لا يمكن للمرء أن يتحوّل حقًّا إلّا من خلال التعرف على آرائه المضلَّلة
هل لديكم الآن طريق لتعرفوا أنفسكم، لتكسبوا دخول الحياة، ولتدخلوا الطريق الصحيح للإيمان بالله؟ هل لديكم هدف أو اتجاه؟ يجب أن تكون لديكم بعض الأفكار، ﻷننا عقدنا الشركة كثيرًا عن أمور مثل كون المرء إنسانًا صادقًا، وحول معرفة أنفسكم، وحول كيفية أكل وشرب كلمة الله، وحول كيف يجب عليكم أن تعقدوا شركةً عن الحق لحل المشكلات، وحول كيف يجب عليكم أن تتعاونوا بتناغم في أداء واجباتكم، وحول الكيفية التي ينبغي للإخوة والأخوات انتهاجها في إقامة علاقات شخصية طبيعية بين بعضهم بعضًا، وما إلى ذلك. والآن وقد صارت الرؤية أكثر وضوحًا لكم في جميع جوانب الحق المتعلقة بالإيمان بالله، وأصبح لديكم بعض المعرفة العملية، ولم تعودوا مثلما كنتم من قبل — حين لم يكن لديكم أي وضوح مهما كان الجانب الذي تُسأَلون عنه — ألا تشعرون بتحسّن كبير؟ (الآن أشعر بالمزيد والمزيد من الوضوح). هو الإجابة الصائبة. في الواقع، أيًا يكن الجانب الذي يُمارسه المرء من جوانب الحق، سواءً كون المرء صادقًا، أو تدريب المرء لذاته على الخضوع لله، أو التعامل بمودة مع إخوته وأخواته، أو كيفية عيش الإنسانية الطبيعية، أو شيء مشابه، أيًا يكن جانب الحق الذي تسعى إلى دخوله، لا بد أن تبدأ بالتطرُّق إلى مسألة معرفة الذات. أليس كون المرء صادقًا يتطلب معرفة الذات؟ لن تكون قادرًا على ممارسة الصدق حتى تُدرك ما في نفسك من خداع وعدم صدق. عندما تُدرك أنك قد فشلت في الخضوع لله، حينها فقط ستكون قادرًا على ممارسة الخضوع له، أو طلب ما يجب عليك فعله للخضوع لله. إذا لم تعرف نفسك، فإن أمانيك في أن تكون شخصًا صادقًا، أو أن تخضع لله، أو أن تنال الخلاص، هي أمنيات فارغة. ذلك لأن الناس لديهم شخصيات فاسدة، وليس من السهل عليهم ممارسة أي جانب من جوانب الحق، إذ إنَّ شخصياتهم الفاسدة دائمًا ما تعكِّر ممارستهم وتعوقها. عندما تمارس أي جانب من جوانب الحق، ستكشف شخصياتك الفاسدة بالتأكيد عن نفسها، وتعوق جهودك لأن تكون صادقًا، وتعترض خضوعك لله، وتثبط صبرك وتسامحك مع إخوتك وأخواتك. وإذا لم تتأمل في هذه الشخصيات الفاسدة وتكشفها وتُشرِّحها أوتدركها، واعتمدت بدلاً من ذلك على مفاهيمك وتصوراتك لممارسة الحق، فإنك ستكون مجرد متّبع للّوائح، ﻷنك لا تفهم الحق ولا تعرف مبادئ الحق التي يجب أن تمتثل لها. لذلك، أيًا يكن ذلك الجانب من جوانب الحق الذي يمارسه المرء، أو ما يفعله، فعليه أن يتأمل في نفسه أولاً ويعرفها. ومعرفة النفس تعني أن تعرف كل كلمة وكل فعل لك، وكل عمل؛ أن تعرف أفكارك وخواطرك، ومقاصدك، ومفاهيمك وتصوراتك. ينبغي أن تعرف أيضًا فلسفات الشيطان في التعاملات الدنيوية، وجميع سموم الشيطان المختلفة، فضلًا عن المعرفة الثقافية التقليدية. يجب أن تطلب الحق وأن تميز هذه الأمور بوضوح. بهذه الطريقة، ستفهم الحق وتعرف نفسك حقًا. ورغم أن المرء ربما يكون قد فعل عددًا كبيرًا من الأعمال الصالحة منذ أن بدأ في الإيمان بالله، فإنه يظل غير قادر على رؤية العديد من الأمور بوضوح، فضلًا عن تحقيق فهم الحق. ومع ذلك، فبسبب أعماله الصالحة الكثيرة، يشعر بأنه يمارس الحق بالفعل، وأنه قد خضع لله، وأنه قد أرضى مقاصد الله إلى حد كبير. عندما لا يصيبك مكروه، تكون قادرًا على فعل أيًّا مما يُقال لك، ولا يكون لديك تحفظات على أداء أي واجب، ولا تقاوم. وعندما يُطلب منك نشر الإنجيل، لا تشكو وتستطيع تحمّل تلك المشقة، وعندما يُطلب منك الاجتهاد والعمل، أو أداء مهمّة، فإنك تفعل ذلك. وبسبب ذلك تشعر أنك إنسان يخضع لله ويسعى إلى الحق بصدق. ومع ذلك، إذا سُئِلت بجديّة: "هل أنت شخص صادق؟ هل أنت شخص يخضع لله حقًا؟ شخص تغيَّرت شخصيته؟" – إذا عُقدت المقارنة بين كل شخص وبين حق كلام الله –فقد يُقال إنه لا أحد يرقى إلى المستوى المطلوب، وإنه لا أحد سيكون قادرًا على التصرف وفقًا لمبادئ الحق. لذا ينبغي لكل البشر الفاسدين أن يتأمل في ذواتهم. ينبغي عليهم أن يتأملوا في الشخصيات التي يعيشوا بها، وفي الفلسفات الشيطانية والمنطق الشيطاني والهرطقة الشيطانية والمغالطات التي تُستمَد منها جميع أفعالهم وأعمالهم. ينبغي على البشر أن يتأملوا في السبب الجذري لكشفهم عن شخصيتهم الفاسدة، وفي ماهية جوهر تصرّفهم بعناد، وفيما يعيشون عليه ومن يعيشون من أجله. إذا وُضِع هذا في مقارنة مع الحق، فسيُدان جميع الناس. ما سبب ذلك؟ السبب هو أن البشرية فاسدة بشدّة. الناس لا يفهمون الحق، وجميعهم يعيشون وفقًا لشخصياتهم الفاسدة. ليس لديهم أدنى قدر من معرفة الذات، وهم يؤمنون بالله دومًا وفقًا لمفاهيمهم وتصوراتهم، ويؤدون واجباتهم بناءً على تفضيلاتهم وطُرُقهم الخاصة، ويتبّعون النظريات الدينية بشأن كيفية خدمتهم لله. وأكثر من ذلك أنهم يظلون معتقدين أنهم مليئون بالإيمان، وأن أفعالهم معقولة جدًا، وفي النهاية يشعرون أنهم قد ربحوا الكثير. ودون أن يدركوا ذلك، يظنون أنهم يتصرفون بالفعل وفقًا لمقاصد الله، وأنهم قد أرضوها تمامًا، وأنهم قد لبّوا متطلبات الله وأنهم يتبعون مشيئته. إذا كان هذا هو ما تشعر به، أو إذا كنت تعتقد أنك قد جنيت بعض المكاسب في سنوات إيمانك العديدة بالله، فعليك أكثر من أي وقت مضى أن تعود أمام الله لتفحص نفسك بعناية. عليك أن تنظر إلى الطريق الذي سلكته على مدار سنوات إيمانك لترى ما إذا كانت جميع تصرفاتك وأعمالك أمام الله قد كانت في توافق كلي مع مقاصده. افحص أيًا من سلوكياتك كان يتعارض مع الله، وأيها حقّق الخضوع له، وما إذا كانت أفعالك قد لبت متطلبات الله وأرضتها، أم لا. عليك أن تستوضح كل هذه الأمور، ﻷنه حينئذٍ فقط ستعرف نفسك.
مفتاح التأمُّل في الذات ومعرفة نفسك هو كالتالي: كلَّما زاد شعورك بأنك أدَّيت عملاً جيِّدًا في جوانب مُعيَّنة أو فعلت الشيء الصحيح، وكلَّما زاد اعتقادك أنك تستطيع إرضاء مقاصد الله أو أنك قادر على التباهي في جوانب معيَّنة، زادت أهمية أن تعرف نفسك في تلك الجوانب، وأن تتعمَّق في فحصها لمعرفة الشوائب الموجودة بداخلك، بالإضافة إلى الأشياء التي توجد فيك والتي لا يمكنها إرضاء مقاصد الله. لنأخذ بولس كمثالٍ. لقد كان بولس واسع الاطّلاع وعانى كثيرًا في وعظه وعمله، وبجّله كثيرون بشدة. ونتيجةً لذلك، بعد أن أكمل الكثير من العمل، افترض أن ثمة تاجٌ مُخصَّص من أجله. تسبَّب هذا في أن يسلك المسار الخطأ ويتمادى فيه أكثر وأكثر إلى أن عاقبه الله في النهاية. ولو أنه كان في ذلك الوقت قد تأمَّل في نفسه مُشرّحاً إيَّاها لما فكر بالطريقة التي فكر بها. وبعبارة أخرى، فإن بولس لم يُركِّز على طلب الحقّ في كلام الرَّبّ يسوع؛ لكنه آمن فقط بمفاهيمه وتصوُّراته. لقد ظنَّ أنه بمجرّد القيام بذلك قد صنع بعض الصالحات وأظهر بعض السلوكيات الطيبة فإن الله سوف يستحسنه ويكافئه. وفي النهاية، أعمت مفاهيمه وتصوُّراته قلبه وغطَّت حقيقة فساده. غير أن الناس لم يتمكنوا من تبيّن هذا ولم تكن لهم معرفة بمثل هذه الأمور، لذا فقبل أن يكشف الله حقيقة الأمر، كان الناس دائمًا ما يضعون بولس كمعيارٍ يسعون إلى الوصول إليه، وكمثالٍ للعيش بموجبه، ويعتبرونه نموذجًا يسعون ليكونوا مثله. وتعتبر حالة بولس بمثابة تحذير لكل فرد من أفراد شعب الله المختار. فخاصة عندما نستطيع نحن الذين نتّبع الله أن نعاني وندفع الثمن في واجباتنا وعندما نخدم الله، نشعر أننا مخلصون لله ونحب الله؛ وفي مثل هذه الأوقات، يتعين علينا أن نتأمل ونفهم أنفسنا أكثر فيما يتعلق بالمسار الذي نسلكه، وهذا أمر ضروري؛ ذلك لأن ما تظنه خيرًا هو ما ستُحدّده صحيحًا، ولن ترتاب فيه أو تتأمله أو تُشرّحه لترى إن كان ينطوي على أي شيء فيه مقاومة لله. على سبيل المثال، هناك أشخاص يعتقدون أنهم طيبو القلب للغاية؛ فهم لا يكرهون الآخرين أو يؤذونهم أبدًا، ودائمًا ما يمدون يد المساعدة لأخ أو أخت تكون أسرته في حاجة، لكيلا تظل مشكلتهم دون حل؛ كما أن لديهم حسن نية كبير، ويفعلون كل ما في وسعهم لمساعدة كل من يستطيعون مساعدته. لكنهم لا يركزون مطلقًا على ممارسة الحق، وليس لديهم دخول في الحياة. ما هي نتيجة هذه الرغبة في المساعدة؟ لقد أوقف هؤلاء حياتهم الخاصة، لكنهم سعداء للغاية بأنفسهم، وراضون للغاية عن كل ما فعلوه. وأكثر من ذلك أنهم يفتخرون به كثيرًا، معتقدين أن كل ما فعلوه لا يتضمن شيئًا يعارض الحق، وأنه يكفي بالتأكيد لإرضاء مقاصد الله، وأنهم مؤمنون حقيقيون بالله. إنهم يرون طيبتهم الطبيعية أمرًا يمكن الاستفادة منه، وحالما يفعلون ذلك، يعتقدون أنه الحق حتمًا وبلا ريب. وفي الواقع، كل ما يفعلونه هو الخير البشري. إنهم لا يمارسون الحق على الإطلاق؛ لأنهم يفعلون ذلك أمام الإنسان وليس أمام الله، بالإضافة إلى أنهم لا يزالون لا يمارسونه وفقًا لمتطلبات الله والحق. لذا فإن كل أفعالهم بلا طائل. لا يعتبر أي شيء من الأشياء التي يفعلونها ممارسة للحق أو لكلام الله، ناهيك عن اتباع مشيئته؛ بل هم يستخدمون الطيبة البشرية والسلوك الجيد لمساعدة الآخرين. وباختصار، إنهم لا يطلبون مقاصد الله في كل ما يفعلونه، ولا يتصرفون بما يتوافق مع متطلباته. والله لا يستحسن هذا النوع من السلوك الحسن للإنسان؛ فهو سلوك يستحق الإدانة في نظر الله، ولا يستحق أن يذكره الله.
معرفة المرء لنفسه أمر في غاية الأهمية لكل شخص، لأنها تؤثر بشكل مباشر على مسألة مهمة وهي ما إذا كان بوسع المرء أن يتخلص من شخصيته الفاسدة ويحقق الخلاص. لا تظن أن هذا الأمر بسيط. فمعرفة نفسك لا تقتصر فقط على فهم أفعالك أو ممارساتك، بل هي معرفة جوهر مشكلتك؛ معرفة أساس تمرُّدك وجوهره، ومعرفة سبب عدم قدرتك على ممارسة الحق، وفهم الأشياء التي تظهر وتوقعك في اضطراب عندما تمارس الحق. وهذه بعض من أهم جوانب معرفة نفسك. على سبيل المثال، بسبب تأثير الثقافة الصينية التقليدية، في المفاهيم التقليدية لشعب الصين، يؤمنون بضرورة برّ المرء لوالديه. ومن لا يراعي برّ والديه يُعدّ ولدًا عاقًا. هذه الأفكار غُرِست في الناس منذ الطفولة، وتُدرّس في كل منزل تقريبًا، وكذلك في كل مدرسة وفي المجتمع بشكل عام. وعندما يمتلئ رأس المرء بمثل تلك الأمور، فإنه يفكر قائلًا لنفسه: "برّ الوالدين أهم من أي شيء. وإذا لم أراعي ذلك، لن أكون شخصًا صالحًا؛ بل سأكون ولدًا عاقًا وسأتعرض للاستهجان من المجتمع. سأكون شخصًا لا ضمير له". هل هذا الرأي صحيح؟ لقد رأى الناس الكثير من الحقائق التي عبّر عنها الله؛ فهل طلب الله أن يُظهِر المرء البرّ تجاه والديه؟ هل هذه واحدة من الحقائق التي يجب على المؤمنين بالله فهمها؟ كلا، إنها ليست كذلك. لقد عقد الله شركةً فقط حول بعض المبادئ. بحسب أي مبدأ يطلب كلام الله من الناس التعامل مع الآخرين؟ أحْبِبْ ما يحبه الله، وأَبغِض ما يُبغضه الله: هذا هو المبدأ الذي ينبغي التمسك به. إن الله يحبّ هؤلاء الذين يسعون إلى الحق ويستطيعون اتّباع مشيئته؛ وهؤلاء هم أيضًا الأشخاص الذين ينبغي أن نحبهم. أمّا أولئك غير القادرين على اتباع مشيئة الله، الذين يبغضون الله ويتمردون عليه، فهؤلاء يزدريهم الله، وعلينا أن نزدريهم أيضًا. هذا ما يطلبه الله من الإنسان. إذا كان والداك لا يؤمنان بالله، وإذا كانا يعلَمان جيدًا أن الإيمان بالله هو الطريق الصحيح ويمكن أن يؤدي إلى الخلاص، ومع ذلك يظلان غير متقبلَين له، فلا شك أنهما من أولئك الناس الذين ينفرون من الحق ويكرهونه، وأنهما ممن يقاومون الله ويكرهونه؛ ومن الطبيعي أن يمقتهما الله ويحتقرهما. هل يمكن أن تحتقِر مثل هذين الوالدين؟ إنهما يعارضان الله ويسيئان إليه؛ وفي هذه الحالة، فإنهما بكل تأكيد من الشياطين والأبالسة. هل يمكنك أن تمقتهما وتلعنهما أيضًا؟ هذه كلها أسئلة حقيقية. فإذا منعك والداك من الإيمان بالله، فكيف تعامِلهما؟ كما يطلب منك الله، يجب أن تحب ما يحبه الله، وتكره ما يكرهه الله. قال الرب يسوع في عصر النعمة: "مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتي؟". "لِأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي". كانت هذه الكلمات موجودة بالفعل في عصر النعمة، والآن أصبحت كلمات الله أكثر وضوحًا: "أحبوا ما يحبه الله، واكرهوا ما يكرهه الله". تعبر هذه الكلمات عن جوهر الموضوع، ومع ذلك لا يستطيع الناس غالبًا فهم معناها الحقيقي. فإذا كان شخص ما ينكر الله ويعارضه، وكان ملعونًا من الله، ولكنه كان أحد والديك أو أقاربك، ولا يبدو لك بحسب معرفتك به أنه شخص شرير، وكان يعاملك معاملةً حسنة، فلعلك تجد نفسك عاجزًا عن كره ذلك الشخص، بل قد تظل على اتصال وثيق به، دون أن تتغير علاقتك به. وسماعك أن الله يكره مثل هؤلاء الأشخاص سيزعجك، ولن تستطيع أن تقف إلى جانب الله وترفضه بلا رأفة؛ فأنت مقيد دائمًا بالعاطفة ولا يمكنك التخلي تمامًا عن أولئك الأشخاص. ما هو السبب وراء ذلك؟ يحدث هذا لأن مشاعرك في غاية القوة، وهي تعيقك عن ممارسة الحق. إن ذلك الشخص طيب معك؛ ولذلك لا تستطيع أن تحمل نفسك على كراهيته. لا يمكنك أن تكرهه إلا إذا سبَّب لك الأذى فعلًا. فهل تتماشى تلك الكراهية مع مبادئ الحق؟ أنت أيضًا مقيد بمفاهيم تقليدية، حيث تفكر بأنه أحد الوالدين أو الأقارب، وبالتالي إذا كرهتَه فستُقابل بالازدراء من المجتمع والتشهير من الرأي العام، وتُدان بوصفكَ عاقًّا، وبلا ضمير، بل وحتى بوصفك بأنك لست إنسانًا. وكذلك ستعتقد أنك ستعاني الإدانة والعقاب الإلهيين. وحتى إن أردتَ أن تبغضه فلن يدَعكَ ضميرُكَ تفعل ذلك. فلماذا يعمل ضميرك بهذه الطريقة؟ ذلك لأن نمطًا من التفكير قد زُرِع بداخلك منذ أن كنت طفلًا، من خلال إرث عائلتك، والتعليم الذي قدَّمه لك والديك، والتلقين الثقافي التقليدي. هذا النمط من التفكير مُتجذّر بعمق في قلبك، ويجعلك تعتقد خطأً أن برّ الوالدين أمر طبيعي ومُبرَّر تمامًا، وأن أي شيء ورثته من أسلافك جيّد دائمًا. لقد تعلمتَه في البداية وهو لا يزال مهيمنًا عليك، بحيث صار يمثل حجر عثرة كبرى وإزعاجًا لإيمانك وقبولك للحق، وهو يتركك عاجزًا عن تطبيق كلام الله، وعن حب ما يحبه الله وبغض ما يبغضه. إنك تعلم في صميم قلبك أن حياتك هبةٌ من الله، وليست من أبويك، وتعلم أيضًا أن والديك لم يتوقفا عند عدم الإيمان بالله، بل هما يقاومانه أيضًا، وأن الله يبغضهما، وأن عليك أن تخضع لله وأن تقف إلى جانبه، غير أنك لا تستطيع أن تحمل نفسك على كرههما، حتى إن أردت ذلك. لا يمكنك أن تغير هذا الوضع أو أن تُقسِّيَ قلبك، ولا يمكنك ممارسة الحق. ما أصل ذلك؟ يستخدم الشيطان هذا النوع من الثقافة التقليدية والمفاهيم الأخلاقية لتقييد أفكارك وعقلك وقلبك، ليتركك عاجزًا عن قبول كلام الله. لقد استحوذتْ عليك هذه الأمور الشيطانية فجعلتك غير قادر على قبول كلام الله. عندما تود ممارسة كلام الله، تُحدث هذه الأمور إزعاجًا في داخلك، وتدفعك إلى معارضة الحق ومتطلبات الله، وتجعلك عاجزًا عن التخلص من نير الثقافة التقليدية. وبعد المقاومة لفترة، تضطر إلى التنازل: إذ تفضل الاعتقاد بأن المفاهيم التقليدية عن الأخلاق صحيحة، وأنها تتماشى مع الحق، ومن ثم ترفض كلام الله أو تنبذه. إنك لا تتقبل كلام الله على أنه الحق، ولا تفكر أبدًا في خلاص نفسك، وتشعر أنك لا تزال تعيش في هذا العالم، وأنك لكي تنجو عليك أن تعتمد على هؤلاء الناس. وبما أنك غير قادر على تحمل اتهامات المجتمع، فإنك تميل إلى اختيار التخلي عن الحق وعن كلام الله، والاستسلام للمفاهيم التقليدية عن الأخلاق ولتأثير الشيطان، مفضلًا الإساءة إلى الله وعدم ممارسة الحق. ألا يدعو حال الإنسان إلى الشفقة؟ أليس في حاجة إلى خلاص الله؟ بعض الناس آمنوا بالله لسنوات عديدة، لكنهم لا يزالون لا يمتلكون أي إدراك لقضيّة برّ الوالدين. إنهم حقًا لا يفهمون الحق. ليس بوسعهم أبدًا اختراق حاجز العلاقات الدنيوية هذا؛ ليس لديهم الشجاعة ولا الثقة، ناهيك عن العزم، لذا لا يمكنهم محبة الله وطاعته. وبعض الناس يستطيعون رؤية ما هو أبعد من ذلك، وليس من السهل عليهم بالفعل أن يقولوا: "والديّ لا يؤمنان بالله، ويمنعاني من الإيمان به، إنهما شيطانان".لا يوجد واحد من غير المؤمنين يؤمن بالله، أو بأنه خلق السماوات والأرض وجميع الأشياء، أو بأن الله خلق الإنسان. بل يتمادى البعض قائلين: "يحصل الإنسان على الحياة من والديه، وعليه أن يكرمهما". من أين تأتي مثل هذا الفكرة أو تلك النظرة؟ هل تأتي من الشيطان؟ إنها آلاف الأعوام من الثقافة التقليديَّة التي علَّمت الإنسان وضللته بهذه الطريقة؛ حيث جعلته ينكر خلق الله وسيادته. ولولا تضليل الشيطان وسيطرته، لتحرّى البشر عمل الله، وقرأوا كلامه، وعرفوا أنهم مخلوقون من قِبَل الله وأن حياتهم ممنوحة من الله، وعلموا أن كلّ ما عندهم ممنوح من الله، وأن الله هو من عليهم أن يشكروه. وإذا قدَّم لنا أحدٌ المساعدة فيجب أن نقبل هذا من الله؛ لا سيما آباؤنا، الذين أنجبونا وربّونا؛ وكان هذا كلّه بترتيبٍ من الله. إن الله له السيادة على الجميع؛ والإنسان ما هو إلا أداة للخدمة. إذا استطاع أحدٌ تنحية والديه أو شريك حياته وأطفاله جانبًا ليبذل نفسه لله، فسوف يكون ذلك الشخص أكثر قوة، ولديه حس أكبر بالعدالة أمام الله .مع ذلك، ليس من السهل على الناس كسر قيود التعليم الوطني، والأفكار الثقافية التقليدية والمفاهيم والقواعد الأخلاقية، ﻷن هذه السموم والفلسفات الشيطانية قد ترسّخت جذورها منذ فترة طويلة في قلوب الناس، مما يُولّد كل أنواع الشخصيات الفاسدة التي تمنعهم من سماع كلام الله والخضوع له. في أعماق قلب الإنسان الفاسد، لا يوجد استعداد مُتجذّر لتطبيق الحق واتبّاع مشيئة الله. لذلك يتمرد الناس على الله ويقاومونه؛ وقد يخونونه ويتخلون عنه في أي وقت. فهل يمكن للمرء أن يتلقى الحق إذا كانت الشخصيات الفاسدة والسموم والفلسفات الشيطانية موجودة بداخله؟ هل يمكن للمرء تحقيق الخضوع لله؟ إنه أمر شديد الصعوبة حقًا. ولولا عمل الدينونة من قبل الله نفسه، لما تمكّنت البشرية الفاسدة بشدة من نيل الخلاص، ولما تمكّنت من التطهّر من كامل شخصيتها الشيطانية. فحتى لو آمن الناس بالله وكانوا على استعداد لاتّباعه، فلا يمكنهم الاستماع إلى الله والخضوع له، لأن قبول الحق يتطلّب مجهودًا كبيرًا من الناس. لذلك يجب أن يسبق السعي إلى الحق السعي إلى معرفة النفس وحلّ الشخصية الفاسدة للمرء. حينها فقط سيكون من الأسهل قبول الحق. إن معرفة النفس ليست مسألةً هينة على الإطلاق؛ ووحدهم أولئك الذين يقبلون الحق هم من يمكنهم معرفة أنفسهم. ولهذا السبب تُعد معرفة المرء لنفسه أمرًا في غاية الأهمية، ومسألة يجب ألا تتجاهلوها.
لدى الناس شخصيات فاسدة، لذلك من الصعب جدًا عليهم قبول الحق، والأصعب حتى من ذلك هو أن يعرفوا أنفسهم. إذا أرادوا تحقيق الخلاص، عليهم يتوصلوا إلى معرفة شخصياتهم الفاسدة وجوهر طبيعتهم. حينها فقط بوسعهم قبول الحق بصدق وممارسته. معظم الناس الذين يؤمنون بالله يرضون فقط بكونهم قادرين على الحديث بالكلمات والتعاليم، معتقدين أنهم يفهمون الحق. هذا خطأ كبير، ﻷن الذين لا يعرفون أنفسهم لا يفهمون الحق. لذا، لفهم الحق وربحه في إيمانهم بالله، ينبغي على الناس التركيز على معرفة أنفسهم. بغض النظر عن الزمان والمكان، وبغض النظر عن البيئة التي نحن فيها، إذا استطعنا أن نعرف أنفسنا، وأن نكشف شخصياتنا الفاسدة ونُشرِّحها، ونعامل معرفة أنفسنا على أنها أولوية قصوى، فإننا بالتأكيد سنربح شيئًا، وسنتعمّق تدريجيًا في معرفتنا بأنفسنا. وفي الوقت نفسه، سنمارس الحق، ونمارس حب الله والخضوع له، وسنفهم المزيد والمزيد من الحق. حينئذٍ سيصبح الحق هو حياتنا بشكل طبيعي. ولكن إذا لم تدخل في معرفة نفسك على الإطلاق، فإن قولك إنك تمارس الحق هو قول كاذب، ﻷنك أعمى بمختلف الظواهر السطحية. أنت تشعر وكأن سلوكك قد تحسّن، وأن لديك ضميرًا وعقلًا أكثر من ذي قبل، وأنك ألطف، وأكثر مراعاةً وتسامحًا مع الآخرين، وأكثر صبرًا وتجاوزًا عن الناس، وبالتالي تظن أنك تعيش بالفعل الإنسانية الطبيعة، وأنك شخص عظيم وكامل. لكن في عينيّ الله، أنت لا تزال دون متطلباته ومعاييره، وبعيد جدًا عن الخضوع الحقيقي لله وعبادته. يُظهر هذا أنك لم تربح الحق، وأنك تفتقر إلى أدنى قدر من الواقع، وأنك لا تزال بعيدًا عن تلبية معايير الخلاص. يجب أن يفهم الناس أي الحقائق يحتاجون إلى تزويد أنفسهم بها لتلبية مقاصد الله. لا يزال الناس غير قادرين على التمييز بين السلوكيات الخارجية الجيدة وممارسة الحق. كل ما لدى الناس الآن هو مجرد تغييرات طفيفة في سلوكهم الخارجي. في الوقت الحاضر، يحضر معظم الناس الاجتماعات باستمرار ويستمعون إلى العظات، وبوسعهم التعايش والتفاعل مع إخوتهم وأخواتهم بطريقة طبيعية. إنهم لا يتشاجرون، ويقدرون على التحلي بالتسامح والصبر مع بعضهم البعض، وضميرهم أكثر يقظةً في أداء واجباتهم عمّا كانوا عليه من قبل. ومع ذلك فإن فهمهم للحق سطحي للغاية، وأفكارهم وآرائهم في كثير من الأمور لا تزال بعيدةً عن الحق، أو تتعارض مع الحق، بل إن بعض آرائهم عدوانية تجاه لله. هذا يكفي ليبين بوضوح أن الناس لم يربحوا الحق بعد. لهذا نحتاج إلى أن نطلب الحق في كل جانب من جوانب معرفة النفس وأن نجتهد في معرفة أنفسنا بعمق أكبر. خلال هذه الشركة، ألا تشعرون أنه من المهم جدًا أن تعرفوا أنفسكم. لقد أعطيت للتوّ مثالًا على إظهار البرّ بوالدي المرء. هذه مسألة هامة على كل شخص مواجهتها. إذا لم تتمكنوا من فهم الحق والتخلص من الأفكار والمفاهيم التقليدية، فسيكون من الصعب عليكم أن تتخلوا عن كل شيء وأن تبذلوا أنفسكم من أجل الله حقًا. هناك الكثير من الناس الذين آمنوا بالله لسنوات وسنوات ولكنهم لم يؤدوا أي واجب. لقد كانوا يكافحون في قلوبهم لوقت غير معلوم، وليس من المؤكد متى سيكونون قادرين على فهم الحق فعليًا والخروج من قيود وأغلال عواطفهم الجسدية وأفكارهم ومفاهيمهم التقليدية، والوصول إلى نقطة "حب ما يحبه الله وكره ما يكرهه الله". هذا ليس أمرًا يسهل تحقيقه. إن رؤية جوهر العائلة ونبذ قيود العلاقات الجسدية للمرء هو عقبة صعبة لأولئك الذين يتبعون الله. هناك عملية لكسر أغلال عائلة المرء وعواطفه الجسدية، والتحرر من قيود أفكار الثقافة التقليدية؛ يتطلّب ذلك أن يرتب الله بيئات يمكننا فيها ممارسة الدخول في الحق. خاصةً عندما يتعلق الأمر بأحبائنا، من الضروري للغاية أن نرى وجوههم الحقيقية وجواهر طبيعتهم بوضوح. وفي الوقت نفسه، نحتاج أيضًا إلى التأمل – وفقًا للحق – في الشخصيات الفاسدة التي كشفنا عنها، والهرطقات الشيطانية والمغالطات التي لا تزال موجودةً في قلوبنا. هذا يتطلّب أن يرتب الله بيئات عديدة لكشفنا، حتى نتمكّن من معرفة الأشياء التي لا تزال موجودةً في قلوبنا والتي تقاوم الله أو لا تتوافق معه، ومن ثمّ نطلب الحق لمعالجتها. نحن بحاجة لأن يرتب الله لنا بيئات مناسبة للكشف عن فسادنا وعن قامتنا. لكن علينا أيضًا أن نعمل بنشاط وإيجابية مع الله، وأن نفرض المطالب على أنفسنا وفقًا لكلمته، وحينها فقط يمكن أن يُكمِّلنا الله. لكن قبل أن يعمل الله، نحتاج إلى إعداد أنفسنا ذهنيًا. أولًا، نحتاج إلى التعرّف على السموم الشيطانية الموجودة داخل الإنسان، وأن نفهم أن أفكار ومفاهيم الثقافة التقليدية التي تُضلِّل الناس وتفسدهم. يجب أن نفهم مدى مقاومة هذه الأشياء الشيطانية – التي نرثها، والتي تأتي من التعليم والمجتمع – لله، ومدى تعارضها مع الحق. فقط عندما ترى هذه الأشياء بوضوح، يمكنك القول إنك تفهم الحق حقًا.
تحدثتُ للتو عن كيفية معاملة المرء لوالديه. يُمكن القول إن هذه مسألة جوهرية في الحياة، وأنها أيضًا مسألة جسيمة يجب على كل شخص مواجهتها. هذا شيء لا يُمكن إنكاره. وفيما يلي، سنعقد شركةً عن موضوع آخر، ألا وهو كيفية معاملة المرء لأطفاله. عندما يتعلق الأمر بكيفية التعامل مع أطفالك ووالديك، فإن الطريقة التي تعاملهم بها ليست هي الأمر المهم، بل المهم هو منظورك، يتعلق الأمر بالمنظور والموقف الذي تنتهجه معهم. هذا شيء نحتاج لأن نفهمه في قلوبنا. يبدأ كل شخص بالتخطيط منذ اللحظة التي يحظى فيها بأطفال بشأن نوع التعليم الذي يريد أن يتلقاه أطفاله، ونوع الجامعة التي يجب أن يلتحق بها أطفاله، وكيف يمكنهم بعد ذلك العثور على وظائف جيدة، كي يتمكنوا من إيجاد موطئ قدم لأنفسهم ويحظوا بمستوى معين من المكانة في المجتمع. يؤمن الناس جميعًا أنه في هذه الحياة، يجب أن ينال المرء المعرفة والشهادات المتقدمة أولًا؛ ففي نظرهم، هذا هو الطريق الوحيد للعثور على وظيفة وتأمين لقمة العيش في المجتمع، بحيث لا يقلق المرء مستقبلًا بشأن الاحتياجات الأساسية مثل المأكل، والملبس، والمأوى، والمواصلات. لذا، عندما يتعلق الأمر بكيفية معاملة الناس لأطفالهم، يأمل كل والد أن يتلقى طفله تعليمًا عاليًا. إنهم يأملون أن يكون طفلهم قادرًا على التفوق في العالم يومًا ما، وأن يكون له مكان في المجتمع، ودخل مرتفع ومستقرّ، وجاه ومكانة. إنهم يعتقدون أن هذا وحده هو ما سيُشرّف أسلافهم. جميع الناس يُضمرون هذا الرأي: "أرجو أن يصبح أطفالي من الصفوة"؛ فهل هذا الرأي صحيح؟ كل شخص يرغب أن يذهب ابنه أو ابنته إلى جامعة مرموقة ثم يواصل دراسته، معتقدًا أن طفله سيتمكّن من شقّ طريقه في العالم ما إن يحصل على شهادة متقدمة. يعبد الناس جميعًا المعرفة في قلوبهم ويعتقدون أن "المساعي الأخرى تافهة، التعليم يتفوق عليها جميعًا"؛ وعلاوةً على ذلك، يعتقدون أن المنافسة في المجتمع اليوم ضارية للغاية، وأنه إذا لم يكن الشخص حائزًا على مؤهل أكاديمي، فسيكون من الصعب عليه مجرد تأمين غذائه. هذه فكرة ووجهة نظر يضمرها كل إنسان؛ كأنه ما دام الشخص حائزًا على درجة متقدمة، فستكون معيشته المستقبلية وحظوظه آمنةً. لذا، عندما يتعلق الأمر بمطالبهم لأبنائهم وبناتهم، يجعل الناس الالتحاق بمؤسسة تعليم عالي وتلقي تعليم عالي هو الأولوية القصوى. وفي واقع الأمر، كل ذلك التعليم، وكل تلك المعرفة، وكل الأفكار التي يتلقاها الناس تتعارض مع الله ومع الحق، ويزدريها الله ويدينها. هذا يثبت أن آراء الإنسان خاطئة ومُضلَّلة. يجب أن يفهم الناس أنهم إذا تلقوا هذا النوع من التعليم، فإنهم بخلاف اكتساب القليل من المعرفة العقلية المفيدة، سيُلقَّنون الكثير من سموم الشيطان وأفكاره ونظرياته، ومختلف هرطقاته ومغالطاته، ويجب أن يفهموا ما العواقب التي ستترتّب على هذا. لم يفكر الناس مطلقًا في هذا من قبل، ولا يمكنهم رؤية حقيقة هذا الأمر بوضوح. كل ما يعتقدونه هو أن أطفالهم سيحظون بمستقبل أكثر إشراقًا ويُشرّفون أسلافهم إذا التحقوا بمؤسسات تعليم عالي. ونتيجةً لذلك، عندما يعود طفلك إلى المنزل يومًا ما، وتتحدث معه عن الإيمان بالله، فإنه سيشعر بالنفور من ذلك، وعندما تعقد شركةً معه عن الحق، فإنه سيدعوك بالجاهل، ويهزأ بك، ويعامل كلماتك بازدراء. في ذلك الوقت، ستدرك أنك اخترت الطريق الخاطئ عندما أرسلت طفلك إلى مؤسسة تعليم عالي لتلقي تعليم متقدم. لكن سيكون أوان الندم قد فات. فما إن يقبل المرء فلسفات الشيطان وآرائه، وتضرب تلك الأشياء بجذورها فيه وتُزهر وتبدأ في الإثمار بداخله، يكون ذلك مثل نمو الأورام السرطانية؛ لا يمكن استئصال تلك الأشياء أو تغييرها بين عشيّة وضحاها. في تلك اللحظة، يصبح من الصعب على ذلك الشخص قبول الحق، وليس ثمّة طريقة لتخليصه. إن ذلك يعادل تسمّمه حتى الموت من قِبل الشيطان. لم أرَ أحدًا يقول: "عندما يذهب طفلي إلى المدرسة، فليتعلم القراءة ببساطة، حتى يتمكّن من فهم معنى كلام الله. بعد ذلك، سأوجّهه للإيمان بالله من صميم قلبه، وليتعلم القليل عن مهنة مفيدة كي يتمكّن من الحصول على وظيفة جيدة ويُؤمِّن لنفسه حياةً مستقرةً في المستقبل. حينها يمكنني أن أشعر بالاطمئنان. سيكون من الأفضل إذا كان من ذوي الكفاءات العالية، ويتمتّع بطبيعة بشرية حسنة، وإذا كان قادرًا على أداء واجب في بيت الله. إذا لم يكن قادرًا على أداء واجب، فسيكفي أن يكون لديه وظيفةً بعيدًا عن الكنيسة حتى يتمكن من إعالة أسرته. والأهم من ذلك كله أن يتلقى حقائق الله في بيته، وألا يتلوث أو يتأثر بالمجتمع". لا يمتلك الناس الإيمان لجلب أطفالهم أمام الله؛ إنهم دائمًا ما يقلقون من أن أطفالهم لن يكون أمامهم آفاق واعدة إذا لم يلتحقوا بالتعليم العالي. وبعبارة أخرى، عندما يتعلق الأمر بأطفال المرء، فليس هناك شخص واحد على استعداد لجلب طفله أمام الله حتى يتمكن من قبول كلام الله والتصرف وفقًا للحق ومتطلبات الله. الناس غير مستعدين لفعل ذلك، ولا يجرؤون على فعل ذلك. إنهم يخشون أنه إذا تصرفوا على هذا النحو، فإنه لن يكون لدى أطفالهم وسائل لكسب العيش أو آفاق في هذا المجتمع. ما الذي يؤكّده هذا الرأي؟ يؤكّد أن الناس الذين تم إفسادهم بشكل عميق من قِبل الشيطان ليس لديهم اكتراث بالحق أو بالإيمان بالله. وحتى إذا كانوا يؤمنون بالله، فإن ذلك فقط لنيل البركات. إنهم لا يسعون إلى الحق، لأن ما يعبده الناس في قلوبهم هو الأشياء المادية، والمال، وتأثير الشيطان. أنت ليس لديك الإيمان لتقول: "إذا هجر المرء توجهات العالم واعتمد على الله، فسيمنحه الله مهربًا ليتمكّن من الصمود". هذا الإيمان ينقصك. إن رأيك الضال في عبادة المعرفة قد ترسّخ في قلبك. إنه يتحكّم في كل كلمة وكل عمل لك، لذا لا يمكنك قبول عمل الله والخضوع له، فضلًا عن قبول الحقائق التي يُعبِّر الله عنها. لماذا أقول هذا؟ لأن هذا الفكر والرأي عدواني تجاه الله، ويخون الله، وينكر الله، وغير مُنسَجِم مع الحق. عندما يفهم الإنسان الحق، يمكنه رؤية هذه المشكلة بوضوح، ويدرك أن هناك العديد من الأشياء في داخله تقاوم الله؛ أشياء يزدريها الله في الأساس. هذه هي كل النتائج التي تتحقّق من خلال اختبار عمل الله. بدون كشف كلام الله، وبدون دينونته وتوبيخه، سيعتقد الناس أنهم قد أصبحوا مقدسين، وأنهم ممتلئون بحب الله، وأن ثقتهم به كانت قويةً بعد بضع سنوات من الإيمان بالله، وإجراء بعض التغييرات على سلوكهم. والآن بعد أن فهموا الحق، يدركون فجأةً: "كيف يمكن لتلك الأشياء الفاسدة أن تظلّ موجودةً في الناس؟ لماذا لم أتمكّن من التعرف عليها من قبل؟ الناس جهلاء للغاية فحسب!". وفي ذلك الوقت، يتعلمون أن كشف الله لفساد الإنسان عظيم جدًا وضروري جدًا، ويعلمون أنه إذا لم يكشف الله فسادهم ويدينه، فإنهم ما كانوا ليتمكنوا أبدًا من التعرف عليه. الناس جميعًا ماهرون في تمويه أنفسهم وإخفائها. بإمكانهم إخفاء أنفسهم جيدًا أو مواراة أنفسهم وتغطيتها، لكن الشخصيات الفاسدة التي يكشفون عنها والأفكار التي تجذّرت عميقًا في عقولهم تقاوم الله، وتلك الأشياء يزدريها الله ويكرهها. تلك هي الأشياء التي يريد الله أن يكشفها، وهي الأشياء التي يجب على الناس أن يعرفوها. لكن الناس غالبًا ما يفكّرون: "فيما يخصّ حديثنا، نحن لم نتحدث بأي كلمات تقاوم الله، ونحن نمتلك العقل. وفيما يخصّ سلوكنا، نحن لم نفعل شيئًا خارجًا عن المألوف، لقد وصلنا بالفعل إلى النقطة التي نؤدي فيها واجباتنا كما ينبغي. ليس لدينا مشكلات شائنة، فما الذي يجب أن نعرفه أكثر عن أنفسنا؟ هل نحتاج حتى إلى معرفة أنفسنا؟" هل ينسجم هذا الرأي مع الوقائع؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يزال الناس يعترفون بخطاياهم لله دائمًا؟ لماذا لا يزال الناس يكشفون عن شخصياتهم الفاسدة بشكل متكرر بل ويرتكبون الذنوب؟ لذا، كلما اعتبرت نفسك صالحًا في جانب معيّن، كان من الأكثر فائدة لك أن تطلب الحق، وأن تتأمل في نفسك وتتعرّف عليها في هذا الجانب. من خلال ذلك فقط يمكنك أن تعرف حقًا شخصياتك الفاسدة، وأن تتطهّر، وأن تُكمَّل بواسطة الله. هذه هي نتيجة اختبار عمل الله.
هناك الكثير من الناس الذين يعتقدون أن برّ الوالدين يُرضي اللهَ ويُباركه اللهُ. إنهم يظنون أن كون المرء بارًا بوالديه هو شيء يحبه الله بالتأكيد، ﻷنهم يؤمنون أن برّ الوالدين أمر طبيعي تمامًا ومُبرَّر، وأنه يُثبِت أن الشخص حيّ الضمير وأنه لم ينسَ من أين أتى. وفقًا للمفاهيم التقليدية، يُعتبر هؤلاء الأفراد أشخاصًا صالحين وأبناءً بررةً. وعندما يتعلق الأمر بالأبناء البررة، فإن الجميع يحبونهم بإعجاب. الناس يحبونهم، وكذلك آباؤهم. لذا فإنك تفترض بطبيعة الحال أن الله لا بد أن يحبهم أيضًا، وتُفكِّر متمنيًا: "لا بد أن الله يحب من يُظهر البرّ بوالديه؛ الله يحبهم بكل تأكيد!". لذا، تتخلى عن أداء واجبك وتعود إلى المنزل لتُظهر البرّ بوالديك. وبينما تفعل ذلك، تُصبح مُحفَّزًا أكثر فأكثر، وتصبح مقتنعًا أكثر بأن هذا مُبرَّر وصحيح، وأنك تمارس الحق. تبدأ في الاعتقاد دون وعي بأنك قد أرضيت الله بالفعل، وأن لديك القدرة اللازمة لنيل استحسان الله، وسروره، واعترافه. وعندما يقول الله إنك تتحداه وتخونه، أو عندما يقول إنك لم تتغير على الإطلاق، وأنك تقاومه وتدينه، تُنكر كلامه بالادعاء أنه مخطئ. ما نوع هذه المشكلة؟ عندما يقول الله إنك صالح ويستحسنك، تقبل ذلك. لكن عندما يكشف الله أنك تتمرد عليه وتتحداه، فإنك تنكر وترفض ذلك، بل وتقاوم الله وتدينه. ما نوع هذه الشخصية؟ من الجلي أن الناس متكبّرون، ومغرورون وبارون في عينيِّ ذاتهم. في العادة يبدو أن الناس بإمكانهم الإقرار أن كلام الله هو الحق، والناس جميعهم يعتبرون أنفسهم خاضعين لله، ولكن عندما يدينهم الله ويكشف فسادهم، لا يلتفت أحد منهم إلى كلامه، ولا أحد يقارن أفعاله بكلام الله في كل مرة يفعل فيها شيئًا. بل يتحدّث قليلًا، ثم ينتهي الأمر، أو يتلو بعض العبارات من كلام الله خلال الاجتماعات ويعقد شركةً عنها قليلًا، ثم ينتهي الأمر. في الواقع، عندما تفعل الأشياء، فأنت لا تمارس وفقًا لكلام الله على الإطلاق. لذا، ما الهدف من قراءتك كلام الله وعقد شركات عنه؟ أنت لا تمارس كلام الله عندما يحدث لك شيء، ولا تعيش بكلام الله، فلماذا تقرأ كلام الله؟ أليست هذه مجرد شكليّات؟ هل يمكنك فهم الحق بهذه الطريقة؟ هل يمكنك ربح الحق؟ لا معنى للإيمان بالله بهذه الطريقة. الكثير من الناس يقرؤون كلام الله قليلًا، يكسبون معناه الحرفي ويفهمونه، ويعتقدون أنهم بمجرد النطق ببعض الكلمات والتعاليم قد فهموا الحق، وأنهم يمتلكون واقع الحق. يقول البعض: "أنا أعقد شركةً عن كلام الله، فكيف يكون هذا مجرد كلمات وتعاليم؟" أنت لا تعرف جوهر كلام الله، ولا تضع كلامه موضع التطبيق، وليس لديك بالتأكيد معرفةً اختبارية به، لذا فعندما تعقد شركةً عنه فأنت تتحدث بالكلمات والتعاليم. كلام الله هو الحق بالطبع، ولكنك لا تفهمه حقًا أو تضعه موضع الممارسة، لذا فإن ما تفهمه هو مجرد التعاليم. هل يمكنكم فهم هذا؟ هل تشعرون أن سماع هذه الكلمات قد لمس وترًا حساسًا؟ هل ستقولون: "إذا لم أُشرَّف والديَّ، ألن تكون تلك إساءة فظيعة؟ أليست متطلبات الله من الناس غير مراعية لمشاعرهم؟" أخبروني، هل المعايير التي يطلبها الله من الإنسان مرتفعةً؟ في الواقع، هي ليست مرتفعةً، استنادًا إلى ضمير الإنسان وعقله، فهي كلها معايير يمكن للناس تحقيقها. لكن بسبب تأثير العواطف البشرية، ولأن الثقافة التقليدية قد تجذّرت بثبات لا يتزعزع في قلوب الناس، يشعر الناس بأن مطالب الله مرتفعة للغاية، وبأنها تفوق قدراتهم بالفعل. هذا ناتج عن عدم فهم الحق. إذا فهمتم الحق فعلًا ورأيتم طبيعة هذه المسألة، فستتمكّنون من التعامل مع هذه المشكلة بالطريقة الصحيحة. لقد تأثّر الناس بالثقافة التقليدية لآلاف السنين. وقد تجذّرت فلسفات الشيطان وقوانينه للسلوك الذاتي بالفعل في قلوب الناس. أنت تعيش وفقًا لهذه الأفكار، فما الذي عشته بالضبط؟ هل عشت الإنسانية الطبيعية؟ هل عشت حياةً حقيقيةً؟ من الجدير بك أن تعرف وتُشرِح هذه المسألة. عليك أن تتأمل في ما اكتسبته من الثقافة التقليدية وفلسفات الشيطان وآراءه، وفيما إذا كانت هذه الأشياء حقًا هي الحق، وفيما تجلبه لك. ثم عليك أن تعقد شركةً حول تلك الأمور وتُشرِّحها وفقًا لكلام الله. إذا فعلت ذلك، سيكون من السهل عليك اكتشاف الحق. وما إن تفهم الحق وتدرك مقاصد الله، سترى أن متطلبات الله من الناس كلها أشياء يمكن لضمير الإنسان وعقله تحقيقها. وبالطبع لن تشكوا بعد ذلك من أن الله يطلب الكثير من الإنسان، بل ستقول: "نحن نفهم المبادئ؛ ولدينا طريق للممارسة، ونحن نفهم كيف نتعامل مع تلك الأشياء". وبهذه الطريقة، ستدخل في واقع كلام الله تدريجيًا، هذه هي عملية فهم الحق.
معرفة النفس أمر بالغ الأهمية في دخول واقع الحق. معرفة النفس تعني معرفة أي أشياء في أفكارنا وآرائنا لا تنسجم مع الحق بالأساس، وتنتمي إلى شخصية فاسدة، وعدوانية تجاه الله. من السهل اكتساب فهم بالشخصيات الفاسدة للإنسان، مثل الغطرسة، والبر الذاتي، والكذب، والخداع. ويمكنك معرفتها بعض الشيء ببساطة بعقد شركة عن الحق بضع مرات أو من خلال عقد شركات متكررة، أو بلفت النظر إلى حالتك من قِبل إخوتك وأخواتك. وعلاوة على ذلك، فإن الغطرسة والخداع موجودان في كل شخص، ويتفاوتان فقط في الدرجة، لذا فمن السهل نسبيًا التعرف عليهما. لكن تمييز ما إذا كانت أفكار الشخص وآرائه تتماشى مع الحق أم لا أمر صعب، وليس بقدر سهولة معرفة الشخصيات الفاسدة للمرء. عندما يتغيّر سلوك المرء أو ممارساته الخارجية قليلًا، يشعر ذلك الشخص وكأنه قد تغيّر، لكن هذا في الواقع مجرد تغيّر سلوكي، ولا يعني أن نظرته إلى الأشياء قد تغيّرت حقًا. في أعماق قلوب الناس، لا تزال توجد الكثير من المفاهيم والتصورات، والأفكار المختلفة، والآراء، وسموم الثقافة التقليدية، والعديد من الأشياء العدوانية تجاه الله. هذه الأشياء مخفية داخلهم، لم يُكشف عنها بعد. إنها مصدر الكشف عن شخصياتهم الفاسدة، وهي تأتي من داخل جوهر طبيعة المرء. ولهذا السبب، عندما يفعل الله شيئًا لا يتماشى مع مفاهيمك، ستقاوم الله وتعارضه. لن تفهم لماذا عمل الله بهذه الطريقة، ورغم أنك تعلم أن هناك حق في كل ما يعمله الله وترغب في الخضوع، ستجد نفسك غير قادر على فعل ذلك. لماذا أنت غير قادر على الخضوع؟ ما سبب معارضتك ومقاومتك؟ السبب هو أن ثمة العديد من الأشياء في أفكار الإنسان وآراءه التي تكون عدوانية تجاه الله، وعدوانية تجاه المبادئ التي يعمل الله بها، وعدوانية تجاه جوهر الله. من الصعب على الناس اكتساب المعرفة بتلك الأشياء. وبما أنني قد عقدتُ شركةً حول هذه الكلمات، فينبغي أن تكونوا قادرين على اكتساب البصيرة وبعض الفهم. افترضوا أنه لديكم مفاهيم عن الله عندما يحدث شيء ما وتفكرون قائلين: "لا يمكن أن يكون هذا من عمل الله، لأنه لو كان من عمل الله لما فعله بهذه الطريقة، أو تكلّم بهذه الطريقة. كل ما يفعله الله هو حُبّ، ويسهل على الناس قبوله"، ولكنكم بعد ذلك تفكرون: "طريقة التفكير هذه خاطئة. قال الله من قبل إن هناك حق يجب طلبه حيثما لا يستطيع الناس الفهم. ينبغي أن أتأمل في نفسي، ﻷن المفاهيم والتصورات التي تثير المتاعب في قلبي هي التي تقودني إلى وضع حدود لعمل الله. لا ينبغي لي أن أسيء فهم الله"؛ هذه هي الطريقة الصحيحة لتتأمل في نفسك. متى ما رأيت عمل الله أو كلامه لا يتوفق مع مفاهيمك، ينبغي عليك حينئذٍ أن تتأمل في نفسك، وأن تُسرِع في طلب الحق في كلام الله، وأن تقيس نفسك بناءً عليه ثم تعمل وفقًا له. أليس هذا طريقًا للتقدّم؟
عقدنا للتو شركةً عن كيفية معاملة المرء لوالديه. يشعر العديد منكم بأنهم مدينون بالكثير لوالديهم، لأنهما عانيا كثيرًا من أجلك طيلة حياتهما، وأظهرا لك حبًا واهتمامًا كبيرين. إذا مرضا يومًا ما، فإن ضميرك يتكدّر وتشعر بأنك مُلام. فجأةً تتصور أنه يجب عليك البقاء مع والديك لتوفي بواجب البرّ بهما، ومواساتهما، وضمان أنهما سعيدان في شيخوختهما. تعتقد أن هذه مسؤوليتك والتزامك كابن لهما. وإذا طلب الله منك شيئًا أو أعطاك تجربةً غير متوقعة أثناء وفائك بهذا الالتزام، فإن مقصده أنه لا يجب أن تفعل ذلك، بل أن تؤمن بالله، وتؤدي واجبك جيدًا، وتسعى إلى الحق بوصفه المبدأ. ما الذي ستشعر به إذا طلب الله منك مباشرةً ألا تكون بارًا بوالديك أو تعاملهما بهذه الطريقة؟ سترى هذه المسألة من خلال عدسة المفاهيم التقليدية، وتشكو من الله في قلبك، ظانًا أنه فعل ذلك دون اعتبار لمشاعرك، وأن ذلك لا يوفي بواجب بر الوالدين. إنك تعتقد أنك تتصرّف بكل البرّ للوالدين، وبكل إنسانية وضمير، لكن الله لا يسمح لك بالتصرّف وفقًا لضميرك أو لواجب برّ والديك. عندئذٍ ستقاوم الله، وتتمرد عليه، وتعارضه، ولن تقبل الحق. أقول كل هذا كي يدرك الناس أن جذور وجوهر الطبيعة المتمردة للإنسان تأتي أساسًا من أفكار الناس وآرائهم، والتي تتشكَّل من خلال التعليم الذي يتلقونه من الأسرة والمجتمع، وكذلك من خلال الثقافة التقليدية. وبعد أن تُزرع تلك الأشياء عميقًا في قلوب الناس شيئًا فشيئًا، عبر الأعراف العائلية، أو تأثير المجتمع والتعليم الأكاديمي، يبدأ الناس في العيش وفقًا لها. سيبدأون دون وعي في الاعتقاد بأن هذه الثقافة التقليدية صحيحة، ولا غبار عليها، ولا يمكن انتقادها، وأنه بوسعهم أن يكونوا أناسًا حقيقيين فقط من خلال التصرّف وفقًا لمتطلبات الثقافة التقليدية. وإذا لم يفعلوا ذلك، سيشعرون بأنهم عديمو الضمير، ومخالفون للإنسانية ودون أي نصيب منها، وأنهم لن يتمكنوا من التعايش مع ذلك. أليست هذه الأفكار والآراء البشرية بعيدة جدًا عن الحق؟ إن الأشياء الموجودة في أفكار البشر وآرائهم، والأهداف التي يسعى الناس إليها، كلها موجَّهة نحو العالم، نحو الشيطان. أما مطلب الله من الإنسان بالسعي إلى الحق فهو موجَّه نحو الله، نحو النور. هذان اتجاهان مختلفان، وهدفان مختلفان. تصرّف وفقًا للأهداف التي أعطاها الله للإنسان ومطالبه من الإنسان، وستصبح إنسانيتك أكثر طبيعيةً، وستحظى بالمزيد من شبه الإنسان، وستقترب أكثر من الله. إذا تصرّفت وفقًا لأفكار وآراء الثقافة التقليدية، فستفقد ضميرك وعقلك أكثر وأكثر، وستصبح أكثر كذبًا وزيفًا، وستتبع توجهات العالم أكثر، وستصبح جزءًا من قوى الشر. عندها ستعيش في الظلام التام، تحت سيطرة الشيطان. ستكون قد انتهكت الحق بالكامل وخُنت الله.
الناس الذين يعيشون في هذا المجتمع الحقيقي قد أُفسدوا بعمق بواسطة الشيطان. وبغض النظر عمّا إذا كانوا متعلمين أو لا، فقدر كبير من الثقافة التقليدية مُتأصّل في أفكار الناس وآرائهم. النساء بصفة خاصة يُطلب منهن ملازمة أزواجهن وتربية أطفالهن، وأن يكُنّ زوجات صالحات وأمهات مُحبات، يُكرِّسن حياتهن بالكامل لأزواجهن وأطفالهن ويعشن من أجلهم، ويتأكّدن من أن الأسرة تأكل ثلاث وجبات مُشبعات يوميًا، وأن يقُمن بالغسيل والتنظيف وكل الأعمال المنزلية الأخرى بإتقان. هذا هو المعيار المقبول لكون المرأة زوجةً صالحةً وأمًا مُحبة. كل امرأة أيضًا تعتقد أن هذه هي الطريقة التي يجب أن تسير بها الأمور، وأنها إذا لم تفعل ذلك، فإنها ليست امرأةً صالحةً، وقد انتهكت الضمير والمعايير الأخلاقية. إن انتهاك هذه المعايير الأخلاقية سوف يُثقل ضمير بعض الناس؛ سيشعرن بأنهن قد خذلن أزواجهن وأطفالهن، وأنهن لسن نساء صالحات. لكن بعد أن تؤمني بالله، وتقرأي الكثير من كلامه، وتفهمي بعض الحقائق، وتري حقيقة بعض الأمور، ستقولين: "أنا كائن مخلوق ويجب أن أؤدي واجبي بوصفي كذلك، وأن أبذل نفسي من أجل الله". في هذا الوقت، هل هناك تضارب بين أن تكوني زوجةً صالحةً وأمًا مُحبة وبين أداء واجبكِ بوصفك كائنًا مخلوق؟ إذا كنتِ تريدين أن تكوني زوجةً صالحةً وأمًا مُحبة، فلن تتمكني من أداء واجبكِ بتفرّغ كامل، لكن إذا كنتِ تريدين أن تؤدي واجبكِ بتفرّغ كامل، فلن تكوني قادرةً على أن تكوني زوجةً صالحةً وأمًا مُحبة. ماذا تفعلين الآن؟ إذا اخترتِ أداء واجبكِ جيدًا وأن تكوني مسؤولةً عن عمل الكنيسة، وأن تكوني مخلصةً لله، فعليكِ التخلي عن كونكِ زوجةً صالحةً وأمًا مُحبة. ما قولكِ الآن؟ ما نوع النزاع الذي سينشأ في عقلكِ؟ هل ستشعرين بأنكِ قد خذلتِ أطفالكِ، وزوجكِ؟ من أين يأتي هذا الشعور بالذنب والقلق؟ عندما لا تؤدين واجبكِ ككائن مخلوق، هل تشعرين أنكِ قد خذلتِ الله؟ أنتِ لا تشعرين بأي شعور بالذنب أو باللوم ﻷنه ليس في قلبكِ وعقلكِ أدنى قدر من الحق. ما الذي تفهمينه إذن؟ الثقافة التقليدية وأن تكوني زوجةً صالحةً وأمًا مُحبة. وهكذا سينشأ مفهوم "إذا لم أكن زوجةً صالحة وأمًا مُحبة، فأنا لست امرأةً صالحة أو محترمةً" في عقلكِ. ستظلين مُقيّدةً ومُكبّلةً بهذا المفهوم من الآن فصاعدًا، وستظلين كذلك بهذه الأنواع من الأفكار حتى بعد أن تؤمني بالله وتؤدي واجبكِ. عندما يكون هناك تعارض بين أداء واجبكِ وأن تكوني زوجةً صالحةً وأمًا مُحبة، فعلى الرغم من أنك قد تختارين على مضض أداء واجبكِ، وربما تملكين بعض الإخلاص لله، فإنه لا يزال هناك شعور بالقلق واللوم في قلبكِ. لذا، عندما يكون لديكِ بعض الوقت الفائض أثناء أداء واجبكِ، ستبحثين عن فرص للعناية بأطفالكِ وزوجكِ، راغبةً في تعويضهم أكثر، وتقولين إنه لا بأس حتى إذا كان عليكِ أن تعاني أكثر، ما دمت مرتاحة البال. أليس هذا ناتجًا عن تأثير أفكار الثقافة التقليدية ونظرياتها حول كون المرأة زوجةً صالحة وأمًا مُحبة؟ أنتِ الآن مُشتتة الولاء، فمن ناحية تريدين أن تؤدي واجبكِ جيدًا، ومن ناحية أخرى تريدين أن تكوني زوجةً صالحةً وأمًا مُحبة. لكننا أمام الله لدينا مسؤولية واحدة وتكليف واحد ومَهمَّة واحدة: أن نؤدي واجب الكائن المخلوق جيدًا. هل أدّيتِ هذا الواجب جيدًا؟ لماذا انحرفتِ عن المسار مجددًا؟ أليس هناك حقًا أي شعور باللوم أو التأنيب في قلبكِ؟ ونظرًا لأن الحق لم يضع أساساته بعد في قلبك، ولم يسيطر عليه بعد، يمكنكِ أن تنحرفي عن المسار أثناء أداء واجبكِ. وعلى الرغم من أنكِ الآن قادرة على أداء واجبكِ، إلا أنكِ في الواقع لا تزالين تُقصِّرين بشدة في معايير الحق ومتطلبات الله. هل يمكنكِ الآن رؤية هذه الحقيقة بوضوح؟ ماذا يعني الله عندما يقول إن "الله مصدر حياة الإنسان"؟ هذا القول لجعل الجميع يدركون هذا: حيواتنا وأرواحنا جميعها تأتي من الله وخُلِقت من قِبله؛ ليس من قِبل والدينا، وبالتأكيد ليس من قِبل الطبيعة، ولكنها مُنحت لنا من الله. جسدنا وحده أتى من والدينا، كما يولد أطفالنا منّا، لكن مصيرهم بالكامل بيدي الله. إن قدرتنا على أن نؤمن بالله هي فرصة أعطاها الله لنا؛ إنها مُقدَّرة من قِبله، وهي نعمته. بالتالي ليس ثمّة حاجة لأن تؤدي واجباتكِ أو مسئولياتكِ تجاه أي شخص آخر؛ عليكِ فقط أن تؤدي واجباتكِ بوصفك كائن مخلوق تجاه الله. هذا ما يجب على الناس فعله قبل أي شيء آخر، الأمر الرئيسي الذي يجب القيام به باعتباره العمل الرئيسي في حياة المرء. إذا لم تؤدي واجبكِ جيدًا، فأنتِ لستِ كائنًا مخلوقًا جديرًا. في عيون الآخرين، قد تكونين زوجةً صالحةً وأمًا مُحبة، ربة بيت ممتازة، طفلة بارة، وفرد مستقيم في المجتمع، لكن أمام الله أنتِ شخص يتمرد عليه، شخص لم يؤدِ التزامه أو واجبه على الإطلاق، شخص تقبّل إرسالية الله لكنه لم يُكملها، شخص استسلم في منتصف الطريق. هل يمكن لشخص مثل هذا أن يربح استحسان الله؟ أناس مثل هؤلاء لا قيمة لهم. بغض النظر عن مدى كونكِ زوجةً وأمًا مثاليةً، أو مدى علوِّ معايير الأخلاق الاجتماعية لديك، أو مدى الاستحسان الذي تنالينه من الآخرين، فهذا لا يعني أنكِ تُطبّقين الحق، فما بالك بالخضوع لله. إذا كنتِ تنفرين من الحق وترفضين قبوله، فهذا يُثبت أنه ليس لديكِ ضمير أو عقل، ولا إنسانية طبيعية، وأنكِ شخص فقد الله تمامًا في قلبه. أليس هذا النوع من الأشخاص بعيد جدًا عن متطلبات الله؟ أولئك الذين لا يسعون إلى الحق على هذه الشاكلة، يعيشون دائمًا وفقًا لأفكار ونظريات الثقافة التقليدية، ويتبعون دومًا توجهات المجتمع، لكنهم لا يقبلون الحق ولا يمكنهم الخضوع لله. ألا يُعتبر هؤلاء الأشخاص معوزين وبائسين؟ أليسوا حمقى وجهلاء؟ هل كونكِ زوجةً صالحةً وأمًا مُحبة وامراةً طيبة محبوبةً أمرًا يستحق أن تتباهي وتفخري به؟
كل الأشياء التي يحملها الناس في قلوبهم تتعارض في الواقع مع الحق وهي عدوانية تجاه الله. يشمل هذا الأشياء التي نعتقد أنها إيجابية وصالحة، والأشياء التي تُعتبر صحيحة عمومًا. حتى أننا نرى هذه الأشياء على أنها الحق، على أنها احتياجات بشرية، وأشياء على الناس أن يدخلوا فيها. لكن بالنسبة لله، هي أشياء بغيضة. كم تبعد تلك الآراء التي يراها الإنسان صحيحةً عن الحقائق التي تكلّم بها الله، أو الأشياء التي يعتقد الإنسان أنها إيجابية؟ إنها مسافة بعيدة جدًا؛ مسافة لا يمكن قياسها. لذا، يجب أن نعرف أنفسنا، وكل شيء بدايةً من التعليم الأكاديمي الذي تلقيناه إلى مساعينا وتفضيلاتنا، ومن أفكارنا وآرائنا إلى الطُرُق التي نختارها ونسير فيها، كلها تستحق تنقيبًا وتشريحًا عميقين. بعضها موروث من عائلة الإنسان؛ وبعضها يأتي من التعليم الذي تلقاه المرء؛ وبعضها يأتي من تأثير البيئات الاجتماعية والتعوّد عليها؛ بعضها يُتعلَّم من الكتب؛ وبعضها يأتي من تصوراتنا ومفاهيمنا. وهذه هي الأشياء الأكثر ترويعًا، ﻷنها تهيمن على عقولنا، وتتحكّم في دوافع ونوايا وأهداف أفعالنا. كما أنها تُقيِّد كلماتنا وأفعالنا وتتحكّم فيها. وإذا لم نكتشف تلك الأشياء ونرفضها، فإننا لن نقبل أبدًا كلام الله بالكامل، ولن نقبل أبدًا متطلباته ونُطبِّقها بلا تحفّظ. فما دمت تُضمِر أفكارك وآرائك الخاصة، والأشياء التي تعتقد أنها صحيحة، فإنك لن تقبل أبدًا كلام الله بلا تحفّظ، ولن تُطبِّقه في هيئته الأصلية؛ ستُعالج بالطبع كلام الله في قلبك، وستُطبِّقه فقط بعد أن تجعله يتوافق مع مفاهيمك. هذا هو ما ستفعله، وهذه هي الكيفية التي سوف "تساعد" بها الآخرين، بأن تقودهم إلى الأشياء وفقًا لطريقتك. ستبدو كما لو كنت تُطبِّق كلام الله، لكن ما تُطبِّقه سيكون غشّ بشري. لن تعرف هذا، وستظن أنك تمارس الحق، وأنك قد دخلت بالفعل في واقع الحق، وأنك قد ربحت الحق بالفعل. أليس هذا تكبرًا وبرًا ذاتيًا؟ أليست هذه الحالة شيئًا مخيفًا؟ إذا لم يكن الناس مدققين في ممارسة الحق، فستحدث الانحرافات. فإذا كان المرء يعتمد دومًا على تصوراته لتطبيق كلام الله، فإنه لن يكون غير ممارس للحق فحسب، بل لن يمكنه أيضًا تحقيق الخضوع لله. وإذا كان هدف المرء هو الدخول في واقع الحق، فيجب عليه أن يتأمّل في المفاهيم والتصورات الموجودة فيه، وكذلك يتأمل في أي من آراءه لا يتوافق مع الحق. عند تشريح هذه الأمور، لن تكفي كلمة أو كلمتين لشرحها بالكامل أو لجعلها واضحةً. بشكل طبيعي، هناك العديد من المسائل الأخرى في الحياة مثل هذه. ومثل أكثر من مائة من سموم الشيطان التي جُمِعت في الماضي؛ قد تكون فهمت الكلمات والعبارات، ولكن هل قِست نفسك عليها؟ هل تأمّلت فيها؟ ألم تشارك أيضًا في هذه السموم؟ ألا تعكس هذه السموم أيضًا طريقة تفكيرك؟ عندما تقوم بالأشياء، ألا تتصرف أيضًا وفقًا لهذه السموم؟ يجب أن تنقب بعمق في اختبارك الشخصي، وأن تقيسه وفقًا لتلك الكلمات. إذا كنت فقط تقرأ كلام الله الذي يكشف سموم الشيطان مجرد قراءة عابرة، أو إذا كنت تفكّر ببساطة فيه، مُقرًا بأن تلك الأشياء هي بالفعل سموم، وأنها بالفعل تفسد الناس وتؤذيهم، ثم تضع كلام الله جانيًا، فلن تكون لديك طريقةً لمعالجة شخصيتك الفاسدة. يقرأ الكثير من الناس كلام الله ولا يربطونه بالواقع. إنهم ببساطة يقرأون الكلام قراءةً عابرةً، وما داموا يفهمون معناه الحرفي، يعتقدون أنهم قد فهموا كلام الله، أو حتى فهموا الحق. ومع ذلك فإنهم لا يتأملون أبدًا في شخصياتهم الفاسدة، وعندما يعرفون أنهم يكشفون عن الفساد، فإنهم لا يطلبون الحق لمعالجته. هم يقنعون فقط بالاعتراف بأن جميع الحالات التي يكشفها كلام الله حقيقية وأنها تكشف عن الشخصيات الفاسدة، ويتوقفون عند هذا الحد. هل يمكن لمن يقرأ كلام الله بهذه الطريقة أن يعرف نفسه حقًا؟ هل يمكنه التخلص من شخصيته الفاسدة؟ كلا بالطبع. معظم الناس الذين يؤمنون بالله يفعلون ذلك بهذه الطريقة، ونتيجةً لهذا، لا يرون تغييرًا في شخصياتهم بعد عشر أو عشرين سنة من الإيمان. والسبب الجذري وراء ذلك هو أنهم لا يبذلون جهدًا في كلام الله، ولا يمكنهم قبول الحق والخضوع له في قلوبهم. إنهم فقط يتبعون الأنظمة في ممارستهم ويتجنبون ارتكاب الشر العظيم، وبهذا يعتقدون أنهم يمارسون الحق. أليس هناك انحراف في ممارستهم؟ هل ممارسة الحق بهذه البساطة؟ الناس كائنات حيّة وكلهم لديهم أفكار؛ وبصفة خاصة، كل الناس لديهم شخصيات فاسدة مُتجذِّرة بعمق في قلوبهم، ولديهم أفكار وآراء مختلفة نشأت عن سيطرة طبيعتهم الشيطانية. جميع هذه الأفكار والآراء هي إعلانات عن شخصية شيطانية. إذا لم يستطع الناس تشريح هذه الأشياء ومعرفتها بناءً على حقيقة كلام الله، فلا سبيل لديهم لمعرفة جوهرهم الفاسد، ولا يمكن تطهير شخصياتهم الفاسدة. لماذا يكون أولئك الذين لا يقبلون الحق متكبرون للغاية وبارون في أعين أنفسهم وعنيدون؟ لأن لديهم جميعًا أفكار وآراء مختلفة حول أشياء مختلقة، ولديهم جميعًا بعض الأفكار والنظريات التي تُرشدهم، لذا يشعرون أنهم على حق، وينظرون إلى الآخرين بازدراء، وهم متكبرون وبارون في أعين أنفسهم وعنيدون. ومهما عقَد الآخرون شركات معهم عن الحق، فإنهم يكونون غير راغبين في قبوله؛ إنهم يواصلون العيش وفقًا للأفكار والآراء التي بداخلهم، لأن تلك الأفكار والآراء قد أصبحت حياتهم بالفعل. والحقيقة هي أن كل شيء تفعله، ثمّة فكرة أو رأي بداخلك يوجّهك إلى كيفية القيام به، وإلى الاتجاه الذي تفعله به. إذا لم تكن واعيًا لهذا، فعليك أن تتأمل في نفسك كثيرًا، ومن ثم ستعرف ما هي الأفكار والآراء بداخلك التي تتحكّم في أفعالك وأعمالك. وبطبيعة الحال، إذا كنت ستفحص أفكارك وآرائك الآن، فستشعر أنه لا شيء فيها عدواني تجاه الله، وأنك صادق ومخلص، وأنك تؤدي واجبك طوعًا، وأن بإمكانك نبذ الأشياء وبذل نفسك من أجل الله. ستشعر أنك تبلي بلاءً حسنًا في كل هذه الجوانب. ولكن عندما يصبح الله جادًا حقًا معك، عندما يجعلك تفعل شيئًا لا يتماشى مع مفاهيمك، شيئًا لا ترغب في القيام به، كيف ستتعامل مع هذا الشيء؟ حينئذٍ ستُكشف أفكارك، وآرائك، وشخصياتك الفاسدة، مثل الماء الذي يتدفق من الحوض المفتوح؛ ليس بوسعك التحكم فيه مهما فعلت. سيمنعك هذا من ممارسة الحق والخضوع لله. ستقول: "لماذا لا أستطيع التحكّم في نفسي؟ لا أريد أن أقاوم الله، فلماذا أفعل ذلك؟ لا أريد أن أدين الله، ولا أريد أن تكون لديَّ مفاهيم حول أفعاله؛ فلماذا أدين الله؟ لماذا لا تزال لديَّ تلك المفاهيم؟" حينئذٍ، عليك تتأمل في نفسك وتعرفها، وتفحص ما الذي يقاوم الله بداخلك، أو ما هو عدواني تجاه العمل الذي يقوم به الله الآن ويناقضه. إذا استطعت اكتشاف هذه الأشياء ومعالجتها وفقًا للحق في كلام الله، فستحقّق تقدّمًا في حياتك، وستكون شخصًا يفهم الحق.
يحكم الصين حزب سياسي ملحد، ويُعلَّم الشعب الصيني الإلحاد ونظرية التطور، مع مقولات شائعة من قبيل: "كل الأشياء تأتي من الطبيعة"، و"البشر يتحدَّرون من القردة". وبعد الإيمان بالله وقراءة كلامه، تعرف أن السماوات والأرض وكل الأشياء خلقها الله، بما في ذلك البشر، وكل شخص قادر على الإحساس في قلبه أن كلام الله هو الحق. كل ما في الطبيعة هو من خلق الله، ولم يكن ليأتي أي شيء إلى الوجود لولا خلق الله له. القول بأن البشر يتحدّرون من القردة لا يمكن تبريره على الإطلاق، ﻷنه على مدار تاريخ البشرية، لم يرَ أحد قردًا يتحول إلى إنسان. لا يوجد دليل على ذلك، وبالتالي فإن كل هذا من أكاذيب الشيطان وتدليسه. الذين يفهمون الحق يرفضون كلام الشيطان الإبليسية، والهرطقات، والمغالطات، ويؤمنون بالكتاب المقدس وكلام الله دون ذرة من الشك. لكن من المستحيل على أولئك الذين لا يحبون الحق أن يقبلوا بالكامل أن كلام الله هو الحق. قد يتساءل البعض: "لقد خلق الله الإنسان، لكن كيف؟ لماذا لم أرَ ذلك؟ أنا لا أؤمن بما لم أره". إن إيمانهم بالله قائم على ما يرونه بأم أعينهم. هذا ليس إيمانًا. الإنسان جاء من الله، والله قاد الإنسان خطوةً بخطوة حتى الآن، وكانت له السيادة دومًا على مصير الإنسان. هذه حقيقة. كشف الله عن كل هذه الأسرار في الأيام الأخيرة، قائلًا إن الإنسان لديه تقمّص وتناسخ، وأن حياة الإنسان وروحه منحة من الله وأتت منه. هذا هو الحق. لكن لأنك لا تقبل كلام الله هذا على أنه الحق، فمتى ما رأيت هذا الجانب من الحق، فإنك تقيسه مقابل أفكارك وآرائك الخاصة: "بما أن الإنسان لم يتحدّر من القردة، بل من الله، فكيف جاء الإنسان من الله؟ كيف منح الله الحياة للإنسان؟" إذا كنت لا تفهم الله، فستعتقد أنه من المستحيل أن يكون لدى الله القوة أو الحكمة أو السلطان لخلق الإنسان بنفخة واحدة أو كلمة واحدة. أنت لا تؤمن بأن هذا حقيقة، أو أن هذا هو الحق. عندما تكون لديك شكوك، تقاوم كلام الله هذا، وتقول إنك لا تصدّقه، ولكن قلبك في الواقع في حالة مقاومة وفي موقف معارضة. أنت لا ترغب في الاستماع عندما يتكلّم الله بتلك الكلمات، وتشعر بالعدوانية في قلبك، ولا يمكنك قول "آمين" على كلام الله. في الواقع، بالنظر إلى الحقائق، ليس علينا الاستقصاء عن كيف أو متى خلق الله الإنسان، أو من رأى ذلك، أو ما إذا كان بإمكان أي أحد أن يشهد على ذلك. لا يحتاج الناس لأن يدرسوا هذا. عندما يفهم الناس الحق حقًا، ويعرفون أعمال الله، سيتمكّنون من الشهادة بأنفسهم. ما القضية الرئيسية التي يجب عليهم أن يركّزوا عليها الآن؟ إنها معرفة عمل الله. لقد كان الله من البدء إلى النهاية يقوم بعمله في تدبير الإنسان وتخليصه بين البشرية. من البدء إلى النهاية، هناك إله واحد فقط يعمل، ويتكلّم، ويُعلَّ، م ويوجِّه البشرية. هذا الإله موجود. لقد تكلّم الله كلمات كثيرة جدًا الآن، وقد رأيناه وجهًا لوجه، وسمعنا صوته، وشهدنا عمله، وأكلنا كلماته وشربناها، وقبلنا كلماته فينا لتصبح حياتنا. وهذه الكلمات توجّهنا وتُغيّرنا باستمرار. هذا الإله موجود بالفعل. لذلك يجب أن نؤمن – كما قال الله – بحقيقة أن الله خلق البشرية، وحقيقة أن الله خلق آدم وحواء في البدء. وبما أنك تؤمن بأن هذا الإله موجود وأنك أتيت الآن أمامه، فهل لا تزال بحاجة لتأكيد بأن العمل الذي قام به يهوه هو عمل هذا الإله؟ إذا لم يكن هناك من يستطيع تأكيده ولم يشهد عليه أحد، ألن تُصدّق ذلك. أو بشأن العمل في عصر النعمة، ألن تصدّق أن يسوع كان الله المُتجسّد ﻷنك لم تره قط؟ إذا لم ترَ الله الحاضر شخصيًا يتكلّم أو يعمل أو يتجسّد في الجسد، ألن تصدّق ذلك؟ إذا لم ترَ هذه الأشياء أو لم يكن هناك شهود يؤكّدون هذه الأشياء، ألن تصدّقها كلها؟ هذا بسبب النظرة الكاذبة بسخف التي يحملها الناس داخلهم. إنه خطأ يرتكبه الكثير من الناس. لا بدّ لهم أن يروا كل شيء بأنفسهم، وإذا لم يروه، فإنهم لا يصدّقونه. هذا خطأ، إذا كان الشخص يعرف الله حقًا، فسيكون قادرًا على الإيمان بكلامه حتى دون رؤية الحقائق، وسيكون قادرًا على تأييد كلمته، وعندها فقط يكون ذلك النوع من الأشخاص الذين يفهمون الحق ولديهم إيمان حقيقي. والآن وقد رأينا كلمات الله تلك وسمعنا صوته، فإن ذلك يكفي ليمنحنا إيمانًا حقيقيًا وليجعلنا بالتالي نتبع الله ونُصدّق كل كلمة وكل الأعمال التي تأتي من الله. لا حاجة لنا للاستمرار في تحليل الأمور أو بحثها. أليس هذا هو نوع العقل الذي يجب أن يكون لدى الناس؟ لم يكن هناك أحد ليشهد عندما خلق الله البشرية، ولكن الله الآن أصبح جسدًا ليعبّر عن الحقائق ويُخلّص البشرية، وليقوم بعمل الله الفعلي، وليسير بين الكنائس ويعمل بين البشرية. أوليس الكثير من الناس لم يروا هذا؟ ليس كل شخص قادرًا على رؤيته، ولكنك تؤمن به. لماذا تؤمن به؟ ألا تؤمن به فقط لأنك تشعر أن كلام الله هو الحق وأن هذا هو الطريق الحق وعمل الله؟ أيمكنك رغم ذلك أن تقول: "في هذا المرحلة من عمل الله، سمعت الله يتكلم، ورأيت أيضًا كلام الله. من المؤكد أن هذا الكلام جاء من الله. لكن بشأن عمل الرب يسوع في الصلب، أنا لم أتحسّس علامات المسامير عليه، لذا لا أؤمن بحقيقة أنه صُلب. أنا لم أشهد العمل الذي قام به الله يهوه أثناء عصر الناموس، ولم أسمع النواميس عندما أعلنها. موسى وحده سمعها وكتب كُتب موسى الخمسة، لكنني لا أعرف كيف كتبها؟" هل الأشخاص الذين يقولون مثل هذه الأشياء في حالة عقلية طبيعية؟ إنهم عديمو الإيمان وليسوا أشخاصًا يؤمنون بالله حقًا. هذا يشبه تمامًا ما قاله بني إسرائيل: "هَلْ كَلَّمَ يَهْوَه مُوسَى وَحْدَهُ؟ أَلَمْ يُكَلِّمْنَا نَحْنُ أَيْضًا؟" (العدد 12: 2). كان ما يعنونه هو: "لن نستمع إلى موسى، يجب أن نسمعها من الله يهوه شخصيًا". مثلما قال الناس في عصر النعمة إنه ﻷنهم لم يروا ذلك شخصيًا بأم أعينهم، لم يصدّقوا أن يسوع صُلب أو أنه قام من بين الأموات. كان هناك تلميذ يُدعى توما أصرّ على تحسّس علامات مسامير يسوع. وماذا قال له الرب يسوع؟ ("لِأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا" (يوحنا 20: 29)). "طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا". ما معنى هذا حقًا؟ ألم يروا شيئًا حقًا؟ في الواقع، كل الأشياء التي قالها يسوع وكل العمل الذي عمله أثبت بالفعل أن يسوع كان الله، وبالتالي كان يجب على الناس أن يؤمنوا بذلك. لم يكن يسوع بحاجة إلى عمل المزيد من الآيات والعجائب، أو قول المزيد من الكلمات، ولم يكن الناس بحاجة إلى تحسّس علامات المسامير عليه ليؤمنوا. لا يعتمد الإيمان الحقيقي فقط على الرؤية، بل يظلّ الإيمان بالأحرى – مع التأكيد الروحي – حتى النهاية ولا يكون هناك شكّ أبدًا. توما كان أحد عديمي الإيمان الذين يعتمدون على الرؤية فقط. لا تكن مثل توما.
توجد بالفعل طائفة من الناس مثل توما في الكنيسة. هم يشكّون باستمرار في تجسّد الله، وينتظرون أن يرحل الله عن الأرض ويعود إلى السماء الثالثة، ويرون شخص الله الحقيقي كي يؤمنوا أخيرًا. إنهم لا يؤمنون بالله بسبب الكلمات التي نطق بها أثناء تجسّده. بحلول الوقت الذي يؤمن فيه هذا النوع من الناس، سيكون قد فات الأوان لكل شيء، وهذا هو الوقت الذي سيُدانون فيه من قِبل الله. قال الرب يسوع لتوما: "لِأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا". هذه الكلمات تعني أنه قد أُدين بالفعل من قِبل الرب يسوع وأنه عديم الإيمان. إذا كنت تؤمن حقًا بالرب وبكل ما قاله، فستكون مباركًا. وإذا كنت قد اتبعت الرب لفترة طويلة ولكنك لا تؤمن بقدرته على القيامة، أو أنه الله القدير، فإنك لا تمتلك إيمانًا حقيقيًا ولن تتمكّن من نيل البركات. يمكن نيل البركات فقط من خلال الإيمان، وإذا لم تؤمن، فلن تنالها. هل أنت قادر على الإيمان بأي شيء إذا ظهر الله لك، وسمح لك برؤيته، وأقنعك بشكل شخصي؟ كيف لك بوصفك كائنًا بشريًا أن تكون مؤهلًا لتطلب من الله أن يظهر لك شخصيًا؟ كيف لك أن تكون مؤهلًا لتجعل الله يخاطب إنسانًا فاسدًا مثلك شخصيًا؟ فضلًا عن ذلك، ما الذي يجعلك مؤهلًا لتطلب من الله أن يشرح لك كل شيء بوضوح قبل أن تؤمن؟ إذا كنت تمتلك عقلًا، فستؤمن بمجرد قراءة هذه الكلمات التي قالها الله. إذا كنت تؤمن حقًا، فلن يهم ما يفعله أو ما يقوله. بدلًا من ذلك، عندما ترى أن هذه الكلمات هي الحق، ستقتنع مائة بالمائة بأنها قد قِيلت من قِبل الله وأنه فعل تلك الأشياء، وستكون قد استعددت بالفعل لاتباعه حتى النهاية. يجب ألا تشكّك في هذا. الأشخاص الذين تملؤهم الشكوك هم مخادعون للغاية. إنهم ببساطة لا يمكنهم الإيمان بالله. إنهم يحاولون دائمًا فهم تلك الأسرار، وسوف يؤمنون فقط بعد أن يفهموها تمامًا. إن شرطهم للإيمان بالله هو الحصول على إجابات واضحة لهذه الأسئلة: كيف جاء الله المُتجسّد؟ متى وصل؟ كم يبقى قبل أن يرحل؟ أين سيذهب بعد أن يرحل؟ ما هي طريقة رحيله؟ كيف يعمل الله المُتجسّد، وكيف يرحل؟ … إنهم يريدون فهم بعض الأسرار؛ هم هنا للاستقصاء عنها، وليس لطلب الحق. هم يعتقدون أنهم لن يتمكنوا من الإيمان بالله ما لم يستطيعوا فهم هذه الألغاز؛ وكأن إيمانهم قد أُعيق. إنها لمشكلة أن يضمر هؤلاء الناس مثل هذا الرأي. وما إن تكون لديهم رغبة في البحث في بعض الأسرار حتى لا يبالوا بمنح أي اهتمام للحق أو احترام كلام الله. هل يمكن لمثل هؤلاء الأشخاص أن يعرفوا أنفسهم؟ معرفة النفس لا تتأتّى بسهولة لهم. هذا ليس من أجل إدانة نوع معيّن من الأشخاص. إذا لم يقبل أحد الأشخاص الحق ولم يؤمن بكلام الله، فليس لديه إيمان حقيقي. سيُركّز فقط على التدقيق الزائد في بعض الكلمات، والأسرار، والأمور التافهة، أو المشكلات التي لم يلاحظها الناس. لكن من الجائز أيضًا أن الله سوف ينيره يومًا ما، أو سيساعده إخوته وأخواته بعقد شركات منتظمة حول الحق، وسوف يتغيّر. وفي اليوم الذي يحدث فيه هذا، سيشعر أن آراءه السابقة كانت مُحرّفة للغاية، وأنه كان متكبرًا للغاية وظنّ أنه أعظم كثيرًا مما هو عليه، وسيشعر بالخزي. أولئك الذين لديهم إيمان حقيقي سيثقون بأي شيء يقوله الله دون أي شكوك، وعندما يكون لديهم اختبار ويرون أن كلام الله قد تحقّق كله وأُنجز، سيزداد إيمانهم قوةً. هذا هو نوع الأشخاص الذين لديهم فهم روحي، والذين يؤمنون بالحق ويقبلونه، والذين لديهم حقًا إيمان.
ربيع 2008