39. أنا ثابت العزم على هذا الطريق

بقلم هان تشين، الصين

قبل بضع سنوات، اعتُقِلتُ من قِبَل الشرطة بسبب الوعظ بالإنجيل. حَكم عليّ الحزب الشيوعي بالسَّجن ثلاث سنوات بِتهمة "تنظيم واستخدام تنظيم مذهبي مُنحَرف لتقْويضِ تطبيقِ القانون". بعد خروجي، اعتقدْت أنه يمكنني أخيرًا حضورُ الاجتماعاتِ مرَّةً أُخرى واستِئناف واجباتي. لم أكن أتَخيَّل أنَّ الشُرطة ستواصِل مُراقبَتي وتَحُّد من حرِّيَّتي. عندما أخذَني والدايَ إلى مَركز الشُرطة لِتسجيل محل إقامتي، أخبرني الضابط المشرف عليّ بعنف: "يجب أن تُبلغيني إن أردتِ مغادَرةَ المنطقة، وأنتِ ممنوعةٌ من مُغادرة هذه المدينة أو السفر إلى الخارج لمدة خمسِ سنوات. لا يمكنكِ أيضًا ممارسةُ عقيدَتِك أو حضورُ الاجتماعات. إذا اكتشفتُ أنك قد ذهبتِ إلى اجتماعاتٍ دينيَّة، فسأُعيدُكِ إلى السّجن. ولا تعتقدي أنَّك ستَخرُجين!" خوفًا من أن اعُتَقَل مرَّةً أخرى، طلب والدايَ من أختي الكُبرى أن تراقِبني للتأكُّدِ من أنَّني لا أقرأ كلام الله أو أتواصلُ مع أيِّ إخوةٍ أو أخوات. وجدَت لي أختي وظيفةً كموظفةِ مبيعات، وإذا عدْت إلى المنزل مُتأخرةً كانت تتّصِل بي وتسأل: "أين أنتِ؟ وماذا تفعلين؟" ذاتَ مرّة، عندما كنتُ أقرأ كلام الله على كمبيوتري اللَّوْحي، لاحظتْ أختي و ألحَّت عليَّ بالسؤالِ إن كنتُ أقرأ كلام الله، بل حاولَت انتزاعَ الكمبيوتر اللَّوحيّ منّي. قلتُ دون تفكير إنني كنتُ أقرأ روايةً، فتركَتني وشَأني. بعد ذلك، اضطررت للاختباء تحت بطّانياتي لِقراءة كلام الله فقط بعد أن نامت.

ذاتَ يوم، وجدَت أختي بعضَ كلام الله التي نسختُها وسألَتني: "ما زال لدَيكِ إيمانٌ وتَحضُرين الاجتماعاتِ، أليس كذلك؟" أجبتُ بِغضب: "الإيمانُ بالله وعبادتُه هو حقٌّ ومُستَحسَن. دَعيني وَشأني!" ثم سارعَت إلى الاتِّصال بأُختِنا الكبرى، التي صفعَتني على وَجهي بِمجرَّد أن دخلَت من الباب، صارخةً في وَجهي: "كيف ما زلتِ تجرُئين على الإيمان؟ منذُ أن وُضِعتِ في السّجن، كانَت أمُّنا تبكي بكاءً مريرًا كلَّ يوم. إن أُعِدْتِ إلى هناك، فكّري بما سيفعلُ ذلك بها! ألا يمكنكِ أن تتخَلّي عن أشياءِ الله هذه وتُعطيها استراحةً لِمرَّة واحدة؟" سماعُها تقول هذا كان تقريبًا لا يُحتمل، وانهمرَت الدموع بغزارةٍ على وجهي. لقد أحبَّتني والدتي كثيرًا منذ أن كنتُ طفلةً، والآنَ بعد أن كبُرتُ، كنت أتسبَّب لها بالقلق عليَّ. إذا اعْتُقِلتُ مرَّة أخرى، فهل ستتمكَّن من التعامُل مع الأمر؟ كنتُ أشعرُ ببعضِ الضعف، وسرعان ما صلَّيتُ إلى الله، سائلةً إياهُ أن يحفظ قلبي. فيما بعد، رأيتُ هذا في كلام الله: "خلق الله هذا العالم وجاء فيه بالإنسان، كائنًا حيًّا منحه الحياة. وتباعًا، أصبح للإنسان والدان وأقارب ولم يعد وحيدًا. ومنذ أن وضع الإنسان لأول مرة عينيه على هذا العالم المادي، أصبح مقدرًا له الوجود ضمن تعيين الله. إنها نسمة الحياة من الله التي تدعم كل كائن حي طوال نموه حتى مرحلة البلوغ" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. الله مصدر حياة الإنسان). كلُّ أنفاسي تأتي منَ الله. الله هو الذي كان يحرسُني ويَحميني بينما كنتُ أكبُر. لقد رتّب الله أمر أيُّ شخصٍ كان لطيفًا معي أو ساعدني. الأسرةُ التي وُلِدتُ فيها ونَوع الوالدين اللَّذين لديَّ قد حدَّدَهما الله ورتَّبَهما أيضًا. يجب أن أشكرَ اللهَ وأَرُدَّ محبَّتَه، لأنّني استطَعتُ أن أنضُجَ دونَ حوادثَ، وأنّني تمَكَّنتُ من العيشِ حتَّى أَرى اليوم. إذا كنتُ سأُنكِر اللهَ أو أَخونُه بِسببِ مشاعري تجاهَ عائلتي، فسيكونُ ذلك جائرًا. كانت والدتي قلقةً عليَّ، وكانت صحتُها تتدَهوَر. ألم يكن كلُّ هذا بِسبب الحزبِ الشيوعي؟ إذا لم يعتقِلوني ويضطَهِدوني، فلن يُضطرَّ والدايَ لِلخوف. كان الحزبُ الشيوعي يضطهِدني ويؤذي أحبَّائي لأنَّه أرادَني أن أَخونَ الله. لن أسمحَ لمُخَطَّطاتِه بالنجاح! عند هذه الفِكرة، استعدتُ عَزمي: بِغَضِّ النَّظر عن مدى وقوفِ عائلتي في وجهي، كان عَليَّ أن أؤمِنَ بالله وأتَّبعَه! بعد ذلك، أثناء عمَلي، حَضرتُ الاجتماعاتِ أيضًا وشاركت الإنجيل.

في فبراير 2017، كنتُ أستعِد لِلذهاب إلى العمل ذاتَ صباح عندما تلقَّيتُ مكالمة. قال لي رجلٌ اسمُهُ تشين، والذي كان رئيسَ قسمٍ في لجنةِ الشؤونِ السياسيةِ والقانونية: "تعالي في غضونِ اليَومَين المُقبلَين لتوقيعِ إقرارٍ بأنّكِ لا تؤمِنين بالله. جميعُ المؤمنين المَحَليّين الآخرين الذين اعتُقِلوا وأُطلِقَ سراحَهم قد وقَّعوا بالفعل، وأنتِ الوحيدةُ المتبقية". سماع هذا الكلام جعلني غاضبةً حقًّا. يستلزم إيماني حضوري الاجتماعاتِ وقراءةَ كلام الله فحسب، لكنَّهم وضعوني في السّجن بسببِ ذلك وعذَّبوني وحاوَلوا غسْلَ دماغي بالقوَّة. الآن بعد أن خرجتُ، كانوا لا يزالون يُراقبونني، ويحاولون إجباري على التوقيعِ على ورقةِ بالتَّخلّي عن إيماني. سيفعلونَ كلَّ ما بوسعِهم لِيجعلوني أخونُ الله. لقد كانوا أنذالًا وأشرارًا! لم أستطع السماحَ لخِداعِ الشيطانِ بالنجاح. لكن بعد ذلك فكَّرْت: "إن قلتُ له إنّني لن أوَقِع، هل ستعيدُني مُفوَّضِية الشؤونِ السياسيةِ والقانونيةِ إلى السّجن؟ لا أريد العودة إلى السّجن وعيشَ تلك الحياةِ اللاإنسانية". عند التفكيرِ في هذا الأمر، قلت له: "أنا مشغولة بالعمل خلالَ اليومَين المُقبلين وليس لدَيَّ وقت. سوف أحضر في غضون أيامٍ قليلة". فوجئتُ، في صباح اليومِ التالي، أرسلَ لي الرئيسُ تشين رسالةً نصيَّة تقول: "لقد وصلَت بطاقةُ التأمين الصحي الخاصةُ بكِ. تعالي واحصَلي عليها اليوم". قلتُ في نفسي: "لم أتقدَّم بطلبٍ للحصولِ على بطاقة تأمينٍ صحّي. هل هذه إحدى حِيَل الشيطان؟" فكَّرتُ في أمرٍ قاله الله: "يجب أن تكونوا ساهرين ومنتظرين طيلة الوقت، ويجب أن تُكثِروا من الصلاة أمامي. يجب أن تفطنوا إلى حيل الشيطان المختلفة ومكائده الماكرة، وأن تتعرفوا على الأرواح، وأن تعرفوا الناس، وأن تكونوا قادرين على تمييز كل نوعيات الناس والأحداث والأشياء" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أقوال المسيح في البدء، الفصل السابع عشر). ذكرَني كلامُ الله أنَّ لدى الشيطان حيلًا كثيرة. بِقوله إنَّ جميعَ المؤمنين المحلِّيين الذين اعتُقِلوا ثمَّ أُطلِقَ سراحُهم قد وقَعوا ما عدايَ، كان الزعيم تشين يحاول خِداعي للذّهاب. حيث أنّ هذه الحيلةَ فشِلَت، فقد استخدم بطاقةَ التأمينِ الصحيّ كطُعم. كان حقًّا ماكرًا. بالتّفكير في كلِّ هذا، قرَّرتُ عدمَ الذهاب.

ثمَّ في صباح اليوم التالي، هرَع والدي إلى مقرِّ عملي. قال لي وهو يبدو مُتوَتِرًا: "بالأمس، استدعاني الرئيس تشين إلى مكتبِه مع بداية اليوم. أخبرني أنَّ المدينةَ تُجري تحقيقًا خاصًّا فيما إذا كنتِ لا تزالين تُمارسين إيمانَك أم لا. إن وقّعتِ على الورقة مؤكِّدةً أنّك لا تفعلين ذلك، فبإمكانِك أن تعيشي حياةً طبيعيّة مثل أيِّ شخصٍ آخر، ولن يقوم َأحد بمراقبتِكِ أو البحثِ عنك. ولكن إن لم تُوَقعي، فسَتُرْسلي إلى السّجن لإصلاحِك. استمعي إليَّ – تخلّي عن إيمانِك واذهبي ووقِّعي باسمِك!" كنتُ ساخطةً ومشمئزَّةً لسماعِ ذلك. قلت لأبي: "أبي، أنتَ تعلم أن الإيمانَ بالله هو المسارُ الصحيح. فكيف أُنكِر إيماني خوفًا من الاضطهاد؟ المصائبُ تزداد خطورةً الآن. إن الله القدير، المخَلِّص، يُظهِر الحقَّ ليُخلِّصَ الناسَ من الخطيئةِ والكوارث. هذه هي فرصتُنا الوحيدة في الخلاص. بالكُفر، سنهلك بالتأكيد في الكارثة. يعتقِلُ الحزبُ الشيوعيّ المؤمنين ويضطهِدُهم بشكلٍ مَسعور، ويُرغِمهم على خيانةِ الله، فينتهي بهم المطافُ مُعاقَبين في الجحيمِ إلى جانبه. توقيعُ اسمي يعني خيانةَ اللهِ وسأُدَمَّر في النهاية! لا يمكنني التوقيعُ على ذلك!" قال لي والدي، وهو خائفٌ ومتوتر: "إن لم تُوَقِّعي، سَوف تُعيدُكِ الشرطة إلى السجن. هل تريدين حقًا أن تُعاني هناك مرَّة أخرى؟ حتَّى لَو لم تفكِّري في نفسك، فكِّري في أُختكِ الصُّغرى. يستهدفُ الحزبُ الشيوعي عائلةَ المؤمنِ بأكملِها. انظري إلى أُختِكِ الكبرى. تخرَّجَت من كُلِّيَّة المعلّمين، لكنّها فشِلَت في التّصنيف السياسي بسبب إيمانِك ولم تتمَكَّن من الحصول على وظيفة في مدرسةٍ ابتدائيةٍ رئيسية. أختك الصغرى سوف تتخرجُ من كلِّيَّة المعلمين هذا العام وستبحث عن وظيفة، وإذا لم تُوَقعي، فلن تجتازَ التّصنيف السياسي ولن تجدَ وظيفةً جيدة بالتأكيد. ألستِ تُدَمرين مستقبلَها؟ استمِعي لي، فقط تحمّلي الوضع على مَضضٍ ووقِّعي عليها. ألا يمكنُك أن تؤمِني سِرًّا فحسب؟ لماذا أنتِ عنيدةٌ جدًا؟" نظرتُ إلى وجهِ والدي الشاحبِ والدموعِ في عينيه، قلق جدًا لدرجة أنَّه كان هناك غشاءٌ قشريّ على فمِه، شعرتُ بالرَّهبَة والصراع: "إن وقّعْتُ، فسوف أخون الله، وسأوصَمُ بسِمَة الوحش. هذه علامةُ جلبِ العار إلى الله ولن يرضى عنّي. لكنْ إذا لم أُوَقِّع، فلن تجتازَ أختي التّصنيف السياسي وسيتأثر مستقبلُها. ستكرهني عائلتي كلُّها لِبقيَّة حياتي. وماذا لو أعادَتني الشرطةُ إلى السّجن وعذَّبتني إن لم أُوَقع؟ ماذا لو ضَربوني حتَّى الموت؟" التفكير في كلِّ هذا آلمَني مثلَ سكينٍ في صدري. لم أكن أعرفُ أيَّ خيارٍ أتخذ. قلتُ لأبي: "دعْني أُفكِّر في الأمر". بعد أن غادر، صلَّيتُ إلى الله وسط دموعي: "يا إلهي، قلبي ضعيف، أرجوك امنحني إيمانًا وقوَّة، واهدِني للثبات في شهادتي".

بعد أن صَلَّيت، قرأتُ مقطعًا من كلام الله: "عندما لا يكون الناس قد نالوا الخلاص بعد، غالبًا ما يزعج الشيطان حياتهم ويسيطر عليها؛ أي إنَّ الأشخاص الذين لم يُخلَّصوا بعد هم سجناء الشيطان، ولا يملكون الحريّة، ولم يتركهم الشيطان، وهمغير مؤهلين أو مستحقّين لأن يعبدوا الله، والشيطان يلاحقهم من كثبٍ ويهاجمهم بشراسةٍ. لا يشعر مثل هؤلاء الناس بسعادة تُذكر، وليس لديهم الحقّ في وجود طبيعيّ يُذكر، وإضافة إلى ذلك ليست لديهم كرامة تُذكر. إذا نهضت وتصارعت مع الشيطان، مستخدمًا إيمانك بالله وخضوعك له واتّقاءك إياه باعتبارها الأسلحة التي تخوض بها مع الشيطان معركة حياة أو موت، بحيث تهزم الشيطان هزيمةً نكراء وتجعله يهرب مذعورًا ويصبح جبانًا كلّما رآك – فحينها فقط سيتوقّف تمامًا عن هجماته عليك واتّهاماته ضدّك، وحينئذٍ سوف تُخلَّص وتصبح حرًّا. إذا صمّمت على الانفصال التام عن الشيطان فحسب، لكنك لم تكن مُجهّزًا بالأسلحة لهزيمة الشيطان، فسوف تظلّ في خطرٍ. ومع مرور الوقت، عندما يكون الشيطان قد عذابًا شديدًا حتى إنه لا يبقى فيك شيءٌ من القوّة، لكنك تظل غير قادر على تقديم الشهادة ولم تُحرّر نفسك تمامًا من اتّهامات الشيطان وهجماته ضدّك، فسوف يكون رجاؤك في الخلاص قليلًا. وفي النهاية – أي عند الإعلان عن اختتام عمل الله – إذا كنت ما تزال في قبضة الشيطان غير قادرٍ على تحرير نفسك، فلن يكون لديك أبدًا أي فرصة أو رجاء. وهذا يعني أن مثل هؤلاء الناس سوف يكونون في أسر الشيطان كليًا" [الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (2)]. بالتفكير في كلامِ الله، أدْركتُ أنَّ اضطهادَ الحزبِ الشيوعي وتدخُّلَ عائلتي كانا إغواءً وهجماتٍ من الشيطان. فكَّرتُ بِإغواءِ الشيطان أيوب. كلُّ ما كان يمتلِكه سُلِبَ منه حتَّى أنَّه فقد أولادَه. كان جسدُه مُغَطّى بِدمامِلَ مُتقرِّحة، وهاجَمَته زوجتُه وقالت له أن يتخلّى عن اللهِ ويموت، لكنَّ أيوبَ لم يشكُ من اللهِ أو يُنكِرْهُ. حتَّى أنَّ أيوبَ سبَّح للهِ قائلاً: "يَهْوَه أَعْطَى وَيَهْوَه أَخَذَ، فَلْيَكُنِ ٱسْمُ يَهْوَه مُبَارَكًا" (سفر أيوب 1: 21). انتصرَ أيوب على إغواء الشيطانِ من خلالِ إيمانِه باللهِ وخوفِه منه. بعد أن شهِد شهادةً مُدوِّيَةً لله، خزى الشيطانَ وهزمَه. بعد خُروجي من السّجن، استخدمَ الحزبُ الشيوعيّ عائلتي لمحاولة ِإجباري على التَّوقيع على ورقة التخلّي عن إيماني. لقد كانت غوايةً وهجومًا من الشيطان. كان الشيطانُ يستخدِمُ حُبّي لعائلتي والقلقَ على مستقبل أختي ليجعلني أخونُ الله. إن دافعتُ عن أسرتي ومصالحي الجسدية بخيانةِ الله، ألن أكونَ في أسْرِ الشيطان؟ كنتُ أعلمُ أنَّني لا أستطيع الوقوعَ في حِيَلِ الشيطان، ولكن كان عليَّ أن أحذو حَذْوَ أيوبَ، حيث أتمسّك بالشهادة لله وأُذِلُّ الشيطان.

قرأت لاحقًا مقطعًا آخرَ من كلام الله: "بغضّ النظر عن مدى "قوّة" الشيطان، وبغضّ النظر عن مدى جرأته وتطلّعه، وبغضّ النظر عن مدى قدرته على إلحاق الضرر، وبغضّ النظر عن مدى اتّساع نطاق طرقه التي يُفسِد بها الإنسان ويغويه، وبغضّ النظر عن مدى مهارة الحيل والمخططات التي يُرهِب بها الإنسان، وبغضّ النظر عن مدى قابليّة هيئته التي يوجد عليها للتغيّر، إلّا أنه لم يقدر قط على خلق شيءٍ حيّ واحد، ولم يقدر قط على وضع قوانين أو قواعد لوجود جميع الأشياء، ولم يقدر قط على حكم ومراقبة أيّ كائن، سواء كان حيًّا أم غير حي. داخل الكون والجَلَد لا يوجد شخصٌ أو كائن واحد وُلِدَ منه أو يوجد بسببه؛ ولا يوجد شخصٌ أو كائن واحد يخضع لحكمه أو سيطرته. وعلى العكس، فإنه لا يتوجّب عليه أن يعيش في ظلّ سلطان الله وحسب، ولكن، علاوة على ذلك، يتعيّن عليه أن يخضع لجميع أوامر الله وفروضه. بدون إذن الله، من الصعب على الشيطان أن يلمس حتّى قطرة ماءٍ أو حبّة رملٍ على الأرض؛ وبدون إذن الله، لا يملك الشيطان حتّى حريّة تحريك نملةٍ على الأرض – ناهيك عن تحريك الجنس البشريّ الذي خلقه الله يرى الله أن الشيطان أدنى من الزنابق على الجبل ومن الطيور التي تُحلّق في الهواء ومن الأسماك في البحر ومن الديدان على الأرض. يتمثل دوره من بين جميع الأشياء في خدمة جميع الأشياء والعمل من أجل البشرية وخدمة عمل الله وخطة تدبيره. وبغض النظر عن مدى خبث طبيعته وشر جوهره، فإن الشيء الوحيد الذي يمكنه عمله هو التقيد الصارم بوظيفته: كونه خادمًا لله ونقطة تعارض لله. هذا هو جوهر الشيطان ووضعه. إن جوهره غير مرتبطٍ بالحياة، وغير مرتبطٍ بالقوة وغير مرتبطٍ بالسلطان؛ إنه مجرد لعبةٍ في يد الله، مجرد آلةٍ في خدمة الله!" [الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (1)]. أعطَتني قراءةُ هذا بعضَ البصيرةِ عن سلطانِ اللهِ وسيادته. بِغضِّ النظرِ عن مدى وحشِيَّة الشيطان، فهو مُجرَّدُ رَهْنٍ في يد الله، أداةٍ في خدمة الله. فكَّرتُ في اعتِقالي وتَعذيبي على يدِ الحزبِ الشيوعي. عندما كان جسَدي ضعيفًا، عزَّزَ كلام اللهِ إيماني وقادَني خلالَ كلِّ صعوبة. بعد إطلاقِ سَراحي من السّجن، استمرَّ الحزبُ الشيوعيّ في مُراقبتي، وعائلتي، مأخوذين بأكاذيبهم، وظلوا يراقبونني وأعاقوا إيماني أيضًا. لكنْ من خلال إرشادِ كلامِ الله، توصَّلتُ إلى فهمِ بعضِ الحقائق، وانتصرْتُ على الغِوايةِ بعد الغواية، وتقوّى عَزمي على اتّباع الله. من خلال كلِّ ذلك، رأيتُ أنَّ الشيطانَ مجرَّدُ أداةٍ يستخدمُها اللهُ لتكميل شعبه المختار. لم يكن هناك ما أخافُه. الله يحكمُ كلَّ شيء – هو الذي يتوَلّى مصيرَ الجميع. حياتي ومَوتي بيدِ الله. سواءٌ تمَكّنَت أختي من العثورِ على وظيفة، وأيُّ نوعٍ من المستقبلِ سيكونُ لديها – هذه الأمورُ كلُّها يحدِّدُها الله. لا يستطيع الحزبُ الشيوعي حتّى التَّحكُّم في مصيرِه، فكيف يُمكنُهم التَّحكُّمُ في حياتي ومَوتي ومستقبلِ أختي؟ حتّى لو قُبِضَ عليَّ وعُذِّبتُ مرَّةً أخرى في يومٍ من الأيام من قِبَل الشرطة، فسيكونُ ذلك لأنَّ اللهَ سمحَ بحدوثِ ذلك. يجبُ أن أتَّكِل على اللهِ وأتمسّك بالشهادة. إن كانت حياتي تعزُّ عليَّ، وقلِقتُ على مصالحِ عائلتي، ووقَّعتُ على الورقةِ أخونُ الله، فسيكونُ ذلك علامةَ خِزي. حتّى لو عشتُ، سأكونُ مجرَّدَ جثةٍ تمشي. مع أخذِ ذلك بالاعتبار، قسَّيتُ نفسي لمقاومةِ أيِّ إغواء وهجماتٍ من الشيطان، ولأجلِ الصمود في شهادتي وإذلالِ الشيطان!

في تلك الليلةِ بعد عَودتي إلى المنزل، صرَخت أختي الكبرى في وَجهي: "لقد منحَتكِ لجنةُ الشؤونِ السياسيةِ والقانونيةِ ثلاثةَ أيام. غدًا هو اليومُ الأخير. هل ستُوَقِّعين على الورقة أم لا؟ أمّي وأبي يتقدمان في السن، إنهما يقلقان عليكِ باستمرار. كانا بالكاد يأكلان أو ينامان طوال السنوات الثلاث عندما كنتِ في السجن. لقد خرجتِ الآن، لكنهما ما زالا يعيشان وقلباهما في حنجرتيهما. هل يروق لكِ أن تخذليهما هكذا؟ هل لديكِ حتّى ضمير؟ هل سيقتلكِ التوقيع على تلك الورقة؟" أدرَكتُ أنَّ هذا كان الشيطان يهاجمُني من خلال عائلتي مرَّةً أخرى. فكَّرتُ في كلام الله: "يجب أن تمتلك شجاعتي في داخلك، ويجب أن تكون لديك مبادئ عندما يتعلق الأمر بمواجهة أقرباء غير مؤمنين. لكن لأجلي، يجب ألا ترضخ لأيٍّ من قوى الظلمة. اعتمد على حكمتي لسلوك الطريق الكمال، ولا تسمح لمؤامرات الشيطان بالسيطرة. افعل كل ما يمكنك لكي تضع قلبك أمامي، وسوف أعزيك وأمنحك سلامًا وفرحًا. لا تكافح من أجل أن تظهر أمام الآخرين بطريقة معينة. أليست مرضاتي أهم وأثمن؟ ألستَ في مرضاتي ستمتلئ سلامًا وسعادة أبديين يدومان معك طوال حياتك؟" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أقوال المسيح في البدء، الفصل العاشر). منحني كلام الله القوة. إنّ الإيمانُ باللهِ هو الطريقُ القويم، وكان عليَّ أن أحافظَ على إيماني بِه وأتبَعَهُ مهما حدث. لقد ضلَّلَ الحزبُ الشيوعيّ عائلتي وضغط عليها للحَؤول دونَ إيماني. أظهَر لي هذا بِشكلٍ أكثرَ وضوحًا الجوهرُ الشَّيطانيّ للحزبِ الشيوعي في كُرهِ الحقِ وكَونِهِ عدوًّا لله. احتقَرتُ ذلك ورفضتُه من قلبي. حتّى بدونِ أيِّ فهمٍ أو دعمٍ من عائلتي، كانَ عليَّ أن أتمسَّك بالشهادةِ وأُذِلَّ الشيطان. عند هذه الفكرة، قلتُ لأختي: "عَدمُ قدرةِ أمي وأبي على الأكْلِ أو النومِ جيدًا، والقلقُ المستمرّ، أليس هذا كلُّه خطأَ الحزب؟ إنَّه أمرٌ صوابٌ ومُستَحسَنٌ أن تؤمن بالله، وأن تكون إنسانًا صالحًا، وأن تتَّبِع الطريق الصحيح. لكنَّ الحزبَ لم يعتقلْني فحسب، بل أقحَمَ أيضًا عائلتنا بأكملها في الأمر، تاركاً إيانا دون مَخرج. الحزبُ هو الجاني! "في تلك اللحظة، اتَّصلَت أختي الكبرى، مطالبةً بإجابة:"هل ستُوَقِّعين غدًا أم لا؟ لدَيكِ خياران فقط. إمّا أن تُوَقِّعي على الورقة وتتعهَّدي بأن لا تؤمِني بالله وتواصلي العمل، وتكسبي المال، وتعيشي حياةً طيّبة، أو لا توقّعي وتنتظري أن يُلقى بك في السّجن! "أجبتُها بحزم:" حتّى لو اضطُرِرتُ لِلعودة إلى السّجن، فلن أُوَقّعَ على تلكَ الورقة! "قطَعَتِ الاتصالَ معي بِغضَب، وأختي الأخرى تَجاهلَتني.

في وقتٍ لاحق، خرجْتُ من البلدةِ لِأداءِ واجباتي. كلَّما فكَّرتُ في تلكَ التَّجربةِ بِرُمَّتِها، أشعرُ بثباتٍ في قلبي. أشعرُ أنَّه كان أفضلَ خيارٍ اتخذتُه على الإطلاق، ولن أندمَ عليه أبدًا.

السابق:  38. مواجهة مرض ابني العضال

التالي:  40. ما ينتُج عن عدم الاجتهاد في واجبي

محتوى ذو صلة

40. العودة إلى البيت

بقلم مويي – كوريا الجنوبية" محبَّةُ الله تفيضُ، أعطاها مجّانًا للإنسانِ، وهيَ تُحيطُ بهُ. الإنسانُ بريءٌ طاهرٌ، غيرُ قلقٍ أنْ تُقيدَهُ...

4. صحوةُ روح مخدوعة

بقلم يانتشي – البرازيلوُلِدتُ في مدينة صغيرة شمال الصين، وفي عام 2010، لحِقتُ بأقاربي إلى البرازيل. هنا في البرازيل، تعرَّفتُ على صديق...

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب

Connect with us on Messenger