودهم في أداء واجباتهم. بالتالي، فإن مشاعر الكبت لدى الناس ترافقهم في كل مكان، سواءً أثناء سعيهم إلى تطلعاتهم ورغباتهم أو أثناء قيامهم بواجباتهم الفعلية. من جهة أولئك الذين تراودهم مشاعر الكبت، أو الذين لا يستطيعون التخلي عنها، لا يمكن توفيق التناقض بين هذين الاثنين. يراودهم شعور الكبت في كلٍ من السعي إلى تطلعاتهم ورغباتهم وفي أداء واجباتهم. لذلك، مهما كان الأمر، فإن الناس يُكيّفون أنفسهم باستمرار، ويسعون باستمرار إلى تطلعاتهم وأحلامهم أثناء قيامهم بواجباتهم. يمكنك أيضًا القول إن الناس يقومون بواجباتهم بموقف متناقض، إذ يشعرون بالكبت والتردد طوال الوقت. ولكن لا يوجد لديهم خيار إلا القيام بواجباتهم من أجل تحقيق تطلعاتهم ورغباتهم، وإظهار قيمتهم والسعي إلى هذه التطلعات والرغبات. إنهم غير متأكدين من السبب الذي يجعلهم يفعلون ذلك، أو ما الذي يسعون إلى ربحه، أو الهدف الذي يحاولون إنجازه، أو السعي إليه، أو تحقيقه. يصبح الأمر غامضًا بالنسبة لهم على نحو متزايد، ويبدو الطريق أمامهم غير واضح أكثر فأكثر. في مثل هذه الحالة، ألا يكون من الصعب عليهم التخلي عن مشاعر كبتهم أو علاجها؟ (بلى).
بعد أن عقدنا شركةً إلى هذه النقطة، دعونا نواصل عقد الشركة عن كيف ينبغي للناس فهم وإدراك العلاقة بين تطلعاتهم، ورغباتهم، وبين واجباتهم. دعونا نتحدث أولًا عن التطلعات، وبالتحديد تطلعات أولئك الناس الذين ذكرناهم سابقًا. هل من الملائم للناس أن يسعوا إلى تحقيق تطلعاتهم الخاصة في بيت الله؟ (لا، ليس ملائمًا). ما طبيعة المسألة؟ لماذا هذا ليس ملائمًا؟ (من خلال السعي لتحقيق تطلعاتهم أثناء القيام بواجباتهم، فإنهم يستعرضون أنفسهم ويؤسسون حياتهم المهنية الخاصة، بدلًا من السعي إلى إتمام واجباتهم ككائنات مخلوقة). أخبروني، هل من غير الملائم للمرء السعي إلى تحقيق تطلعاته الخاصة ورغباته؟ (بلى، إنه غير ملائم). إذا قلتم إنه غير ملائم، فهل هذا يحرِم أحدًا من حقوقه الإنسانية؟ (لا، لا يحرِم أحدًا). ما المشكلة إذًا؟ (عندما يؤمن الناس بالله، ينبغي عليهم السعي إلى الحق واتباع الطريق الذي يشير إليه كلام الله كي يسعوا إليه. إذا سعوا إلى رغباتهم وتطلعاتهم فقط، فإنهم يسعون إلى ما تشتهيه أجسادهم، وهذه عقيدة غرسها الشيطان). يُعتبَر من الملائم في العالم سعي المرء إلى تحقيق تطلعاته الخاصة به. بصرف النظر عن التطلعات التي تسعى إليها، فهذا مقبول ما دامت قانونيةً ولا تتجاوز أي حدود أخلاقية. لا أحد يشكِّك في أي شيء، وأنت لا تعلَق في أمور الصواب أو الخطأ. إنك تسعى إلى ما قد تفضله شخصيًا، وإذا حصلت عليه، وإذا وصلت إلى هدفك، فأنت ناجح؛ أما إذا فوّت، وأما إذا فشلت، فهذا شأنك الخاص. مع ذلك، عندما تدخل بيت الله، وهو مكان استثنائي، ينبغي أن تتخلى عن التطلعات والرغبات التي تحملها معك، مهما كانت. لمَ ذلك؟ لأن السعي إلى التطلعات والرغبات، بصرف النظر عما تسعى إليه بالتحديد – دعنا نتحدث فقط عن السعي نفسه – ومسار عمله والمسار الذي يتخذه، هي أمور تدور جميعها حول الأنانية، والمصلحة الذاتية، والمكانة، والسمعة. هذه الأشياء هي جميع ما يدور حوله. بكلمات أخرى، يعني أنه عندما يسعى الناس إلى تحقيق تطلعاتهم، فإن المستفيد الوحيد هو أنفسهم. هل من العدل أن يسعى الشخص إلى تحقيق تطلعاته من أجل المكانة، والسمعة، والغرور، والمصالح الجسدية؟ (لا، ليس من العدل). في سبيل التطلعات، والأفكار، والرغبات الشخصية والخاصة، تتمحور جميع الطرق والأساليب التي يتبنونها حول الذات وتركز على الربح الشخصي. وإذا قسناها وفقًا للحق، فإنها ليست عادلةً ولا شرعيةً. ينبغي على الناس أن يتخلوا عنها، أليس ذلك مؤكدًا؟ (بلى، إنه كذلك). ينبغي عليهم التخلي عنها، التخلي عن الأنانية، والتخلي عن التطلعات، والرغبات الشخصية. هذا يُرى من منظور جوهر المسارات التي يسلكها الناس؛ فسعي المرء إلى تحقيق تطلعاته ورغباته الخاصة ليس شيئًا إيجابيًا، لكنه شيء تمّ إبطاله. هذا جانب. دعونا الآن نناقش جانبًا آخر، وهو أي نوع من المواقع هو بيت الله، أي الكنيسة، بصرف النظر عن اسمها؟ أي نوع من الأمكنة هي؟ ما جوهر الكنيسة، أي بيت الله؟ أولًا، من ناحية نظرية، إنها ليست العالم، أو المجتمع، أو أي جماعة أو منظمة بشرية في المجتمع. إنها لا تنتمي للعالم أو للبشرية. لماذا تأسست؟ وما سبب ظهورها ووجودها؟ السبب هو الله وعمله، أليس كذلك؟ (بلى). إن الكنيسة، أي بيت الله، موجودة بسبب وجود الله وعمله. بناءً عليه، هل الكنيسة، أي بيت الله، مكان لإظهار المواهب الشخصية، وتحقيق التطلعات، والطموحات، والرغبات الشخصية؟ (لا، إنها ليست كذلك). من الواضح أنها ليست كذلك. الكنيسة، أي بيت الله، موجودة بسبب وجود الله، ووجود عمله. وعلى هذا النحو، فإنها ليست مكانًا لإظهار المواهب الشخصية، أو تحقيق التطلعات، والطموحات، والرغبات الشخصية. إنها لا تتمحور حول الحياة في الجسد، أو الآفاق الجسدية، أو الشهرة والثروة، أو المكانة، أو السمعة، وما إلى ذلك؛ فهي لا تعمل من أجل هذه الأمور. كما أنها لم تنشأ أو توجد من أجل الشهرة المادية للبشر، أو مكانتهم، أو تمتعهم، أو آفاقهم. ما نوع الأمكنة هي إذًا؟ بما أن الكنيسة، أي بيت الله، تأسست بسبب وجود الله، وجود عمله، أليس من المفترض أن تنفذ مشيئة الله، وتعلن كلامه وتُقدِّم الشهادة له؟ (بلى). أليس هذا هو الحق؟ (بلى). إن الكنيسة، أي بيت الله، موجودة بسبب وجود الله وعمله، ولذلك لا يمكنها إلا تنفيذ مشيئة الله، وإعلان كلامه، وتقديم الشهادة له. لا علاقة لها بالمكانة، أو الشهرة، أو الآفاق الشخصية، أو أي مصالح أخرى. ينبغي أن تستند المبادئ التي تحكم أي عمل وكل عمل تُجريه الكنيسة، أي بيت الله، إلى كلام الله، ومتطلباته، وتعاليمه. على وجه العموم، يمكن القول إنها تتمحور حول مشيئة الله وعمله؛ وعلى وجه التحديد، تتمحور حول امتداد إنجيل الملكوت وتقديم الشهادة لكلمته وإعلانها. هل ذلك صحيح؟ (نعم). بصرف النظر عن تنفيذ مشيئة الله، وإعلان كلامه، وتقديم الشهادة له، هل يوجد شيء أهم للكنيسة، أي بيت الله؟ (إنها المكان الذي يختبر فيه شعب الله المختار عمل الله، ويتلقى التطهير، وينال الخلاص). لقد أصبت كبد الحقيقة. فالكنيسة، أي بيت الله، مكان يجري فيه تنفيذ مشيئة الله، وإعلان كلمته، وتقديم الشهادة له، والأهم من ذلك، هي مكان يمكن فيه للناس أن ينالوا الخلاص. هل تذكرت ذلك؟ (نعم، لقد تذكرته). اقرأه. (الكنيسة، أي بيت الله، هي مكان يجري فيه تنفيذ مشيئة الله، وإعلان كلمته، وتقديم الشهادة له، ويتلقى فيه شعب الله المختار التطهير والخلاص). الكنيسة، أي بيت الله، مكان يجري فيه تنفيذ مشيئة الله، وإعلان كلمته، وتقديم الشهادة له، ويتلقى فيه شعب الله المختار التطهير والخلاص. إنها مثل هذا المكان. في مكان كهذا، هل توجد أي مهمة أو مشروع، مهما كان، يتوافق مع تحقيق التطلعات والرغبات الشخصية؟ لا يوجد عمل أو مشروع يهدف إلى تحقيق التطلعات والرغبات الشخصية، ولا يوجد أي جانب من هذه الأمور موجود من أجل تحقيق التطلعات والرغبات الشخصية. لذلك، هل ينبغي أن توجد التطلعات والرغبات الشخصية في بيت الله؟ (ينبغي ألا تُوجَد). ينبغي ألا تُوجَد، لأن التطلعات والرغبات الشخصية تتعارض مع أي عمل يرغب الله في عمله في الكنيسة. تتعارض التطلعات والرغبات الشخصية مع أي عمل يجري في الكنيسة. إنها تتناقض مع الحق، وتحيد عن مشيئة الله، وعن إعلان كلامه، وعن تقديم الشهادة له، وعن عمل التطهير والخلاص لشعب الله المختار. بصرف النظر عن تطلعات المرء، ما دامت تطلعات ورغبات شخصية، فإنها سوف تعيق الناس عن اتباع مشيئة الله، وتؤثر على إعلان كلامه، وتقديم الشهادة له أو تعيقهما. بالطبع، ما دامت تطلعات ورغبات شخصية، فإنها لا يمكنها السماح للناس بتلقي التطهير والخلاص. هذه ليست مجرد مسألة تناقض بين الجانبين، لكنهما يتعارضان بشكل أساسي أحدهما مع الآخر. بينما تسعى إلى تطلعاتك ورغباتك الخاصة، فإنك تعرقل تنفيذ مشيئة الله، وعمل إعلان كلامه، وتقديم الشهادة له، كما أنك تعرقل خلاص الناس وبالطبع خلاصك. باختصار، مهما كانت تطلعات الناس، فإنهم لا يتبعون مشيئة الله، ولا يمكنهم تحقيق النتيجة الفعلية المتمثلة في الخضوع المطلق لله. عندما يسعى الناس إلى تطلعاتهم ورغباتهم، فإن هدفهم النهائي ليس فهم الحق، أو فهم كيفية التصرف، وكيفية إرضاء مقاصد الله، وكيفية أداء واجباتهم جيدًا وإتمام دورهم ككائنات مخلوقة. الأمر غير متعلّق بأن يكون لدى الناس اتقاء حقيقي لله وخضوع له. على العكس من ذلك، كلما تحققت تطلعات المرء ورغباته، كلما ابتعد عن الله واقترب من الشيطان. بالمثل، كلما سعى المرء إلى تطلعاته وحققها، كلما أصبح قلبه أكثر تمردًا على الله، وكلما ابتعد عن الله، وفي النهاية، عندما يتمكن المرء من تحقيق تطلعاته كما يرغب والتوصل إلى رغباته وإشباعها، فإنه يزداد ازدراءً لله، ولسيادته، ولكل شيء متعلّق به. بل قد يسير في طريق إنكار الله، ومقاومته، والوقوف في معارضته. هذه هي العاقبة النهائية.
بعد فهم ماهية بيت الله، أي الكنيسة، ينبغي على الناس أيضًا أن يفهموا الموقف والوقفة اللذين يجب عليهم انتهاجهما عندما يعيشون ويبقون في بيت الله كأعضاء فيه. قال بعض الناس: "لن تسمح لنا بالسعي إلى تحقيق تطلعاتنا، أو تحقيق رغباتنا الخاصة". إنني لا أقيِّدكم عن السعي إلى تطلعاتكم؛ بل أخبرك بكيفية العيش بشكل ملائم في بيت الله، وكيفية اتخاذ الموقف الملائم وأداء واجباتك في بيت الله ككائن مخلوق. إذا كنت تصر على السعي إلى تحقيق تطلعاتك الخاصة، فيمكنني أن أكون صريحًا وأقول: ارحل من فضلك! الكنيسة ليست مكانًا لك للسعي إلى تحقيق تطلعاتك. يمكنك، خارج بيت الله، أن تفعل أي شيء تتطلع إلى فعله، وأن تسعى إلى تطلعاتك وطموحاتك. كل ما عليك فعله هو مغادرة بيت الله، ولن يتدخل أحد فيما تفعله. مع ذلك، فإن الكنيسة، أي بيت الله، ليست مكانًا مناسبًا لك للسعي إلى تحقيق تطلعاتك. لتحري المزيد من الدقة، يستحيل عليك السعي إلى تطلعاتك ورغباتك الخاصة في هذا المكان. إن بقيت في بيت الله، أي الكنيسة، حتى ليوم واحد، فلا تفكر في تحقيق تطلعاتك الخاصة أو السعي إليها. إذا قُلتَ: "إنني أتخلى عن تطلعاتي الخاصة، وأنا على استعداد للقيام بواجباتي وفقًا لمتطلبات الله وأن أكون كائنًا مخلوقًا كفؤًا"، فسوف يكون هذا مقبولًا. يمكنك القيام بواجباتك وفقًا لمكانك ووفقًا للقواعد في بيت الله. أما إذا أصررت على السعي إلى تطلعاتك الخاصة وتحقيقها، بهدف ألا تعيش حياتك عبثًا، فيمكنك التخلي عن واجباتك، ومغادرة بيت الله. أو يمكنك كتابة إعلان نصُّه: "إنني أنسحب طواعيةً من كنيسة الله القدير للسعي إلى تطلعاتي ورغباتي الخاصة وتحقيقها. العالم واسع، ولا بد أنه ثمّة مكان يناسبني فيه. وداعًا". يمكنك بتلك الطريقة أن تغادر بطريقة ملائمة ومناسبة وأن تسعى إلى تطلعاتك الخاصة. مع ذلك، إذا قُلتَ: "إنني أُفضِّل التخلي عن تطلعاتي الخاصة، وأُتمِّم واجباتي في بيت الله، وأن أكون كائنًا مخلوقًا كفؤًا، وأسعى إلى الخلاص"، فيمكننا إيجاد أرضية مشتركة بيننا. بما أنك تتمنى البقاء بسلام في بيت الله كعضو، فينبغي عليك أولًا أن تتعلم كيفية أن تكون كائنًا مخلوقًا جيدًا، وأن تُتمِّم واجباتك وفقًا لمكانك. سوف تصبح حينها في بيت الله كائنًا مخلوقًا يرقى إلى مستوى اسمه. الكائن المخلوق هو هويتك ولقبك الخارجيين، وينبغي أن يتسم بمظاهر محددة وجوهر محدد. لا يتعلق الأمر بمجرد الحصول على اللقب؛ ولكن بما أنك كائن مخلوق، ينبغي أن تُتمِّم واجبات الكائن المخلوق. بما أنك كائن مخلوق، ينبغي أن تُتمِّم مسؤوليات الكائن المخلوق. ما واجبات الكائن المخلوق ومسؤولياته إذًا؟ تحدد كلمة الله بوضوح واجبات الكائنات المخلوقة، والتزاماتها، ومسؤولياتها، أليس كذلك؟ من اليوم فصاعدًا، أنت عضو حقيقي في بيت الله، وذلك يعني أنك تقرّ بأنك أحد كائنات الله المخلوقة. بناءً عليه، ينبغي عليك، بدءًا من اليوم، إعادة صياغة خطط حياتك. ينبغي ألا تعود إلى السعي إلى التطلعات، والرغبات، والأهداف التي حددتها مسبقًا لحياتك، بل أن تتخلى عنها. بدلًا من ذلك، ينبغي عليك تغيير هويّتك ومنظورك في تخطيط الأهداف الحياتية والاتجاه الذي ينبغي أن يكون لدى الكائن المخلوق. أولًا وقبل كل شيء، ينبغي ألا تكون أهدافك واتجاهك أن تصبح قائدًا، أو أن تقود أو تتفوق في أي مجال عمل، أو أن تصبح شخصيةً مشهورةً تنفذ مهمةً معينةً أو تجيد مهارةً محددةً. ينبغي أن يكون هدفك هو قبول واجبك من الله، أي معرفة العمل الذي ينبغي أن تعمله الآن، في هذه اللحظة، وفهم الواجب الذي يجب عليك تأديته. عليك أن تسأل عما يطلبه الله منك وما الواجب الذي جرى ترتيبه لك في بيته. ينبغي أن تفهم المبادئ التي ينبغي فهمها وأن تتضح لك، وأن تتمسك بها، وتتبعها فيما يخص ذلك الواجب. إن لم تتمكن من تذكُّرها، فيمكنك كتابتها على الورق أو تسجيلها على حاسوبك. خصص الوقت لمراجعتها والتفكير فيها. ينبغي أن يكون هدف حياتك الأساسي، باعتبارك عضوًا من الكائنات المخلوقة، هو أن تُتمِّم واجبك ككائن مخلوق وأن تكون كائنًا مخلوقًا كفؤًا. هذا هو هدف الحياة الأكثر جوهرية الذي ينبغي أن يكون لديك. الأمر الثاني والأكثر تحديدًا هو كيفية إتمام واجبك ككائن مخلوق وأن تكون كائنًا مخلوقًا كفؤًا. بالطبع، ينبغي التخلي عن أي أهداف أو اتجاهات ترتبط بسمعتك، ومكانتك، وغرورك، ومستقبلك، وما إلى ذلك. قد يتساءل البعض: "لماذا ينبغي أن نتخلى عنها؟" الأمر بسيط. فالسعي وراء الشهرة، والثروة، والمكانة، سوف يعيق تنفيذ مشيئة الله، ويعطل عملًا معينًا في بيت الله أو الكنيسة، بل سوف يقوض عملًا معينًا للكنيسة. سوف يؤثر على نشر كلمة الله، وتقديم الشهادة لله، والأخطر من ذلك، سوف يؤثر على تلقي الناس الخلاص. يمكنك تحديد الأهداف وتلخيص تجاربك بأي طريقة تريدها لتُتمِّم واجبك وفقا للمعيار وتصبح كائنًا مخلوقًا كفؤًا، ولكن ينبغي ألا تسعى أبدًا إلى تحقيق تطلعاتك الخاصة. ينبغي ألا تصبح تطلعاتك مختلطةً بأي من المبادئ أو النُهُج التي تتبعها في أداء واجبك. لكي تؤدي واجبك جيدًا وترقى إلى المعيار، وتصبح كائنًا مخلوقًا كفؤًا، ينبغي أن تطلب المبادئ من خلال كلام الله وإلى طريق أدق للممارسة، بدلًا من تلخيص أفكارك وفرصك الشخصية الخاصة خارج كلام الله. تتمحور مبادئ الممارسة هذه في النهاية حول كيفية أن تكون كائنًا مخلوقًا كفؤًا وأن تُتمِّم واجبك. يتمحور كل شيء حول فهم الحق، وإتمام واجبك ككائن مخلوق، وفي النهاية فهم المبادئ التي ينبغي الالتزام بها عند مواجهة مختلف الناس، والأحداث، والأشياء، في عملية أداء واجبك أو في حياتك اليومية. هل هذا واضح؟ (نعم). بالطبع، إذا أدَّيت واجبك وفقًا لمتطلبات بيت الله ومبادئه، وسعيت أن تكون كائنًا مخلوقًا كفؤًا، فيمكنك تحقيق هذه النتائج. مع ذلك، إن سعيت إلى تحقيق تطلعاتك الخاصة، فلن تنال استحسان الله أبدًا.
إذا سعى الناس بإصرار إلى تحقيق تطلعاتهم الخاصة دون اتباع طريق السعي إلى الحق، فسوف يصبحون في النهاية أكثر تكبُّرًا وأنانيةً وعدوانيةً وشراسةً وجشعًا. ماذا أيضًا؟ سوف يزدادون استكبارًا وغرورًا على نحو متزايد. مع ذلك، عندما يتخلى الناس عن السعي إلى تحقيق تطلعاتهم ورغباتهم الخاصة، ويسعون بدلًا من ذلك إلى فهم مختلف الحقائق، وكذلك مختلف جوانب كلام الله ومعايير الحق المرتبطة بكيفية رؤية الناس، والأشياء، والتصرف، والفعل، سوف يعيشون وفقًا لشبه الإنسان بقدر أكبر. عند أداء مهام متنوعة أو اختبار بيئات مختلفة، لن يعودوا يشعرون بالضياع والارتباك مثل ذي قبل. بالإضافة إلى ذلك، لن يعودوا محاصرين في المشاعر السلبية كما اعتادوا غالبًا، عندما كانوا عاجزين عن تخليص أنفسهم، ومقيدين ومربوطين بالأفكار والمشاعر السلبية، مما أدى في النهاية إلى خضوعهم لسيطرة مختلف المشاعر السلبية وحصارها. لا يؤدي سعي الناس إلى تحقيق تطلعاتهم ورغباتهم الخاصة إلا إلى ابتعادهم بالأكثر عن كلٍ من مبادئ كلام الله ومبادئ أن يصبحوا كائنات مخلوقة مؤهلة على نحو مضبوط. إنهم لا يدركون كيفية الخضوع لترتيبات الله وتنظيماته، ولا يملكون فهمًا لمعنى الحياة البشرية، والشيخوخة، والمرض، والموت. إنهم لا يعرفون كيفية التعامل مع الكراهية، أو التعامل مع مختلف المشاعر السلبية. بالطبع، فإنهم ليس لديهم أدنى فكرة أيضًا عن كيفية التعامل مع الناس، والأحداث، والأشياء التي تأتي في حياتهم. عندما يواجهون مختلف الناس، والأحداث، والأشياء، فإنهم يصبحون عاجزين، وممتلئين بالارتباك، وفي حيرة من أمرهم. في النهاية، لا يُمكنهم إلا السماح للمشاعر السلبية والأفكار ووجهات النظر السلبية بأن تنتشر وتتفاقم في قلوبهم، سامحين لها أن تسيطر عليهم وتقيدهم. بالإضافة إلى ذلك، بينما يكونون مُقادِين بواسطة هذه المشاعر السلبية أو الأفكار ووجهات النظر السلبية، ربما ينخرطون أيضًا في سلوكيات متطرفة، أو يفعلون أشياء تضر بأنفسهم والآخرين، مما يتسبب في عواقب لا يمكن تصورها. مثل هذه الأفعال تعرقل المساعي المشروعة للناس، وتضر بالضمير والعقل اللذين ينبغي أن يكونا لديهم. لذلك، فإن الشيء الأهم الآن هو أن يفحص الناس بعمق في قلوبهم ما الأشياء التي ما زالوا يتوقون إليها، وما الأشياء التي تنتمي إلى الجسد، وتنتمي إلى العالم، وتنتمي إلى اهتمامات الجسد، مثل الشهرة، والهيبة، والسمعة، والمكانة، والثروة، وما إلى ذلك، والتي ما زالوا يتوقون إليها، وما زالوا بحاجة إليها، وعاجزين عن رؤيتها على حقيقتها، والتي تقيدهم وتغويهم مرارًا وتكرارًا. بل وقد يكونون محاصرين بشدة بهذه الأشياء أو لديهم تقدير كبير لها، وبخطأ بسيط، يمكنها أن تأسرهم بسهولة في أي وقت وأي مكان. في تلك الحالة، تكون هذه الأشياء هي تطلعاتهم. بمجرد أن يحققوا هذه التطلعات، فإنها تصبح سقوطهم ومصدر زوالهم. كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟ (ينبغي على الناس أن يفحصوا بعمق في قلوبهم الأشياء التي ما زالوا يتوقون إليها. إنهم بحاجة إلى رؤية أشياء مثل الشهرة الجسدية والدنيوية، والهيبة، والسمعة، والمكانة، والثروة، وما إلى ذلك على حقيقتها؛ وإلا فإنها قد تأسرهم بسهولة). من الممكن أن تأسرهم، صحيح؟ لهذا، فإن أشياء الجسد هذه في منتهى الخطورة. إن لم تتمكن من رؤيتها على حقيقتها، فسوف تكون دائمًا في خطر التأثر بها أو حتى الوقوع في أسرها. لذلك، فإن الشيء الأهم الذي ينبغي أن تعملوه الآن هو أن تُشرِّحوا هذه الأشياء الجسدية التي ذكرتها سابقًا وأن تفهموها بناءً على كلام الله والحق. بمجرد أن تتمكن من التنقيب فيها وتمييزها، ينبغي أن تتخلى عنها وتستثمر جسدك، وعقلك، وطاقتك، في أن تصبح كائنًا مخلوقًا عاديًا، وكذلك في واجباتك الحالية وعملك. توقَّف عن رؤية نفسك كشخص مميز أو منيع، أو كشخص يتمتع بمواهب أو قدرات استثنائية. أنت مجرد فرد غير مهم. ما مقدار عدم أهميتك؟ من بين جميع الكائنات المخلوقة وجميع الأشياء التي خلقها الله، أنت مجرد واحد منها، أنت الأكثر عاديةً. إلى أي مدى أنت عادي؟ أنت عادي مثل أي ورقة عشب، ومثل أي شجرة، أو جبل، أو قطرة ماء، أو حتى حبة رمل على الشاطئ. ليس ثمّة ما تتباهى به، ولا ما يستحق الإعجاب. إلى ذلك المدى أنت عادي. بالإضافة إلى ذلك، إن كانت لا تزال ثمةّ صور للمعبودات، أو الشخصيات الكبرى، أو المشاهير، أو الأشخاص العظماء تقف شامخةً في أعماق قلبك، أو أشياء معينة تحسدها، فينبغي عليك ابعادها والتخلي عنها. ينبغي أن ترى جوهر طبيعتها على حقيقته، وأن تعود إلى طريق كونك كائنًا مخلوقًا عاديًا. الشيء الأكثر جوهريةً الذي ينبغي أن تفعله هو أن تكون كائنًا مخلوقًا عاديًا وأن تُتمِّم واجباتك. ينبغي عليك بعد ذلك العودة إلى موضوع السعي إلى الحق وبذل المزيد من الجهد في الحق. حاول تقليل تعرُّضك للأخبار، والمعلومات، والأحداث الخارجية، والصفحات الشخصية للمشاهير. الأفضل هو أن تتجنب أي شيء يمكن أن يعيد إضرام الرغبة في تحقيق تطلعاتك الخاصة. الآن، أنت بحاجة إلى أن تنأى بنفسك عن الناس، والأحداث، والأشياء التي لا تفيدك والتي هي سلبية. اعزل نفسك عنها وحاول الابتعاد عن كل شيء في هذا العالم المعقد والفوضوي. حتى إن كانت لا تُشكِّل أي تهديد أو إغواء لك، فينبغي أن تنأى بنفسك عنها. مثلما عاش موسى في البرية أربعين عامًا؛ ألم يكن لا يزال قادرًا على العيش جيدًا؟ في النهاية، على الرغم من ضعف قدرته على الحديث، فقد اختاره الله، والذي كان التكريم الأكبر له في حياته. لم يكن شيئًا سيئًا على الإطلاق. لذلك، أولًا وقبل كل شيء، استعِد قلبك بعمق داخل أفكارك، وينبغي أن تمتلك في أعماق أفكارك عقلية الجوع والعطش إلى البر الذي يسعى إلى الحق في إيمانك. أنت بحاجة إلى مثل هذه الخطة، ومثل هذه الإرادة والرغبة، بدلًا من الانهماك باستمرار في تطلعاتك، أو بذل جهود حثيثة والتفكير فيما إذا كان بإمكانك تحقيقها أم لا. ينبغي أن تقطع ارتباطك تمامًا بالتطلعات والرغبات السابقة، وأن تسعى لتكون كائنًا مخلوقًا كفؤًا وعاديًا. أن تكون جزءًا من الكائنات المخلوقة العادية ليس أمرًا سيئًا. لماذا أقول هذا؟ إنه في الواقع شيء جيد. منذ اللحظة التي تبدأ فيها بالتخلي عن تطلعاتك وأمانيك الجسدية، ومنذ اللحظة التي تتخذ فيها قرارًا حازمًا بأن تكون كائنًا مخلوقًا عاديًا من دون أي مكانة، أو منصب، أو أهمية خاصة، فإن هذا يعني أنك تملك الاستعداد والتصميم على الاستسلام التام لسيادة الله، سيادة الخالق، مما يسمح لله أن يرتِّب حياتك وأن يسود عليها. أنت على استعداد لتخضع، وتتخلى عن التطلعات والرغبات الشخصية وتتخلص منها، وتجعل الله يكون ربك ويسود على مصيرك، وتصبح كائنًا مخلوقًا كفؤًا يتمتع بمثل هذه العقلية، وتُتمِّم واجبك جيدًا بمثل هذه العقلية وهذا الموقف. هذه هي نظرة الحياة التي ينبغي أن تكون لديك. هل هذا صحيح؟ هل هذا هو الحق؟ (نعم). ما الذي تتمحور حوله أهدافك الحياتية واتجاه حياتك؟ (إتمام واجبات كائن مخلوق). ذلك هو الشيء الأكثر جوهريةً. ماذا أيضًا؟ (السعي لأصبح كائنًا مخلوقًا عاديًا). أي شيء آخر؟ (السعي إلى الحق لنيل الخلاص). ذلك شيء آخر. أي شيء آخر؟ (التركيز على كلام الله وبذل المزيد من الجهد في الحق). ذلك ملموس أكثر بعض الشيء، أليس كذلك؟ ينبغي أن تتمحور جميع أهداف حياتك واتجاه حياتك حول كلام الله، وأن تبذل المزيد من الجهد في الحق. خُذ الحماسة التي كانت لديك من قبل في السعي إلى التطلعات الغامضة وأعِد توجيهها نحو قراءة كلام الله والتأمل في الحق، وانظر فيما إذا كنت ستحرز تقدمًا تجاه الحق. إن كنت قد أحرزت تقدمًا حقيقيًا تجاه الحق، فسوف تكون ثمّة مظاهر محددة في نفسك. ذلك يعني أنه عندما تواجه مختلف الناس، والأحداث، والأشياء، التي تتضمن أفكار ووجهات نظر بشرية، بالإضافة إلى المبادئ، لن تعود تشعر بالحيرة، أو الارتباك، أو الذهول، أو التشتت. بدلًا من ذلك، سوف تصلي إلى الله، وتسترشد بكلامه، وتنعم بقلب هادئ ومتماسك، وتعرف كيفية التصرف بطريقة تخضع لله وفي توافق مع مقاصده. سوف تكون حينها على الطريق الصحيح في الحياة حقًا. يحرز الكثير من الناس تقدمًا بطيئًا في حياتهم لأنهم أثناء عملية قيامهم بواجباتهم، يسعون دائمًا إلى تحقيق تطلعاتهم الخاصة، وشهرتهم، ومكانتهم، وأهدافهم الحياتية التي يتخيلونها، ويأملون في نيل البركات بينما يُشبِعون رغباتهم الجسدية. نتيجةً لذلك، لا يمكنهم إتمام واجباتهم بطريقة واقعية، ولا يختبرون الدخول الحقيقي في الحياة. من البداية إلى النهاية، يعجزون عن مشاركة شهادة اختبارية حقيقية. بالتالي، مهما طال وقت قيامهم بواجباتهم، يظل تقدمهم في الدخول في الحياة والحق ضئيلًا، ولا يؤتي سوى ثمرة قليلة. إذا كرست نفسك حقًا للقيام بواجباتك وبذلت طاقتك كلها في السعي إلى الحق والعمل الجاد تجاه الحق، فلن تجدوا أنفسكم في الحالة، والقامة، والوضع الحالي الذي أنتم فيه. ذلك لأن الناس لا يركزون عادةً إلا على المهام الدنيوية، والعمل المهني، والمهمة التي بين أيديهم، والجوهر الضمني لهذه الأنشطة هو تتميم الأمنيات والرغبات الشخصية مع تحقيق تطلعاتهم الخاصة بهم. ما هي هذه التطلعات؟ أن الناس يريدون دائمًا أن يجدوا أنفسهم في عملهم، وبعد أن يكونوا قد حققوا إنجازات معينة، وحصلوا على نتائج معينة، وربحوا التقدير من الآخرين، فإنهم يريدون دائمًا في الوقت نفسه تحقيق أحلامهم وأهداف سعيهم لإثبات قيمتهم الخاصة وحينها يشعرون بالإشباع. مع ذلك، فإن هذا ليس هو السعي إلى الحق؛ بل مجرد إشباع الفراغ داخل أنفسهم واستخدام العمل لإثراء حياتهم. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). لذلك، بصرف النظر عن مدة عمل الشخص أو مقدار العمل الذي أداه، فإن ذلك كله لا علاقة له بالحق. ما زال لا يفهم الحق ولا يزال بعيدًا عن السعي إليه. أما فيما يخص المبادئ المتعلقة بمسؤوليات عمل الناس، فإنهم لا يزالون بلا دخول أو فهم. بالتالي، فإنكم تشعرون بالإرهاق وتتساءلون: "لماذا يجري تهذيبنا دائمًا؟ لقد بذلنا الكثير من الجهد، وتحمَّلنا الكثير من الصعاب، ودفعنا ثمنًا باهظًا. لماذا لا يزال يجري تهذيبنا؟" لأنك لا تفهم المبادئ. لم تفهم المبادئ مُطلقًا ولم تستوعبها، ولم تبذل أي جهد فيها. بكلمات أخرى، أنت لم تبذل جهدًا في الحق، وفي كلام الله. ببساطة، أنت تتبع بعض القواعد وتتصرف وفقًا لخيالك الخاص. أنت تعيش دائمًا في عالم تطلعاتك ومفاهيمك الخاصة، وكل شيء تفعله لا علاقة له بالحق. أنت تسعى إلى مسيرتك المهنية الخاصة ولا تتَّبع مشيئة الله. لذلك، فإنك ما زلت لا تفهم المبادئ في كلام الله، وفي النهاية، يجري تصنيف بعض الناس كعاملين، ويشعر البعض الآخر بالظلم. ما سبب شعورهم بالظلم؟ لأنهم يعتقدون أن معاناتهم ودفع الثمن يعادلان ممارسة الحق. إن معاناتهم ودفعهم الثمن في الواقع هما مجرد تحمُّل بعض المشقة. إنهما ليسا ممارسة الحق أو اتباع طريق الله. لمزيد من الدقة، فهذا لا علاقة له بممارسة الحق، فهو مجرد بذل الجهد والقيام بالعمل. هل مجرد بذل الجهد والقيام بالعمل هما إتمام واجباتك وفقًا للمعيار؟ هل يعني ذلك أن تكون كائنًا مخلوقًا كفؤًا؟ (لا). ثمّة مسافة وفجوة بين هذين الاثنين.
فيما يخص موضوع التخلص من المشاعر السلبية المتمثلة في الكبت، دعونا نوقف شركتنا هنا لهذا اليوم. هل يمكنك أن ترى بوضوح هذه المشكلات التي تنشأ لأولئك الناس الذين يشعرون بالكبت لأنهم لا يستطيعون تحقيق تطلعاتهم ورغباتهم؟ (نعم، هذا واضح). ما هو الواضح؟ دعونا نلخص قليلًا. أولًا، دعونا نتحدث عن ماهية التطلعات. التطلعات التي يجري تشريحها هنا سلبية، وليست أشياءً مشروعةً أو إيجابيةً. ما هي التطلعات؟ استخدِم لغةً دقيقةً لتقديم تعريف لـ "التطلعات". (إنها أفكار فارغة تحيد عن الضمير والعقل الإنسانيين الطبيعيين، يتخيلها البشر لأنفسهم، لكنها لا تتوافق مع الواقع. إنها ليست حقيقيةً). ما ذكرته هو تطلعات المثاليين. كيف يمكنك تعريف التطلعات عمومًا؟ هل يمكنكم تعريفها؟ هل هي صعبة التعريف؟ ما الأهداف المنشودة التي يُنشئها الناس من أجل مكانتهم، وسمعتهم، وتطلعاتهم الخاصة؟ (الأهداف المنشودة التي يُنشئها الناس من أجل مكانتهم، وسمعتهم، وآفاقهم هي التطلعات). هل هذا التعريف صحيح؟ (نعم). الأهداف المنشودة التي يُنشئها الناس من أجل مكانتهم، وسمعتهم، وآفاقهم، ومصالحهم الخاصة هي التطلعات والرغبات. هل هذا هو التعريف العام للتطلعات كما يشير إليها غير المؤمنين؟ نحن نُعرِّفها بناءً على جوهرها الأساسي، صحيح؟ (نعم). بصرف النظر عن نوع التطلعات المحدد، سواءً كانت ساميةً أو وضيعةً أو متوسطةً، فإنها جميعًا أهداف منشودة يُنشئها الناس من أجل مصالحهم الخاصة. هذه الأهداف هي تطلعاتهم أو رغباتهم. أليست هذه تطلعات أولئك الذين عقدنا شركةً معهم عنه وشرَّحناه في الأمثلة السابقة؟ إن الأهداف المنشودة التي يُنشئها الناس من أجل مكانتهم، وسمعتهم، وآفاقهم، ومصالحهم، وما إلى ذلك، هي التطلعات والرغبات. أولئك الذين يسعون إلى التطلعات والرغبات ولكنهم لا يستطيعون تحقيقها يشعرون غالبًا بالكبت داخل الكنيسة. يشعر هؤلاء الناس بالكبت. فكِّر قليلًا، هل أنت أيضًا في مثل هذه الحالة وهذا الوضع؟ هل تعيش غالبًا في مثل هذه الحال أيضًا، مع مثل هذه المشاعر؟ إذا كانت لديك هذه المشاعر، فما الذي تسعى إليه؟ إنه من أجل مكانتك، وسمعتك، وآفاقك، ومصالحك. إن التطلعات والأهداف المنشودة التي أنشأتها تكون غالبًا مقيدةً ومُعاقةً من قِبل الحق والأمور الإيجابية؛ فهي غير قابلة للتحقيق. نتيجةً لذلك، تشعر بالتعاسة وتعيش مع مشاعر الكبت. أليس ذلك هو الحال؟ (بلى). هذه هي مسألة التطلعات البشرية. أولًا، شرَّحنا التطلعات البشرية، وما الذي عقدنا الشركة عنه بعد ذلك؟ عقدنا شركةً عن أن الكنيسة، أي بيت الله، ليست المكان المناسب للناس لتحقيق تطلعاتهم. ثم عقدنا شركةً عن الأهداف الصحيحة التي ينبغي على الناس السعي إليها في إيمانهم بالله، وكيفية أن يصبح المرء كائنًا مخلوقًا كفؤًا، وكيفية أن يُتمِّم واجبات كائن مخلوق. أليس ذلك هو الحال؟ (بلى). إن الهدف الرئيسي من عقد الشركة عن هذه الأشياء هو إخبار الناس بكيفية الاختيار والتعامل مع تطلعاتهم وواجباتهم. ينبغي أن يتخلى الناس عن تطلعاتهم غير اللائقة، بينما واجباتهم هي ما ينبغي أن يدفعوه في هذه الحياة ويكرسوا حياتهم كلها من أجله. واجبات الكائن المخلوق هي أمور إيجابية، في حين أن التطلعات البشرية ليست كذلك ولا ينبغي التمسك بها، بل ينبغي التخلي عنها. إن ما ينبغي على الناس التمسك به والسعي إليه هو أن يصبحوا كائنات مخلوقة كفؤة ويُتمِّموا واجباتهم على هذا النحو. ماذا ينبغي على الناس أن يفعلوا إذًا عندما تتعارض تطلعاتهم مع واجباتهم؟ (ينبغي أن يتخلوا عن تطلعاتهم ويتخلصوا منها). ينبغي أن يتخلصوا من تطلعاتهم ويتمسكوا بواجباتهم. بصرف النظر عن الزمان أو العمر الذي يعيشه الناس، فإن ما ينبغي عليهم فعله والسعي إليه يجب أن يدور حول كيفية إتمام واجبات الكائن المخلوق وتحقيق الخضوع لله، ولكلام الله، وللحق. فالمرء لا يستطيع عيش حياة ذات معنى وقيمة إلا من خلال مثل هذه الممارسة، أليس كذلك؟ (بلى). حسنًا دعونا إذًا نختتم شركتنا هنا لهذا اليوم. إلى اللقاء!
10 ديسمبر، 2022